المملكة
العربيّة السّعوديّة
وزارة التّعليم العالي
الجامعة الإسلاميّة
(032)
كلّـيّة
الدعوة وأصول الدين
قسم العقيدة
|
مسألةُ التَّولِّي والْمُوالاةِ
إعداد الطالب
أبو بكر حمزة زكريا
إشراف
الشيخ الدكتور حسين آل الشيخ إمام وخطيب
بالمسجد النبوي –حفظه الله ورعاه-
العام الجامعي: 1433-1434هـ.
منهجية مرحلة الدكتوراه
P
والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله
نبينا محمد القائل: "مَن أحبَّ لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنَع لله، فقد
استكمَلَ الإيْمانَ"([2])،
والقائل: "أوثقُ عُرَى الإيْمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله،
والحب في الله والبُغض في الله"([3])،
وعلى آله وصحبه الذين فارقوا الكافرين وتبرؤوا منهم، المنعوتين في قوله: ﭽ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭼ الفتح:
٢٩ ،
ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، المثنَى عليهم في قوله: ﭽ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ
ﭼ المائدة:
٥٤ ، وبعد:
فإنَّ الشريعة الإسلاميةَ انبَنَت على
أساسٍ مكين ورُكنٍ متين، ألا وهو: محبة الله تعالى ومحبة محابِّه سبحانه مِن
الشرائع والأماكن، وأنبيائه والمرسلين، وعِباده الصالحين، وكذلك كُره وبُغض
المشركين والكُفْر والكافرين، وهذه القضية هي التي يُطلَق عليها تأصيل المحبة الشرعية
وتفريعها ودفع ضدّها، فالتأصيل هو محبة الله ومحبة رسوله، والتفريع جعل محبتهما
فوق المحاب كلها، وكذلك المحبة لأجله جلّ وعلا، وأما دفع ضد الأول فهو كُره مساخط
الله، وعلى رأسها الكفر، قال حبيبُنا r
وهو يَذكُرُ بِمَ يُذاق حلاوة الإيمان: "ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ
مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ، وأنْ
يَكرَه أنْ يعود في الكُفر بعد أنْ أنقذَه الله منه، كما يَكْرَه أنْ يُقذَف في
النار"([4]).
ويُعلِّق
عليه شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- فيقول: فحلاوة الإيمان تَتْبَع كمالَ محبةِ
العبد لله، وهذه الحلاوة لا تَحصُل إلا بثلاثة أمور: 1- تكميل هذه المحبة. 2-
تفريعها. 3- دفع ضدها. 1- "فتكميلها": أن يكون
الله ورسوله أحبَّ إليه مِما سواهما؛ فإنَّ محبة اللهِ ورسولِه لا يُكتفى فيها
بأصل الحبّ، بل لا بدّ أن يكون اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مِما سواهما. 2- و"تفريعها": أنْ
يُحبّ المرء لا يُحبّه إلا لله. 3- ودفع ضدّها" أنْ يَكْرَه
ضِدّ الإيمان أعظم من كراهته الإلقاء في النار([5]).
فالحاصل أنَّ النصوص المتقدمة أمَرَت
العباد بتكميل محبة الله تعالى بعد أنْ يُحصِّلوها؛ وأنَّه يكون بِمحبة مُحِبِّيه
سبحانه (المؤمنين) وموالاتِهم وموادّتِهم، وتضمنَّت كذلك كُرهَ وبُغضَ الكافرين
ومعاداتَهم والبراءةَ منهم، وكلُّ هذا تحقيقًا لِمحبة الله تعالى، وهذه المسألة
العظيمة هي ما تسمى في كُتب العقيدة بِمسألة "الولاء والبراء".
وأنا هنا واستجابةً لأمر شيخنا الشيخ الدكتور حسين آل الشيخ، الإمام
والخطيب بالمسجد النبوي الشريف –حفظه الله تعالى- وتلبيةً لرغبتِه في أن نقوم –نحن
طلابه في مرحلة الدكتوراه، بقسم العقيدة- بالتحضير لِـ"مسألة التَّولِّي
والْمُوالاة" تحت مُفرَدةِ: "الولاء والبراء" ضِمن
مُفردات منهج مادة الألوهية والربوبية: أُعَنْوِنُ للمسألة بـ: مسألة التّولِّي
والْمُوالاة، وذلك لبيان: هل هما مترادفان أم بينهما فرق؟
وواضحٌ أنني لَم أقصد بهذا البحث المختصر عموم
مسألة الولاء والبراء، بل جزئية بسيطة منه، وهي: الْمُخالفةُ التي تقَع مِن بعض
المسلمين، بتولّيهم الكافرين وموالاتهم، المنهي عنها في آيات التولِّي والموالاة.
وهذه الجزئية نفسُها فيها محلّ اتفاق، وهو:
· أنَّ هذا الأمر له صُوَرٌ عدة، وأنَّ منها ما هو مُخرِجٌ مِن الملة،
ناقضٌ للإسلام، كما أنَّ من الصوَّر ما هو محرَّم لا يصِل إلى الإخراج من الملة
بالإجماع الذي سيأتي حكايته. ومِن أبرز صُوَر الناقض للإسلام: ما اجتمع فيه القلب
والنصرة؛ فيواليهم بأنْ يُحبَّهم المحبة الدينية وينصرَهم، ومنها: ولاء
الكافرين ومحبتهم لأجل دينهم، أو نُصرتُهم ومعاونتهم لذلك. ومِن الصُّوَر
الناقضةِ للإسلام أيضًا بلا خلاف: ما قاله الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب –رحمه
الله- في النواقض العشرة: «الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على
المسلمين، والدليل قوله تعالى: ﭽ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭼ المائدة: ٥١» ([6]).
وهذه الصورة الثالثة فيها مزيدٌ على الأولى حيث تضمَّنت معاونةَ الكفار على
المسلمين. ويا قُبحاه!
· وأما الجانب الذي وقع فيه الاختلاف وخصوصًا
بين العلماء المعاصرين فهو في بيان ماهية الموالاة التي لا تصِل إلى إخراج صاحبها
مِن الملة الإسلامية، وهل هناك فرقٌ –أصلا- بين التولِّي والموالاة، وإنْ كان:
فمِن أينَ مأخذُه؟ وحتى لا تتقدم النتيجةُ المقدماتِ فإني أُؤخِّر هذه المسألة
التي هي المراد بالبحث إلى المطلب الثاني. وقبله أذكُر الخطة التي أسير عليها في
هذا العمل العلمي، وأقول:
خطة البحث:
يتضمن هذا البحث المقدمة -التي أنا في صددها-، ومطلبين، وخاتمة، على النحو
التالي:
المطلب
الأول: المدلول اللغوي للفظتَي التولِّي والموالاة ومشتقاتهما في العربية.
المطلب
الثاني: هل مِن فرقٍ بين مصطلحَي التَّولِّي والموالاة، أم هما مترادفتان؟
المطلب الأول: المدلول اللغوي
للفظتَي التّولِّي والْمُوالاة ومشتقاتهما في العربية:
تقرر في اللغة العربية التي نزل بها القرآن
أنَّ الواو واللام والياء تحمِل معاني كثيرة، أذكُر هنا أبرَزَها:
قال أهلُ اللغة: الوَلْي: الدنوّ والقُرب؛
فيقال: تباعَدَ بعد ولْيٍ، أي: بعد قُرب. ومنه: "فكُلْ مِما يليك"([7])
أي: مما يقاربك.
وأما
وليَه يلِيه، وأوْلَيتُه الشيء فوَلِيَه، وكذلك ولِيَ الوالي البلدَ ولايةً،
وفلانٌ ولِيَ ووُلِي عليه، أي: ساس، وسيس عليه. وولاه الأمير عملَ كذا، وولاه بيع
الشيء، وتولَّى العملَ، أي: تقلد، وقام به. والولِيّ: كلّ مَن ولِي أمر واحد؛ فهو
وليُّه([8]).
وجاء
في القاموس المحيط: «الوَلْيُ: القرب والدنو، .. والولِيُّ: .. والمحبّ
والصديق والنصير. ... والمولى: المالك، والعبد، والمعتِق والمعتَق،
والصاحب، والقريب كابن العم ونحوه، والجارُ، والحليف، والابنُ، والعم، والنزيل،
والشريك، وابن الأخت، والولِيّ، والربّ، والناصر، والمُنعِم، والمنعَم عليه،
والمحبّ، والتابع، والصّهر» ([9]).
ففي هذا أنّ من معاني (الولِيّ) وكذلك (المولَى): المحب؛ بل
إنَّ مِن أصول الوَلاية: الْمحبة([10])،
فولاية الله تعالى محبته، فالولِيّ ضدّ العدوّ، والْمُوالاة: ضد المعاداة، يقال
منه: تولاّه. وإذا قيل وَلِيّ الله فهو: مُحبُّه. وأولياء الله -بالمعنى الشرعي-
هم محبُّوه الذين آمنوا به([11])
وكانوا يتقونه، فكُلّ
مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ فهو
لِلَّهِ وَلِيٌّ([12])، قال تعالى: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭧ ﭼ [الأنفال: ٣٤]. وقال: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ [يونس: ٦٢ – ٦٣]. ولأولياء الله درجات مما عملوا؛ فليست مراتب
الولاية مرتبة واحدة([13]).
وقال
صاحب مقاييس اللغة، وهو يؤكِّد جزئيا سيكون لي بها وقفةً: «ولي: الواو واللام
والياء: أصلٌ صحيح يدل على قُرب؛ مِن ذلك: الوَلْيُ: القرب، يقالُ: تباعَد بعد
ولْيٍ، أي: قُربٍ، وجلس مما يلينِي، أي: يقارنِي ... ومِن الباب: المولى: المعتِق
والمعتَق، والصاحب، والحليف، وابن العم، والناصر، والجار، كلُّ هؤلاء مِن
الوَلْي وهو القرب. وكل مَن ولِي أمرَ آخرَ فهو وليُّه، وفلانٌ أولى بكذا أحرى به
وأجدر، ... والوَلاء الموالون، يقال: هؤلاء ولاء فلانٍ ... ووالَيت بين الشيئين
إذا عاديتَ بينهما وِلاء، وافعَل هذا على الوِلاء أي: مرتِّبًا، والباب كله راجعٌ
إلى القرب» ([14]).
وفي هذا النص جاء من معاني (المولى والوليّ):
الناصر. بل قالوا: الوِلاية –بالكسر: السلطان، والوِلاية والوَلاية بالفتح: النصرة؛
يقال منه: تولاّه، ويُقال: هم عليَّ وِلايَةٌ أي: مجتمعون في النصرة. وفي التنزيل:
ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ
ﭼ الأنفال:
٧٢ ،
فالْمَولَى: الناصر، ومنه قوله تعالى: ﭽ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ
ﭼ محمد:
١١ ([15]).
فمِن
معاني: ولِيَه نصَرَه، وأحبَّه، والولِيّ من معانيه: المحبّ، والنصير،
وجمعه الأولياء، ومِن معاني المولَى أيضًا: الوليّ المحبّ، وكذلك النصير، وكذلك
الولاء (المصدر) من معانيها: النصرة، والمحبة([16]).
وبعد، فتلك هي أهم معاني
التولِّي والوليّ والمولى والأولياء في المكنوز العربي الذين خاطبنا الله تعالى
بلغتهم، فالسؤال الذي يَطرَح نفسَه هنا هو: هل اللهُ تبارك وتعالى قصَد
كُلَّ تلك المعاني في خصوص نصوص النهي عن موالاة الكافرين وموادتهم، وتولّيهم
واتخاذهم أولياء، وبطانةً ودُخلاءَ (وليجة) مِن دون المؤمنين يُطلِعونهم على دواخل
أمورهم([17])،
مع العلم بأنَّ الآيات كثيرة جِدًّا، أم أنه قصَد بعضًا مِن تلكم المعاني؟
ثُم
يقال ثانيةً: كيف وما الفهم للسلف الصالح من الصحابة والتابعين لتلك النصوص؟؟
ففي الإجابة على
السؤال الأول أقول: إنَّ أظهَرَ المعاني التي نهى الله
المؤمنين في آيات تولِّي الكافرين الأقربين نسبًا والأبعدين، بأصنافهم وآيات النهي
موالاتهم هو –والله أعلم- موادّتهم ومحبتهم باتخاذهم أولياء، وهذا أصلُه القلب، ثم
إنه ينعكس ذلك -غالبًا- على الجوارح؛ فيُتَّخذون دُخلاء بطانةً يُطلَعون على بواطن
المسلمين وأسرارهم، أو يُظاهرُون ويُنصرون على المؤمنين؛ فيجتمع بذلك ما في القلب
من المحبة بمظاهرتهم ونُصرتهم على المسلمين، وهذا ردةٌ واضحة لا شك فيها، لِهذا نفى
الله تعالى عن أنْ يكون المؤمنون يوادّون مخالفيه وأعداءه ولو كانوا أقرب الناس
فقال: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
ﭼ المجادلة:
٢٢ كما أنه سبحانه نهى
عن اتخاذهم أولياء وهم في الحقيقة الأعداء؛ بإسرار المودة وإلقائها إليهم،
فقال: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ
ﭼ الممتحنة:
١
ففي هذَين السياقين
نفي موادة الكافرين الأقربين نسَبًا والأبعدين، والنهي الأكيد عن ذلك، وأنّ
المؤمنين حقًّا لا يُوجَدون موادّين مَن يحادّ الله تعالى ويعاديه ولو كان أقرب
الناس إليهم. وهذا المعنى الذي تقرر في الآيتين السابقتين جاء في سياق آيات النهي
عن اتخاذ الكافرين من دون المؤمنين دُخلاء يُطلعون على أسرار المسلمين وبُطون
أمورهم، بل محبتهم هو السبب الذي ينشأ عنه اتخاذهم خاصةً لذلك، فتأمل السياق تجده
واضحًا: ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﭼ آل عمران: ١١٨ -119.
هذا
بالنسبة للنهي عن موادتهم وموالاتهم التي بمعنى محبتهم التي يكون أصلها في القلب. ثم يتفرع
عنها اتخاذ البطانة. أما عن نُصرة الكافرين ومظاهرتهم على المسلمين فقد جاء
النهي عنه في سياق قوله تعالى: ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﭼ الأنفال:
٧٢ – ٧٣ حيث بيَّن سبحانه أنَّ الكافرين بعضهم
أحبّاء بعض؛ وعليه فإنّ بعضهم ينصر البعض الآخر ولا يخذله، وأنَّ المؤمنين كذلك
يجب عليهم أنْ يتوادّوا وينصروا إخوانهم على المسلمين ولا يخذلونهم، ويفرُّوا من
نُصرة الكافرين ومظاهرتهم على إخوانهم المسلمين.
وبعد
المتقرر من معانِي مشتقات الولاية السابقة أقول:
ما
سبق هما أهم تلك المعاني في بحث مسألة الموالاة والتولّي، وأنهما: الولي بمعنى
المحب، وبمعنى الناصر، وتولاه بمعنى: نصَره، وأحبَّه، واتخذه وليًّا. جاء
بالنسبة للأول: «ولِي فلانًا، وعليه: نصَرَه، وولِي فلانًا: أحبَّه» ([18]).
المطلب الثاني: هل مِن فرقٍ بين
مصطلحَي التَّولِّي والموالاة، أم هما مترادفتان؟
بقي الآن بعد
الذي تقدم أنْ أدخُل في صميم الموضوع، وهو الجزء
الأهم في هذا البحث، المصاغ بـ: هل مِن فرقٍ بين اللفظتين الشرعيين: تولِّي
الكافرين المنهي عنه في عدة نُصوص ومُوالاتهم؛ بحيث يَحرُم الثاني (موالاة
الكافرين) دون أنْ يصِل إلى الإخراج مِن الملة الإسلامية، ويكون الأول (تولِّي
الكفار) مُكفِّرًا، كما قال طائفة مِن العلماء المعاصرين، حتى نظم الشيخ سليمان بن
سُحمان في (عقود الجواهر المنضدة الحسان نظمًا في الفرق بينهما (التولّي
والموالاة)، وقال:
وأصلُ بلاء القوم حيث تورَّطُوا
|
هو الجهلُ في حُكم الموالاةِ عن زلَل
|
فما فرَّقوا بين التوَّلِي وحُكمِه
|
وبين المُوالاة التي هي في العمَل
|
أَخَفّ، ومنها ما يُكفِّر فِعلُه
|
ومنها يكون دون ذلك في الخلَل([20]).
|
أقول:
هذه صورة المسألة. ولتتضح المسألة أكثر أنقل قولَ وحدٍ بل اثنين من العلماء الذين قالوا
بالفرق بين التولي والموالاة، وذكروا الماهية لكلٍّ منهما، وأبدأ بفضيلة الشيخ المحدث
العلامة الفقيه حماد بن محمد الأنصاري –رحمه الله تعالى- حيث قال في الباب الذي عقده وعنْوَن له بقوله: الباب السادس:
في تحريم موالاة الكفار وتولّيهم، وأنَّ الواجب قتالهم حتى يسلموا أو يُعطوا
الجزية عن يدٍ وهم صاغرون: «فموالاة الكفار وتوليهم حرامٌ بالإجماع وبنص القرآن والسنة الصحيحة، فالموالاة: لين الكلام لهم أو إظهار شيء من
البشاشة أو لياثة الدواة، أو بري القلم، أو مناولة القرطاس لهم، قاتلهم الله أنى
يؤفكون، وما أشبه ذلك من الأمور اليسيرة، مع إظهار البراءة منهم ومِن دينهم،
وعلمهم بذلك منك، فمَن فعل شيئًا مما ذكر فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، مع أنه
على خطر عظيم. أما التولي فهو إكرامهم والثناء عليهم، والمعاونة لهم على
المسلمين، والمعاشرة وعدم البراءة منهم ظاهرًا، فهذا مرتد عياذًا بالله تعالى» ([21]).
وأعاد المعنى بعد ذكره آية النهي عن اتخاذ اليهود والنصارى
أولياء، وأنَّ مَن يتولَّهم مِن المسلمين فإنه منهم: «ونظائر هذه الآية تأمر بِموالاة المؤمنين حقًّا
الذين هم حزب الله وجنده، وتخبِر أنَّ هؤلاء لا يولون الإفرنج ولا يتولونهم ولا
يوادونهم، والموالاة والموادة وإنْ كانت متعلقة بالقلب، لكن المخالفة في الظاهر
أعوَن على مقاطعة الكافرين ومباينتهم ومشاركتهم إنْ لم تكن ذريعة أو سببًا قريبًا
أو بعيدًا إلى نوع من موالاتهم وموادتهم فليس فيها مصلحة المقاطعة، مع أنها تدعو
إلى نوعٍ ما مِن المواصلة كما تُوجبه الطبيعة، وتدل عليه العادة التي تسرق من
الطبيعة. وموالاة الكفار وتولّيهم حرامٌ بإجماع العلماء وبالنصوص المتقدمة؛
فالموالاة: لين الكلام لهم، وإظهار شيء من البشاشة، أو لياثة الدواة، أو
بري القلم، أو مناولة القرطاس لهم –قاتلهم الله-، وما أشبه ذلك مِن الأمور
اليسيرة، مع إظهار البراءة منهم ومن دينهم، وعلمهم بذلك منه، فهذا مرتكب
كبيرة مِن كبائر الذنوب كما تقدم، وهو على خطر عظيم. وأما التولي: فهو
إكرامهم والثناء عليهم، والمعاونة لهم على المسلمين، والمعاشرة وعدم البراءة منهم
ظاهرًا، فهذا مرتد كما سلَف» ([22]).
فهنا ذكر الشيخ الماهية والحقيقة لكلٍّ من معنى
التولِّي، والموالاة، وأنَّ ما كان مِن جنس الأمور اليسيرة مع إظهار البراءة من
الكافرين ومِن دينهم كاللين في الكلام، وإظهار البشاشة، ومناولة القرطاس، وبري القلم، ولياثة الدواة:
كلّ هذه وغيرها من جنسها تُعد كبائر الذنوب ولا تُخرج صاحبَها من الملة، أما ما هو
فوق ذلك بأنْ وصَل إلى إكرامهم والثناء عليهم، والمعاونة لهم على المسلمين، والمعاشرة وعدم
البراءة منهم ظاهرًا، فهذا مرتد كما سلَف. وبهذا فرَّق الشيخ هنا بين
الحقيقتين. وفرَّق غيرُه بأشياءَ قريبةً مِن هذه، فقال الدكتور عبد المحسن القاسم –الإمام
والخطيب بالمسجد النبوي-: «اعلم أنَّ الولاء والبراء مع المشركين ينقسم إلى قسمين:
1-
التولِّي، ومعناه: محبة الشرك وأهله،
أو نُصرة الكفار على المؤمنين، أو الفرح بذلك، أو مظاهرتهم ومعونتهم على المسلمين،
وهذا كفرٌ أكبر، قال تعالى: ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭼ المائدة:
٥١ قال البغوي رحمه الله:
(إيمان المؤمن يفسد بموادة الكفار). ...-ثم ذكر قول محمد بن عبد الوهاب المتقدم في
الناقض الثامن، ثم قال-:
2-
الموالاة،
وهي: الموادة والصادقة، ضد المعاداة والمحادة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: (فإنَّ
الولاية ضد العداوة، والولاية تتضمن المحبة والموافقة، والعداوة تتضمن البغض
والمخالفة). وضابطها: أنْ تكون محبة أهل الشرك لأجل الدنيا، ولا تكون معها نُصرة،
وهذا كبيرة من الكبائر، قال تعالى: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭼ الممتحنة:
١ ، قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو
حاجة فتكون ذنبًا ينقص به إيمانه، ولا يكون به كافرًا، كما حصل من حاطب بن أبي
بلتعة.
والفرق بين التوّلِّي والموالاة: أنَّ التولِّي
كفرٌ أكبر يُخرج من الملة، والموالاة كبيرة من كبائر الذنوب ...» ([23]).
فالدكتور هنا فرَّق بين الأمرين بالضابط الذي ذكره
لهما، ثم بالحكم في الآخير. والدكتور عبد المحسن القاسم وقبله الشيخ حماد
الأنصاري، وكذلك الشيخ سليمان بن سُحمان في قوله المتقدم:
وأصلُ بلاء القوم حيث تورَّطُوا
|
هو الجهلُ في حُكم الموالاةِ عن زلَل
|
فما فرَّقوا بين التوَّلِي وحُكمِه
|
وبين المُوالاة التي هي في العمَل
|
أَخَفّ، ومنها ما يُكفِّر فِعلُه
|
ومنها يكون دون ذلك في الخلَل([24]).
|
هؤلاء لَمِن أشهَرِ
مَن فرَّق بين المصطلحين ممن وقفتُ على كلامهم، ففي قول الشيخ حماد أنّ الموالاة
يكون بمثل الأشياء اليسيرة التي ذكرها، وفي قول الدكتور عبد المحسن أنّ ضابطها
(الموالاة): أنْ تكون محبة أهل الشرك لأجل الدنيا، ولا تكون معها نُصرة، كما أنَّ
الشيخ ابن سُحمان في أبياته يَجعَل الموالاة بأنها تكون في العمل دون المحبة. لكنه
لي عدة وقفات مع هذه الضوابط التي ذكرها المشايخ رحمهم الله، كالآتي:
الوقفة الأولى: أنَّ التفريق بين المصطلحين لم نجده عند العلماء
المتقدمين، بل جاء عند المتأخرين، وتحديدًا (مع فتنة الخليج –الكويت-).
الثانية: لفظة
التولى جاءت في آيات لاحقات، أما الموالاة -بلفظها هذه- منهية الاتصاف بها تجاه
الكافرين بأصنافهم فإنها لم تأتِ في النصوص، وإن كان جاء شيء من مشتقاتها، وهو جمع
الولي (الأولياء)، ولعل مأخذها من هنا عند الذين فرَّقوا بين المصطلحين.
الثالثة: الذين
فرَّقوا بين المصطلحين ممن وقفتُ على كلامهم لم يذكروا ضوابط جامعة مانعة ضبطت لهم
هذا التفريق، بل إنَّ بعضهم ذكروا أمورًا ليست من قبيل المنهيات. يؤيِّده:
الرابعة: إننا
وجدنا أنّ النصوص الشرعية تأذن في برّ مَن لم يقاتل المسلمين، كما تأذن بل وتؤكد
على إنصافه وعدم ظلمه، والبر شامل.
الخامسة: أننا
وجدنا مواقف كثيرة في سنة رسول الله r الشريفة، وكذلك مواقف بعض صحابته تجاه أمهاتهم
الكافرات، وأنَّ النبي أمر بصلتهن مع الشرك، ولم يحرمه؛ ففي الصحيحين عن أسماء بنت
أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: قدِمت أمِّي وهي مشركةٌ، في عهد رسول الله r فاستفتيتُ رسولَ الله r، قلتُ: إنَّ أمّي قدمت وهي راغبةٌ، أفأصل أمّي؟ قال: "نعم؛
صِلِي أمَّك"([25]).
في
رواية مسلم المتقدمة (راغبة أو راهبة). قال النووي: «قيل معناه: طامعة فيما
أعطيتها حريصة عليه ... وفيه جواز صلة القريب المشرك» ([27]).
وقال
الحافظ ابن حجر: «وقولها: (راغبة) في شيء تأخذه وهي على شركها، ولهذا استأذنت
أسماء في أن تصلها. ... وقال الخطابي: فيه أنَّ الرحم الكافرة توصل من المال ونحوه
كما توصل المسلمة» ([28]).
الخامسة: أما
ما ذكره الشيخ حماد في الموالاة فتبين بالأوجه السابقة أنها ليست هي ماهيته، وأن
أكثرها قد تكون جائزة في ؟؟؟؟؟؟؟ كما أنّ قول الدكتور عبد المحسن ؟؟؟؟؟
الوقفة
الأخيرة: قد تقدم
في الموضعين مِن كلام الشيخ حماد الأنصاري بأنَّ موالاة الكفار وتولّيهم حرامٌ بالإجماع
وبنص القرآن والسنة الصحيحة، وعليه فأقول هنا تأكيدًا لبعض ما قاله: إنَّه قد جاءت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة بِهذا النهي
إلا أنني سأختار منها نصوصًا لها بالغ الأثر وكبيره في مسألتنا هذه (مسألة تولِّي
الكفار وموالاتهم)؛ وأكتفي بذكر أشهرها مع إبراز أوجه الشاهد منها، مدعمةً بفهم
العلماء المحققين من الصحابة y
ومَن بعدهم حتى يتضح المقام:
أولا:
آيتان من سورة آل عمران: الأولى: قوله تعالى: ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ
ﭼ آل
عمران: ٢٨ والثانية
قوله: ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
ﭼ آل
عمران: ١١٨ والآية
الأولى أشد تخويفًا من الثانية([29]) حيث إنَّ فيها الوعيد بأنَّ فاعل المنهي عنه هنا
ليس من الله في شيء، ... قال الحافظ ابن كثير:
«نهى
الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين، وأن يتخذوهم أولياء يسرون
إليهم بالمودة من دون المؤمنين، ثم توعد على ذلك فقال: ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ
ﭼ آل
عمران: ٢٨ أي : من يرتكب نهي الله في هذا فقد برئ من
الله ... وقوله: ﭽ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ
ﭼ آل
عمران: ٢٨ أي: إلا مَن خاف في بعض البلدان أو الأوقات مِن
شرهم فله أن يتَّقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته، كما حكاه البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: "إنا لنكشر في وجوه أقوام
وقلوبنا تلعنهم »([30]).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: «وهذا نهي من الله تعالى للمؤمنين عن
موالاة الكافرين بالمحبة والنصرة والاستعانة بهم على أمر من أمور المسلمين، وتوعد
على ذلك فقال: ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ
ﭼ آل
عمران: ٢٨ أي: فقد انقطع عن الله، وليس له في دين الله
نصيب، لأن موالاة الكافرين لا تجتمع مع الإيمان، لأن الإيمان يأمر بموالاة الله
وموالاة أوليائه المؤمنين المتعاونين على إقامة دين الله وجهاد أعدائه، ... فمَن
والى الكافرين من دون المؤمنين الذين
يريدون أن يطفؤا نور الله ويفتنوا أولياءه خرج من حزب المؤمنين، وصار من حزب
الكافرين، قال تعالى: ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭼ المائدة:
٥١ .
وفي هذه الآية دليل على الابتعاد عن الكفار وعن معاشرتهم وصداقتهم، والميل إليهم
والركون إليهم، وأنه لا يجوز أن يُولى كافرٌ ولايةً من ولايات المسلمين، ولا يستعان
به على الأمور التي هي مصالح لعموم المسلمين» ([31]).
ثانيًا مِن الأدلة
المؤثِّرة: قوله
تعالى: ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﭼ النساء:
١٣٨ - ١٣٩
ثالثًا: وهو أوضح
سياق في التنفير عن اتخاذ الكفار من اليهود والنصارى أولياء هو آيات سورة المائدة:
قال
تعالى: ﭽ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﭼ
المائدة: ٥١ – ٥٧
وهذا السياق فيه أنَّ
مَن تولاهم فإنه منهم، كما أنَّ فيه غير ذلك من الوعيد كوصفهم بأنهم ظالمون –والظلم
كثيرًا يأتي بمعنى الشرك- والله لا يهدي أمثالهم،
قال المفسر ابن عطية: « ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭼ ... مَن تولاهم بمعتقده ودينه فهو منهم في
الكفر واستحقاق النقمة والخلود في النار، ومَن تولاهم بأفعاله من العضد ونحوه دون
معتقد ولا إخلال بإيمان فهو منهم في المقت والمذمة الواقعة عليهم وعليه» ([32]).
قال الشيخ محمد الأمين
الشنقيطي في تفسير الآية الأولى بعد إيراد نظائر الآية: «ويفهم من ظواهر هذه الآيات أنَّ من
تولى الكفار عمدًا اختيارًا رغبة فيهم أنه كافرٌ مثلهم» ([33]).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: «... ولهذا قال: ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭼ لأن التولي التام يوجب الانتقال إلى
دينهم، والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم يتدرج شيئًا فشيئًا حتى يكون العبد
منهم» ([34]).
رابعًا: قوله تعالى: ﭽ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ
المائدة: ٨٠ – ٨١
وهذا السياق أنه لو كان مع الذين يتولون الكافرين
إيمان بالله وبما اُنزل إليه ما اتخذوا أعداء الله أولياء، وهو سياقٌ فيه وعيد
شديد، مثل الذي قبله.
خامسًا: قوله سبحانه: ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ
ﭼ التوبة:
٢٣ – ٢٤
وهذا السياق فيه
النهي عن اتخاذ أخص الناس أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان، وأنّ مَن فعل ذلك
ظالم ومتوعد بالفسق. ومثله:
سادسًا: قوله سبحانه ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
ﭼ المجادلة:
٢٢
وقال: «وقوله
تعالى: ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ﭼ المجادلة:
٢٢ أي: مَن
اتصف بأنه لا يواد مَن حاد الله ورسوله ولو كان أباه أو أخاه، فهذا ممن كتب الله
له السعادة وقررها في قلبه وزين الإيمان في بصيرته» ([36]).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيرها: «أي: لا يجتمع هذا وهذا، فلا يكون العبد
مؤمنا بالله واليوم الآخر حقيقة، إلا كان عاملا على مقتضى الإيمان ولوازمه، من
محبة مَن قام بالإيمان وموالاته، وبغض من لم يقم به ومعاداته، ولو كان أقرب الناس
إليه. وهذا هو الإيمان على الحقيقة، الذي وجدت ثمرته والمقصود منه، وأهل هذا الوصف
هم الذين كتب الله في قلوبهم الإيمان أي: رسَمه وثَبَّتَه وغرَسَه غرسًا، لا
يتزلزل، ولا تؤثر فيه الشبه والشكوك ... وأما مَن
يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الآخر، وهو مع ذلك مواد لأعداء الله، محب لمن ترك
الإيمان وراء ظهره، فإنَّ هذا إيمان زعمِيٌّ لا حقيقة له، فإنَّ كل أمر لا بد له
من برهانٍ يُصدقه، فمجرد الدعوى لا تفيد شيئًا، ولا يصدق صاحبها» ([37]).
سابعًا: قوله سبحانه ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ الممتحنة: ١ – ٢
وسبب نزول هذه الآية هو قصة حاطب بن
أبي بلتعة t
حين كتب إلى قريش كتابًا يُخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله r من
الأمر في السير إليهم، ثم أعطاه امرأة، لتبلغه لقريش، إلى أن لحقها علي والزبير بن
العوام بأمر الرسول، والقصة شهيرة، ومخرجة في الصحيحين، عَن عَلِيّ t قال: بَعَثَنِي رَسُولُ
اللَّهِ r أَنَا
وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ قَالَ: " انْطَلِقُوا
حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخ؛ فَإِنَّ بِهَا
ظَعِينَةً، وَمَعَهَا كِتَابٌ؛ فَخُذُوهُ مِنْهَا؛ " فَانْطَلَقْنَا
تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ؛ فَإِذَا
نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ مَا مَعِي مِنْ
كِتَابٍ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ
فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا([38])، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ
اللَّهِ r ..
الحديث -وفيه: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؛ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ
اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا
شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ"([39]).
وفي بَاب غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَمَا بَعَثَ
حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِغَزْوِ
النَّبِيِّ r عند
البخاري، زيادةُ مفادُها أنّ الله تعالى أنزل أول الممتحنة بسبب ذلك([40]).
فالله تعالى نادى حاطبًا t باسم الإيمان، والنبي r ذكر فضيلة أهل بدر –وهو
منهم- لأجله.
وقال
الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير آية سورة الممتحنة: «... هذه
الآيات فيها النهي الشديد عن موالاة الكفار من المشركين وغيرهم، وإلقاء المودة
إليهم، وأن ذلك مناف للإيمان، ومخالف لملة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام،
ومناقض للعقل الذي يوجب الحذر كل الحذر من العدو، الذي لا يبقي من مجهوده في
العداوة شيئا، وينتهز الفرصة في إيصال الضرر إلى عدوه، فقال تعالى: ( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) اعملوا بمقتضى إيمانكم، من
ولاية من قام بالإيمان، ومعاداة من عاداه، فإنه عدو لله، وعدو للمؤمنين. فلا تتخذوا عدو الله ( وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ
تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) أي: تسارعون في مودتهم وفي السعي بأسبابها، فإن المودة إذا حصلت،
تبعتها النصرة والموالاة، فخرج العبد من الإيمان، وصار من جملة أهل الكفران،
وانفصل عن أهل الإيمان.
وهذا المتخذ للكافر وليا، عادم المروءة أيضا، فإنه كيف يوالي أعدى
أعدائه الذي لا يريد له إلا الشر، ويخالف ربه ووليه الذي يريد به الخير، ويأمره
به، ويحثه عليه؟! ومما يدعو المؤمن أيضا إلى معاداة الكفار، أنهم قد كفروا بما جاء
المؤمنين من الحق، ولا أعظم من هذه المخالفة والمشاقة، فإنهم قد كفروا بأصل دينكم،
وزعموا أنكم ضلال على غير هدى.
والحال أنهم كفروا بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية، ومن رد الحق فمحال
أن يوجد له دليل أو حجة تدل على صحة قوله، بل مجرد العلم بالحق يدل على بطلان قول
من رده وفساده» ([41]).
فالله
تعالى في الآيات المتقدمة «بيَّن أنَّ الإيمان يفسُد بموالاة الكفار وإن كانوا
أقارب» ([42]).
وقال
الشيخ حماد بعد أن أورد هذه الآيات: «ولا تجتمع محبة الله ومحبة أعداء الله
والإسلام في قلب مسلم، قال ابن القيم رحمه الله:
أتحب أعداء الحبيب وتدّعي
|
حُبًّا له ما ذاك في إمكانِ
|
فإذا
فهمتَ ما تقدم من الآيات المهددة والأحاديث المتوعدة لمن تولى الملحدة: علمتَ أنَّ
كثيرًا من أهل هذا الزمان قد انحرف عن الدين انحرافًا بيِّنًا لا محالة، عياذًا
بالله من الشيطان آمين، ومَن تولاه واتبع هواه» ([43]).
ثامنًا: ومن الايات التي
هي في البر بغير الحربيين من الكفار وأعداء الله والمسلمين وإنصافهم وعدم ظلمهم،
قوله تعالى: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ
ﭼ البقرة:
١٢٠ وقوله: ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ
ﭼ المائدة:
٨ مع قوله:ﭽ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ الممتحنة: ٨ – ٩
وقال
الشيخ عبد الرحمن السعدي: « أي: لا ينهاكم الله عن البر والصلة،
والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم
ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن
صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا مفسدة كما قال تعالى عن الأبوين المشركين
إذا كان ولدهما مسلما: ﭽ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﭼ لقمان:
١٥ » ([44]).
ابن جرير الطبري
قال أبو جعفر: وهذا نهيٌ من الله عز
وجل المؤمنين أن يتخذوا الكفارَ أعوانًا وأنصارًا وظهورًا، ولذلك كسر"يتخذِ"،
لأنه في موضع جزمٌ بالنهي، ولكنه كسر"الذال" منه، للساكن الذي لقيه وهي ساكنة.
(1)
* * *
ومعنى ذلك: لا تتخذوا، أيها المؤمنون، الكفارَ ظهرًا وأنصارًا
توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، (2) وتدلُّونهم على
عوراتهم، فإنه مَنْ يفعل ذلك ="فليس من الله في شيء"، يعني بذلك: فقد برئ
من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر ="إلا أن تتقوا منهم
تقاة"، إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم،
وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مُسلم
بفعل (ج6/ص313).
ثم أورد آثارًا عن ابن عباس بذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا
وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره:
يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، وأقروا بما جاءهم به نبيهم من عند ربهم ="لا
تتخذوا بطانة من دونكم"، يقول: لا تتخذوا أولياء وأصدقاء لأنفسكم ="من دونكم"
يقول: من دون أهل دينكم وملَّتكم، يعني من غير المؤمنين.
* * *
وإنما جعل"البطانة" مثلا
لخليل الرجل، فشبهه بما ولي بطنه من ثيابه، لحلوله منه -في اطِّلاعه على أسراره وما
يطويه عن أباعده وكثير من أقاربه- محلَّ ما وَلِيَ جَسده من ثيابه.
* * *
فنهى الله المؤمنين به أن يتخذوا من
الكفار به أخلاء وأصفياء، ثم عرّفهم ما هم عليه لهم منطوون من الغش والخيانة، وبغيهم
إياهم الغوائل، فحذرهم بذلك منهم ومن مخالَّتهم
(ج7/ص138-139)
القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ
فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) }
قال أبو جعفر: أما قوله جل ثناؤه:"الذين
يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين"، فمن صفة المنافقين. يقول الله لنبيه:
يا محمد، بشر المنافقين الذين يتخذون أهل الكفر بي والإلحاد في ديني"أولياء"=
يعني: أنصارًا وأخِلاء (1) ="من دون المؤمنين"، يعني: من غير المؤمنين
(2) ="أيبتغون عندهم العزة"، يقول: أيطلبون عندهم المنعة والقوة، (3) باتخاذهم
إياهم أولياء من دون أهل الإيمان بي؟ ="فإن العزة لله جميعًا"، يقول: فإن
الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاءَ العزة عندهم، هم الأذلاء الأقِلاء، فهلا
اتخذوا الأولياء من المؤمنين، فيلتمسوا العزَّة والمنعة والنصرة من عند الله الذي له
العزة والمنعة، الذي يُعِزّ من يشاء ويذل من يشاء، فيعزُّهم ويمنعهم؟ (ج9/ص319).
قال أبو جعفر: والصواب من القول في
ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهَىَ المؤمنين جميعا أن يتخذوا اليهود والنصارى
أنصارًا وحلفاءَ على أهل الإيمان بالله ورسوله وغيرَهم، (2) وأخبر أنه من اتخذهم نصيرًا
وحليفًا ووليًّا من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزُّب على الله وعلى
رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان. وقد يجوز أن تكون الآية نزلت في شأن
عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي ابن سلول وحلفائهما من اليهود= ويجوز أن تكون نزلت
في أبي لبابة بسبب فعله في بني قريظة= ويجوز أن تكون نزلت في شأن الرَّجلين اللذين
ذكر السدي أن أحدَهما همَّ باللحاق بدهلك اليهودي، والآخر بنصرانيّ بالشأم= ولم يصحّ
بواحدٍ من هذه الأقوال الثلاثة خبرٌ تثبت بمثله حجة، فيسلّم لصحته القولُ بأنه كما
قيل.
فإذْ كان ذلك كذلك، فالصواب أن يحكم
لظاهر التنزيل بالعموم على ما عمَّ، ويجوز ما قاله أهل التأويل فيه من القول الذي لا
علم عندنا بخلافه. غير أنه لا شك أن الآية نزلت في منافق كان يوالي يهودًا أو نصارى
خوفًا على نفسه من دوائر الدهر، لأن الآية التي بعد هذه تدلّ على ذلك (ج10/ص
398-399).
وفي (ج10/ص400) قال:
القول في تأويل قوله عز ذكره: {وَمَنْ
يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"ومن
يتولهم منكم فإنه منهم"، ومن يتولَّ اليهود والنصارى دون المؤمنين، فإنه منهم.
يقول: فإن من تولاهم ونصرَهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى
متولً أحدًا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ. وإذا رضيه ورضي دينَه، فقد عادى ما
خالفه وسَخِطه، وصار حكُمه حُكمَه، (1) ولذلك حَكَم مَنْ حكم من أهل العلم لنصارى بني
تغلب في ذبائحهم ونكاح نسائهم وغير ذلك من أمورهم، بأحكام نصَارَى بني إسرائيل، لموالاتهم
إياهم، ورضاهم بملتهم، ونصرتهم لهم عليها، وإن كانت أنسابهم لأنسابهم مخالفة، وأصل
دينهم لأصل دينهم مفارقًا
(جامع
البيان في تأويل القرآن
المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير
بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)
المحقق: أحمد محمد شاكر
الناشر: مؤسسة الرسالة
الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م
عدد الأجزاء: 24
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، والصفحات مذيلة بحواشي أحمد
ومحمود شاكر، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير)
([17])
بطانة الرجل: وليجته، وهم دُخلاؤه الذين يبطنون أمره، انظر: الصحاح للجوهري، مادة:
بطن، ص96، ومقاييس اللغة لابن فارس، المادة نفسها، ص137، وتفسير القرآن العظيم
لابن كثير، (ج1/ص518-519، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص144).
وقد نهى الله تعالى عن
اتخاذ غير المؤمنين دُخلاء وخاصة، فقال: ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼ ﭽ ﭾ
ﭼ التوبة: ١٦ وقال اللغويون: وليجة الرجل:
خاصته وبطانته (الصحاح للجوهري، مادة ولج، ص1159، وانظر: مقاييس اللغة لابن فارس،
المادة نفسها، ص1105، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ج5/ص272-274).
([25])
أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب الهدية
للمشركين وقول الله تعالى: ﭽ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ الممتحنة:
٨ ، رقم: 2620، وكتاب الجزية والموادعة، باب (بدون ترجمة)،
رقم: 3183، وكتاب الأدب، باب صلة المرأة أمها ولها زوج، رقم: 5979، وصحيح مسلم: كتاب
الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا
مشركين، رقم: 1003.
No comments:
Post a Comment