المملكة العربيّة السّعوديّة
وزارة التّعليم العالي
الجامعة الإسلاميّة
(032)
كلّـيّة الدعوة وأصول الدين
قسم العقيدة
مقالةُ
الخوارجِ التي أجْمَعُوا عليها
-مع ذكر الرابط
بينها وبين ظاهرة الفكر الخارجي المعاصر-
إعداد الطالب
أبو بكر
حمزة زكريا
إشراف
الشيخ الدكتور سليمان
السحيمي
منهجية مرحلة الدكتوراه
العام الجامعي:
1433-1434هـ.
P
والصلاة والسلام على عبد
الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنَّ الخوارج افترقوا إلى أحزاب رئيسية كُبرى، مختلفة([1])؛ قيل: إنَّها أربع([2])، وقيل: إنَّها ستة([3])، وقيل: سبعة([4]). وقيل:
اثنتا عشر فرقة([5]).
وإلى فرق أُخْرَى فَرْعِيّة تندرج في الفرق
الكبيرة؛ ليصير المجموع (من الفرق الرئيسية والفرعية) عشرين فرقة([6])، وقيل: أكثر من ذلك([7]).
كما أنَّها وُجِدَت واستمرَّ
ويستمر خروجُها حتى يخرج الدجال في بقيتهم، وعلى هذا: فلا يُمكن حَصْرُ فِرَقِهم –والله أعلم-، فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله
عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ:
"يَنْشَأُ نَشْءٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا
خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ". قَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ:
"كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ، أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً، حَتَّى
يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمُ([8]) الدَّجَّالُ"([9]).
فقوله في الحديث: (كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ
...)، أي: ظهَرَت طائفة منهم. وقوله: (قُطِعَ) أي: استحق أنْ يُقطع، بل
وكثيرًا ما يُقطع ويُهلك وُيدمّر، كالحرورية حيث قطعهم ابنُ أبي طالب t. وأما لفظ: (أَكْثَرَ
مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً) في الحديث: فيحتمل أنْ يكون مقولة ابن عمر رضي
الله عنهما؛ فيكون سماع ابن عمر هذا الكلام من النبي r أكثر من عشرين مرة. ويحتمل
أن يكون من مقولة النبي r؛ فيكون المراد منه –والله
أعلم- أنَّ أهل الحق يُقاتلونهم ويقطعون دابرهم أكثرَ من عشرين مرة في كل قرن. ومع
ذلك يبقى منهم فرقة حتى يخرُج في عراضهم ومواجهتهم الدجال([10]).
وقد جاء أنه وبعدما قُتل طائفة كبيرة من
الخوارج، وذلك في عهد علي بن أبي طالب t وفرح بذلك، وقيل له: «الحمد
الذي أراح منهم العباد، قال: كلا والذي نفسي بيده إنَّ منهم لفي أصلاب الرجال،
وإنَّ منهم لَمَن يكون مع الدجال» ([11]).
وهذا الذي تقدم هو الذي جعل شيخَنا الشيخَ الدكتور غالب يقول: «عندما يريد الباحث حصر فِرَق الخوارج الأصلية منها أو
الفرعية يفاجأ بكثرة اختلاف العلماء في ذلك، وذلك لأنَّ كُتُب الفرق الإسلامية لم
تتفق –أبدًا- على تقسيم فِرَقهم الرئيسية أو الفرعية على عدد معيَّن، فنجد بعضهم
يعدُّها أربعًا، وبعضهم يعدُّها خَمسًا، وبعضهم يعدها سبعًا، وبعضهم ثماني، وآخرون
خمسًا وعشرين ... إلخ. وهكذا يتباين عددهم عند علماء الفرق، وهذا يعود بالطبع إلى
عوامل هامة، ومنها:
1- أنَّ الخوارج كانوا من
الفرق الثائرة المضطهدة من جهة خصومهم، وهم عامة الناس، الأمر الذي أدى إلى عدم
التمكن من الدراسة الدقيقة لفرقهم في عصر خروجهم.
2- أنهم هم أنفسهم ساهموا في
إخفاء أمرهم؛ بحيث أخفوا كتبهم عن أعين الناس، إما خوفًا عليها منهم، أو ضنًّا بها
عنهم، وهي قليلة جدًّا قلة فراغ الخوارج الذين وهبوا كل أوقاتهم للحرب أو الإعداد
لها على طول حياتهم.
3- أنهم لم ينعموا
بالاستقرار والهدوء الذي ينتج عنهما نظرهم في العلوم وتحقيقهم لمذهبهم وتأريخهم
لفرقهم المختلفة تأريخًا مضبوطًا يساعد على حصرها حصرًا صحيحًا.
4-
أنهم كانوا –كما قلنا سابقًا- سريعي التفرق؛ إذْ
حصول أقل سبب تافه كان كافيًا لتفرقهم إلى فرق. ولهذا تشعبت فرقهم، واختلط أمرها
على المؤرخين»([12]).
ثم ذكر أقوال مؤرخي الفرق المتقدمة عن
عددهم قولا قولا([13]). هذا،
وإنَّ اختلاف الخوارج وتفرقهم لأدنَى سببٍ وأتفهه مِن رحمة الله بالناس؛ فلو
اتّحدوا لكانوا كارثة على المسلمين الْمخالفين لَهم([14]).
ثُم
إنّه لبيان المقالات التي أجْمعت عليها كلمة الخوارج (القدامى والمعاصرين) جعلتُ
هذا البُحيِّث في مقدمة سابقة، وتَمهيد، ومبحثين، على النحو التالي:
التمهيد: إلْماحة عن نزعة الخروج.
المبحث الأول: مقالةُ
الخوارجِ التي أجْمَعُوا عليها.
المبحث الثاني: ذكر
الرابط بين مقالة الخوارج الْمُجمع عليها فِرقُهم وبين ظاهرة الفكر الخارجي المعاصر. فأقول وبالله تعالى
التوفيق:
التمهيد: إلْماحة عن نزعة الخروج:
نزعة الخروج قد بدأت بذرتُها الأولى على
عهد رسول الله r في قصة ذي الخويصرة
الشهيرة. وحصَلَ خُرُوجٌ غير رشيد عن الطاعة وعلى الإمام الخليفة عثمان t أدّى إلى مقتله مِن
قِبَل جماعة مِن الغوغاء ظُلمًا (انظر/ قصة قتله t من
الذين لطخ الله دماءهم بذلك مفصلة في: الشريعة للآجري، ص606). وقد استمرّ الفكر
الخارجي في أذهان حامليه دون أنْ يكون له حاملٌ، لا من الصحابة y؛ لا مِن طلحة والزُّبير،
ولا من عائشة y ولا من غيرهم، إلى أنْ
خَرَج كَفِكرٍ له اتجاهه السياسي وآراؤه الخاصة يُطلَق على تلك الطائفة التي
خَرَجت على جيش الإمام علي t، فقاتلهم في معركة
النهروان المعروفة.
هذا، وقد أورد شيخنا الدكتور
غالب –حفظه الله- خمسة أقوال في تحديد بدء نشأة الخوارج ثم ناقشها ورجح الرابع
منها، على النحو التالي: 1- الزّعم بأنّهم نشأوا في عهد رسول الله r، 2- في عهد عثمان t، 3-
ومثلهما الزعم بأنّهم نشأوا في عهد علي؛ بِخروج طلحة والزّبير وعائشة عليه y وحاشاهم، 4- القول الراجح: وهو أنهم خرجوا عن جيشه من الْمحكّمة.
5- والأخير هو قول بعض علماء الإباضية من أنهم خرجوا ابتداء من
سنة 64هـ، وهو قول غير مقبول ... (انظر: مناقشتها في: فرق معاصرة تنتسب إلى
الإسلام وبيان موقف الإسلام منها، ج1/232-234، وفي كتابه الآخر: الخوارج تاريخهم
وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها، 21-23)
فالخوارج هم أول الفرق ظهورًا، قال شيخ الإسلام –رحمه الله-: «وَلِهَذَا كَانَ
أَوَّلَ مَنْ فَارَقَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ: الْخَوَارِجُ الْمَارِقُونَ» (مجموع الفتاوى، (ج3/ ص349). وقال: «أَوَّلُ الْبِدَعِ ظُهُورًا فِي الإِسْلامِ، وَأَظْهَرُهَا ذَمًّا
فِي السُّنَّةِ وَالآثَارِ: بِدْعَةُ الحرورية الْمَارِقَةِ؛ .. وَأَمَرَ النَّبِيُّ
r بِقَتْلِهِمْ
وَقِتَالِهِمْ، وَقَاتَلَهُمْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ r مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ. وَالأَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ r مُسْتَفِيضَةٌ بِوَصْفِهِمْ وَذَمِّهِمْ، وَالأَمْرِ
بِقِتَالِهِمْ، قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ: صَحَّ الْحَدِيثُ فِي الْخَوَارِجِ مِنْ
عَشَرَةِ أَوْجُهٍ»
(مجموع الفتاوى، ج19/ ص70-71).
وهي طائفة وعيدية، خرَجَت
أوّل ما خرجَت على علِيّ بن أبِي طالب t وقت صفين رضُوا
بالتحكيم، ثم نادوا بكلمة حقّ أرادوا بِها باطلا (حكّمتَ الرّجال، لا حُكم إلا
لله)، وهي امتدادٌ طبيعِيٌ للثُّوّار على عثمان t، وتَعتمد أساسًا على الخروج على أئمة المسلمين، وغالبًا ما يكون
تحت شعارات الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن الظلم والجور والمنكر، والغيرة على
الدين وعلى مصالح الأمة.
وقد تقدم أنه لا قدوة لَهم في بِدَعهم من
الصحابة وأئمة الإسلام، بل قدوتُهم: مثيرو الفتنة وأهل المطامع ودُعاة الفرقة كذِي
الْخُوَيصرة وأضرابه (انظر: دراسات في الأهواء والفرق والبِدَع وموقف
السّلف منها (الخوارج..، ج2/ 11-13).
وقد
أحدثت هذه الطائفة دويًّا هائلا واضطرابًا وقلاقل ملموسة في التاريخ الإسلامي، قال
شيخ الإسلام –رحمه الله-: «وَالْخَوَارِجُ
هُمْ أَوَّلُ مَنْ كَفَّرَ الْمُسْلِمِينَ؛ يُكَفِّرُونَ بِالذُّنُوبِ، وَيُكَفِّرُونَ
مَنْ خَالَفَهُمْ فِي بِدْعَتِهِمْ، وَيَسْتَحِلُّونَ دَمَهُ وَمَالَهُ؛ وَهَذِهِ حَالُ
أَهْلِ الْبِدَعِ يَبْتَدِعُونَ بِدْعَةً وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا.
وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَتَّبِعُونَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَيُطِيعُونَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ؛ فَيَتَّبِعُونَ الْحَقَّ، وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ. وَأَوَّلُ
بِدْعَةٍ حَدَثَتْ فِي الإِسْلامِ بِدْعَةُ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ حَدَثَتَا فِي
أَثْنَاءِ خِلافَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَعَاقَبَ
الطَّائِفَتَيْنِ؛ أَمَّا الْخَوَارِجُ فَقَاتَلُوهُ فَقَتَلَهُمْ..»( مجموع الفتاوى، ج3/
279).
وأما لفظة الخوارج في كتب اللغة: فهي جمعُ خارجي، وهو مَن
فارق جنسه ونظائره، ورجل خرَج على سلطان أو رأيٍ، قال في القاموس: «الخوارج من
أهل الأهواء: لهم مقالة على حِدة؛ سُمُّوا به لخروجهم على الناس» ([15]).
أما اصطلاحًا: فإنّ هناك تعريفين للخوارج (عامًّا وخاصًّا)؛ فالتعريف
العام لكل مَن خرج، والخاص للفرقة الأولى منهم وهي المحكمة منهم: فأما العام:
فقد عرّف بهم الشيخ محمد بن عبد
الكريم الشّهرستاني فقال: «كلّ مَن خرَج على الإمام الحق الذي اتّفَقَت الجماعة عليه،
يسمى: خارجيًّا، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان بعدهم
على التابعين بإحسان؛ والأئمة في كلّ زمان»( الملل والنحل، (ج1/ ص195).
فمَن خرَج على الإمام الذي غلَب واستتب له
الأمر يُعدّ خارجيًّا.
والتعريف يتّجه إلى جَعْلِ كلّ خارجٍ على
إمامٍ، وفي أي زمن، خارجيًّا؛ فالذين خرجوا على علي من جيشه في صفين خوارج، ومثلهم
كُلّ مَن خرج على إمام حق إلى يرِث الله الأرض ومَن عليها.
وتُعرّف (الخوارج) بتعريف
أقرب لتعريفها كفِرقة من الفرَق: «كُلّ مَن خرَج على الإمام وعلى الجماعة الْمسلمة
بالسيف، للدعاء إلى معتقده؛ وكان خُرُوجه نابعًا مِن مخالفة لأصول في الشريعة» (الملل والنحل، ج1/ ص195).
وهذا التعريف يَخرُج منه مَن خرَج على ولي
الأمر بتأويل سائغ يُقِرّه الكتاب والسنة كأصحاب الجمل وصفين، ويَخرُج منه البُغاة
الذين يَخرُجون لطلب الدنيا والملك.
المبحث الأول: مقالةُ الخوارجِ التي أجْمَعُوا عليها:
سبقت
الإشارة إلى أنَّ الخوارج افترقت إلى عدة فِرق، وهذه الفرق عند كُلٍّ منها مقالات
لا توجد عند أُخرى، لِهذا تطرق العلماء عند التعريف بهم (الخوارج) إلى ذكر الأمور
التي أجْمَعَت عليها فِرَقُهم الكثيرة، كما لم يَغْفُلُوا ما تَمَيَّزت كُلُّ
فِرقة منهم، قال أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (ت: 330) -وهو يَذكُر مقالات
الخوارج: «أجمعت الخوارج
على إكفار علي بن أبي طالب رضوان الله عليه! أنْ حَكّم، وهم مختلفون هل كفرُه شرك أم
لا؟ وأجمعوا على أنّ كل كبيرةٍ كُفرٌ، إلا النجدات([19])؛ فإنّها لا تقول ذلك. وأجمعوا
على أنّ الله سبحانه يُعذّب أصحاب الكبائر عذابًا دائمًا إلا النجدات؛ أصحاب نجدة»([20]).
ولِهذا لَمّا نقل عبد القاهر بن طاهر بن محمد
البغدادي (ت: 429هـ) قول الكعبِي في
المسألة: (الذي يجمع الخوارج على اختلاف مذاهبها، وأنه: إكفار علِيّ وعثمان
والْحَكَمَين، وأصحاب الجمل، وكلّ مَن رضِي بتحكيم الحكمَين، والإكفار بارتكاب
الذنوب، ووجوب الخروج على الإمام الجائر) ([21]): عقّب عليه بذكر قول أبي الحسن الأشعري
السابق، ثم قال: «ولم يَرض ما حكاه الكعبِي من إجْماعهم على تكفير مرتكبِي الذنوب،
والصواب ما حكاه شيخنا أبو الحسن عنهم، وقد أخطأ الكعبي في دعواه إجماع الخوارج
على تكفير مرتكبي الذنوب منهم؛ وذلك أنّ النجدات من
الخوارج لا يُكفّرون أصحاب الحدود من موافقيهم»([22]).
وعلى هذا، فالتعريف الذي فيه أنّ الخارجي
أو الخوارج يلزم منه أنْ يُكفّر مرتكب الكبيرة ليس بجامع([23]).
وقال أبو محمد علي بن أحمد المعروف بابن
حزم الظاهري (ت:456هـ) -وهو يَذكُر ما اعتمدت عليه الفرق الإسلامية كلّ فرقة
فيما اختصت به: «... وأما الخوارج فعمدة مذهبهم الكلام في الإيمان والكفر ما هما والتسمية
بهما والوعد والإمامة واختلفوا فيما عدا ذلك كما اختلف غيرهم. –إلى أنْ قال:
ومَن وافق الخوارج في إنكار التحكيم، وتكفير أصحاب الكبائر، والقول بالخروج على أئمة
الجور، وأنَّ أصحاب الكبائر مُخلَّدون في النار، وأنَّ الإمامة جائزةٌ في غير قريش:
فهو خارجيٌّ، وإنْ خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون؛ وإنْ خالفهم فيما ذكرنا:
فليس خارجيًّا» ([24]).
وقال أبو المظفر شافور الإسفراييني
(ت: 471هـ) -وهو يُفصِّل
مقالات الخوارج: «اعلم أنَّ الخوارج عشرون فرقة ... وكلهم متفقون على أمرين لا مزيد
عليهما في الكفر والبدعة: أحدهما: أنّهم يزعمون أنَّ عليًّا وعثمان وأصحاب الجمل
والحكمين وكل مَن رضي بالحكمين كفروا كلهم. والثاني: أنهم يزعمون أنَّ كُلَّ
مَن أذنب ذنبًا مِن أمة محمد فهو كافرٌ، ويكون في النار خالدًا مخلدًا، إلا النجدات
منهم؛ فإنهم قالوا: إنَّ الفاسق كافرٌ، على معنى أنه كافر نعمة ربه؛ فيكون إطلاق هذه
التسمية عند هؤلاء منهم على معنى الكفران لا على معنى الكفر. ومِما يَجمع جَميعهم أيضًا:
تجويزهم الخروج على الإمام الجائر. والكفر لا محالة لازمٌ لَهم؛ لتكفيرهم أصحابَ رسول
الله r»([25]).
وقال الشيخ محمد بن عبد الكريم
الشّهرستاني (ت: 548هـ) فقال: «كلّ مَن خرَج على الإمام الحق الذي اتّفَقَت الجماعة
عليه، يسمى: خارجيًّا، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان
بعدهم على التابعين بإحسان؛ والأئمة في كلّ زمان»([26]).
وقال: «ويَجمعُهم القول بالتبري من عثمان وعلي
رضي الله عنهما؛ ويقدمون ذلك على كل طاعة، ولا يصححون المناكحات إلا على ذلك. ويُكفِّرون
أصحابَ الكبائر. ويَرَون الخروج على الإمام إذا خالف السنة حقًّا واجبًا»([27]).
وقال أبو محمد اليمني (من علماء
القرن السادس): «واعلم أنَّ هذه الفرق اجتمعت على أشياء، وانفرد بعضها عن بعض
بأشياء؛ فالذي اجتمعت عليه: القول بإمامة أبي بكر وعمر وعمر وعثمان إلى وقت الحدث،
وعلي إلى وقت التحكيم، وقالوا: مَن أتى كبيرة مما وعد الله تعالى عليها العذاب فهو
كافرٌ، ومَن نظَر نظرة إلى امرأة أجنبية أو قبَّلها فهو مشركٌ. قال صاحب الكتاب:
وهذا باطلٌ؛ لأنه لو كان كافرًا كما ذكروا لوجب عليه ضرب عنقه ... وهو عندهم لا
يجوز قتله. قالوا: ومَن زنى وهو بكر، أو سرق ما يجب به القطع وأُقيم به الحد
استتيب، فإنْ تاب، وإلا قُتل، وهذا أيضًا خلاف قول الله ... هذا ما اجتمعوا عليه.
فأما ما انفردوا به فإنَّ» ([28]) فذكره.
وقال فخر الدين محمد بن عمر الرازي
(ت: 606هـ): «سائر فرقهم متفقون على أنَّ
العبد يَصير كافرًا بالذنب، وهم يُكفِّرون عثمان وعليًّا رضي الله عنهما، وطلحة والزبير
وعائشة، ويُعظِّمون أبا بكر وعمر y» ([29]).
قال الشيخ زين العابدين الكوراني (المتوفى
بعد سنة: 1066هـ: «الثالثة: الخوارج الذين يرَون الخروج على الإمام
عند مخالفته للسنة واجبًا. ومنهم: الذين خرجوا على علي كرَّم الله وجهه عند
التحكيم، ومَن تبعهم في العقائد، وهم أيضًا عشرون فرقة» ([30]).
قال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد: «... ويَجمع هذه الفروق كلها الاتفاق على تكفير علي
وعثمان رضي الله عنهما، وأصحاب الجمل والحكمين، ومَن رضي بالتحكيم، ومَن صوَّب
الحكمين أو أحدهما، ووجوب الخروج على الإمام إذا جار –ولو في نظرهم فقط» ([31]).
فتبيَّن من تقريرات علماء هذا الفنَّ
أنَّ الركيزة الكبرى، والضابط الأكبر -والتي وُجدت عند جميع فِرَق الخوارج- في
عدِّ جماعة أو شخصٍ ضمن الخوارج هو الخروج نفسه على الإمام الحق، لهذا قال
الشهرستاني ما قال. ومنه نفهم خطأ تعريف
إسماعيل اليازجي (المتوفى سنة 1121هـ) حيث قال: «الخارجي:
مَن خرَج على إمام عدل([32]). والمراد هنا: مَن خرج
على عليٍّ، ويبرؤون من عليٍّ وعثمان، ويُكفِّرون ذا الكبيرة، ويوجبون الخروج على
الإمام ولو خالف السنة»([33]).
حيث إنَّه لا يجوز –شرعًا- الخروج على
الإمام الذي جار وظلَم وفسَق وفجر، أو الإمام الجائر، ما أقام في الناس الصلاة([34])، وأنّ
الشريعة لا تأذن بالخروج على
الجائر من أجل الحيف والأثرة والجور، .. فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ t (وفيه قصة)، قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ r فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ -فِيمَا
أَخَذَ عَلَيْنَا- أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ؛ فِي مَنْشَطِنَا
وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لا نُنَازِعَ
الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ
بُرْهَانٌ" ([35]).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ r: "مَنْ خَرَجَ
مِنْ الطَّاعَةِ،وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ
أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبِيَّةٍ، أو يَنصُر عَصَبَةٍ، فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ.وَمَنْ
خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، ولا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا
وَلا يَفِي لِذِي عَهْدِهَ،فَلَيْسَ مِنِّي ولست منه"([36]).
وغير ذلك من الأحاديث التي فيها: منع
الخروج على الإمام ومقاتلته ومنازعته الأمر، حتى "وإنْ ضرَب ظهرك، وأخذ مالك".
لكنَّ الْخوارج يُجَوّزون الخروج على المتلبس بِما دون الكفر، (كالجور)، ويخالفون
ما جاء في هذه الأحاديث.
والمقصود أنَّ للخوارج مقالات كثيرة، كما
دخلت مقالات فرق أخرى كالمعتزلة في مقالات طائفة منها، إلا أنَّ الذي اجتمعت عليها
فرقها هو ما تقدم من خروجهم على الحاكم الجائر. وأنَّ مسألة تكفير مرتكب الكبيرة
قد تُعد كذلك ضمن ما اجتمع عليها غالبيتهم. ويشير شيخ الإسلام ابن تيمية إلى طائفة
من مقالاتهم المجمع عليها والمختلف فيها فيقول: «...وَإِذَا عُرِفَ أَصْلُ الْبِدَعِ: فَأَصْلُ قَوْلِ
الْخَوَارِجِ أَنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ بِالذَّنْبِ، وَيَعْتَقِدُونَ ذَنْبًا مَا لَيْسَ
بِذَنْبِ. وَيَرَوْنَ اتِّبَاعَ الْكِتَابِ دُونَ السُّنَّةِ الَّتِي تُخَالِفُ ظَاهِرَ
الْكِتَابِ -وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً- وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ وَيَسْتَحِلُّونَ
مِنْهُ؛ لارْتِدَادِهِ عِنْدَهُمْ مَا لا يَسْتَحِلُّونَهُ مِنْ الْكَافِرِ الأَصْلِيِّ،
كَمَا قَالَ النَّبِيُّ r فِيهِمْ:
"يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ"([37]). وَلِهَذَا كَفَّرُوا عُثْمَانَ
وَعَلِيًّا وَشِيعَتَهُمَا؛ وَكَفَّرُوا أَهْلَ صفين –الطَّائِفَتَيْنِ-، فِي نَحْوِ
ذَلِكَ مِنْ الْمَقَالاتِ الْخَبِيثَةِ»([38]).
وذكرهم في موضع وأنْصَفَهم –رحمه الله- بحيث
نسَب إلى فِرَقهم ما تَميّزتْ كُلُّ فرقة بِها، فقال بعد حكايته طائفة من عقائدهم
وآرائهم عن أرباب المقالات، ومنها قول بعضهم: الخوارج يُجوّزون على الأنبياء الكبائر؛ ولِهذا لا يلتفتون إلى
السنة المخالفة في رأيهم لظاهر القرآن؛ وإنْ كانت متواترة؛ فلا يَرْجُمُون الزانِي،
ويَقطعُون يَدَ السارق فيما قَلَّ أو كثُر، زَعْمًا منهم على ما قيل: أن لا حجة إلا
القرآن، وأنّ السنة الصادرة عن الرسول r ليست حجة؛ بناء على ذلك الأصل
الفاسد: « والتحقيق أنّهم أصنافٌ مختلفة، فهذا رأيُ
طائفة منهم. وطائفة قد يُكذّبون النقلة. وطائفةٌ لَم يَسمعوا ذلك ولم يطلبوا علمه،
وطائفة يزعمون أن ما ليس له ذكر في القرآن بصريحه ليس حجة على الخلق: إما لكونه مَنْسوخًا
أو مخصوصًا بالرسول، أو غير ذلك. وكذلك ما ذكر مِن تَجويزهم الكبائر؛ فأظنه -والله
أعلم- قولُ طائفة منهم. وعلى كل حالٍ فَمَن كان يعتقد أنّ النبِيّ r جائرٌ في قَسْمِه يقول: إنه
يفعلها بأمر الله فهو مُكَذّب له. ومَن زعَم أنْ يَجُورَ في حُكمٍ أو قِسمَة فقد زعَم
أنّه جائرٌ، وأنّ اتّباعه لا يجب. وهو مناقضٌ لِما تَضَمنَتْه الرّسالة مِن أمانته،
ووجوب طاعته، وزوال الْحَرَج عن النفس من قضائه بقوله وفعله، فإنّه قد بلّغ عن الله
أنّه أوْجَب طاعتَه والانقياد لِحُكمه، وأنّه لا يحيف على أحدٍ، فمَن طعَن في هذا فقد
طعَن في صحة تبليغه، وذلك طعنٌ في نفس الرّسالة» ([39]).
ولِهذا قال الإمامُ حرب بن إسماعيل الكرماني (ت280هـ): «مرقوا من الدين،
وفارقوا الملة، وتَمردوا على الإسلام، وشَذّوا عن الجماعة، وضلّوا عن سبيل الهدى،
وخرجوا على السلطان والأئمة، وسَلُّوا السيف على الأمة، واستحلّوا دماءهم
وأموالهم، وأكفروا مَن خالفهم، إلا مَن قال بقولهم، وكان على مثل رأيهم، وثبت معهم
في دار ضلالتهم، وهم يَشتمون أصحاب محمدٍ u وأصهارَه وأختانَه، ويتبرؤون منهم ويرمونهم
بالكفر والعظائم، ويرَون خلافَهم في شرائع الدين وسُنن الإسلام، ولا يؤمنون بعذاب
القبر ولا الحوض ولا الشفاعة، ولا يُخرجون أحدًا من أهل النار، وهم يقولون: مَن
كذَب كذبة أو أتى صغيرة أو كبيرة من لا الذنوب فمات من غير توبة فهو كافرٌ في
النار خالدًا فيها أبدًا ...-وسيأتي تتمة كلامه لاحقًا»([40]). والله تعالى أعلم.
وبعد، فأنتقل إلى المبحث الثاني، والذي يتبين
به صلة الخوارج المعاصرين بالجذور السابقة، تحت عنوان:
المبحث الثاني: ذكر الرابط بين مقالة الخوارج الْمُجمع عليها فِرقُهم
وبين ظاهرة الفكر الخارجي المعاصر:
أما عن ظاهرة الخروج في العصر الحاضر فهو ما سأتناوله هنا، مُكتفيًا بذكر
أقوال ثلاثة طوائف يتبين مما سبق ومنها أن هؤلاء يُمثلون الفكر الخارجي في هذا
العصر، وهم القطبية، وجماعة التكفير والهجرة مع تنظيم القاعدة، ثم الجماعة التي
ساندت جهيمان في فتنته:
أ- وصف سيّد قطب إبراهيم المجتمعات الإسلامية
بالجاهلية([41])،
وإنَّ من أفكاره في ذلك قوله في كتابه ظلال القرآن: «إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع
مسلم، قاعدة التعامل فيه هي شريعة اللّه والفقه الإسلامي! .. هذا النوع من الفقه يأتي
في حينه وتفصل أحكامه على قد المجتمع المسلم حين يوجد ويواجه الظروف الواقعية التي
تكون محيطة بذلك المجتمع يومذاك! »([42]).
وقال: «إنها قضية تعتبر اليوم «تاريخية»
وليست «واقعية» .. إن المسلمين اليوم لا يجاهدون! .. ذلك أن المسلمين اليوم لا يوجدون!
.. إنَّ قضية «وجود» الإسلام ووجود المسلمين هي التي تحتاج اليوم إلى علاج! والمنهج
الإسلامي -كما قلنا من قبل مرارا- منهج واقعي جاد يأبى أن يناقش القضايا المعلقة في
الفضاء ويرفض أنْ يتحول إلى مباحث فقهية لا تُطبق في عالم الواقع -لأنَّ الواقع لا
يضم مجتمعا مسلما تحكمه شريعة اللّه، ويصرّف حياته الفقه الإسلامي- ويحتقر الذين يشغلون
أنفسهم ويشغلون الناس بمثل هذه المباحث في أقضية لا وجود لها بالفعل، ويسميهم «الأرأيتيين»
الذين يقولون: «أرأيت لو أن كذا وقع فما هو الحكم؟» إنَّ نقطة البدء الآن هي نقطة البدء
في أول عهد الناس برسالة الإسلام .. أنْ يوجد في بقعة من الأرض ناس يدينون دين الحق؛
فيشهدوا أن لا إله إلا اللّه، وأن محمدا رسول اللّه .. ومن ثم يدينون للّه وحده بالحاكمية
والسلطان والتشريع ويطبقون هذا في واقع الحياة .. ثم يحاولون أن ينطلقوا في الأرض بهذا
الإعلان العام لتحرير الإنسان .. ويومئذ -ويومئذ فقط- سيكون هناك مجال لتطبيق النصوص
القرآنية والأحكام الإسلامية في مجال العلاقات بين المجتمع المسلم وغيره من المجتمعات
.. ويومئذ -ويومئذ فقط- يجوز الدخول في تلك المباحث الفقهية، والاشتغال بصياغة الأحكام،
والتقنين للحالات الواقعة التي يواجهها الإسلام بالفعل، لا في عالم النظريات! وإذا
كنا قد تعرضنا لتفسير هذه الآية- من ناحية الأصل والمبدأ -فإنما فعلنا هذا لأنها تتعلق
بمسألة اعتقادية وترتبط بطبيعة المنهج الإسلامي. وعند هذا الحد نقف، فلا نتطرق وراءه
إلى المباحث الفقهية الفرعية احترامًا لجدية المنهج الإسلامي وواقعيته، وترفعه على
هذا الهزال!»([43]).
هذه بوادر تكفير
المجتمع بأسره، وقد وُرثت هذه العقيدة من سيّد قطب، فتولدت ما تُسمى بجماعة
التكفير والهجرة، والجماعات الجهادية. وتسمية هؤلاء جماعة التكفير والهجرة تسمية
إعلامية لهم توافق ما كانت عليه دعوتهم، وإنْ كانوا سمَّوا أنفسهم بجماعة
المسلمين: قال الباحث أحمد بوعود: «من
خلال تسمية هذه الجماعة بجماعة المسلمين يُستنتج أنّ كل ما سوى هذه الجماعة فهو لا
يمت بصلة إلى الإسلام. ولا عجب في ذلك ما داموا يحكمون بالجاهلية على غيرهم. وهذا
ما جعل التكفير عنصرًا أساسيًا في معتقدات هذه الجماعة، وهكذا، فإنهم:
· يُكفرون كل من ارتكب كبيرة
وأصر عليها ولم يتب منها.
· ويُكفرون الحكام الذين لا
يحكمون بما أنزل الله بإطلاق ودون تفصيل.
· ويُكفرون المحكومين؛ لأنهم
رضُوا بذلك وتابعوهم أيضًا؛ بإطلاق ودون تفصيل.
· أما العلماء؛ فيُكفرونهم؛
لأنهم لم يُكفّروا هؤلاء ولا أولئك.
· كما يُكفرون كل مَن عرضوا
عليه فكرهم فلم يقبله، أو قبله ولم ينضم إلى جماعتهم ويبايع إمامهم، أما انضم إلى
جماعتهم ثم تركها فهو مرتد حلال الدم، وعلى ذلك: فالجماعات الإسلامية إذا بلغتها
دعوتهم ولم تبايع إمامهم فهي كافرة مارقة من الدين ...
· وكل من أخذ بأقوال الأئمة
أو الإجماع –ولو كان إجماع الصحابة- أو بالقياس أو بالمصلحة المرسلة أو الاستحسان
ونحوها فهو في نظرهم مشركٌ كافر.
· والعصور الإسلامية بعد
القرن الرابع الهجري كلها عصور كفر وجاهلية؛ لتقديسها لصنم التقليد المعبود من دون
الله تعالى...» ([44]).
وأزيد -عن جماعة التكفير والهجرة، والتي
تعتبر التجسيد العملي والتنظيمي لعلاقة الجاهلية بالتكفير- فأقول: «إنَّ ظاهرة الخروج بِما
تحمله من مبادئ ومنهجٍ لَم تنْتهِ بنهاية الخوارج الذين ظهروا في تلك الفترة
المتقدمة من تاريخ الإسلام، فإلى جانب الإباضية الذين يعيشون في مرحلة الكتمان،
ويعتبرون أنفسهم امتدادًا لِمن عرفوا بالمحكمة: ظهرَت في هذا العصر جماعات تبنت
منهج الخوارج وأسلوبهم، واعتنقت كثيرًا من أفكارهم ومبادئهم، ومن أشهر هذه
الجماعات: جماعة التكفير والهجرة –كما أطلقتْ عليهم أجهزة الإعلام، والتي لاحظ
معظم مَن كتبوا عنها الارتباط الوثيق بين أفرادها وبين الخوارج، رغم اختلاف
الدوافع والغايات بين الفريقين.
ويكاد معظم الذين حللوا
ظاهرة الغلو لدى هذه الجماعات، يجتمعون على أنَّ هناك أسبابًا معينة دفعتْ بهؤلاء
الشباب إلى اتخاذ هذا الموقف المتطرف، ومن أهم هذه الأسباب: الحرب التي تعرض لها
أتباع هذه الجماعات، وما نتج عنها من ردود فعل تجاه المجتمع حُكَّامًا ومحكومين،
ذلك أنَّ أفراد هذه الجماعات كانوا من شباب الجماعات الإسلامية، الممتلئ عاطفة
دينية وحماسًا نحو تحقيق الإسلام في واقع الحياة. كما كانوا يُمثِّلون خيرة الشباب
في المجتمع المصري؛ إذْ كان منهم الطبيب، والمهندس، والمحامي، وأساتذة الجامعة
وطلابها، وبدلا من أنْ يجد هذا العون لتحقيق آماله، في حياة إسلامية كريمة، لفقت
ضدّهم التهم زورًا وبُهتانًا، ووجدوا أنفسهم فجأة في غياهب السجون والمعتقلات،
وأصبحوا نهبًا لسياط الجلاّدين، وآلات التعذيب، والتنكيل والإذلال التي لم يعرف
لها التاريخ مثيلا، كلُّ ذلك لا لشيءٍ إلا لأنهم قالوا: ربنا الله، ودعَوا أو سعوا
إلى تحقيق وتطبيق منهج الله في الحياة والمجتمع. هذا في الوقت الذي أطلقت فيه
أيادي أعداء الإسلام من شيوعيين وقوميين لا دينيين: يعملون بكل حرية لهدم ما تبقى
من قِيَم الإسلام وتعاليمه»([45]).
أما عن تكفير هذه الجماعة للمجتمع
تأثُّرًا بالخوارج الأولين، فقد قال الأستاذ الدكتور أحمد بن محمد أحمد جلي: «قد شعُر هؤلاء الشباب
بأنَّ الحكَّام الذين يقومون بهذا العمل البشع، بالإضافة إلى أنَّهم لا يُطبِّقون
شريعة الله؛ فإنَّهم يتآمرون على الإسلام، ويعملون على محوه وإزالة آثاره من
المجتمع. ومِن ثَمّ لا يُمكن أنْ يكونوا مسلمين، وأكّد لهم هذه الحقائق اكتشافهم بعض الوثائق
التي تبيِّن –من ناحية- أنَّ هؤلاء الحكام ضالعون مع جهاتٍ عالمية، تسعى إلى
القضاء على الإسلام، وأنَّهم -من ناحية أُخرى- يعملون بخطة منظمة لإسكات صوت كلّ
من يدعو إلى الإسلام، والقضاء عليه. أمام هذا كله، اختمرت أفكار التكفير لدى بعض
شباب الجماعات الإسلامية؛ فحكموا بكفر هؤلاء الحكام، وامتد حُكمهم بالتكفير ليشمل
الشعب بأسره؛ لأنَّ الحكَّام لم يحكموا بما أنزل الله، بل حكموا بمواثيق من عندهم؛
أحلُّوا فيها ما حرَّمه الله، وحرَّموا ما أحلَّه، واتخذوا من أنفسهم أندادًا لله،
فأخضعوا الشعوب لعبوديتهم من دون الله. أما المحكومون فقد كفروا؛ لأنَّهم رضُوا
بأولئك الحكَّام ولاة عليهم، بل إنَّ الكثيرين منهم ساعدوا الحكام في تنفيذ
رغباتهم في القضاء على أفراد هذه الجماعات وعل الإسلام. ولم يستثنٍ من حُكم
التكفير العلماء؛ لأنهم لم يقوموا بواجبهم؛ فيُكفِّروا الحكام والمحكومين، بل إنهم
شاركوا السلطة في حربها لهذه الجماعة المسلمة. وقد أكد هؤلاء أنَّ جماعتهم وحدها
هي الجماعة المسلمة؛ فمَن لَم ينخرط فيها عَدَّوْه كافرًا؛ لأنَّ الجماعة هي
السلوك الحركي للعقيدة، ومِن ثَم فهي جزءٌ لا يتجزأ منها، واستشهدوا في هذا المقام
ببعض الأحاديث التي تشير إلى ضرورة البيعة والالتزام بالجماعة، كالحديث الذي رواه
مسلم: "مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِى عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً"([46])، وما رواه البخاري: "مَنْ
مَاتَ وهو مُفَارِقٌ للْجَمَاعَةَ فَإنه يَمُوتُ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً"([47])، وفسَّروا
"الجاهلية" بأنها تعني الكفر، وأنَّ "الجماعة" المقصودة هنا:
جماعتهم؛ لأنَّها الجماعة الوحيدة التي تلتزم بالإسلام الصحيح في هذا العصر. ورغم
أنَّ أفراد المجتمع ينطقون بالشهادتين، ويصلون، ويصومون، ويحجون؛ فإنّهم في رأي
هذه الجماعة كافرون؛ لأنهم لم يعملوا بمضمون الشهادة، إذْ إنهم جهلوا حقيقة
الحاكمية، فلم يعترضوا على ولاية الحكام الكافرين، بل إنهم شاركوا في انتخابات تأتي
بتشريعات تحكم بغير ما أنزل الله»([48]).
وقبل أنْ أرفع القلم أُركّز على استحلال الخوارج قتل المسلمين في الواقع
المعاصر، بالتمثيل فقط بواقع واحدٍ في حياتنا المعاصرة
لاستحلال الشباب المفتونين بالتكفير والفكر الخارجي لدماء
المسلمين، وهو أنّه «لَما حصل التفجير عند مبنى الأمن العام في شارع الوشم في الرياض،
وانتشر بين الناس أنّ في ذلك قتلا للمسلمين وليس للمشركين، جاء جوابُهم في العدد
السادس عشر([49]):«وعندما جاء التفجير رفعوا عقائرهم بالصياح: هل هذا من قتال
الصليبيين؟! هل قال رسول الله r: أخرجوا السعوديين من
جزيرة العرب، ولا قال: أخرجوا الأمريكان من جزيرة العرب؟! بل قال: (أخرجوا
المشركين من جزيرة العرب)، ما استثنى سعوديًّا ولا غيره، هذا هو الجواب الواضح
الصريح لِهذا التساؤل البليد ممن طرحه!!»([50]).
ففي هذا أنّهم استحلّوا دماء هؤلاء
الأبرياء (السعوديين المسلمين) بدعوى أنّهم مشركون! والله المستعان!
ت- فتنة جهيمان (1400هـ)
بدايتها بالتزهيد في العلماء الذين زعموا أنهم يداهنون، قال جهيمان: «بعد أن فقدنا مَن يسير
على الحق المجرد من هذه الطواغيت التي تعيش في هذا المجتمع، ورأيناهم بين عالم بلا
عمل، وعامل بلا علم، إلا القليل: استعنا بالله للعلم والعمل والدعوة إلى ذلك،
فاستأجرنا بيتًا نجتمع فيه نتدارس»([51]).
وقال لبيان أنه لا يرى أنَّ لولاة الأمر
بيعة اليوم: «والذي نعتقده في حكام
المسلمين اليوم، والذي يظهر من الأدلة المتقدمة: أنَّ هؤلاء الحكام ينطبق على كثير
منهم ما ذكره ووصفه النبي r في الأحاديث التي في
الفصل الذي قبل هذا، وأنهم ليس لهم على المسلمين بيعة، ولا تجب لهم طاعة. ومع ذلك
لا يلزم من هذا كله تكفيرهم، بل مَن أظهر منهم الإسلام حكمنا به: حتى تثبت ردته
عنه؛ فنجكم عليه بالكفر، مع اعتقادنا أنَّ بقاءهم اليوم هدم لدين الله U»([52]).
فقد كان ضمن سلسلة عواقب هذه الفتنة
العظيمة: «رابعًا: بروز فكر
القطبية القائم على تعاليم وأفكار سيد قطب التي تصف المجتمعات الإسلامية
بالجاهلية، وتدعو إلى الثورة على الأنظمة، وإقامة حكم الله –كما يزعمون، إلا أنه
في هذه المرة بصبغة أهل السنة والجماعة في باب التوحيد والأسماء والصفات، ونحو
ذلك، مما كان سببًا في رواج هذا الفكر المنحرف»([54]).
والله تبارك وتعالى أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.
الأزارقة: هم أتباع أبو راشد نافع بن الأزرق الحنفي، ولم تكن للخورج قط طائفة أشد
شوكة منهم، ولا أكثر عددًا، ويَجمعهم طائفة من المقالات: منها: قولهم بأنّ
مخالفيهم من هذه الأمة مشركون، لا كفرة خلافًا للمحكمة الأولى. وأنّ القعدة عن
الهجرة إليهم وإنْ كانوا على رأيهم مشركون. وأنّه يَجب امتحان مَن قصد عسكرهم
وادّعى أنّه منهم: بدفع أسير من مخالفيهم وأمره بقتله، ويُصدقونه إنْ قتلَه، وإن
امتنع قالوا: إنه منافق ومشرك، فيقتلوه. كما أنّهم استباحوا قتل نساء مخالفيهم
وأطفالهم بزَعم أنّهم مشركون وأنهم مُخَلّدون في النار (انظر: الفرق بين الفرق،
ص90-91، وأنّ أموال المخالفين مباحة لهم بكل حال، ص100 (وانظر أيضًا: مقالات
الإسلاميين، -ج1/ 170، والتبصير في الدين، 221-222، وذكَر محمد الشهرستاني أنّ
بِدَع الخوارج ثمانية، وأنّ السابع منها: تجويزه أنْ يَبعَث الله تعالى نبيًّا
يعلم أنّه يَكفر بعد نبوته، أو كان كافرًا قبل البعثة –الملل والنحل، ج1/ 210-211
وما قبله- وعقائد الثلاث والسبعين فرقة، ج1/ص69-72، واعتقادات فرق المسلمين
والمشركين، ص50).
الإباضية فرقة
من الخوارج: هم أصحاب عبد الله بن إباض، أحد شيوخهم ومصنفي كتبهم، قالوا: الإيمان
جميع الطاعات، وأنّ مرتكب الكبيرة مخلدٌّ في النار، مع عدم تكفيره كفرًا أكبر. (انظر: عقائد الثلاث
والسبعين فرقة، ج1/ص72-73، وأصول الفرق والأديان
والمذاهب، لسفر الحوالي ص32. ويقولون أيضًا بأنّ القرآن مخلوق، وأنّ مَن يثبت رؤية
الله تعالى في الآخرة كافر. وهي الفرقة الخارجية الوحيدة التي وصلتنا في الحياة
المعاصرة (انظر: الإباضية عقيدة ومذهبا، لصابر طعيمة، ص90-91، ومبحث
الرابع (أهم الآراء العقدية لدى الإباضية) من كتاب الإباضية د.
عامر النجار، ص81-161). ولتأكيد طائفة من معتقدات الإباضية أنقل
مقتطفات من كتاب (إزالة الاعتراض عن محقي آل إباض) حيث جاء فيه: أما بعد: فهذا
اعتقاد الإباضية الوهبية أهل الحق في الأصول والفروع، .. أما
اعتقادهم في الأصول فـ.. –إلى أنْ قال: وأنّ الله U ..عرضًا
ولا جسمًا، ولا جوهرًا فردًا عند مَن يُبت جوهر الفرد). وليس الله مركبًا ولا
بسيطًا، .. وأنّه منزّه عن الحلول في الأماكن، ومنها الجوّ .. ولا يتصف بالتجزؤ
ولا بالجهات، وأنّ القرآن مخلوق .. (نقله عنه: سفر الحوالي في أصول الفرق له، انظر
النص كاملا فيه، ص32-33).
([4]) انظر: المواقف في علم الكلام، تأليف: عضد الدين
القاضي عبد الرحمن أحمد الإيجي، ط/عالم الكتب، ص434، والاعتصام، تأليف: العلامة
إبراهبم بن موسى الشاطبي، ط1/1431هـ، بتحقيق: الشيخ سليم بن عيد الهلالي،
(ج2/ص203)، ولوامع الأنوار البهية، تأليف: الشيخ محمد السفاريني، (ج1/ص79)، والأديان
والفرق والمذاهب المعاصرة، تأليف: الشيخ عبد القادر شيبة الحمد، ط2/1426هـ، دار
الزمان، ص168، وتاريخ المذاهب الإسلامية، تأليف: الإمام محمد أبو زهرة، ط/1996م،
القاهرة، دار الفكر العربي، ص71-77.
([6]) انظر: الفرق بين الفرق، تأليف: عبد القاهر بن
طاهر بن محمد الإسفراييني، ط1428هـ، مكتبة دار التراث، بتحقيق: محمد محيي الدين
عبد الحميد، ص33، وص81، والتبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق
الهالكين، تأليف: أبي المظفر شافور بن طاهر الإسفراييني، ط1/1429هـ، ابن حزم،
ص213، بتحقيق: د. مجيد الخليفة، ومختصر الفرق بين الفرق، اختصار: شمس الدين عبد
الرزاق الرسعني، ط1/1429هـ، دار ابن الجوزي، بتحقيق: أ. د. محمد بن صالح البراك،
ص69، ودراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين (الخوارج والشيعة)، تأليف: أ. د. أحمد
محمد أحمد جلي، ط3/1429هـ، مركز الملك فيصل للبحوث، 69.
([7]) انظر: (21فرقة) في كتاب: اعتقادات فرق المسلمين
والمشركين، تأليف: فخر الدين محمد بن عمر الرازي، ط/1427هـ، دار الكتاب العربي،
بيروت، ص49، و(25 فرقة) في كتاب: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، تأليف:
أبي الحسين محمد بن أحمد الملطي الشافعي، ط1/1414هـ، رمادي للنشر، بحقيق: يمان بن
سعد الدين المياديني، ص188، و(أكثر من 50 فرقة) في كتاب: الخوارج تاريخهم، فرقهم،
وعقائدهم، تأليف: د. أحمد عوض أبو الشباب، ط1/1426هـ، الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
([18]) الخوارج الْمُحكّمة: هي تلك الطائفة التي خَرَجَت على عليّ بن أبِي طالب عَقِب
معركة صفّين بعد قبوله التحكيم، وقالوا بكفره وكفر معاوية وكفر الحكمين y، وكفر مَن رضي
بالتحكيم، بل وكفر عثمان وأصحاب الجمل y (انظر: موسوعة البدع
والمخالفات الشرعية، (ج1/ ص407)، والأديان والفِرَق والمذاهب المعاصرة للشيخ عبد
القادر شيبة الحمد، ص167، وذكَره د. أبو زيد بن محمد مكي/ مادة مقالات الفرق، ص30).
وهؤلاء هم الذين خرجوا عند فُرقةٍ من المسلمين فقتلتهم أولى الطائفتين بالحق،
فوقَع مخبر النبِيّ r كما أخبَر؛ ففي
الحديث: "وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ النَّاس". وفي آخر: عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ t، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ r: "تَمْرُقُ
مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، يَقْتُلُهَا أَوْلَى
الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ" (صحيح مسلم: كتاب
الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، رقم: 1065).
قال البيهقي –رحمه الله-: بعد ذكرهما: «هذا والذي قبله خبَرُ النبِيّ
r عن خروج قوم فيهم رجل مُخَدّجُ اليد عند فُرقة مِن المسلمين، وأنه يقتلهم
أولى الطائفتين بالحق، فكان كما قال؛ خرجوا حين وقعت الفرقة بين أهل العراق وأهل الشام،
وقتلهم أولى الطائفتين بالحق؛ أمير المؤمنين: علي بن أبي طالب t،
ووجدوا الْمُخَدّج كما وصف النبِيّ r،فكان
ذلك علامة من علامات النبوة ظهرت بعد وفاة صاحب الرسالة r» (دلائل النبوة للبيهقي، باب اعتراض من اعترض من أهل النفاق في قسمة النبي r يوم حنين وإخبار النبي r عن خروج أشباه له يمرقون من الدين مروق السهم من
الرمية ، وإخباره عن آيتهم وما ظهر في ذلك من علامات النبوة، (ج5/ص140-141، وانظر
أحاديث الباب قبله).
([23])
انظر: الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها، (الفصل الرابع: حكم
الخوارج على مرتكبي الذنوب، ص335-392). وتساهل من قال باتفاق الخوارج على حكم
مرتكب الكبيرة، (الكتاب نفسه، ص361-362)، والفصل الثالث (عقيدة الخوارج في مرتكب
الكبيرة والرد عليهم) من كتاب: الخوارج نشأتهم فرقهم، صفاتهم، الرد على أبرز
عقائدهم، أ. د. سليمان بن صالح الغصن، ص105-147.
([32])
تحرير مسألة النزاع في الإمام الذي يجوز الخروج عليه من الذي لا يجوز
الخروج عليه هو: أنَّ الإمام العادل، وكذلك الإمام المسلم الفاسق (مبتدعًا ببدعة
غير مكفِّرة، أو كان متلبِّسًا ببقية أنواع الفسوق التي لا تصل إلى الكفر) فإنَّ
هؤلاء لا يجوز الخروج عليهم ولا قتالهم بِحال، وذلك لِما يترتب على الخروج
والمنابذة من المفاسد والأضرار الكبرى.
أما إذا طرأ على الإمام المسلم الكفرُ البواح، أو
كان كافرًا أصليًّا، وقدِر الرعاة على إزالته، دون أن يترتب عليها شرٌّ أكبر،
ومفسدة كبرى من مفسدة بقائه: فإنه –والحالة هذه- تسقط ولاية الأول، وليس للثاني
(الكافر الأصلي) عليهم ولاية؛ لذا يجوز الخروج عليهما، واستبدالهما بغيرهما ممن
لهم على المسلمين ولاية.
(ينظر: تفاصيل الكلام المتقدم في كتاب/ ضوابط
معاملة الحاكم عند أهل السنة والجماعة وأثرها على الأمة، تأليف: خالد ضحوي فدان
الظفيري، وبالأخص/ فصل موقف الرعية من الحاكم المسلم فيما هو دون الكفر، وفصل موقف
من الحاكم إذا صدر منه الكفر، ومبحث: موقف الرعية من الحاكم الكافر الأصلي، من
ص425-650 في واقع: 225صفحة من المجلد الثاني، ط1/1430هـ، الجامعة الإسلامية).
([34])
جاء في الحديث: عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ t، عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ r، قَالَ:
"خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ
عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ. وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ
وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ". قِيلَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ: "لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ
الصَّلاَةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا
عَمَلَهُ، وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ". (صحيح مسلم: كتاب
الإمارة، باب خِيَارِ الأَئِمَّةِ وَشِرَارِهِمْ، رقم: 1855).
([35])
صحيح
البخاري: كتاب الفتن، بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ r: "سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا "، رقم:
7055، و7056، وصحيح مسلم: كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية
وتحريمها في المعصية، رقم: 1709.
(وانظر: حكاية الإجماع على منع الخروج على الأئمة الجائرين الفسقة
إطلاقًا، أو بعد الاختلاف على قول ثانٍ مرجوح، المنهاج للنووي، ص1192، وذلك لِما
يترتب عليه من المفاسد) .
([49])
وكلام هؤلاء كان في مجلتهم على صفحة الانترنت، وقد كان للدكتور حمد إبراهيم
العثمان مقالا بعنوان: أضواء على الفكر التفجيري اشتمل على جمل من كلامهم الساقط،
وقد نشرت مقالتَه صحيفة القبس الكويتية، العدد: 11137، وبتاريخ: 24 ربيع الآخر،
1425هـ. ومن هذه المجلة أخذ شيخنا الشيخ عبد المحسن البدر كلام هؤلاء المفتونين
التي وزّعها في أماكن من رسالته: (بذل النصح والتذكير لبقايا المفتونين بالتكفير
والتفجير).
No comments:
Post a Comment