المملكة العربيّة
السّعوديّة
وزارة التّعليم العالي
الجامعة الإسلاميّة
(032)
كلّـيّة الدعوة وأصول الدين
قسم العقيدة
الفرق
بين الإسلام والإيمان
إعداد الطالب
أبو بكر
حمزة زكريا
إشراف
الشيخ
الأستاذ الدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي
العام
الجامعي: 1433-1434هـ.
منهجية
الدكتوراه
P
والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه، وبعد:
فالله الحكيم اللطيف بعباده شرَع لنا الإسلام
والإيمان والإحسان وجعلها مراتب للدين؛ فطلَب بذلك من القلب اعتقادت وأعمالا باطنة،
ومِن اللسان وبقية الجوارح أعمالا ظاهرة، وقسَّم عبيدَه الذين قبِلوا عن رسوله r ما جاء به إلى: مسلمين ومؤمنين ومحسنين،
فكان كلّ مؤمن مسلمًا، كما أنَّه لا بُدّ لأيِّ مسلمٍ من إيمان بالله يُصحح له
إسلامَه، ويتحقق به، وإلا صار الإسلام الظاهر نفاقًا.
فالعلاقة
بين مسمى الإسلام والإيمان الشرعيَين، في حال الاجتماع وفي حال الافتراق، وهل هما
اسمان لِمسمى واحد، أم لا؟ وغير ذلك، هو ما حملني على جمع هذه الأوراق المتضمنة
لشرح طائفة كبيرة من النصوص الشرعية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله r المتعلقة بذلك، وكذلك جمع تقريرات علماء
الإسلام (المتقدمين منهم والمتأخرين)، وأقوالِهم في المسألة، ومن ثَمَّ التأكيد
على القول المحقق الراجح، والذي تجتمع معه النصوص، وقال به العلماء المحققون.
فلفظتا الإسلام والإيمان في الشريعة
الإسلامية لَهما إطلاقان في حالتي الاجتماع والافتراق:
الحالة الأولى للإسلام: أن يُطلق على الإفراد غير مقترن
بذكر الإيمان, فهو حينئذ يراد به: الدين كله؛ أصوله وفروعه، من اعتقاداته وأقواله وأفعاله.
والإيمان كذلك إذا أُطلق على الإفراد غير مقترن بذكر الإسلام, فحينئذ يراد به: الدين
كله. ولكلٍّ منهما في هذا الإطلاق أمثلة كثيرة في الكتاب والسنة، سيأتي ذكر بعضها.
الحالة الثانية للإسلام: وهو أنْ يُطلق مقترنًا بالاعتقاد,
فهو حينئذ يراد به: الأعمال والأقوال الظاهرة. وأما الإيمان فإذا أُطلق مقرونًا
بالإسلام، فحينئذ يُفسر بالاعتقادات الباطنة فقط. فالحاصل: أنه إذا أُفرد كل من
الإسلام والإيمان بالذكر فإنه لا فرق بينهما حينئذ، بل كل منهما على انفراده يشمل
الدين كله. وإنْ فُرق بين الاسمين كان الفرق بينهما بمثل ما في حديث جبريل الجليل([1]).
لِهذا قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، وهو يُفسِّر هذه الآية: ﭽ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ ([2]): «هذه الآية الكريمة، قد اشتملت على جميع ما يجب الإيمان
به. واعلم أنَّ الإيمان الذي هو تصديق القلب التام، بهذه الأصول، وإقراره المتضمن لأعمال
القلوب والجوارح، وهو بهذا الاعتبار يدخل فيه الإسلام، وتدخل فيه الأعمال الصالحة كلها،
فهي من الإيمان، وأثر من آثاره، فحيث أطلق الإيمان، دخل فيه ما ذكر، وكذلك الإسلام:
إذا أطلق دخل فيه الإيمان، فإذا قرن بينهما، كان الإيمان اسما لما في القلب من الإقرار
والتصديق، والإسلام اسمًا للأعمال الظاهرة، وكذلك إذا جمع بين الإيمان والأعمال الصالحة»([3]).
وهذا فيه تقييد الكلام
وعدم إطلاقه، حيث إنَّ الإسلام والإيمان شيءٌ واحد عند الانفراد وعدم الاقتران؛
لشمول أحدهما معنى الآخر، وأما عند اقتران أحدهما بالآخر فيُفرق بينهما؛ حيث يُخص
الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة. ذلك أنَّ كل مؤمن مسلمٌ، وليس
كل مسلم مؤمنًا، فالمسلم قد يكون مؤمنًا في بعض الأحوال ولا يكون مؤمنًا في بعضها،
بينما المؤمن مسلمٌ في جميع الأحوال، وإذا حملتَ الأمر على هذا استقام لك تأويل
الآيات والأحاديث، واعتدل القول فيها ولم يختلف شيء منها، فيحصل به –لا بغيره- الجمع
بين نصوص الباب كلها.
وهذا التحرير وإنْ كان فيه ذكرًا لبعض
نتائج البحث في المسألة قبل التدرج إليها، إلا أنَّ مصاحبتَه مِن أول الأمر يُعين
كثيرًا على معرفة مراد الله من هذين اللفظين اللذين أنزلَهما تعالى وغلِط في فهمها
والوقوف على العلاقة التي بينهما كثيرٌ من الناس، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية
(ت:728هـ) في هذا الصدد: «وصَف الحواريين بالإيمان والإسلام؛
فقال تعالى: ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ المائدة: ١١١ ﭽ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭼ آل عمران: ٥٢ وحقيقة الفرق أنَّ الإسلام دين، (والدين) مصدرُ دان
يَدين دِينًا: إذا خضَع وذَلّ. "ودين الإسلام" الذي ارتضاه الله، وبعث به
رُسله: هو الاستسلام لله وحده؛ فأصلُه في القلب هو الخضوع لله وحده بعبادته وحده دون
ما سواه. فمَن عبَده وعبَد معه إلَهًا آخر لم يكن مسلمًا، ومَن لم يَعبُده بل استكبَر
عن عبادته لم يكن مسلمًا، والإسلام هو الاستسلام لله؛ وهو الخضوع له والعبودية له.
هكذا قال أهل اللغة: "أسلم الرجل" إذا استسلم؛ فـ"الإسلام" في
الأصل من باب العمل؛ عملِ القلب والجوارح. وأما "الإيمان" فأصله تصديقٌ وإقرارٌ
ومعرفةٌ؛ فهو من باب قول القلب؛ المتضمن عملَ القلب؛ والأصل فيه التصديق والعمل تابع
له، فلهذا فسَّر النبي r "الإيمان"
بإيمان القلب وبخضوعه؛ وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله. وفسَّر "الإسلامَ"
باستسلامٍ مخصوصٍ؛ هو المباني الخمس. وهكذا في سائر كلامه r يُفسِّرُ
الإيْمان بذلك النوع، ويُفِّسر الإسلام بِهذا، وذلك النوع أعلى. ولِهذا قال النبي r: "الإسلام علانيةٌ،
والإيمان في القلب"([4])؛ فإنَّ الأعمال الظاهرةَ يراها
الناس، وأما ما في القلب من تصديقٍ ومعرفةٍ وحُبٍّ وخشيةٍ ورجاءٍ، فهذا باطن؛ لكنْ
له لوازم قد تدل عليه، واللازم لا يدل إلا إذا كان ملزومًا، فلهذا كان من لوازمه ما
يفعله المؤمن والمنافق، فلا يدل. ... ففي حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة جميعًا
أنَّ النبي r قال:
"الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ. والمؤمن
من أمِنَه الناس على دمائهم وأموالِهم"([5])، ففسَّر المسلم بأمرٍ ظاهرٍ،
وهو سلامة الناس منه. وفسَّر المؤمن بأمرٍ باطنٍ، وهو أنْ يأْمَنُوه على دمائهم وأموالهم.
وهذه الصفة أعلى مِن تلك؛ فإنَّ مَن كان مأمونًا سلِمَ الناس منه؛ وليس كلّ مَن سلِمُوا
منه يكون مأمونًا؛ فقد يترك أذاهم وهم لا يأمنون إليه؛ خوفًا أنْ يكون ترَك أذاهم لرغبة
ورهبة؛ لا لإيْمان في قلبه. وفي حديث عبيد بن عمير عن عمرو بن عبسة، عن النبي r: أنَّ رجلا قال للنبي r: ما الإسلام؟ قال: "إطعام
الطعام، ولين الكلام". قال: فما الإيمان؟ قال: "السماحة والصبر"([6]). فإطعام الطعام عملٌ ظاهرٌ
يفعله الإنسان لِمقاصد متعددة، وكذلك لين الكلام، وأما السماحة والصبر فخُلقان في النفس
... وهكذا في سائر الأحاديث إنما يفسر الإسلام بالاستسلام لله بالقلب مع الأعمال الظاهرة»([7]).
ثم إنَّ المفهوم من مجموع نصوص الشارع
الحكيم الكثيرة في الباب، وهو قول المحققين: أنَّ الإسلام والإيمان والإحسان يتضح
أمرها بدوائر ثلاث بعضها في بعض؛ فدائرة الإسلام الأوسع، ومن داخلها دائرة الإيمان
التي في داخلها دائرة الإحسان، وأنّ الكفر هو الخروج عن دائرة الإسلام، لِهذا فقد
يخرُج إنسان من الإيمان ولا يدخل في الكفر المطلق، وقد عمل العلماء في رسم الدائرة لتقريب هذا الأمر،
فمن ذلك: ما صنعه الإمام أَبو جَعْفَرٍ مُحَمَّد بْن عَلِيِّ، بْنِ الحُسَيْن t الملقب
بالباقر، فقد سئل –رحمة الله عليه- عن قول رسول الله r: (لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ
السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)
([8])، فقال: «هَذَا الإِسْلاَمُ وَدَوَّرَ دَارَةً كَبيرَةً، وَهذَا
الإِيمَانُ وَدَوَّرَ دَارَةً صَغيرَةً فِي وَسْطِ الْكَبِيرَةِ، قَالَ: وَالإِيمَانُ
مَقْصُورٌ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِذَا زَنَى وَسَرَقَ خَرَجَ مِنَ الإِيمَانِ إِلَى الإِسْلاَمِ،
وَلاَ يُخْرِجُهُ مِنَ الإِسْلاَمِ إِلاَّ الْكُفْرُ بِاللَّهِ U»([9]).
وبعد: فالمقصود أنّ "مسألة
الإسلام والإيمان" مسألة عظيمة([10]) يجب جمع
نصوص الباب للوقوف على مراد الله ورسوله منهما، حتى يكون العبد على بيِّنة مِن
أمره، ويكون على القول الصحيح في المسألة وفي المسائل المترتبة عليها، إذْ كان في
المسألة عدة أقوال. ثم إنَّ معرفة دلالات الألفاظ عمومًا، وخصوصًا ألفاظ الكتاب
والسنة مِن أنفع الأمور، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وهو من أنفع الأمور في معرفة دلالة الألفاظ مطلقًا، وخصوصا ألفاظ الكتاب
والسنة، وبه تزول شبهات كثيرة؛ كثُر فيها نزاع الناس، من جُملتها: "مسألة الإيمان
والإسلام"، فإنَّ النزاع في مسماهما أول اختلاف وقع؛ افترقت الأمة لأجله، وصاروا
مختلفين في الكتاب والسنة، وكفَّر بعضُهم بعضًا، وقاتَل بعضُهم بعضًا، كما قد بسطنا
هذا في مواضع أخر؛ إذ المقصود هنا بيان شرح كلام الله ورسوله على وجهٍ يبين أنَّ الهدى
كلَّه مأخوذٌ من كلام الله ورسوله، بإقامة الدلائل الدالة، لا بذكر الأقوال التي تقبل
بلا دليل، وتُردّ بلا دليلٍ، أو يكون المقصود بِها نصْرُ غير الله والرَّسول؛ فإنَّ
الواجب أنْ يقصد معرفة ما جاء به الرّسول واتباعه، بالأدلة الدالة على ما بيَّنَه الله
ورسولُه»([11]).
ثم إنه لفهم صورة المسألة المبحوثة هنا (العلاقة بين الإسلام والإيمان) قبل
ذكر النصوص التي استدل بها كل فريق لنصرة قوله وما ارتآه أذكُرُ ثلاثة نقولات أبنِي
عليها خطة البحث:
فأولها:
ابن حزم الظاهري (ت:456هـ): حيث قال في العنوان الذي عقده لـ(لكلام في تسمية
المؤمن بالمسلم، والمسلم بالمؤمن، وهل الإيمان والإسلام اسمان لمسمى واحد ومعنى واحد،
أو لِمسميين ومعنيين؟): «ذهَب قومٌ إلى أنَّ الإسلام والإيمان اسمان واقعان على معنيين، وأنه قد يكون مسلم
غير مؤمن، واحتجوا بقول الله U: ﭽ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ الحجرات: ١٤ ، وبالحديث المأثور عن رسول الله r إذ قال له سعد: هل لك يا رسول الله في فلان؛ فإنه
مؤمن؟ فقال له رسول الله r: "أوَ مسلم"([12]). وبالحديث المأثور عن رسول
الله r إذ أتاه
جبريل r في صورة
فتى غير معروف العين؛ فسأله عن الإسلام، فأجابه بأشياء في جملتها: إقام الصلاة وإيتاء
الزكاة وأعمال أخر مذكورة في ذلك الحديث، وسأله عن الإيمان، فأجابه بأشياء من جملتها:
أنْ تؤمن بالله وملائكته([13]) ... . وذهب آخرون إلى
أنَّ الإيمان والإسلام لفظان مترادفان على معنى واحد، واحتجوا بقول الله U: ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ الذاريات: ٣٥ - ٣٦ ، وبقوله تعالى: ﭽ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭼ الحجرات: ١٧ »([14]).
وقد ذكر هنا قولين، ثم إنه قال لبيان رأيه في المسألة: «وقال تعالى: ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ الذاريات: ٣٥ - ٣٦ ، فهذا نصٌّ جليٌّ على أنّ الإسلام هو الإيمان، وقد وجَب قبلُ بِما
ذكرنا أنَّ أعمال البر كلها هي الإسلام، والإسلام هو الإيمان؛ فأعمال البر كلها إيمان،
وهذا برهان ضروري لا محيد عنه، وبالله تعالى التوفيق»([15]).
ثانيها: عن محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت: 548هـ)، حيث قال: «قد
ذكرنا معنى الإسلام، ونُفرق ههنا بينه وبين الإيمان والإحسان، ونبين ما المبدأ، وما
الوسط، وما الكمال؟ بالخبر المعروف في دعوة جبريل u
حيث جاء على صورة أعرابي ... –فذكر حديث جبريل المشهور([16])، ثم قال:- ففرق بالتفسير بين الإسلام والإيمان.
والإسلام قد يرِد بِمعنى الاستسلام ظاهرًا؛ ويشترك فيه المؤمن والمنافق. ... فإذا كان
الإسلام بِمعنى التسليم والانقياد ظاهرًا، موضع الاشتراك فهو المبدأ. ثم إذا كان الإخلاص
معه بأنْ يُصدق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويُقرّ عَقدًا بأنَّ القدر
خيره وشره من الله تعالى، بِمعنى: أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه:
كان مؤمنًا حقًّا. ثم إذا جَمع بين الإسلام والتصديق وقرن المجاهدة بالمشاهدة، وصار
غيبُه شهادة، فهو الكمال؛ فكان الإسلام مبدأ، والإيمان وسطًا، والإحسان كمالا»([17]).
ثالثها: ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728هـ): «صار الناس في الإيمان والإسلام على "ثلاثة
أقوال" فالمرجئة يقولون: الإسلام أفضل؛ فإنه يدخل فيه الإيمان. وآخرون
يقولون: الإيمان والإسلام سواء: وهم المعتزلة والخوارج([18])، وطائفة من أهل الحديث والسنة،
وحكاه محمد بن نصر عن جمهورهم، وليس كذلك. والقول الثالث: أنَّ الإيمان أكملُ
وأفضلُ، وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة في غير موضع، وهو المأثور عن الصحابة والتابعين
لهم بإحسان. ثم هؤلاء منهم من يقول: الإسلام مجرد القول والأعمال
ليست من الإسلام. والصحيح أنَّ الإسلام هو الأعمال الظاهرة كلها ... بيَّن أحمد أنَّ
الإسلام إذا كان هو الكلمة فلا استثناء فيها؛ فحيث كان هو المفهوم من لفظ الإسلام فلا
استثناء فيه، ولو أريد بالإيمان هذا كما يراد ذلك في مثل قوله: ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ النساء: ٩٢ فإنما أريد من أظهر الإسلام،
فإنَّ الإيمان الذي علقت به أحكام الدنيا هو الإيمان الظاهر؛ وهو الإسلام، فالمسمى
واحد في الأحكام الظاهرة»([19]).
خطة البحث:
ولتتضح مسألة (العلاقة بين الإسلام والإيمان)، ولتحقيق الحق، ورد ما خالفه،
فقد جعلتُ هذا البحث في ثلاثة مباحث، على النحو التالي:
المبحث الأول: القول بالفرق بين الإسلام والإيمان، وذكر حجته.
المبحث الثاني: قول الطائفة التي ترى أنَّ الإسلام والإيمان اسمان
لمعنى واحد، واحتجاجهم.
المبحث الثالث: القول الذي يرى أنَّ بين مسمى الإسلام والإيمان
عمومٌ وخصوصٌ، وأنَّهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، وترجيحه، ومناقشة
ما خالفه وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: القول الذي يرى أنَّ بين مسمى الإسلام
والإيمان عمومٌ وخصوصٌ، وأنَّهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
المطلب الثاني: ذكر أشهر أدلة الكتاب والسنة في العلاقة بين الإسلام
والإيمان، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: ذكر أشهر الأدلة
القرآنية في العلاقة بين الإسلام والإيمان.
المسألة الثانية: ذكر أشهر
الأدلة من السنة في العلاقة بين الإسلام والإيمان.
المطلب الثالث: ترجيح هذا القول، ومناقشة القولين قبله.
المبحث الأول: القول بالفرق بين
الإسلام والإيمان، وذكر حجته (؟؟):
قد تقدم حكاية هذا القول في كلام ابن حزم،
حيث إنَّ طائفة رأوا المغايرة التامة بين مسمى الإسلام والإيمان، بحيث رأى أصحاب
هذا القول أنه لا وجه لأي تداخل بينهما –شرعًا-، كما تقدم كذلك ذكر استدلالهم بآية
الحجرات، وسيأتي رده -ضمنًا- وبيان أن بينهما عمومًا وخصوصًا، وأنّ الإسلام أوسع
من الإيمان في آخر البحث.
المبحث الثاني: قول الطائفة التي ترى أنَّ الإسلام والإيمان
اسمان لمعنى واحد، واحتجاجهم:
قد قال باتحاد الإسلام والإيمان
طائفة الخوارج والمعتزلة، ولا حجة لهم ولا اعتبار لقولهم، كما أنه وُجد من أهل
العلم المعتبرين مَن قال به، إلا أنَّ مأخذه اختلف عن رأي أولئك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه
الله-: «صار الناس في الإيمان والإسلام على "ثلاثة
أقوال" فالمرجئة يقولون: الإسلام أفضل؛ فإنه يدخل فيه الإيمان. وآخرون
يقولون: الإيمان والإسلام سواء: وهم المعتزلة والخوارج، وطائفة من أهل الحديث والسنة،
وحكاه محمد بن نصر عن جمهورهم، وليس كذلك. والقول الثالث: أنَّ الإيمان أكملُ
وأفضلُ، وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة في غير موضع»([20]).
وهذا القول الذي عقدت له العنوان حكاه عن بعض أهل السنة الحافظ أحمد بن
إبراهيم الإسماعيلي (ت: 371هـ) فقال: «فكثير منهم قالوا: الإسلام والإيمان واحد، قال الله U: ﭽ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ آل عمران: ٨٥ ، فلو أن الإيمان غيره لم يُقبل. وقال: ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ الذاريات: ٣٥ - ٣٦ . ومنهم من ذهب إلى أن الإسلام مختص بالاستسلام لله والخضوع له والانقياد
لحكمه فيما هو مؤمن به كما قال: ﭽ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ الحجرات: ١٤ ، الآية]، وقال: ﭽ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭼ الحجرات: ١٧ ، وهذا أيضًا دليلٌ لِمن قال هما واحد»([21]).
هذه من الشُّبَه التي تشبث بها مَن قال بهذا القول، وسيأتي مناقشتها في آخر
البحث.
وهنا سأشير إلى أعيان هؤلاء الذين قالوا باتحاد معنى المسميين بذكر أسمائهم
والمواضع التي قرروا فيها هذا القول، فأقول:
قد قال بهذا القول (وهو عدم الفرق بين مسمى الإسلام والإيمان) أمير المؤمنين في الحديث
الإمام البخاري –رحمة الله عليه- في تراجم أبوابه للصحيح، حيث قال: «بَاب سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ:
عَنِ الإِيمَانِ وَالإِسْلاَمِ وَالإِحْسَانِ وَعِلْمِ السَّاعَةِ، وَبَيَانِ النَّبِيِّ
r لَهُ. ثُمَّ
قَالَ: (جَاءَ جِبْرِيلُ u يُعَلِّمُكُمْ
دِينَكُمْ) فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا. وَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ r لِوَفْدِ
عَبْدِ الْقَيْسِ مِنَ الإِيمَانِ»([22]). وسيأتي ذكر حديث وفد عبد القيس لاحقا.
قال
الحافظ في التعليق على الموضع: «قوله: باب سؤال جبريل عن الإيمان
والإسلام الخ) تقدم أنَّ المصنف يرى أنَّ الإيمان
والإسلام عبارة عن معنى واحد، فلما كان ظاهر سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام وجوابه
يقتضى تغايرهما، وأنَّ الإيمان تصديق بأمور مخصوصة، والإسلام إظهار أعمال مخصوصة: أراد
أنْ يَرُدّ ذلك بالتأويل إلى طريقته. قوله: (وبيان) أي: مع بيان أنَّ الاعتقاد والعمل
دين. وقوله: (وما بيَّن) أي: مع ما بين للوفد أنَّ الإيمان هو الإسلام»([23]).
ومن القائلين بهذا القول: الإمام محمد بن نصر المروزي (ت:294)، بل هو
من أشهر من انتصر له (للقول بأنَّ الإسلام والإيمان اسمان لمسمى واحد)، ودافع عنه
بكل ما أوتي من علم، وأسهب جدًّا في ذكر الاستدلالات على ذلك([24])، ورد على من لم يرَ رأيَه، حتى ذكر أنّ
ما ارتآه هو رأي الجمهور الأعظم من أهل الإيمان والحديث، حيث قال: «وقالت طائفة ثالثة([25]): وهم الجمهور الأعظم من أهل السنة والجماعة
وأصحاب الحديث الإيمان الذي دعا الله العباد إليه وافترضه عليهم هو الإسلام الذي جعله
دينًا وارتضاه لعباده ودعاهم إليه وهو ضد الكفر الذي سخطه فقال: {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ
الْكُفْرَ} وقال: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} وقال : {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ
أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ} وقال : {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ
لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} فمدح الله الإسلام بمثل ما مدح به
الإيمان وجعله اسم ثناء وتزكية فأخبر أن من أسلم فهو على نور من ربه وهدى وأخبر أنه
دينه الذي ارتضاه فقد أحبه وامتدحه ألا ترى أن أنبياء الله ورسله رغبوا فيه إليه وسألوه
إياه فقال إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل ذبيحه {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ
لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ} وقال يوسف : {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا
وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} وقال : {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ
يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَ} وقال : {وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ
فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا} وقال في موضع آخر: {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ
أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} إلى قوله : {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
. فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا} فحكم الله بأن من أسلم
فقد اهتدى ومن آمن فقد اهتدى فقد سوى بينهما قال أبو عبدالله وقد ذكرنا تمام الحجة
في أن الإسلام هو الإيمان وأنهما لا يفترقان ولا يتباينان من الكتاب والأخبار الدالة
على ذلك في موضع غير هذا فتركنا إعادته في هذا الموضع كراهية التطويل والتكرير غير
أنا سنذكر ههنا من الحجة في ذلك ما لم نذكره في غير هذا الموضع ونبين خطأ تأويلهم والحجج
التي احتجوا بها من الكتاب والأخبار التي استدلوا بها على التفرقة بين الإسلام والإيمان
، قال الله عز وجل : {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ
إِسْلاَمَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ
صَادِقِينَ} فدل ذلك على أن الإسلام هو الإيمان»([26]) .
وقال أبو عبد الله المروزي
أيضًا بعد ذكر حديث بناء الإسلام على خمس بعدة روايات: «فقد دل ذلك مَن عقل على أنَّ الإسلام كثيرٌ؛ لأنَّ البنيان أكثرُ من الأصل،
إنما هو بياض، والبنيان يكون الحيطان والبيوت والعلالي والغُرَف
والأبواب والجذوع والصفائح، وغير ذلك. وقد حُفظ في بعض هذه الأحاديث من شرائع الإسلام
ما لم يحفظ في بعض؛ فيُمكن أن يكون الذين قصروا عن حفظها كلها تعلموا الإسلام قبل أنْ
يُفرض من شرائعه ما حَفِظ غيرُهم. ويُمكن أن يكونوا حفظوه فأبدوا أساسَه وعُمَدَه ومعالِمَه،
وسكتوا عما يتبع ذلك. غير أنَّ ذلك كله وغير ذلك من شرائع الإسلام التي حفظها غيرهم
من الإسلام ليس لأحد أن يقول: ليس الإسلام إلا ما في حديث فلان دون غيره من الأحاديث،
حتى تقر بها كلها. وكذلك الإيمان لم يأتِ مُفسَّرًا بكماله في آية ولا آيتين، ولا حديث
ولا حديثين. وكذلك الصلاة والزكاة والحج والصوم لَم يأتِ شيءٌ من ذلك بكماله في آية
ولا آيتين، ولا حديث ولا حديثين. ألا ترى إلى ما يكتب الناس من الأحاديث في سنن كشريعة
منها ووجوهها؟ فكذلك الأحاديث التي تروى في الإيمان والإسلام كلها من الإيمان والإسلام
لا يجوز جحود شيء منها ولا دفعُه؛ لأنَّ الذي يجحد منها ويدفعُه، إنّما هو عن الذي
يقبل منه ويأتَمنه رسول الله r الذي فرض
الله عليك طاعتَه، وأمَرَك باتباعه؛ فالإسلام من الإيمان، والإيمان من الإسلام،
ويسمى الإسلام إيْمانًا، والإيمان إسلامًا ودينا وملة وبِرًّا وتقوى وإحسانًا وطاعة،
كل هذه الأسامي لازمة له»([27]).
ومن القائلين بهذا القول: الحافظ محمد بن إسحاق ابن منده (ت:395هـ) حيث دافع عن هذا القول بقوة: «ذكر الأخبار الدالة والبيان
الواضح من الكتاب أنَّ الإيمان والإسلام اسْمان لِمعنى واحد، وأنَّ الإيمان الذي دعا
الله العباد إليه وافترضه عليهم هو: الإسلام الذي جعله الله دينًا وارتضاه لعباده ودعاهم
إليه، وهو ضد الكفر الذي سخطه ولم يرضه لعباده»([28]).
ثم قال: «فقال الله U: ﭽ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭼ الزمر: ٧. وقال: ﭽ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﭼ المائدة: ٣. وقال: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭼ الأنعام: ١٢٥. وقال: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭼ الزمر: ٢٢.
فمدَح الله الإسلام بِمثل ما
مدح به الإيمان، وجعله اسم ثناء وتزكية، وأخبر أنَّ مَن أسلم فهو على نور من ربه وهدى،
وأخبر أنه دينه الذي ارتضاه.
ألا ترى أن أنبياء الله ورسله
رغبوا فيه إليه وسألوه إياه ... -فذكر إبراهيم وإسماعيل، ويوسف-، وقال: ﭽ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ آل عمران: ٨٥ وقال: ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ آل عمران: ١٩. وقال U: ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ إلى قوله: ﭽ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ البقرة: ١٣٢. وقال: ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﭼ آل عمران: ٢٠. وقال في موضع: ﭽ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ البقرة: ١٣٦ إلى قوله: ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ البقرة: ١٣٧.
فحكم الله U بأنَّ مَن
أسلم فقد اهـتدى، ومن آمَن فقد اهـتدى؛ فسوَّى بينهما.
وقال في موضع آخر: ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ الزخرف: ٦٩ وقال في قصة لوط: ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ الذاريات: ٣٥ - ٣٦. وقال: ﭽ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ القصص: ٥٣. وقال: ﭽ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ ([29]).
فدَلَّ ذلك على أنَّ مَن آمن
فهو مسلم، وأنَّ مَن استحق أحد الاسْمين استحق الآخر؛ إذا عمل بالطاعات التي آمن بها،
فإذا ترك منها شيئًا مُقرًّا بوجوبِها كان غير مستكمل. فإنْ جحَد منها شيئًا كان خارجًا
من جُملة الإيمان والإسلام. وهذا قول من جعل الإسلام على ضربين إسلام يقين وطاعة، وإسلام
استسلام من القتل والسبي، قال الله U: ﭽ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ وقال: ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ الحجرات: ١٤»([30]).
ثم إنه قد حكى هذا القول عن أكثر أهل السنة الحافظُ أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البر (ت: 463هـ)، -وليس كذلك([31])- فقال: «الذي عليه جماعة أهل الفقه والنظر أن الإيمان والإسلام سواء بدليل ما
ذكرنا من كتاب الله U قوله: ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ الذاريات: ٣٥ - ٣٦ وعلى القول بأنَّ الإيمان هو
الإسلام جمهور أصحابنا وغيرهم من الشافعيين والمالكيين، وهو قول داود وأصحابه وأكثر
أهل السنة والنظر المتبعين للسلف والأثر. ... وقال بهذا طوائف من عوام أهل الحديث،
وهو قول الشيعة، والصحيح عندنا ما ذكرت لك، وهو كله متقارب المعنى متفق الأصل وربما
يختلفون في التسمية والألقاب»([32]). وقد قال قبله: «وقد ذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أن الإيمان والإسلام
معنيان بهذا الحديث وما كان مثله»([33]).
المبحث الثالث: القول الذي يرى أنَّ بين مسمى الإسلام
والإيمان عمومٌ وخصوصٌ، وأنَّهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، وترجيحه،
ومناقشة ما خالفه، وفيه
ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: القول الذي يرى أنَّ بين مسمى الإسلام
والإيمان عمومٌ وخصوصٌ، وأنَّهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
المطلب الثاني: ذكر أشهر أدلة الكتاب والسنة في العلاقة بين الإسلام
والإيمان، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: ذكر أشهر الأدلة
القرآنية في العلاقة بين الإسلام والإيمان.
المسألة الثانية: ذكر أشهر الأدلة
من السنة في العلاقة بين الإسلام والإيمان.
المطلب الثالث: ترجيح هذا القول، ومناقشة القولين قبله.
المطلب الأول: القول الذي يرى أنَّ بين مسمى الإسلام والإيمان
عمومٌ وخصوصٌ، وأنَّهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا:
تقدم القول الأول والثاني في هذه المسألة،
وهما القولان المتقابلان، حيث يقول أحدهما باتحاد معنى مسمى الإسلام والإيمان،
فإنَّ الآخر يقول بعكس ذلك، حيث يقول إنَّ الإسلام حقيقة متغايرة تمامًا عن
الإيمان ولا علاقة بينهما. أما هذا القول (الثالث) فيقول بأنَّ بينهما عمومٌ
وخصوصٌ، فالإسلام –من جهة أهلة- أوسع من الإيمان، والإيمان من جهة نفسه أعم من
الإسلام؛ فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا، كما أنَّ النصوص الشرعية إذا جاء في
آحادها لفظة الإسلام فإنها تشمل معنى الإيمان، وهكذا الإيمان في حالة الإنفراد،
وإذا اجتمعا في نص واحد فُسِّر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالاعتقادات
الباطنة، وهذا القول هو الذي تأتلف به النصوص –كما أسبقتُ في المقدمة-، ويقرر هذا
ما يأتي في المطلب القادم.
لهذا فقد حكى الحافظ أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي (ت: 371هـ) عن كثير من أهل
السنة هذا القول فقال: «وقال كثيرٌ منهم: إنَّ الإيمان قول وعمل، والإسلام فعل ما فُرض على الإنسان
أنْ يفعله، إذا ذُكر كلُّ اسمٍ على حِدته مضمومًا إلى الآخر، فقيل: المؤمنون والمسلمون
جميعًا، أو مفردين أريد بأحدهما معنى لم يرد بالآخر، وإنْ ذُكر أحدُ الاسمين شمل الكُل
وعمهم»([34]).
ولقد أورد الإمام هبة الله اللكائي
(ت:418هـ) عن طائفة من السلف القول بالتفريق بين الإسلام والإيمان في الباب الذي
عقده وعنْوَنَ له بـ: (سياق ما روي عن النبي r في أن الإسلام أعم من الإيمان، والإيمان أخص منه) ([35])، وأورد بسنده إلى أحمد بن حنبل،
أنه قال: حدثني أبو سلمة الخزاعي أنَّ حماد بن زيد كان يفرق بين الإيمان والإسلام،
ويجعل الإسلام عامًّا والإيمان خاصًّا([36])، وقال أحمد أيضًا: الإيمان
غير الإسلام([37]).
وقال أبو عبد الله محمد بن
نصر المروزي (ت: 294هـ) -بعد ذكره لحديث: لا يزني الزاني برواياته الكثيرة وطرقه
العديدة: «اختلف أصحابنا في تفسير قول النبي r: "لا يزني الزاني حين
يزني وهو مؤمن" فقالت طائفة منهم: إنما أراد النبي r إزالة اسم
الإيمان عنه من غير أنْ يُخْرِجَه من الإسلام، ولا يزيل عنه اسْمه، وفرَّقوا بين الإيمان
والإسلام. وقالوا: إذا زنَى فليس بِمؤمن وهو مسلم، واحتجوا لتفريقهم بين الإيمان والإسلام،
يقول الله تبارك وتعالى: ﭽ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ فقالوا: الإيمان خاص يثبت الاسم به بالعمل بالتوحيد، والإسلام عام يثبت
الاسم به بالتوحيد والخروج من ملل الكفر، واحتجوا بحديث سعد بن أبي وقاص الذي»([38])، وقد سبق الحديث الذي أشار
إليه.
وهذا القول هو الصحيح، وقد أوده المروزي
لرده، مع أنه هو الحق الذي لا يجوز غيره.
المطلب الثاني: ذكر أشهر أدلة الكتاب والسنة في العلاقة بين
الإسلام والإيمان، وفيه مسألتان:
يكفي في تحقيق القول الراجح: أنْ أذكر أدلة
الكتاب والسنة الدالة على أنَّ الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا
اجتمعا، ويكون تحت مسألتين، على النحو التالي:
المسألة الأولى: ذكر أشهر الأدلة
القرآنية في العلاقة بين الإسلام والإيمان.
المسألة الثانية: ذكر أشهر
الأدلة من السنة في العلاقة بين الإسلام والإيمان.
المسألة
الأولى: ذكر أشهر الأدلة القرآنية في العلاقة بين الإسلام والإيمان:
أشهر هذه الأدلة من القرآن العظيم ما يأتي:
أولا: قوله
سبحانه: ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ [الذاريات: ٣٥ – ٣٦]
في المحرر الوجيز، قال ابن عطية: –رحمه الله- وهو يفسر آية الذاريات: «قال الرماني: الآية دالة على
أن الإيمان هو الإسلام»([39]). وهذا من القائلين بالقول الثاني المتقدم، وهو خطأ كما سيأتي.
لهذا قال الحافظ ابن كثير –رحمه الله-: « ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ ، وهم لوط وأهل بيته إلا امرأته.
ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ احتج بهذه الآية من ذهب إلى رأي المعتزلة، ممن لا يفرق بين مسمى الإيمان
والإسلام؛ لأنه أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين. وهذا الاستدلال ضعيف؛ لأنَّ هؤلاء كانوا
قومًا مؤمنين، وعندنا أن كل مؤمن مسلم لا ينعكس، فاتفق الاسمان هاهنا لخصوصية الحال،
ولا يلزم ذلك في كل حال»([40]).
ثانيًا:
قوله تعالى: ﭽ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ [الحجرات: ١٤]
قال ابن عطية: –رحمه الله-: «أمر الله تعالى نبيه r أن يقول لهؤلاء المدعين
في الإيمان لم تؤمنوا أي: لم تصدقوا بقلوبكم (ولكن قولوا أسلمنا). والإسلام يقال بمعنيين، أحدهما:
الدين يعم الإيمان والأعمال، وهو الذي في قوله: ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ آل عمران: ١٩ والذي في قوله r: "بني الإسلام على
خمس"([41]) والذي في تعليم النبي r لجبريل
حين قال له: ما الإسلام؟ قال: بأن تعبد الله وحده ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة
وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان([42])، والذي في قوله لسعد بن أبي
وقاص: "أو مسلمًا، إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليَّ منه" الحديث([43])، فهذا الإسلام ليس هو في قوله:
(ولكن قولوا أسلمنا). والمعنى الثاني للفظ الإسلام: هو الاستسلام والإظهار الذي يستعصم
به ويحقن الدم، وهذا هو الإسلام في قوله: (ولكن قولوا أسلمنا)، والإيمان الذي هو التصديق
أخص من الأول، وأعم بوجه»([44]).
والقول بأنَّ الذين قالوا آمنا في هذه
الآية منافقون وأنهم قالوا ذلك استعصامًا لدمائهم، وليسوا في الحقيقة مسلمون: خطأ
سيأتي رده في آخر البحث.
لهذا فقد قال الحافظ أبو الفداء ابن كثير: «يقول تعالى منكرا على الأعراب الذين أول ما دخلوا في
الإسلام ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم يتمكن الإيمان في قلوبهم بعد: ﭽ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ. وقد استفيد من هذه الآية الكريمة:
أنَّ الإيمان أخص من الإسلام، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، ويدل عليه حديث جبريل،
عليه السلام، حين سأل عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان([45])، فترقى من الأعم إلى الأخص،
ثم للأخص منه. ... فقد فرق النبي r بين المسلم
والمؤمن، فدل على أنَّ الإيمان أخص من الإسلام. وقد قررنا ذلك بأدلته في أول شرح كتاب
الإيمان من صحيح البخاري ولله الحمد والمنة. ودلّ ذلك على أن ذاك الرجل كان مسلما ليس
منافقًا؛ لأنه تركه من العطاء ووكله إلى ما هو فيه من الإسلام، فدل هذا على أنَّ هؤلاء
الأعراب المذكورين في هذه الآية ليسوا بمنافقين، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان
في قلوبهم، فادعوا لأنفسهم مقامًا أعلى مما وصلوا إليه، فأدبوا في ذلك. وهذا معنى قول
ابن عباس وإبراهيم النخعي، وقتادة، واختاره ابن جرير. وإنما قلنا هذا لأن البخاري،
رحمه الله، ذهب إلى أن هؤلاء كانوا منافقين يُظهرون الإيمان وليسوا كذلك. وقد روي عن
سعيد بن جبير، ومجاهد، وابن زيد أنهم قالوا في قوله: (وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا)
أي: استسلمنا خوف القتل والسبي. قال مجاهد: نزلت في بني أسد بن خزيمة. وقال قتادة:
نزلت في قوم امتنوا بإيمانهم على رسول الله r. والصحيح الأول؛ أنهم قوم ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم
يحصل لهم بعدُ، فأدبوا وأعلموا أنَّ ذلك لم يصلوا إليه بعد، ولو كانوا منافقين لعنفوا
وفضحوا، كما ذكر المنافقون في سورة براءة. وإنما قيل لهؤلاء تأديبًا:
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي –رحمه الله-: «يُخبر تعالى عن مقالة الأعراب،
الذين دخلوا في الإسلام في عهد رسول الله r، دخولا من غير بصيرة، ولا قيام بما يجب ويقتضيه الإيمان، أنهم ادعوا
مع هذا وقالوا: آمنا أي: إيمانًا كاملا مستوفيًا لجميع أموره، هذا موجب هذا الكلام،
فأمر الله رسوله، أن يرد عليهم، فقال: ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﭼ أي: لا تدعوا لأنفسكم مقام الإيمان، ظاهرًا، وباطنًا، كاملا. ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ أي: دخلنا في الإسلام، واقتصروا على ذلك. والسبب في ذلك، أنه ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ وإنما آمنتم خوفًا، أو رجاء، أو نحو ذلك، مما هو السبب في إيمانكم، فلذلك
لم تدخل بشاشة الإيمان في قلوبكم، وفي قوله: ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ أي: وقت هذا الكلام، الذي صدر
منكم فكان فيه إشارة إلى أحوالهم بعد ذلك، فإن كثيرًا منهم، من الله عليهم بالإيمان
الحقيقي، والجهاد في سبيل الله، ...»([47]).
هذه بعض الآيات القرآنية التي يُستدل بها
لذكر العلاقة بين الإسلام والإيمان، ويتشبث بها أيضًا الذين ينفون هذه العلاقة،
وستأتي الآيات الأخرى ضمنًا في الكلام القادم، كما أنه سيأتي الرد على بعض الشبهات
لاحقًا.
المسألة
الثانية: ذكر أشهر الأدلة من السنة في العلاقة بين الإسلام والإيمان:
فالأدلة الحديثية كذلك كالأدلة التي مرت
من القرآن؛ حيث إنَّ بعضها كحديث جبريل جاء فيه ما يقتضي المغايرة بين مسمى
الإسلام والإيمان، وذلك عند الإقتران، ومثل ذلك: حديث: أو مسلم" الآتي،
وحديث: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن مَن أمنه الناس على
أموالهم وأنفسهم" المتقدم تخريجه، وأمثالها الكثير. أما حيث جاء أحد اللفظين
فإنه يشمل الآخر، مثل حديث وفد عبد القيس الذي فسَّر النبي r
الإيمان بما فسَّر به الإسلام في حديث جبريل، وكحديث شعب الإيمان الذي فيه قول
القلب واللسان وعمل الجوارح وعمل القلب، وغير ذلك. وهنا ذكرٌ لبعض هذه النصوص من
السنة النبوية.
أولا: قال مسلم
بن الحجاج في أول صحيحه: حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، ...
فأورد حديث جبريل المشهور بسنده، وفيه: سؤاله عن الإسلام وعن الإيما، حيث قال فيه:
يَا مُحَمَّدُ! أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "الإِسْلاَمُ: أَنْ
تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ
الصَّلاَةَ وَتُؤْتِىَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ
إِلَيْهِ سَبِيلاً ". ... وفيه: أنه قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟
قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ". ..الحديث"([48]).
وهذا فيه: أنَّ لكل من الإسلام والإيمان
معنى يغاير معنى الآخر؛ ذلك أنهما اجتمعا، مثلهما مثل البر والتقوى، والفقير
والمسكين، والقضاء والقدر، وغير ذلك.
وقد أورَد الحديث الحافظ محمد بن إسحاق ابن منده (ت:395هـ) تحت عنوانين،
الأول منهما في العنوان الذي عقده لـ: (ذكر ما يدل على الفرق بين الإيمان والإسلام،
عن سؤال جبريل رسول الله r)([49]). والثاني تحت العنوان: (ذكر ما يدل على
أنَّ الإيمان والإسلام اسمان لمعنى واحد، وأنَّ الإسلام الإقرار باللسان والعمل بالأركان،
وأنَّ الإيمان اعتقادٌ بالقلب) ([50]).
ثانيًا: ومن الأدلة على ذلك: حديث سعد: فعَنه (سَعْد بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ)
t، أَنَّ رَسُولَ اللهِ r أَعْطَى
رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ r رَجُلاً هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ([51]) مُؤْمِنًا؟ فَقَالَ: "أَوْ
مُسْلِمًا؟ فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدْتُ
لِمَقَالَتِي، فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، فَوَ اللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا؟
فَقَالَ: "أَوْ مُسْلِمًا"، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ،
فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، وَعَادَ رَسُولُ اللهِ r، ثُمَّ قَالَ: "يَا سَعْدُ، إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ"([52]).
فائدة:
قال النووي: أما قوله
r "أَوْ مُسْلِمًا"
فليس فيه إنكار كونه مؤمنًا، بل معناه النهي عن القطع بالإيمان، وأنَّ لفظة
الإسلام أولى به؛ فإنَّ الإسلام معلومٌ بحكم الظاهر، وأما الإيمان فباطن لا يعلمه
إلا الله تعالى»([53]).
قال الحافظ ابن حجر: «في حديث الباب من الفوائد: التفرقة بين حقيقتي الإيمان
والإسلام، وترك القطع بالإيمان الكامل لمن لم ينص عليه»([54]).
وقال: «ثانيهما إرشاده إلى التوقف عن
الثناء بالأمر الباطن دون الثناء بالأمر الظاهر فوضح بهذا فائدة رد الرسول r على سعد
وأنه لا يستلزم محض الإنكار عليه، بل كان أحد الجوابين على طريق المشورة بالأولى، والآخر
على طريق الاعتذار»([55]).
وذكر النووي من فقه الحديث ومعانيه فقال: ففيه الفرق بين الإسلام والإيمان وفى هذه المسألة خلاف
وكلام طويل، وقد تقدم بيان هذه المسألة وإيضاح شرحها في أول كتاب الإيمان، وفيه دلالة
لمذهب أهل الحق في قولهم: إن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إذا اقترن به الاعتقاد بالقلب،
خلافًا للكرامية وغلاة المرجئة: في قولهم يكفى الإقرار، وهذا خطأ ظاهرٌ، يراه إجماع
المسلمين والنصوص في إكفار المنافقين وهذه صفتهم»([56]).
ثالثًا: تبين من الحديثين السابقين
التغاير بين الإسلام والإيمان، وأما إذا افترقا فيشمل أحدهما معنى الآخر، وهذا
الذي يظهر في الحديث الآتي –حديث وفد عبد القيس-
وهو الذي أشار إليه الإمام البخاري في آخر عنوان الباب الذي بيَّن رأيَه في
هذه المسألة –المتقدم-، وقد أخرج الحديث في مواضع من كتابه، ومنها: ما جاء في باب
أداء الخمس، وأنَّ ذلك من الإيمان، عن: ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ
لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ r قَال: مَنِ
الْقَوْمُ، أَوْ مَنِ الْوَفْدُ؟ قَالُوا: رَبِيعَةُ. قَالَ: مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ،
.. وفيه: أنهم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ
إِلاَّ فِي شَهْرِ الْحَرَامِ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَىُّ مِنْ كُفَّارِ
مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلْ بِهِ
الْجَنَّةَ، وَسَأَلُوهُ، عَنِ الأَشْرِبَةِ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ
عَنْ أَرْبَعٍ؛ أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، قَالَ: "أَتَدْرُونَ
مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ:
شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ
الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ
الْخُمُسَ، ... الحديث"([57]).
وأورَده الحافظ محمد بن إسحاق ابن منده (ت:395هـ) تحت العنوان الذي عقده
لـ: (ذكر قول النبي r
الوفد عبد القيس أتدرون ما الإيمان؟
ثم فسرها لَهم فقال: شهادة أن لا إله إلا الله»([58]).
قال الحافظ محمد بن إسحاق ابن منده (ت:395هـ): (ذكر ما يدل على أنَّ اسم الإيمان واقعٌ على من يصدق
بِجميع ما أتى به المصطفى r عن الله
نيَّة وإقرارًا وعملا، وإيْمانًا وتصديقًا ويقينًا، وأنّ مَن صدَّق ولَم يُقرّ بلسانه
ولم يعمل بجوارحه الطاعات التي أمر بها لم يستحق اسم الإيمان، ومَن أقرَّ بلسانه وعمل
بجوارحه ولم يُصدق بذلك قلبُه لم يستحق اسم الإيمان»([59]) فذكر حديث وفد عبد القيس برواياته.
قال الحافظ محمد بن إسحاق ابن منده (ت:395هـ): (ذكر الأخبار الدالة على الفرق بين الإيمان والإسلام
ومن قال بِهذا القول من أئمة أهل الآثار». ثم قال: قال الزهري: الإسلام
هي الكلمة والإيمان العمل. اهـ. روى أحمد بن حنبل عن منصور بن سلمة أن حماد بن زيد
كان يفرق بين الإسلام والإيمان فيجعل الإيمان خاصًّا والإسلام عامًّا، يعني أنَّ معرفة
الإيمان عند الله دون خلقه خاص له، والإسلام عامّ ... وقال عبد الملك الميموني سألت أحمد بن حنبل أتفرق بين الإيمان والإسلام؟
فقال لي: نعم، قلت له: بأي شيء تحتج؟ فقال لي قال الله U: ﭽ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ الحجرات: ١٤ قال: وأقول: مؤمن إن شاء الله، وأقول: مسلم ولا أستثني.
اهـ. وقال أبو جعفر محمد بن علي ووصف الإسلام فدور دائرة واسعة، فهذا الإيمان ودور
دائرة صغيرة وسط الكبيرة، فإذا زنا وسرق خرج من الإيمان إلى الإسلام، ولا يُخرجه من
الإسلام إلا الكفر بالله U. اهـ. وهذا مذهب جماعة من
أئمة الآثار واحتجوا بخبر عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة y. اهـ.»([60])، فذكر هذه الآثار بأسانيده.
رابعًا: ومن الأحاديث التي جاء ذكر
الإيمان بالانفراد وشمل معنى الإسلام: حديث أَبِى هُرَيْرَةَ t، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
r: "الإِيمَانُ بِضْعٌ
وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا: قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ
مِنَ الإِيمَانِ"([61]).
قال الحافظ ابن منده (ت:395هـ): «فأخبر أنَّ الإيمان ذو شعب أعلاها شهادة أن لا إله
إلا الله؛ فجعل أصله: الإقرار بالقلب واللسان، وجعل شعبه الأعمال، فالذي سمى الإيمان
التصديق هو الذي أخبر أنَّ الإيمان ذو شعب؛ فمَن لَم يُسمّ الأعمال شُعبًا من الإيمان
كما سماها النبي r ويجعل له
أصلا وشُعبا كما جعله الرسول r كما ضرب
الله المثل به كان مخالفًا له. وليس لأحدٍ أنْ يُفرق بين صفات النبي r للإيمان؛
فيؤمن ببعضها ويكفر ببعضها؛ لأن النبي r حين سأله جبريل u عن الإيمان: بدأ بالشهادة، وقال لوفد عبد القيس:
"أتدرون ما الإيمان؟ فبدأ بالشهادة، وهي الكلمة أصل الإيمان، والشاهد بلا
إله إلا الله: هو المصدق المقر بقلبه؛ يشهد بها لله بقلبه ولسانه، يبتدىء بشهادة قلبه
والإقرار به، ثم يثنِي بالشهادة بلسانه والإقرار به بنية صادقة، يرجع بها إلى قلبٍ
مُخلصٍ، فذلك المؤمن المسلم، ليس كما شهد به المنافقون، ... فكذبَهم؛ لأنَّهم
قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم. فالإسلام الحقيقي: ما تقدم وصفه وهو الإيمان،
والإسلام الذي احتجز به المنافقون من القتل والسبي هو: الاستسلام. وبالله التوفيق.
اهـ»([62]).
المطلب الثالث: ترجيح هذا القول، ومناقشة القولين قبله:
القول بأنّ العلاقة بين الإسلام والإيمان
علاقة الخصوص والعموم، وأنهما يدخلان في قائمة الألفاظ الشرعية التي إذا اجتمعت
تفرقت، وإذا افترقت اجتمعت هو القول الراجح، وهو الذي اجتمعت عليه النصوص. وأما
الرد على مَن سوَّى بين الإسلام والإيمان على كل حال، وهم أصحاب القول الثاني: فيُكتفى
فيه بذكر ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في المسألة وهو يرد على بعض شُبَه
القائلين بغير القول المحقق الراجح: «وأما قول من سوى بين الإسلام
والإيمان وقال: إن الله سمى الإيمان بما سمى به الإسلام؛ وسمى الإسلام بما سمى به الإيمان
فليس كذلك؛ فإن الله ورسوله قد فسَّر الإيمان: بأنه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله
واليوم الآخر. وبيَّن أيضًا أنَّ العمل بما أمر به يدخل في الإيمان، ولم يسم الله الإيمان
بملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت إسلاما؛ بل إنما سمى الإسلام الاستسلام له بقلبه
وقصده وإخلاص الدين والعمل بما أمر به كالصلاة والزكاة خالصًا لوجهه، فهذا هو الذي
سماه الله إسلامًا وجعله دينًا، وقال: ﭽ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ آل عمران: ٨٥ ولم يدخل فيما خص به الإيمان
وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله؛ بل ولا أعمال القلوب مثل: حب الله ورسوله،
ونحو ذلك؛ فإنَّ هذه جعلها من الإيمان، والمسلم المؤمن يتصف بها، وليس إذا اتصف بها
المسلم المؤمن يلزم أن تكون من الإسلام بل هي من الإيمان، والإسلام فرض، والإيمان فرض
والإسلام داخل فيه؛ فمن أتى بالإيمان الذي أمر به فلا بد أن يكون قد أتى بالإسلام المتناول
لجميع الأعمال الواجبة، ومن أتى بما يسمى إسلامًا لم يلزم أنْ يكون قد أتى بالإيمان،
إلا بدليل منفصلٍ، كما علم أن من أثنى الله عليه بالإسلام من الأنبياء وأتباعهم إلى
الحواريين كلهم كانوا مؤمنين، كما كانوا مسلمين، كما قال الحواريون: ﭽ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭼ آل عمران: ٥٢ وقال: ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ المائدة: ١١١ ولهذا أمرنا الله بهذا وبهذا
في خطاب واحد كما قال: ﭽ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﭼ البقرة: ١٣٦ - ١٣٧ وقال في الآية الأخرى: ﭽ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ آل عمران: ٨٥. وهذا يقتضي أنَّ كل من دان
بغير دين الإسلام فعمله مردودٌ، وهو خاسر في الآخرة؛ فيقتضي وجوب دين الإسلام، وبطلان
ما سواه، لا يقتضي أن مسمى الدين هو مسمى الإيمان؛ بل أمرنا أن نقول: ﭽ ﭤ ﭥ ﭼ وأمرنا أن نقول ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ فأمرنا باثنين؛ فكيف نجعلهما واحدًا؟ وإذا جعلوا
الإسلام والإيمان شيئًا واحدًا. فإما أن يقولوا: اللفظ مترادف؛ فيكون هذا تكريرًا محضًا،
ثم مدلول هذا اللفظ عين مدلول هذا اللفظ، وإما أن يقولوا: بل أحد اللفظين يدل على صفة
غير الصفة الأخرى؛ كما في أسماء الله وأسماء كتابه؛ لكن هذا لا يقتضي الأمر بهما جميعًا
ولكن يقتضي أن يذكر تارة بهذا الوصف وتارة بهذا الوصف؛ فلا يقول قائل قد فرض الله عليك
الصلوات الخمس والصلاة المكتوبة وهذا هو هذا. والعطف بالصفات يكون إذا قصد بيان الصفات
لما فيها من المدح أو الذم؛ كقوله: ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ الأعلى: ١ - ٣ لا يقال: صل لربك الأعلى ولربك
الذي خلق فسوى. وقال محمد بن نصر المروزي - رحمه الله – (فقد بيَّن الله في كتابه وسنة
رسوله أن الإسلام والإيمان لا يفترقان؛ فمن صدق بالله فقد آمن به ومن آمن بالله فقد
خضع له وقد أسلم له؛ ومن صام وصلى وقام بفرائض الله وانتهى عما نهى الله عنه فقد استكمل
الإيمان والإسلام المفترض عليه، ومن ترك من ذلك شيئًا فلن يزول عنه اسم الإيمان ولا
الإسلام، إلا أنه أنقص من غيره في الإسلام والإيمان من غير نقصان من الإقرار بأن الله
حق، وما قال حق لا باطل، وصدق لا كذب، ولكن ينقص من الإيمان الذي هو تعظيم لله وخضوع
للهيبة والجلال والطاعة للمصدق به وهو الله فمن ذلك يكون النقصان لا من إقرارهم: بأن
الله حق وما قال صدق) ([63]). فيقال : ما ذكره يدل على أنّ
من أتى بالإيمان الواجب فقد أتى بالإسلام؛ وهذا حق، ولكن ليس فيه ما يدل عن أنَّ من
أتى بالإسلام الواجب فقد أتى بالإيمان، فقوله: من آمن بالله فقد خضع له وقد استسلم
له حق؛ لكن أيُّ شيء في هذا يدل على أنَّ من أسلم لله وخضع له فقد آمن به وبملائكته
وبكتبه ورسله والبعث بعد الموت؟ وقوله: إن الله ورسوله قد بين أن الإسلام والإيمان
لا يفترقان: إنْ أراد أنَّ الله أوجبهما جميعًا ونهى عن التفريق بينهما، فهذا حق؛ وإنْ
أراد أنَّ الله جعل مسمى هذا مسمى هذا: فنصوص الكتاب والسنة تخالف ذلك، وما ذكر قط
نصًّا واحدًا يدل على اتفاق المسلمين. وكذلك قوله: من فعل ما أمر به وانتهى عما نهي
عنه فقد استكمل الإيمان والإسلام: فهذا صحيح إذا فعل ما أمر به باطنًا وظاهرًا ويكون
قد استكمل الإيمان والإسلام الواجب عليه، ولا يلزم أن يكون إيمانه وإسلامه مساويًا
للإيمان والإسلام الذي فعله أولوا العزم من الرسل كالخليل إبراهيم ومحمد خاتم النبيين
عليهما الصلاة والسلام، بل كان معه من الإيمان والإسلام ما لا يقدر عليه غيره ممن ليس
كذلك ولم يؤمر به. وقوله: من ترك من ذلك شيئًا فلن يزول عنه اسم الإسلام والإيمان إلا
أنه أنقص من غيره في ذلك. فيقال: إنْ أريد بذلك أنه بقي معه شيء من الإسلام والإيمان
فهذا حق، كما دلت عليه النصوص خلافًا للخوارج والمعتزلة، وإنْ أراد أنه يطلق عليه بلا
تقييد: مؤمن ومسلم في سياق الثناء والوعد بالجنة؛ فهذا خلاف الكتاب والسنة ... »([64]).
وبمثل هذه الأوجه قرر شيخ الإسلام ابن
تيمية الحق في المسألة ورد على الذين قالوا بأنَّ مسمى الإسلام والإيمان واحدًا،
كالإمام البخاري والإمام محمد بن نصر المروزي والحافظ ابن منده وابن حزم وغيرهم.
كما أنه ردَّ عليهم وعلى الذين المغايرة بين الإسلام والإيمان وأنه لا علاقة
بينهما البتة، فقد قال –رحمة الله عليه- أيضًا:
«وهنا أصل آخر: وهو أنَّه قد
جاء في الكتاب والسنة وصف أقوام بالإسلام دون الإيمان. فقال تعالى: ﭽ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ الحجرات: ١٤ ، وقال تعالى في قصة قوم لوط: ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ الذاريات: ٣٥ - ٣٦
وقد ظن طائفة من الناس أنَّ
هذه الآية تقتضي أن مسمى الإيمان والإسلام واحد. وعارضوا بين الآيتين؛ وليس كذلك؛ بل
هذه الآية توافق الآية الأولى لأن الله أخبر أنه أخرج من كان فيها مؤمنا وأنه لم يجد
إلا أهل بيت من المسلمين . وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين ولم تكن
من المخرجين الذين نجوا؛ بل كانت من الغابرين الباقين في العذاب، وكانت في الظاهر مع
زوجها على دينه، وفي الباطن مع قومها على دينهم خائنة لزوجها؛ تدل قومها على أضيافه.
كما قال الله تعالى فيها: ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ التحريم: ١٠. وكانت خيانتهما لهما في الدين لا في الفراش. ...
والمقصود أنَّ امرأة لوط لم تكن مؤمنة ولم تكن من الناجين المخرجين؛ فلم تدخل في قوله:
ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ الذاريات: ٣٥ وكانت من أهل البيت المسلمين
وممن وجد فيه، ولهذا قال تعالى: ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ الذاريات: ٣٦ . وبِهذا تظهر حكمة القرآن
حيث ذكر الإيمان لَمّا أخبَر بالإخراج، وذكر الإسلام لَمّا أخبر بالوجود. وأيضا فقد
قال تعالى: ﭽ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ الأحزاب:
٣٥ ففرق بين هذا وهذا. فهذه ثلاثة مواضع في القرآن.
وأيضًا فقد ثبت في الصحيحين: عن سعد بن أبي وقاص قال: أعطى رسول الله r رجالا ولم
يعط رجلا. فقلت: يا رسول الله أعطيت فلانًا وتركت فلانا وهو مؤمن. فقال: أو مسلم؟
قال: ثم غلبني ما أجد فقلت: يا رسول الله أعطيت فلانًا وفلانًا وتركت فلانًا وهو مؤمن؟
فقال: "أو مسلم؟ مرتين أو ثلاثًا. وذكر في تمام الحديث: أنه يُعطي رجالا
ويدع من هو أحبّ إليه منهم؛ خشية أنْ يكبهم الله في النار على مناخرهم"([65]). قال الزهري: فكانوا يرون أن
الإسلام الكلمة والإيمان العمل فأجاب سعدًا بجوابين: أحدهما: أنَّ هذا الذي شهدتَ له
بالإيمان قد يكون مسلمًا لا مؤمنًا. الثاني: إنْ كان مؤمنًا، وهو أفضل من أولئك فأنا
قد أعطي مَن هو أضعف إيمانًا؛ لئلا يحمله الحرمان على الردة فيكبه الله في النار على
وجهه. وهذا من إعطاء المؤلفة قلوبهم.
وحينئذٍ فهؤلاء الذين أثبت لَهم القرآن والسنة
الإسلام؛ دون الإيمان هل هم المنافقون الكفار في الباطن؟ أم يدخل فيهم قوم فيهم بعض
الإيمان؟ هذا مما تنازع فيه أهل العلم على اختلاف أصنافهم: فقالت طائفة من أهل
الحديث والكلام وغيرهم: بل هم المنافقون الذين استسلموا وانقادوا في الظاهر ولم يدخل
إلى قلوبهم شيء من الإيمان.
وأصحاب هذا القول قد يقولون:
الإسلام المقبول هو الإيمان؛ ولكن هؤلاء أسلموا ظاهرًا لا باطنًا؛ فلم يكونوا مسلمين
في الباطن ولم يكونوا مؤمنين. وقالوا: إن الله سبحانه يقول: ﭽ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ آل عمران: ٨٥. بيانه كل مسلم مؤمن فما ليس
من الإسلام فليس مقبولا يوجب أن يكون الإيمان منه. وهؤلاء يقولون: كل مؤمن مسلم وكل
مسلم مؤمن؛ إذا كان مسلمًا في الباطن. وأما الكافر المنافق في الباطن فإنه خارج عن
المؤمنين المستحقين للثواب باتفاق المسلمين. ولا يسمون بمؤمنين عند أحد من سلف الأمة
وأئمتها، ولا عند أحد من طوائف المسلمين. إلا عند طائفة من المرجئة وهم الكرامية الذين
قالوا: إنَّ الإيمان هو مجرد التصديق في الظاهر. فإذا فعل ذلك: كان مؤمنًا؛ وإنْ كان
مُكذِّبًا في الباطن، وسلموا أنه معذب مخلد في الآخرة. فنازعوا في اسمه لا في حكمه.
ومِن الناس من يحكي عنهم أنهم جعلوهم من أهل الجنة؛ وهو غلط عليهم. ومع هذا فتسميتهم
له مؤمنًا: بدعة ابتدعوها مخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، وهذه البدعة الشنعاء
هي التي انفرد بها الكرامية دون سائر مقالاتهم.
قال الجمهور من السلف والخلف: بل هؤلاء الذين وصفوا بالإسلام
دون الإيمان قد لا يكونون كُفارًا في الباطن بل معهم بعض الإسلام المقبول. وهؤلاء يقولون:
الإسلام أوسع من الإيمان؛ فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا. ويقولون: في قول النبي
r: "لا يزني الزاني
حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق -حين يسرق- وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر -حين يشربها-
وهو مؤمن"([66]) إنه يخرج من الإيمان إلى الإسلام،
ودوَّروا للإسلام دارة، ودوَّروا للإيمان دارة أصغر منها في جوفها، وقالوا: إذا زنى
خرج من الإيمان إلى الإسلام، ولا يُخرجه من الإسلام إلى الكفر. ودليل ذلك أن الله تبارك
وتعالى قال: ﭽ ﭽ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ الحجرات: ١٤ - ١٧ فقد قال تعالى: ﭽ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ وهذا الحرف –أي: لَمَّا- ينفى
به ما قرب وجوده وانتظر وجوده ولم يوجد بعد. فيقول لمن ينتظر غائبًا: أي: لَمَّا. ويقول
قد جاء، لَمّا يجيئ بعد. فلما قالوا: ﭽ ﮏ ﭼ قيل: ﭽ ﮒ ﮓ ﭼ بعد بل الإيمان مرجو منتظر
منهم. ثم قال: { وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم } أي : لا ينقصكم من أعمالكم المثبتة
(شيئا أي: في هذه الحال؛ فإنه لو أرادوا طاعة الله ورسوله بعد دخول الإيمان في قلوبهم
لم يكن في ذلك فائدة لهم ولا لغيرهم؛ إذ كان من المعلوم أنَّ المؤمنين يثابون على طاعة
الله ورسوله، وهم كانوا مقرين به. فإذا قيل لهم: المطاع يثاب والمراد به المؤمن الذي
يعرف أنه مؤمن لم يكن فيه فائدة جديدة.
وأيضًا: فالخطاب لهؤلاء المخاطبين
قد أخبر عنهم: لما يدخل في قلوبهم، وقيل لهم: ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﭼ فلو لم يكونوا في هذه الحال
مثابين على طاعة الله ورسوله لكان خلاف مدلول الخطاب، فبين ذلك أنه وصف المؤمنين الذين
أخرج هؤلاء منهم فقال تعالى: ﭽ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﭼ وهذا نعت محقق الإيمان؛ لا
نعت من معه مثقال ذرة من إيمان، كما في قوله تعالى: ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ الأنفال: ٢ – ٤، وقوله تعالى: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ النور: ٦٢
ومنه قوله r: " لا يزني الزاني
حين يزني وهو مؤمن". وأمثال ذلك. فدل البيان على أن الإيمان المنفي عن هؤلاء
الأعراب: هو هذا الإيمان الذي نفي عن فساق أهل القبلة الذين لا يخلدون في النار، بل
قد يكون مع أحدهم مثقال ذرة من إيمان، ونفيُ هذا الإيمان لا يقتضي ثبوت الكفر الذي
يُخلد صاحبه في النار. وبتحقق هذا المقام يزول الاشتباه في هذا الموضع، ويعلم
أنَّ في المسلمين قسمًا ليس هو منافقًا محضًا في الدرك الأسفل من النار، وليس هو من
المؤمنين الذين قيل فيهم: ﭽ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﭼ. ولا من الذين قيل فيهم: ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ فلا هم منافقون، ولا هم من هؤلاء الصادقين المؤمنين
حقًّا، ولا من الذين يدخلون الجنة بلا عقاب. بل له طاعات ومعاص، وحسنات وسيئات، ومعه
من الإيمان ما لا يُخلد معه في النار، وله من الكبائر ما يستوجب دخولَ النار. وهذا
القسم قد يسميه بعض الناس: الفاسق الملي، وهذا مما تنازع الناس في اسمه وحكمه. والخلاف
فيه أول خلاف ظهر في الإسلام في مسائل أصول الدين»([67]).
وأكبِر بهذا التحقيق من هذا العالم الجليل –رحمة
الله عليه-. ولِما أنَّه قد مرَّت شُبَه للقائلين بالقول الأول والثاني، ومرَّ
-ضمنًا- ذكر أوجه الرد عليها من كلام شيخ الإسلام خصوصًا هنا وهناك فإني أكتفي
بهذا. لكن المقصود هو أنْ يُعرف أنّ العلاقة بين الإسلام والإيمان هو علاقة العموم
والخصوص، والتداخل، وأنَّ الإسلام يشمل معنى الإيمان عند انفراده عنه، وكذلك
الإيمان، وأما إذا اجتمعا فإنه يُفرق بينهما بحمل الإسلام هو الأعمال الظاهرة
كالشهادتين والصلاة والزكاة والحج وغير ذلك، وحمل الإيمان بما في القلب من الإيمان
بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
هذا، والله تعالى أعلم، والحمد لله الذي
بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
([5]) أخرج الجملة الأولى من الحديث من طريق عبد بن عمرو: البخاريّ في
صحيحه، هكذا: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ
الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ
عَنْهُ".
أخرجه في كتاب الإيمان، بَابٌ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ،
رقم: 10، وكتاب الرقاق، باب الانتهاء عن المعاصي، رقم:6484. ورواه مسلم مختصرًا في
كتاب الإيمان، باب بَيَانِ تَفَاضُلِ الإِسْلاَمِ وَأَىِّ أُمُورِهِ أَفْضَلُ،
رقم: 40، وشواهد الجملة الأولى من الحديث عند مسلم عن جابر t
برقم: 41، وعن أبي موسى t
برقم: 42، وهو عند البخاري برقم:11 . أما الحديث باللفظ الذي أورده ابن تيمية هنا، فأخرجه
الإمام الترمذي عن أبي هريرة t هكذا:
قال رسول الله r:
"الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، والمؤمن
من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم" (جامع الترمذي: في كتاب الإيمان، باب
ما جاء في أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، برقم: 2627، وقال: حديث حسن
صحيح، وفي الباب عن جابر وأبي موسى وعبد الله بن عمرو.
([6]) أخرج هذا الحديث الإمام أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي بسنده
إلى عبيد بن عمير عن عمرو بن عبسة، وفي سنده ضعف لمقام محمد بن ذكوان، إلا أن بعض
جُمله صحيحة بشواهدها (انظر: كلام محقق تعظيم قدر الصلاة في ذلك، حديث رقم: 644،
ص401-402، وسلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها للألباني، ج2/ص91 وما
بعده، برقم: 551).
([9]) مسند إسحاق بن راهويه، بتحقيق: د. عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي، (ج1/ص387)، رقم الأثر: 418، ط1/1412هـ
مكتبة الإيمان، المدينة، وانظر: تعظيم قدر الصلاة للمروزي، ص337-338، برقم: 562،
وفي سند الأثر فضيل بْن يَسَارٍ الرافضي الكذاب، فلا يُعتمد عليه، كما قاله المروزي نفسه (ص384، قبل
حديث برقم: 615 مباشرة). وكتاب الإيمان: تأليف: الحافظ محمد بن إسحاق بن يحيى بن
منده، ط1/1401هـ، الجامعة الإسلامية، بتحقيق: د. علي بن محمد بن ناصر الفقيهي،
(ج1/ص311).
([10]) قد كتب عن مسألة الفرق بين الإسلام والإيمان جلة من العلماء
المتقدمين والمتأخرين، حيث بسّط فيها القول كل من الإمام محمد بن نصر في كتابه:
تعظيم قدر الصلاة، والحافظ ابن منده في كتابه كتاب الإيمان، وشيخ الإسلام في
الإيمان الكبير، والأوسط، وكذلك الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم، والباحث:
عادل بن محمد بن علي الشيخاني في كتابه: قواعد في بيان حقيقة الإيمان عند أهل
السنة والجماعة، ط1/1426هـ، أضواء السلف، ص262-326 (في واقع 64صفحة)، وغيرهم من
علماء التفسير وشراح الأحاديث.
([48]) صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب
الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى، وبيان الدليل على التبري ممن لا يؤمن بالقدر،
وإغلاظ القول في حقه، رقم: 8 من حديث ابن عمر عن أبيه ابن
الخطاب رضي الله عنهما. وقد جاء الحديث من طريق أبي هريرة t واتفق الشيخان في إخراجه (صحيح البخاري، كتاب
الإيمان، باب سؤال جبريل النبي r عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة،
رقم: 50، وصحيح مسلم، الكتاب والباب نفساهما، رقم: 9، و10).
([51]) إِنِّي لأَرَاهُ: هو بفتح الهمزة من لأراه أي: لأعلمه، ولا يجوز ضمّها؛
لسببين، أولا: أنه قال: غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ؛ ولأنه راجَع النبي r ثلاث مرات ولو لم يكن جازمًا باعتقاده لَما كرّر المراجعة، كما قاله
النووي (انظر: المنهاج في شرح صحيح مسلم، ص187). وانظر التعقيب عليه في: فتح
الباري لابن حجر، (ج1/431).
([52]) صحيح البخاري: كتاب الإيمان، بَابٌ إِذَا لَمْ يَكُنِ الإِسْلاَمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ،
وَكَانَ عَلَى الاِسْتِسْلاَمِ ، أَوِ الْخَوْفِ مِنَ الْقَتْلِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى
: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}.
فَإِذَا كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ : {إِنَّ الدِّينَ
عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ}. {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ
مِنْهُ، رقم: 27، وصحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب تَأَلُّفِ قَلْبِ مَنْ يَخَافُ عَلَى إِيمَانِهِ لِضَعْفِهِ
وَالنَّهْىِ عَنِ الْقَطْعِ بِالإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ، رقم: 150
(مختصرًا ومطولا)، ومطولا بعد حديث رقم: 1058.
No comments:
Post a Comment