مسألة علم الغيب، وأنه مِن خصائص الله تعالى (لا يعلمه أحدٌ غيرُه)
التمهيد: في التعريف بالغيب وذِكر أنواعه:
الغيب هو ما استتر وغاب عن
الحواس، قال ابن فارس –رحمه الله-: « غيب: الغين والياء والباء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ
على تستُّر الشيء عن العيون. ثم يقاس من ذلك الغيب ما غاب مما لا يعلمه إلا الله.
ويقال: غابت الشمس تَغِيب غيبةً وغيوبًا، وغاب الرجل عن بلده. وأغابت المرأة فهي
مُغِيبةٌ؛ إذا غاب بعلُها »([1]).
وفي حديث جابر الطويل في قصة زواجه t مرفوعًا: " أمهِلوا حتى تدخلوا ليلاً -أي: عِشاءً- لِكَيْ تمتشط الشَعِثَةُ، وتسْتحِدَّ المُغِيبة([2]) "([3])،
والمُغيبة: التي غاب عنها زوجها. ويقال: غاب عنه فلانٌ غيبةً وغَـيْـبًا وغيابًا
وغيوبًا ومغيـبًا([4]) .
وأما الغِيبة -بكسر فاء الكلمة- فهي الوقيعة في الناس؛ لأنَّها لا تقال إلا
في غَيبتهم([5]).
هذه أهم معاني الكلمة في اللغة.
وأما الغيب في الشرع: فهو
لا يختلف عن المعنى اللغوي، قال ابن الجوزي –رحمه الله-: « وأصل الغيب المكان المطمئن الذي يستتر فيه؛
لنزوله عما حوله فسُمِّي كلُّ مستَتِرٍ، غَيْبًا »([6]). ثم ذكر ستة أقوالٍ في المراد بالغيب الذي امتدح
الله المتقين المتصفين به في قوله: ﭽ ﭝ ﭞ ﭟ ﭥ ﭼ [ البقرة: ٣ ]، ونسَبَ كلَّ قولٍ إلى قائله من الصحابة
والتابعين، وأنا هنا أذكرها بدون نِسبتها إلى أصحابها تلخيصًا، وهي:
أوَّلاً: أنه الوحي. (أي: الكتاب والسنة
وأخبارهما الماضية والمستقبلة). ثانيًا:
القرآن. (أي:
أخباره وأقاصيصه الماضية والمستقبلة غيبٌ عنا). ثالثًا:
الله U. (والله
ذاتُه وكيفيّة صفاته غيبٌ، وليس غائبًا). رابعًا:
ما غاب عن العباد من أمر الجنة والنار([7])، ونحوِ ذلك مما ذُكِر في القرآن، (وهذا
يرجع إلى الثاني). خامسًا: أنّه قدَر الله U ( والقدر سرُّ الله ). سادسًا:
أنّه الإيمان بالرسول في حق من لم يرَه([8]) .
والغيب على نوعين؛ مطلَق ونِسبِيّ.
فالنِّسبي:
هو الذي يكون لمخلوقٍ معلومًا، ولآخر مجهولاً، أو الغيب في حالٍ دون حالٍ؛ بحيث
يمكن التعرّف عليه في الدنيا، إما مطلقًا أو بعد توفُّر الأسباب المؤدية إلى
معرفته. والعلم بهذا النوع من الغيب يكون جزئيًا ونسبيًّا بحيث لا يختص بعلمه أحدٌ
معيَّن، أو طبقة خاصة؛ فيحصل للوليِّ وغيرِ الولي، وللمسلم والكافر، وللعالم
والجاهل([10]) .
النوع الأول: ما ورد
النّص الصريح على أنَّ الله قد كتَمه عن خلقه، فلا اطلاع لأحدٍ من الخلق عليه؛ لا
ملَكٍ مقرَّبٍ، ولا نبيٍّ مرسل، كمفاتيح الغيب الخمسة([13]).
أما النوع الثاني من الغيب المطلق:
فهو ما لم يرِد نصٌّ صريحٌ على أنَّ الله كتمه عن خلقه، فهذا قد يُطلع الله بعض
خلقه على شيءٍ منه كالملائكة والرسل([14]) .
والله أعلم.
**
* **
وبعدُ، أقول: إنّ من الأمور التي وضّحها الله تعالى في
القرآن أتمّ بيانٍ وتوضيح، وأمَر عبده ورسولَه محمدًا بتبليغها إلى الأمة: كونه r
لا يعلم الغيب. وعند تأمل القرآن نرى أنّ كلّ آية صرّحت باختصاص الله تعالى بعلم الغيب
فإنها في الوقت ذاته تتضمن نفيَـه عن هذا العبد r،
وعن غيره بالأحرى. كما أنّه –بالإضافة إلى ما سبق- هناك آيات صرّحت بأنه عليه
الصلاة والسلام لا يعلم الغيب. وهذا الأمر قد صرَّح به العبد الرسول r
في غير ما حديث، وقد جاءت عشرات الأدلة في كتب الحديث، ووقائع السيرة تشهد لذلك.
ففي الكتاب والسنة الرد المفحم على ما
يدّعيه المدعون مِن أنّه r
يعلم الغيب المطلق، وعنده مفاتحه([15])! وأُذكّر هنا قبل كل شيء بقول البريلويّ: (إنّ النبِيّ عليه الصلاة والسلام يعلم الغيوب الخمسة التي هي
مخصوصة بذات الله تبارك وتعالى) ([16]) ثم ذكر آية لقمان.
وقال أيضًا: (إنّه r
أوتي علم الخمس في آخر الأمر لكنه أُمر فيها بالكتمان) ([17]).
ثم ليُعلَم أنّ ما
أعلم الله تعالى عبده في قضية من القضايا فإنّها صارت عنده ليست بغيب، وإنْ كانت غيبًا
عند غيره.
وعلى هذا فإذا كان النبِيُّ r
لا يعلم الغيب، فكيف يعلم ذلك غيرُه من الأنبياء عليهم السلام، ثم كيف يعلم ذلك
مَن هم دونَهم من الأولياء والصالحين!([18]).
وأما الدعاوى البريلوية السابقة فباطلة
بدلائل الكتاب والسنة القادمة.
ولبيان ما تضمنّه هذا العُنوان أقول: قد
تنوّعت دلالاتُ نصوص الكتاب والسنة في
بيان اختصاص الله وحده لا شريك له واستئثاره بعلم ما غاب عن العباد، وأنّه لا
يستقلّ به أو يشارك اللهَ في معرفته حتى أقرب الخلق إليه، مِن ملائكته المقرَّبين،
وأنبيائه ورُسُلـه والصالحين، فمِن تلك الدلالات:
أولا:
النصوص التي فيها بيان استئثار الله وحده بعلم ما غاب عن العباد، وهي على أربعة أنواع:
النوع الأول: النصوص التي فيها أنّ
الله وحده ﭽ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﭼ: قال الله تعالى في قصة الملائكة مع أبينا
آدم -u-: ﭽ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ [البقرة: ٣٣]. وقال: ﭽ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮡ ﭼ [هود: ١٢٣]. وقال: ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯣ ﭼ [النحل:
٧٧].
وقال: ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ
ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯹ ﭼ [الكهف: ٢٦].
وقال: ﭽ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭼ [فاطر: ٣٨].
وقال: ﭽ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﭼ [الحجرات:
١٨].
النوع
الثاني: النصوص التي فيها أنّ الله وحده ﭽ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﭼ:
قال الله تعالى: ﭽ
ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭼ [الأنعام: 73].
وقال: ﭽ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ [التوبة: ٩٤].
وقال: ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﭼ [التوبة: ١٠٥].
وقال: ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﭼ [الرعد:8-٩]. وقال:
ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ [المؤمنون:91-٩٢].
وقال: ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮣ ﭼ [السجدة:5-٦]. وقال:
ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯨ ﭼ [الزمر:
٤٦].
وقال: ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮬ ﭼ [الحشر:
٢٢].
وقال: ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭼ [الجمعة: ٨]،
وقال: ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ [التغابن:
١٨].
النوع
الثالث: النصوص التي فيها أنّ الغيب إطلاقًا لله وحده، قال
الله تعالى: ﭽ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰇ ﭼ [يونس: ٢٠].
فالله تعالى هو الذي
عنده ﭽ ﯭ
ﯮ ﯯ ﯰ
ﯱ ﯲﯳ ﯴ
ﯵ ﯶ ﯷ
ﯸﯹ ﯺ ﯻ
ﯼ ﯽ ﯾ
ﯿ ﰀ ﰁ
ﰂ ﰃ ﰄ
ﰅ ﰆ ﰇ
ﰈ ﰉ ﰊ
ﰋ ﰌ ﰍ ﭼ [الأنعام: ٥٩ ].
وقد بيَّن النبيُّ r
هذه المفاتيح التي لا يعلمها إلا الله بقوله فيما رواه عنه ابنُ عمر رضي الله عنهما: " مفاتيح الغيب خمسٌ لا يعلمها إلا الله؛ لا يعلم ما في
غدٍ إلا الله، ولا يعلم ما تغِيض
الأرحامُ إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحدٌ إلا الله، ولا تدري نفسٌ بأيِّ أرضٍ
تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله "
([19])، وفي رواية للبخاري: " مفاتيح الغيب خمس ثم قرأ: ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﰉ ﭼ [ لقمان: ٣٤ ] ([20]).
وهو العالم بما كان وما يكون، وما لم يكنْ لو كان
كيف يكون، الذي لا يضلُّ ولا ينسى، والذي هو بكلِّ شيءٍ عليم، كما أنَّه سبحانه
وتعالى على كلِّ شيءٍ قديرٌ، قال تعالى: ﭽ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﭼ [ الطلاق: ١٢ ]، فالغيب عنده
سبحانه وتعالى شهادة. والآيات التي فيها أنَّ الله قد أحاط بكلِّ شيءٍ
علمًا، فهو عالِمُ ما غاب عن عباده وما شهِدوه كثيرةٌ جدًّا.
وأما الأحاديث التي تُبين استئثار
الله U
بعلم الغيب فكثيرة جدًّا؛ ومنها:
حديث دعاء الهم والحزن الذي رواه ابن مسعود t قال مرفوعًا، وفيه: " .. أسألك بكلِّ اسمٍ هو لَكَ، سمَّيتَ به نفسك،
أو أنزلته في كتابك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛
أن تَجعل القرآنَ ربيعَ قلبي، .."
([21]) .
وعن
حماد ([22]) قال حدثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ
أَبِيهِ ([23]) قَالَ: « صَلَّى بِنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ
t ([24]) صَلاةً فَأَوْجَزَ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ
بَعْضُ الْقَوْمِ: لَقَدْ خَفَّفْتَ أَوْ أَوْجَزْتَ الصَّلاةَ؟ فَقَالَ: أَمَّا عَلَى
ذَلِكَ فَقَدْ دَعَوْتُ فِيهَا بِدَعَوَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r، فَلَمَّا قَامَ تَبِعَهُ
رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ هُوَ أُبَيٌّ، غَيْرَ أَنَّهُ كَنَى عَنْ نَفْسِهِ، فَسَأَلَهُ
عَنْ الدُّعَاءِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَخْبَرَ بِهِ الْقَوْمَ: اللَّهُمَّ
بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ
الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ
وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، .. "الحديث([25]). إلى غير ذلك مِن
الآثار.
النوع الرابع: النصوص التي
فيها بيانُ أنّه إلى الله وحده مردّ علم الساعة: قال الله تعالى: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭼ [الأحزاب:
٦٣].
وقال: ﭽ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭰ ﭼ [فصلت: ٤٧]. وقال:
ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﭼ [الزخرف: ٨٥].
ثانيًا: النصوص التي فيها أنَّ جميع مَن في
الأرض بِما فيهم الأنبياء والرسل –عليهم السلام-، وبما فيهم رسولُنا r، والجن وبقية الإنس، وجميع مَن في السماوات، بما فيهم الملائكة،
سوى الله U لا يعلمون الغيب: قال الله تعالى: ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ [النمل: ٦٥].
فقد أرشد الله عبدَه ورسولَه محمدًا r
أنْ يقول بهذه الآية ويعتقدها ويعلِّمها الخلق: وفيها عمومٌ في النفي وخصوصٌ في
الإثبات، فهي ككلمة (لا إله إلا الله)، إذْ كلُّ ما سوى الله منفيٌّ عنه علم الغيب
كما نُفي عنه استحقاق الإلهية؛ لأنَّ ذلك كِلَيهما من خصائص الرب الإله، وقُدِّم
النفي على الإثبات ليشمل كلَّ من في الأرض والسماوات، ثم جاء الإثبات لاستثناء
الله U
من بينِ عمَّار السماوات.
ويشهد للآية في نفي علم الغيب عن عموم الجنّ
من بين عُمَّار الأرض قوله تعالى في قصة سليمان u: ﭽ ﯸ ﯹ
ﯺ ﯻ ﯼ
ﯽ ﯾ ﯿ
ﰀ ﰁ ﰂ
ﰃ ﰄﰅ ﰆ
ﰇ ﰈ ﰉ
ﰊ ﰋ ﰌ
ﰍ ﰎ ﰏ
ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﭼ [ سبأ: ١٤ ].
كما يشهد لها في نفي علم الغيب عن عموم
الملائكة من بين عُمّار السماوات قوله تعالى في قصة خلق آدم u:
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ [ البقرة: 30 ـ٣٢ ]([26]) .
ثالثًا: النصوص التي فيها شواهدُ دالةٍ على
عدم علم الأنبياء والمرسلين –عليهم السلام-
ما غـيَّـبه الله عنهم، مع أنَّهم الـخيرة من خلقـه:
فقد تبرئ نوحٌ u ونفى عن نفسه علم الغيب وذكر أنّه لو ادعى فهو من الظالمين، فقال
–فيما ذكَر عنه تعالى- : ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﭼ [هود: ٣١].
كما أنه u لم يدرِ أنَّ ابنَه الذي غرِق ليس من أهله الموعود بنجاتهم حتى
أخبره الله بقوله: ﭽ ﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ [ هود: 46 ـ ٤٧ ] ([27]). وقل مثل ذلك في شأن
امرأته u.
وأما خليل الرحمن إبراهيم u فمن النماذج على أنَّه لا يعلم الغيب: ذبْحُه العجل للملائكة، ولم
يعلم أنَّهم ملائكةٌ، ولا لِماذا جاؤوا حتى أخبروه من هم! وأنََّهم رُسلُ الله إلى
قوم لوط ([28])، وقد جاءت القصة في سُوَر كثيرة منها سورة
الذاريات ([29]).
وأما لوطٌ u فكذلك؛ إذْ لَمّا جاءته الملائكة لم يعلم بأنَّهم ملائكة، وخاف
لضيوفه أنْ يفعل بهم قومُه فاحشتَهم المشهورة، حتى أخبروه و ﭽ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﭼ [ هود: ٨١] ([30])،
ولم يدر كذلك بحقيقة امرأته، وأنَّها كافرةٌ حتى أعلمه الله، قال تعالى: ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ [التحريم: ١٠].
وأما يعقوب u فقد وافق بـنِيه على إرسال يوسف وبعده أخاه (بنيامين) عليهما السلام معهم، ولم يعلم بالذي دبَّره إخوة
يوسف عليه من الإجماع على أن يجعلوه في غيَابَة الجُبِّ. وقد ابيضت عيناه من الحزن
على يوسف u حتى ذهب عنه بصرُه، وهو في مصر لا يعرف خبرَه وخبر أخيه حتى أظهرهما الله([31])،
ولو كان يعلم الغيب لـما أمِن بقولهم([32]).
ولَما سأل فرعون موسى u عن القرون الأولى تبرَّأ من علم الغيب وردَّ علمَها إلى علام
الغيوب، قال تعالى: ﭽ ﰘ
ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ [ طه: ٥٢ ]، ولَمّا همَّ آل فرعون
بقتله u
وأرسل فرعون من يبطشوا به من الجنود وذلك بعد قتله القبطي الذي يقتتل مع
الإسرائيلي في قصتهما المشهورة، لم يعلم بذلك إلا بعدما أخبره ذلك الرجل الذي جاء
من أقصى المدينة (20 من سورة القصص). ولما قتِل قتيلٌ في بني إسرائيل وطُلب من
موسى u
أنْ يُبيِّن لهم القاتل لم يكن يعلم من هو ذاك القاتل حتى دعا الله وأمره سبحانه
أنْ يأمرهم بذبح بقرة ...، كما في قصة سورة البقرة [ آيات 67 ـ 74 ]([33]) .
وأما عيسى u فإنَّه سيتبرَّأ يوم القيامة على رؤوس الأشهاد([34]) من
أنْ يكون هو الذي طلَب أنْ يتخذه الناس ـ هو وأمّه ـ إلَهَيْنِ من دون الله،
وسيذكر أنَّ الله يعلم حقيقة الأمر، في حين أنَّه لا يعلم ما أخفاه الله عنه، ولم يُطلِعه عليه؛ لأنَّه
إنما يعلم من الأشياء ما أعلمه ربُّه: ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ [ المائدة: ١١٦ ]([35]).
وأما داود u فلم يعرِف تفاصيل قصة الخصمين، ولو كان يعلم الغيب لعلِم ذلك،
ولَعَلِم المحِقَّ منهما من المبطِل، وقد جاءت قصته معهم في سورة ص [
آيات 21 ـ 26 ]([36]) .
وأما ابنه سليمان u فلما حُشِر له
جنودُه من الجنِّ والإنس والطير اعتذرت نملةٌ له u ولجنوده عن أنْ يحطموا أخواتها وهم لا يشعرون، ﭽ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ [ النمل: ١٨ ]. وقد حصل أنْ تفقَّد الطير، ولم يعلم
بمكانه. كما أنَّه ما كان يدري عن أهل مأرب قوم بلقيس حتى جاءه الهدهد وذكر له.
وشاهد القصتين قول الله تعالى: ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ
ﯿ ﰀ ﰁ ﭼ، إلى قوله: ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﭼ [ النمل: 20-٢٧ ] مع أنَّ الله سخَّر له الشياطين والريح
والطير ما لم يُسَخِّره على أحدٍ من العالمين([37]).
ولو كان يعلم الغيب لما احتاج إلى النظر للوقوف على صِدق الهدهد من كذبه.
وأما زكريا u فلم يدر من أين يأتي مريم عليها السلام الطعامُ، فكان ﭽ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ
ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰖ ﭼ [ آل عمران: ٣٧ ]. فلو كان يعلم الغيب لَما سألها عن ذلك ([38]) .
ومما يخصُّ عدداً من
أولِي العزم مِن الرُّسلِ (وهم محمدٌ وإبراهيم وموسى وعيسى –عليهم الصلاة
والسلام-) ويدلُّ على أنَّهم لا يعلمون متى تقوم الساعة ما رُوِي عن مُؤْثِر بن عَفَازة([39]) عن عبد الله بن مسعود t قال: « لَما كان ليلة أُسري برسول الله r لقِيَ إبراهيم، وموسى، وعيسى . فتذاكروا الساعة؛ فبدؤوا بإبراهيم، فسألوه
عنها، فلم يكن عنده منها علمٌ. ثم سألوا موسى، فلم يكن عنده منها علمٌ . فرُدَّ الحديثُ
إلى عيسى بن مريم؛ فقال: قد عُهِد إليَّ فيما دون وَجْبَتِها([40])، فأما وجبتُها فلا يعلمها إلا الله.
فذكر خروج الدجال، قال: فأَنْزِل فأقتُله، فيرجع الناس إلى بلادهم، فيستقبلهم ﭽ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ ، فلا يَمرُّون بماءٍ إلا شربوه، ولا بشيءٍ
إلا أفسدوه . فيجأرون إلى الله، فأدعو الله أن يُمِيتَهم، فتنتن الأرض من ريحهم، فيجأرون
إلى الله؛ فأدعو الله، فيرسل السماء بالماء، فيحملهم في البحر. ثم تنسف الجبال، وتُمد
الأرضُ مدَّ الأديم. فعُـهِد إليَّ متى كان ذلك كانت الساعةُ من الناس كالحامل التي
لا يدري أهلُـها متى تفجؤُهُم بولادتها "([41]).
وقد قال ابن كثيرٍ في تفسير آية الأعراف (187) بعدما أورد
هذا الحديث من طريق عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه([42])، وأشار إلى طريق ابن ماجه، وأنَّه
بنحوه، قال رحمه الله:
« فهؤلاء أكابر
أولي العزم من المرسلين ليس عندهم علم بوقت الساعة على التعيين، وإنَّما ردُّوا الأمر
إلى عيسى u فتكلَّم على أشراطها؛ لأنَّه
ينـزل في آخر هذه الأمة مُنفِّـذًا لأحكام رسول الله r، ويقتل المسيح الدجال،
ويجعل الله هلاك يأجوج ومأجوج ببركة دعائه، فأخبـر بما أعلمه الله تعالى به »([43]).
فإذا كان كذلك، فغير هؤلاء من الأنبياء،
ومن غيرهم أًوْلى بأنْ لا يكونوا بالعلم بوقتها وببقية الغيوب عالِمين.
رابعًا: النصوص التي فيها نَفْيُ علم الغيب
عن سـيّد الخلق؛ العبد الرسولِ محمدٍ r خصوصًا، وهذه النصوص على ستـة أنواع:
النوع
الأول: النصوص التي فيها نفي
علم الغيب عن عبد الله ورسوله نبينا محمد r
وتبرِّيه عن ذلك: قد أمر الله تعالى هذا العبد r أنْ
يتبرأ مِن علم الغيب: ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯞ ﭼ [الأنعام:
٥٠].
ولقد قال نوحٌ قبلَه مثله، وقد تقدم، مما يدلُّ على أنَّ
الرسل بل وحتى أولي العزم -وهم كلُّهم أولو عزمٍ- بل وحتى أفضلِهم محمدٍ r،
عِلمُهم محدودٌ بما أُوحِي إليهم، وإنْ كانوا قد أوتوا من العلم كثيرًا إلا أنَّه
لم يُوتَوا منه إلا قليلاً بالنسبة لعِلم الله U ([44])، بل
النسبة بين علم الله وعلم خلقه كالنسبة بينهم وبينه سبحانه.
كما نفى عنه ذلك في بعض الآيات، ﭽ ﮜ ﮝ ﮞ
ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢ ﮣ ﮤﮥ
ﮫ ﭼ [هود: ٤٩].
النوع
الثاني: النصوص التي فيها بيانُ أنّ ما أخبر به عبدُ الله ورسولُه
نبينا محمد r
من علم الغيب كان بالوحي، ولو لم يطلعه الله عليها لَمَا علِمها، ولا وقف عليها:
وتأمل
تعقيب الله على قصص الأمم البائدة، والقرون الخالية، بأنبيائهم وأممهم، في هذه
الآيات:
قال
تعالى تذييلا على قصة مريم الصديقة رضي الله عنها: ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ [آل عمران: ٤٤]. وقال
بعد قصة نوحٍ u: ﭽ
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮫ ﭼ [هود: ٤٩]. وما عقّب به قصة يوسف u: ﭽ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ
ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ
ﰆ ﭼ [يوسف:
١٠٢]. وقال في التذييل على قصة موسى u: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ
ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﮇ ﭼ [القصص:44-٤6].
(وفي هذه الآيات ردّ على زعم أنّ الرسول r حاضرٌ ناظرٌ، المتقدم). وقال: ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯱ ﭼ [آل
عمران: ١٧٩].
وقال:
ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰊ ﭼ [الجن:26-٢٧].
مما يُبيِّن ويدلُّ دلالة واضحةً على أنَّه
r
لو لم يُطلعه الله U
على ذلك لَما كان به عالِمًا؛ والدليل أنَّه r
لم يكنْ شاهدًا الأحداث والأقاصيص في حينِها، لكنَّ الله بلطفه أخبره بها([45]) تأييدًا له على رسالته.
النوع الثالث: الآثار التي فيها
بيانُ أنّ مَن اعتقد أنّ عبد الله ورسوله نبينا محمدًا r يعلم الغيب فقد
كذّب الوحي، وأعظم الكذب على الله:
روى مسروق([46])-رحمه
الله- عن عائشة رضي الله عنها قولها –هو في حُكم
المرفوع-: (من زعم أنَّ الرسول r يعلم الغيب فقد
أعظم على الله الكذب، حيث قال: « كنت متكئًا عند عائشة فقالت: يا أبا عائشة! ثلاثٌ
من تكلَّم بواحدةٍ منهن فقد أعظم على الله الفرية([47]). قلت: ما هن؟ ...فذكرت، إلى أن قالت: ومن زعم أنَّه -تعني:
رسول الله r - يُخبِر بما يكون
في غدٍ؛ فقد أعظمَ على الله الفِرْية؛ والله يقول: ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭶ ﭼ [ النمل: ٦٥ ]. ...الحديث»
رواه مسلم ([48]).
النوع
الثاني: النصوص
التي فيها بيانُ أنّ عبد الله ورسوله نبينا محمدًا r خصوصًا، وغيرَه عمومًا، لا يعلم متى تقوم الساعة؛ لأنّ ذلك مما
استأثر الله بعلمـه: قال الله تعالى بخصوص نبيِّنا r: ﭽ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭼ [الأحزاب:
٦٣].
وقال: ﭽ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ
ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﭼ [النازعات:42-٤5].
ومثلهما آية الأعراف، فالساعة تأتي بغتة، والناس لا يشعرون.
ومعلومٌ أنّ معرفة متى تكون الساعة مِن المفاتيح
الخمسة التي استأثر الله بها.
النوع الخامس: النصوص
التي فيها أنّ عبد الله ورسوله نبينا محمدًا r لو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير، وما مـسَّه أيُّ سوء.
قد تقدم أنّ الأنبياء كلَّهم عليهم السلام
لا يعلمون الغيب إلا ما أوقفهم الله عليه، وأطلعهم إياه، وكذلك آخر الأنبياء
وخاتمهم وخيرهم محمدٌ عليه أفضل الصلاة والسلام، الذي أرشده الله تعالى أنْ
يقول للناس بعضَ ما يجب اعتقادُه تجاه مقامه مقام العبد الرسول r
مِن أنَّه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضَرًّا إلا ما شاء الله ([49])، فضلاً عن أنْ يملك
ذلك لغيره. ولا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله تعالى، ولو كان يعلم ذلك لاستكثر
من الخير، وما مسَّه أيُّ سوءٍ، بل هو رسولٌ عبدٌ. أهم وظيفته ومهمته: البشارة لمن
أطاعه من المؤمنين بالسعادة، والنذارة للعاصين منهم وللكافرين. ولا يملك شيئًا من
خصائص الربوبية -السابقة وغيرها-، يقول تعالى: ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ
ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ
ﰙ ﰚ ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ
ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙ ﭚ ﭛﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ
ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ
ﭦﭧ ﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ [الأعراف: 187- ١٨٨].
فهاتان
الآيتان في هذا الباب وغيرِه عظيمتان لو كان الغالون يعقلون، يقول
الشيخ عبد الرحمن السعدي –رحمه الله- في تفسير الآية الثانية: «ﭽ
ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡ
ﭢ ﭣ ﭤ
ﭥ ﭦﭧ ﭼ
أي: لفعلت الأسباب التي أعلم أنها تنـتج
لي المصالح والمنافع، ولحذرت مِن كلّ ما يُفضي إلى سوء ومكروه، لعلمي بالأشياء قبل
كونها، وعلمي بما تفضي إليه. ولكني -لعدم علمي- قد ينالني ما ينالني من السوء، وقد
يفوتُنِي ما يفوتني من مصالح الدنيا ومنافعها، فهذا أدلّ دليلٍ على أنِّي لا علم لي
بالغيب»([50]).
ثم قال في التذييل على الآيات: « وهذه
الآيات الكريمات، مُـبيِّـنة جهلَ مَن يقصد النبي r ويدعوه لحصول نفع أو دفع ضرّ؛ فإنَّه ليس بيده شيءٌ مِن الأمر، ولا ينفع
مَن لم ينفعه اللّه، ولا يدفع الضرّ عمن لم يدفعه اللّه عنه، ولا له من العلم إلا ما
علَّمه اللّه تعالى، وإنما ينفع مَن قَبِل ما أُرسل به مِن البشارة والنذارة، وعمِل
بذلك، فهذا نفعُه r، الذي فاق نفْع الآباء
والأمهات، والأخلاء والإخوان بما حث العباد على كل خير، وحذّرهم عن كلِّ شرّ، وبيَّـنَه
لهم غايةَ البيان والإيضاح »([51]).
النوع
السادس: نماذج مِن نصوصٍ جاء فيها شواهد تؤكّد معنى أنّ العبد
الرسول r
لو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير، وما مـسّه أيُّ سوءٍ:
فبعد الأدلة السالفة أُسجّل هنا جملة من
النماذج والوقائع في السيرة النبوية الدالة على أنَّ هذا العبد الكريم، والنبِيّ
العظيم r لا يعلم الغيب، وهي كثيرةٌ جدًّا([52])،
منها:
أولا: ما أصاب
النبيَّ r وحبيبَتَه عائشة رضي الله عنها وأهلَها بل
والمسلمين من أذية المنافقين برميها بصفوان بن المعطَّل([53]) البريءِ في حادثة الإفك الشهيرة. فلو
كان النبي r يعلم الغيب
لبَرَّأها مِن أوّل الأمر([54]). وسأشير هنا إلى مقاطع من القصة
الطويلة مما يبيِّن حجمَ ما أصاب النبيَّ r وأهلَه وضخامتَه، ووحجم ما أصاب والدها أبا بكر
t وأهلَه، بل
والمسلمين من الصحابة ومن بعدهم، من أذية المنافقين:
قالت عائشة في سياق قصتها ما معناه: أنَّ عِقدها
من جزع أظفارٍ قد انقطع فرجَعَت تلتمسه، فحبسها ابتغاؤُه، ثم وجدتْـه بعد ما استمر
الجيش، وكان صفوان بن المعطَّل السُّلَمي مِن وراء الجيش فأصبح عند منزلها فرأى
سواد إنسانٍ نائمٍ فأتاها -وكان يراها قبل الحجاب- فاستيقظَتْ باسترجاعه..إلخ. وما
أخبرت به من أنَّها رضي الله عنها اشتكَت شهرًا بعد عودتها من سفرها، إلا أنَّ
الذي يريبها في وجعها أنَّها لا ترى من النبي r اللطف الذي كانت ترى منه حين تمرض، بل كان يدخل فيسلم ثم يقول: " كيف
تيكم؟ " ..إلخ. وأنها رضي الله عنها خرجت مع أم
مسطح([55]) رضي الله عنها لقضاء الحاجة فسمعَتْ
منها السبَّ لابنها t فأنكرتْ عليها، وقالت:
بِئس ما قلتِ أتسبين رجُلاً شهِد بدرًا، فقالت: يا هنَتَاه! ألم تسمعي ما قالوا! فأخبرتْها
بقول أهل الإفك([56])؛ فازدادت مرضًا إلى مرضها، فلما رجعتْ إلى
بيتها دخل عليها رسول الله r فسلَّم ... فقالت: ائذن لي إلى أبويَّ؛ أرادت أن تستيقن الخبر من قبلهما،
فأذِن لها رسول الله r، قالت: فأتيت أبويَّ؛
فقلت لأمي: ما يتحدَّث به الناس؟ فقالت: يا بُنَية هوِّني على نفسك الشأن، .. فقلت: « سبحان الله! ولقد يتحدث الناس بهذا؟ قالت: فبِتُّ الليلة
حتى أصبحت لا يرقأ لي دمعٌ، ولا أكتحل بنومٍ ». وفي الصباح دعا رسول الله r علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد([57]) رضي الله عنهما حين استلبث([58]) الوحي يستشيرهما في فراق أهله، وكان
يسأل أم المؤمنين زينب رضي الله عنها، عنها. ثم قام في اليوم الثاني مستعذِرًا من عبد
الله بن أبي ابن سلول([59])
وقال: " من يعذرني مِن رجلٍ بلغني أذاه في أهلي فو الله ما علمتُ على أهلي إلا خيرًا، وقد ذكروا
رجلاً ما علِمتُ عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي "، فقام سعد بن معاذ([60]) فقال يا رسول الله! أنا والله أعذرك منه؛
إن كان مِن الأوس ضربنا عنقه، وإنْ كان من إخواننا من الخزرج أمرْتَنا ففعلنا فيه أمرك
..
قالت عائشة رضي الله عنها: وبكيت يومي لا يرقأ لي دمعٌ، ولا أكتحل بنومٍ، فأصبح
عندي أبواي قد بكيت ليلتين ويومًا، حتى أظن أنَّ البكاء فالقٌ كبدي([61]).
ثم جاء اليوم الذي نزل فيه الفرَج من
السماء، قالت: فبينا هما جالسان عندي، وأنا أبكي إذ استأذنتْ امرأةٌ من الأنصار، فأذنتُ
لها فجلست تبكي معي، فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله r، فجلس ولم يجلس عندي
من يومِ قيل فيَّ ما قيل قبلها، وقد مكث شهرًا لا يُوحى إليه في شأني شيءٌ، قالت: فتشهد
ثم قال: " يا عائشة! فإنَّه بلغني عنكِ كذا وكذا، فإنْ كنتِ بريئةً فسيبرئك
الله، وإنْ كنتِ ألْمَمتِ بشيءٍ فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإنَّ العبدَ إذا اعترف
بذنبه ثم تاب، تاب الله عليه ". قالت: فلما قضى رسول الله r مقالته قلُص دمعِي حتى ما أُحِسُّ منه قطرةً، وقلت لأبي: أجبْ عنِّي رسول
الله r! قال: والله ما أدري
ما أقول لرسول الله r!! فقلت لأمي: أجيبي
عنِّي رسول الله r فيما قال! قالت: والله
ما أدري ما أقول لرسول الله r!! قالت عائشة رضي
الله عنها: وأنا جاريةٌ حديثة السنِّ لا أقرأ كثيرًا من القرآن؛ فقلت: إني –والله-
لقد علِمتُ أنَّكم سمعتم ما يتحدث به الناس! ووَقَر في أنفسكم!! وصدّقتم به!!! ولئِن
قلتُ لكم إنِّي بريئةٌ -والله يعلم إنِّي لبريئة- لا تصدقوني بذلك، ولئِن اعترفتُ لكم
بأمرٍ -والله يعلم أنِّي بريئةٌ- لتصدقُنِّي، والله ما أجِدُ لي ولكم مثلاً إلا أبا
يوسف إذ قال: ﭽ
ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ. قالت: ثم تحولتُ إلى فراشي، وأنا أرجو أن يبرئني الله، ولكن -والله!-
ما ظننتُ أن يُنزل في شأني وحيًا، ولأَنَا أحقرُ في نفسي مِن أن يُتكلم بالقرآن في
أمري، ولكنِّي كنت أرجو أن يرى رسول الله r في النوم رؤيًا يبرئنِي الله! فو الله ما رام مجلسَه([62])، ولا خرج أحدٌ من أهل البيت حتى أنزل عليه
الوحي... فلما سُرِّي عن رسول الله r وهو يضحك فكان أول كلمةٍ
تكلَّم بها أنْ قال لي: " يا عائشة! احمدي الله؛ فقد برَّأكِ الله "([63]) .. فأنزل الله تعالى: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭼ الآيات. ... القصة([64]).
وتأمل
هذه القصة تجدها دالة على الذي سيقت من أجله، والله الهادي إلى صراطٍ مستقيم، وهو
حسبنا ونعم الوكيل .
ثانيًا: إرساله
r سبعين من القراء لبعض القبائل لتعليمهم الإسلام فقتلوهم كما قال أنس t: « بعث النبي r أقوامًا من بنِي سُلَيم إلى بني عامر في سبعين، فلما قَدِموا قال لهم خالي:
أتقدمُّكم؛ فإنْ أمَّنوني حتى أُبلِّغهم عن رسول الله r، وإلا كنتم مني قريبًا،
فتقدَّم فأمنوه، فبينما يحدثهم عن النبي r إذ أومَئُوا إلى رجلٍ منهم فطعَـنَه، فأنفذه؛ فقال: الله أكبر، فُزتُ وربِّ
الكعبة! ثم مالوا على بقية أصحابه فقتلوهم، إلا رجلاً أعرج، صعِد الجبل »، متفق
عليه ([65])، وهم الذين دعا عليهم النبِيُّ r في القنوت شهرًا.
فلو كان رسول الله r يعلم ما سيقع لهم
لما أوردهم هذا المورد.
ثالثًا: ومن هذه
الوقائع: أكلُه r من الشاة
المسمومة بِخَيبَر حتى أخبَرتْه أو أخبره الذِّراع، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله
عنها، قالت: « كان النبي r يقول في مرضه الذي مات
فيه: " يا عائشة! ما أزال أَجِد ألَمَ الطعامِ الذي أكلتُ بِخَيبَر، فهذا أوان وجَدتُ
انقطاعَ أبْهُرِي([66]) من ذلك السُّم "، رواه
البخاري، وعند أبي داود في طريق أخرى قال: كان رسول الله r يَقبل الهدية، ولا يأكل الصدقة، -زادَ: فأهدَتْ له يهوديةٌ بِخَيبر شاةً
مصْليةً سَمَّتْها-؛ فأكل رسول الله r منها، وأكل القوم، فقال: " ارفعوا أيديَكم فإنَّها أخبرتْني أنَّها
مسمومةٌ " فمات بِشرُ بنُ البَراء بن معرور الأنصاري([67])؛ فأرسل إلى اليهودية " ما حمَلَكِ
على الذي صنعتِ؟ " قالت: إنْ كنتَ نبِـيًّا لم يَضرّك الذي صنعتُ، وإنْ كنتَ
ملِكًا أرحتُ الناس منك، فأمَر بها رسول الله r فقُتِلت. ثم ذكَره كما عند
البخاري ([68])، ورواية أبي داود هذه صحيحة أيضًا.
رابعًا: ما اشتهر
في كتب الحديث والسير والتفاسير من مسوس السوء والمكروه له r في غزوة أُحُد من
شجِّ وجهه، وكسر رباعيته([69])،
فلو كان يعلم الغيب لأخذ بأَحد
الـمَشورَتين؛ الذي هو البقاء داخل المدينة حتى يقاتلوا العدو من وراء الحيطان.
خامسًا: وفيها كذلك ما اشتهر من
إرسال عثمان t في السنة السادسة
إلى أهل مكة لإعلامهم بقدوم الرسول r وصحابته زائري
البيت معتمرين، لا حاربين. فبعد ذهابه إليهم أشيع في الناس بأنه قُـتل فصدّق
النبيُّ r وصحابته ذلك،
وغيروا موقفهم، وطلب الرسول r مبايعة الناس –بيعة
الرضوان- على قتال قريش لو قتلوا عثمان t، فبايعوه، فما
أنْ تمت البيعة فإذا بعثمان راجعٌ.
فلو كان الرسول r يعلم الغيب –وهو
على مقربة من مكة- لأخبرهم بحياة عثمان t!
سادسًا: ومن ذلك: ما حصل للنبِيِّ r، مع الصحابة
رضوان الله تعالى عليهم من التعب بالبيداء، بسبب فقدان عقد عائشة رضي الله عنها،
وأنَّها أقامت الناس في موضع بِلا ماءٍ حتى أصبحوا، وقد شكا الناس ذلك لأبي بكر t ..، ثم لَما أقاموا البعير رأوا العقد، وفي ذلك نزلت
آية التيمم، فعن عائشة زوج النبي r ورضي الله عنها قالت:
« خرجنا مع رسول الله r في بعض أسفاره، حتى إذا
كنَّا بالبيداء أو بذات الجيش، انقطع عِقدٌ لي؛ فأقام رسولُ الله r على التِماسه، وأقام الناسَ معه وليسوا على ماءٍ؛ فأتى الناس إلى أبي بكر
الصديق، فقالوا: ألا ترى ما صنعتْ عائشة؟ أقامَت برسول الله r والناس وليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماء! فجاء أبو بكر -ورسول الله r واضعٌ رأسَه على فخذي قد نام-، فقال: حبَستِ رسولَ الله r والناسَ وليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماء؟! فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر،
وقال، ما شاء الله أنْ يقول، وجعل يطعنُنِي بيده في خاصرتي؛ فلا يمنعُنِي من التحرُّك
إلا مكانُ رسول الله r على فخِذي، فقام رسول الله
r حين أصبح على غير ماءٍ
فأنزل الله آية التيمم؛ فتيموا حتى قال أحد الصحابة([70]): ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر! قال:
فبعثنا البعير الذي كنت عليه؛ فأصبنا العقد تحته([71]). ولو كان r يعلم الغيب لأمر
بإقامة البعير لأخذ العقد، ولمَا تعِبوا هذا التعب.
سابعًا: ومن ذلك: عدم علمه بنجاسة نعلَيه حين صلَّى
فيهما حتى أعلمه جبريل r، فـعَن أبي سعيد الخدري
t قال: « صلَّى بنا رسول الله r ذات يومٍ، فلما كان في بعض صلاته خلع نعلَيْه فوضعهما عن يساره، فلما رأى
الناسُ ذلك خلعُوا نعالهم، فلما قضى صلاتَه، قال: " ما بالُكم ألقيتُم
نعالَكم؟ " قالوا: رأيناك ألقيتَ نعلَيك؛ فألقينا نعالنا، فقال رسول الله
r: " إنَّ جبريل
أتاني فأخبرنِي أنَّ فيهما قذَرًا، أو قال: أذًى فألقيتهما، فإذا جاء أحدُكم إلى المسجد،
فلينظُر في نعلَيه؛ فإنْ رأى فيهما قذرًا، أو قال: أذى فليمسحهما، وليُصلِّ فيهما
"([72]).
هذا، ولو كان يعلم الغيب لما صلَّى ومعه
القذر في ملبوسه.
ثامنًا: ومن ذلك: قصة مجيء الحَِبر([73])، فعن ثوبان([74]) t في أسئلة الحبر
من اليهود، وفيه: « وجِئتُ أسألك عن شيءٍ لا يعلمُه أحدٌ مِن أهل الأرض إلا نبِـيٌّ
أو رجلٌ أو رجلان، قال رسول الله r " ينفعك إنْ
حدثتُك؟ " قال: أسمع بأُذنِي، قال: جئتُ أسألك عن الولد؟ قال: " ماءُ
الرجل أبيضُ، وماء المرأة أصفرُ، فإذا اجتمعا؛ فعَلاَ منِيُّ الرجُلِ منِيَّ المرأةِ
أذْكَـرَا بإذن الله، وإذا علاَ منِيُّ المرأة منِيَّ الرجلِ آنَـثا بإذن الله([75]) "، قال اليهودي: لقد صدقتَ، وإنَّك لنبِيٌّ، ثم انصرف؛ فذهب،
فقال رسول الله r: " لقد سألنِي
هذا عن الذي سألني عنه وما لي علمٌ بشيءٍ منه حتى أتانِي الله به "([76]).
وواضِحٌ من القصة أنَّه r لو كان يعلم
الغيب لما احتاج إلى أنْ يُخبَر به.
تاسعًا: ومن الوقائع التي تدل على ذلك: قصة ماعز t وطلبه التطهير،
وفيها -وخصوصًا بعد جمع رواياتها- أكثر من شاهِدٍ؛ منها: سؤال النبيّ r إيَّاه t: مِن أيِّ شيءٍ
يُطهِّره؟ وأَبِه جنونٌ؟ وهل شرِب خمرًا؟، وغير ذلك، فلو كان يعلم الغيب لما احتاج
إلى كلِّ هذا. ومثل ذلك ما جاء في قصة الغامدية رضي الله عنها؛ فعن سليمان بن بُرَيدة([77]) عن أبيه t قال: جاء ماعز بن مالك([78]) إلى النبِي r فقال: يا رسول الله! طهِّرني، فقال: " ويْحك! ارجع؛ فاستغفر
الله، وتُب إليه " قال: فرجع غيرَ بعيدٍ، ثم جاء فقال: يا رسول
الله! طهِّرني، فقال رسول الله r: " ويْحك!
ارجع فاستغفر الله، وتُب إليه " قال: فرجع غيرَ بعيدٍ، ثم جاء فقال: يا رسول
الله! طهِّرني، فقال النبي r مثل ذلك، حتى إذا كانت
الرابعةُ؛ قال له رسول الله r: " فيمَ أُطهِّرك؟
" فقال: من الزِّنَى، فسأل رسول الله r " أبِهِ جنونٌ؟ " فأُخبر أنَّه ليس بمجنونٍ، فقال: "
أشَرِب خمرًا؟ " فقام رجلٌ فاستنكهه ([79])؛ فلم يَجدْ منه ريحَ خمرٍ، قال: فقال رسول
الله r: " أزَنَيت؟
" فقال: نعم. ...الحديث. وفي الحديث: قال: ثم جاءتْـه امرأةٌ مِن غامدٍ من الأزد([80]) فقالت: يا رسول الله! طهِّرني فقال: "
ويْحكِ! ارجعي فاستغفري الله، وتوبي إليه " فقالت: أُُرَاك تريد أن تُرَدِّدَني
كما ردَّدتَ ماعزَ بنَ مالك، قال: " وما ذاك؟ " قالت: إنَّها حُبلى
من الزِّنَى، فقال: " آنتِ؟ " قالت: نعم، فقال لها: "حتى
تضَعِي ما في بطنك" ...الحديث([81]).
هذا، والأحاديث التي فيها استفصالات الرسول r لمستفتيهم قبل
أنْ يفتيهم كثيرة، مثل سؤاله " هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ
الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟ "
هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟ " ([82]) كثيرة جدًّا، وهي تدل على أنه لا يعلم
الغيب. والله أعلم.
عاشرًا: ومن ذلك: أنَّ امرأةً مِن الأنصار رضي الله عنها في قصة وجع ووفاة عثمان بن مظعون t ([83]) وأنَّها لما دخل رسول الله r قالت: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ! فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ
لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ r: " وَمَا
يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟ فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ! فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: " أَمَّا هُوَ فَقَدْ
جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا
أَدْرِي -وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ- مَا يُفْعَلُ بِي "، قَالَتْ: فَوَ اللَّهِ لا أُزَكِّي
أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا »([84]).
الحادي عشر: ومن ذلك: أنَّ النبيَّ r لم يعلم قدر
بقائه في الصحابة رضوان الله أجمعين، فقد روى حُذيفة t قال: كنا جلوسًا عند
النبِي r فقال: إني لا أدري
ما قدرُ بقائي فيكم؛ فاقتدوا باللذين
من بعدي، وأشار إلى أبي بكر وعمر
... "الحديث([85]).
وبعد، فـ« السيرة النبوية وأحوالها مليئة
بالأمور التي تقطع جازمًا بأنّه لَم يكن يعلم الغيب، وإلا لَم يَحدُث تلك الحوادث
التي حدثت، كشهادة القراء في بئر معونة، وبيعة الرضوان، ووقعة الإفك، وتأبير
النخل، وحادثة العرنيين، وغيرها من الوقائع والحوادث الكثيرة والكثيرة »([86])، لكن تقدم دعاوى البريلوية الزاعمة أنّ
البريلوي أحمد رضا نفسه يعلم يوم موته ووقته بالتحديد([87])، تكذيبًا للآيات السابقة. والله
المستعان!
أقول: تلك هي النصوص والنماذج الدالة على أنه لا يعلم الغيب أحدٌ سوى الله
تعالى (وهي قريبًا من 70 دليلا ونموذجًا)، وقد يكفي في معرفة اختصاصه سبحانه بذلك وعدم
معرفة مَن سواه الغيب أقل مما جمعت، ولكني جمعتها ليتدبرها أهل العقول ولأفهام؛
فيعرفوا ضلالة الزاعمين بأن أحدًا غير الله يعلم الغيب.
وبعد تلك النماذج([88])، أقول: قد ردّ العبد الرسول محمدٌ r على مَن زعم أنّه
يعلم الغيب، حمايةً منه مِن أنْ يوصف بما لا يستحقه من خصائص الإله، فجزاه الله
خيرًا مِن ناصحٍ لأمتـه أمين! فـعن الرُبَيِّع بنت مُعوِّذ([89]) رضي الله عنها، قالت: دخل عليَّ النبِيّ
r غداةَ بُنِي عليَّ فجلس على فراشي كمجلسك مني وجُوَيرِيات يضربن بالدف يندبن([90]) مَن قُتل من آبائهن يوم بدر، حتى قالت جارية:
وفينا نـبِـيٌّ يعْلَمُ ما في غد!
|
وعند ابن ماجه عن أحد التابعين ([92])، وفيه أنّهم دخلوا عليها، فذكرتْ لهم
القصة، وفيها قوله r: " أما
هذا فلا تقولوه، ما يعلم ما في غدٍ إلا الله "([93]) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمع النبِي r ناسًا يتغنون في عرسٍ لهم:
وأهدى لها كبشًا ينحنحن في مِربد
|
وحبك في النادي ويعلم ما في غد
|
وأقول أيضًا: هذا هو العبد
(المعـبَّد العابد) الرسول محمدٌ r،
وهذا من حمايته حمى التوحيد، وهذه هي العقيدة فيه في هذا الباب، لا يعلم الغيب في
حياته إلا ما علَّمَه الله، فكيف بعد وفاته؟!
ومما يدلُّ على هذا (أي: أنّه من باب أولى أنْ لا يعلم من الغيب بعد وفاته
خلافًا للغلاة القائلين: لا فرق بين موته وحياته r في مشاهدته لأمته ومعرفته بأحوالهم ونياتهم وعزائمهم. كما تقدم عن
أحمد رضا البريلويّ([95]))
ما جاء عن عبد الله بن مسعودٍ، وأنس، وسهل بن سعد، وأبي سعيد الخدري، وأمِّ سلَمَة،
وابن عباسٍ رضي الله عنهم في الذين يُذادَون عن الحوض، واللفظ لابن عباسٍ -كما في البخاري- أنَّه قال: « خطب رسول الله r، -وفيه: ألا!
وإنَّه يُجاء برجالٍ من أمتي؛ فيُؤخَذ بهم ذات
الشمال؛ فأقول: " يا رب أُصَيحابي
" فيقال: إنَّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ
ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﭼ [ المائدة: ١١٧]،
فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم
منذ فارقتهم » متفق عليه([96]).
وكان القياس الصحيح يدل على أنَّ النبـِيَّ
r لَمَّا كان لا يعلم كثيرًا من الأمور في
حياته -كما مرَّ ذكر جملة من نماذج ذلك- حتى يأتيَـه الوحي فيُطلعُه الله به
عليها، فمِن باب أولى أنْ لا يعلمَ ذلك بعد وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى،
وهذا الحديث من النماذج التي تدل على ذلك، والله أعلى وأعلم.
وأعود فأقول: هذا هو علم الغيب في
العقيدة الإسلامية، وهو مما اختصَّ الله تعالى بعلمه واستأثر به، كما اتضح ذلك من الأدلة
والنماذج الأكثر من ستين (66) التي ذكرتُها مبثوثةً هنا وهناك، وهي كلُّها تشهد
للنفي الذي جاء في آية سورة النمل من أنَّ جميع عالَمي الغيب والشهادة من الملائكة
المقرَّبين والجن والإنس بل والأنبياء والمرسلين –عليهم الصلاة والسلام- لا يعلمون
شيئًا من الغيب إلا ما أعلمهم الله، وأطلعهم عليه. وهذه الأدلة والنماذج قليل من
كثيرٍ، والمذكور دليلٌ على ما لَم يُذكر.
ويجمل قبل الختام أنْ أُجْمِل ما تقدم في
نقاط، وأزيد -بعض شيءٍ- تفصيلاً حتى أذكر كلَّ ما علِق بالبال مما له تعلُّقٌ
بالمسألة، فأقول -وبالله تعالى التوفيق- :
النقطة الأولى:
الغيب لا يعلمه أحدٌ إلا الله سبحانه وتعالى، فهو مما استأثر به دون خلقه.
النقطة الثانية:
إطلاع الله بعض عباده بعض الغيوب، وتفسير آية الحنّ: فقوله: ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭼ ، الآية الأولى: لفظٌ
عامٌ، لمجيء النكرة بعد النفي، ويدلُّ على أنَّه لا يُطلع الله أحدًا غيبَه
وعِلمَه. ثم استثنى بعض الرسل من الإنس والملائكة بالآية التي بعدها بأنَّه يُظهر
عليهم بعضها لحكمة أرادها، كالتأييد في إبلاغ الرسالة وغيره. وقوله في الآية ﭽ ﰀ ﰁ ﭼ منكَّرًا بعد طريقة
النفي العام والإثبات الخاص؛ ليشمل رسولَيْه الإنسي والملكي([97])، فالآية شبيهة بقوله: ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ
ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯱ ﭼ [ آل عمران: ١٧٩ ] حيث أضاف النكرة إلى نفسه (المضمر) للتشريف
وشمول الجنسَين السابقين، وجاء بلفظة ﭽ ﰀ ﭼ قبل لفظة ﭽ ﰁ ﭼ في الآية الأولى، ولفظة: ﭽ ﯣ ﭼ في الآية الثانية لتدلَّ على أنَّ ذلك يحصل لبعض
الرسل دون بعضٍ عليهم كلِّهم الصلاة والسلام.
والآية
الثانية هذه وإنْ وردت في سياق أحداث أُحُدٍ وأنَّ الله لما امتحن المؤمنين وأمرهم
بالجهاد أظهر لهم بذلك المنافقين، وميَّز الخبِيثين من الطيِّبين([98])، حيث رجع ثُلثُ الجيش
الذي خرج من المدينة برئاسة ابن سلول، وقد كانوا لا يعرفونهم. إلا أنَّها لا تخصُّ
هذا الحدث بعينه، واللفظ أعم من ذلك، والعبرة بعموم اللفظ. وهذا الذي فهمه العلماء
-رحمهم الله- من الآية.
أما بدون هذا الإطْلاع، وذاك الإظهار فلا يعلم المَلَكُ المقرَّب، ولا
النبِيُّ المرسل شيئًا مِن علم الله وغيبه، قال تعالى:ﭽ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯾ ﭼ [البقرة: ٢٥٥].
النقطة الثالثة:
أطلع الله نبيَّنا جملةً من الغيوب الماضية والمستقبلة فأخبر عنها، سواءٌ في ذلك
ما وقعت في القرون الماضية، والأمم البائدة كقصص الأنبياء مع أقوامهم، أو التي
أخبر عنها وأنَّها ستقع فوقعت أثناء حياته، أو بعد وفاته، وكان الله يُطلعه عليها
بالوحي الذي ينـزل عليه من الكتاب والسنة. وقد أفرد التي جاءت في الأحاديث مَن
ألَّفوا في دلائل النبوة، كالبيهقي في دلائلـه، والماوردي في أعلام النبوة،
والسيوطي في الخصائص الكبرى، وغيرهم، وقد تقدم منها أوضحُ النماذجوأشهرها في مطلب:
بيان صدق ما أخبر به عليه الصلاة والسلام عن الماضي والمستقبل، من مبحث آيات نبوته
ودلائلها عليه الصلاة والسلام([99]).
النقطة الرابعة: في
سياق آية الأعراف التي فيها: ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ
ﭠ ﭡﭼ الآية. جاء نفيُ ثلاثة أمورٍ عظيمة عن مقام هذا العبد
الرسول -ومعلومٌ أنّ غير النبِيِّ r بنفيـها عنه أولى-، ذلك أنّه استئثر الله تعالى بها؛ كما أنّها من
خصائصه دون سواه، وهذه الأمور الثلاثة قد تكررت في سياق قوله تعالى: ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭼ ، وهي كالتالي:
أولاً:
نفيُ
نوعٍ خاصٍ من علم الغيب عن العبد الرسول محمدٍ r، والذي هو العلم بوقت قيام الساعة، وهذا جاء في
قولَيْـه: ﭽ
ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ
ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ
ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﭼ [ الأعراف: ١٨٧ ].
وﭽ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﭼ [ الجن: ٢٥ ].
ثانيًا:
نفي عموم علم
الغيب عنه r
في قوله: ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ
ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ وقوله: ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭼ إلى آخر السورة.
ثالثًا:
نُفِـي عن العبد
الرسول r
أنْ يملك لنفسه نفعًا أو ضَرًّا، إلا بإذن الله ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭼ ، فضلاً عن أنْ يملك ذلك لغيره، وصُرِّح
بنفي المفهوم الأولـوِي في سورة الجنِّ في: ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮛ ﮜ ﮝ
ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﭼ [ الجن: 21 ـ ٢٢ ].
النقطة الخامسة: يدخل
-والله أعلم- في عموم استكثار النبـيِّ r من الخير، وعدم مسوسـه r السوء، واللذان لو حصل له العلم بالغيب لَحَصَلا له، ما ذكرتُ من
تلك النماذج، والكثير مما لم أذكُر، والتي فيها ابتلاءٌ من الله U له ليزيد من أجره عليه الصلاة والسلام، وقد تضمَّن بعضُها سوءًا
كيف كان حجمه، أو قلَّ خيرها ولم يكثر.
أما تفسير قوله: ﭽ ﭜ ﭡ ﭢ ﭣ ﭼ بالاستكثار من العمل
الصالح لو كان يعلم متى يموت وغيره ففـيه نظر؛ لأنَّ الرسول كان إذا عمِل عملاً
أثبته([100])، -كما تقدم في فصل
كمال عبوديته عليه
الصلاة والسلام، وأنَّ عملَه كان دِيْمةً ([101])،
وهو الذي أحسن في عبادته وعبَـدَ الله كأنَّه يراه، فهو r في حياته -حتى أتاه اليقين- مستكثرٌ في كلِّ أوقاتـه من الخير
الذي هو العمل الصالح([102]).
النقطة السادسة: ذكرت
في الباب السابق المزاعمَ الباطلة المخالفة لهذه العقيدة في النبـيِّ r الغاليـة فيه؛ بادعاء أنَّه يعلم الغيب أو أنَّه يعلم جميع ما في
اللوح، أو أنَّه يعلم جميع ما يعلمه الله -سبحانك ربِّي هذا بهتانٌ عظيمٌ-، عن
الرافضة الذين غَلَوا في النبيِّ r متذرِّعين بذلك للغلو في أئمتهم، متوسِّعين بأنْ قالوا وعقَدوا
أبوابًا في كتبهم، إنَّ الأئمة يعلمون الغيب، وأنَّ الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون،
وأنَّهم لا يموتون إلا باختيارٍ منهم، وأن الأئمة عليهم السلام يعلمون جميع العلوم
التي خرَجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام، ... وعن الصوفية القائلة
فيه عليه الصلاة والسلام وعلى شيوخـهم والأولياء ما لا يجوز في هذا الباب، وغيرهم
من القائلين بأنَّ أحدًا يعلم الغيب. كما تقدم عن البوصيري: ومن علومك علم اللوح
والقلم، ومقررات البريلوي.
وبذلك يتبيَّن وسطية أهل السنة بين الفرق في هذه المسألة، وأنَّهم هم الذين
عمِلوا بما ثبت عن الله U وعن رسوله r .
النقطة السابعة:
من زعم أنَّ أحدًا -كائنًا ما كان- يعلم الغيب فقد كذَّب النصوص المتقدمة، وأعظَمَ
على الله الفِرية، وأنَّ مُدَّعِي ذلك لنفسه من الطواغيت.
ولا يجوز أنْ يُتشبث بالأدلة التي فيها
إطلاعات الله U لرسله عليهم السلام بعض غيوبه في القول بأنَّهم يعلمون الغيب؛
لأنَّ ما أخبَرهم به لم يعُد عنهم غَيْبًا، وإنْ أمكن أن يكون غيبًا عند غيرهم، أو
القول بأنَّ النصوص المُصرِّحة بأنَّ النبيَّ r لا يعلم الغيب بأنَّها تدل على حاله في أول الأمر من عدم علمه به –كما
زعم البريلوي فيما تقدم-، ثم بعد ذلك علِمه فأخبر بأنَّه في الجنة، وانَّه قَرُب
موتُه، وما إلى ذلك، فحصل بذلك نسْخٌ.
وما
خصَّه الله تعالى بها فأطلعه عليها كانت آيات له ودلائل وتأييدات من ربِّه له لصدق
نبوته ورسالته، لا أكثر([103])،
والله ولي التوفيق.
***** **** *****
والله تعالى أعلم.
حرره واستله من رسالة موقف المنتسبين إلى الإسلام من عبد الله ورسوله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
راجي عفو ربه الغفور: أبو بكر حمزة.
حرره واستله من رسالة موقف المنتسبين إلى الإسلام من عبد الله ورسوله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
راجي عفو ربه الغفور: أبو بكر حمزة.
([2])
الشَعِثَةُ -بفتح المعجمة وكسر العين-، يُطلق على التي غاب
عنها زوجها شعثة؛ لأنَّها في مظنَّة عدم التزيُّن. وقوله في الحديث: " وتستحِدَّ
الـمُغيبة " الاستحداد: استعمال الحديدة في شَعر العانة،
وهو إزالته بالموسى، والمراد ههنا إزالته كيف كانت، وعُبِّر بالاستحداد؛ لأنَّه
الغالب استعماله في إزالة الشعر. أما " الـمُغِيْبَة "، فهي التي غاب عنها
زوجها، -كما مرَّ-، وإنْ حضَر زوجُها فهي مَشهد بغير هاء. انظر: ( المنهاج للنووي، ص 919، والفتح، 3 / 3580
).
([7])
قال العلامة ابن القيِّم –رحمه الله- « أن الله سبحانه جعل أمر الآخرة وما كان متصلا بها غَيْبًا، وحجَبَها عن إدراك
المكلفين في هذه الدار؛ وذلك مِن كَمَال حكمته، وليتميّز (المؤمنون بالغيب) مِن غيرِهم.
فأوَّل ذلك أن الملائكة تنزل على المحتضر، وتجلس قريبًا منه، ويشاهدهم عَيَانًا، ويتحدثون
عنده، ومعهم الأكفان والحنوط إما من الجنة وإما من النار، ويُؤَمِّنون على دعاء الحاضرين
بالخير والشر، وقد يُسلِّمون على المحتضر، ويَرُد عليهم تارة بلفظه، تارة بإشارته،
وتارة بقلبه؛ حيث لا يتمكن من نطقٍ ولا إشارةٍ » (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.
([11])
الضرب الأول: غيبٌ يمكن التعرف عليه
مطلقًا. مثاله: ما يغيب عن بعض الخلق، ويعرفه غيرهم بالمشاهدة أو الحس أو بالإخبار
المتواتر عن وجوده كالعلم بالأقطار النائية، والعلم بالأجهزة الداخلية للإنسان،
ونحو ذلك. ويعتبر هذا الضرب غيبًا نسبيًّا لمن غاب عنه، وعلمُ شهادةٍ لمن شاهده
ورآه أو علِمه.
الضرب الثاني: غيبٌ لا يمكن التعرف عليه
إلا بعد توافر بعض شروط واستعدادات. مثل معرفة الجنين بعد اكتمال خَلقِه في بطن
أمه هل هو ذكر أو أنثى؟ ويكون بواسطة الأشعة التليفزيونية. ومثل معرفة ما سيقع في
الأعوام المقبلة من الخسوفات والكسوفات، وتحديد ذلك بناءًا على دراسات الأجرام
السماوية من الكواكب التي جعلها الله من الأسباب الكونية التي يُعرف بها الحساب.
الضرب
الثالث: غيبٌ يتناوله العلم البديهي؛ مثل معرفة عقل
الرجل بمنطقه وكلامه، وحياة الجنين بحركته، وبالخلق على الخالق.
الضرب
الرابع: غيب لا يمكن التعرف عليه في الدنيا إلا على
وجهٍ مجملٍ، كالنعيم والعذاب الأخروي، وعن هذا النعيم قال الله تعالى: ﭽ
ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ [ السجدة: ١٧
].
الضرب
الخامس: غيبٌ لا يمكن التعرف عليه بحالٍ من الأحوال
ما دُمنا في الحياة الدنيا. كالحياة البرزخية، مع أنَّ هناك مِن الخلق من يعرف
ذلك، كالميت؛ فإنَّه يعرف حقيقتَها ويشاهدها، وكالذين أطلعهم الله عليها من
الملائكة والرسل والبهائم.
الضرب
السادس: الغيب الزماني، -المتعلِّق بزمنٍ معين- وهو
ثلاثة أقسام:
القسم
الأول: الغيب المتعلق بالأخبار والأحداث التي وقعت في زمنٍ مضَى، فقصة يوسف
وموسى عليهما السلام غيبٌ بالنسبة للنبيِّ r ولنا، وإنْ كانت ليست غيبًا بالنسبة لمن
حضَرها.
القسم
الثاني: الغيب الحاضر، كالأحداث التي تقع في أقطار الدنيا، فهي غيبٌ نِسبي.
القسم
الثالث: الغيب المستقبلي، وأكثره من الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله
كوقت الساعة، وبقية المفاتيح الخمسة. ومنه ما أطلعه الله بعض رسله مما سيقع. وأما
ما يُخبر به بعض الناس فهي مبنية على توقعات وتحليلات، قد تقع وقد لا تقع.
الضرب السابع: الغيب المكاني، وهو قسمان:
قسم لا يعلمه إلا الله، كمعرفة مكان موت الإنسان ودفنه.
وقسم يغيب عن بعض الناس
دون آخر، كمعرفة مكان الضالة. وكمعرفة ما في باطن الأرض من المعادن والماء الذي
يعرفه المختصون بذلك دون غيرهم (ولِمَن أراد التفصيل
في هذه الأضرب للغيب النِّسبي وأمثلتها، النظر في كتاب علم الغيب في العقيدة
الإسلامية: من ص146-150. وهذا مختصرٌ منه).
المفتاح
الأول: عِلم الساعة: فالعلم بوَقت الذي تقوم فيه القيامة، فيتغير كلُّ
شيءٍ من هذه الدنيا؛ فتُبدل السموات غير السموات، والأرض غير الأرض، وتبدأ حياة
أخرى للجن والإنس لم يعرفوها مِن قبلُ، وذلك حين يبعثهم الله للجزاء والحساب على
الأعمال التي قدموها في هذه الدنيا، فهذا العلم مما استأثر الله به، إذْ ﭽ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭰ ﭼ [ فصلت: ٤٧
]. وأنَّه لم يطلع عليها ملَكًا مقرَّبًا، ولا نبيًّا مرسلاً، قال
تعالى: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ
ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭼ [ الأحزاب: ٦٣ ]. وقد قال النبيُّ r في حديث مُسلم لما سأله جبريل u عنها في حديثه المشهور: " ما المسئول
عنها بأعلم من السائل ".
المفتاح
الثاني: العلم بالغيث: إنزال الغيث والمطر من الله القدير وحده دون سواه،
ولا يعلم وقتَ نزوله إلا الله، وإنْ كان إذا أمر به علِم ملائكتُه الموكَّلون
بذلك، ومَن شاء الله مِن خلقه، ففي حديث: مفاتيح الغيب الخمس التي لا يعلمها إلا
الله... السابق، قوله: " وما يدري أحدٌ متى يجيء المطر ". وكذا
لا يعلم مقدار ما ينزل إلا هو سبحانه وتعالى، قال: ﭽ ﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ [ المؤمنون: ١٨ ].
وكذلك لا يعلم أحدٌ من الخلق المكان الذي سينزل فيه المطر، قال تعالى: ﭽ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ [ السجدة:
٢٧ ].
المفتاح
الثالث: اختصاص الله تعالى بالعلم اليقيني للأجنة في الأرحام الشامل لكلِّ
لَحَظاتها وأطوارها: فمبدأ خَلق الجنين من حيث الذكورية والأنوثة، وتمام الخلقة
وعدمها، وطول العمر وقصره، وشقاوته أو سعادته، وطوله وقصره، وبياضه وسواده، وسلامة
حواسه، وصحته وسقمه، وأجله، وحياته وموته، وهل هو سقط أو لا؟ وطبائع موروثة في
الجنين وأخرى مكتسبة،...إلخ. ففي بداية خلقه تكون كلّ هذه الأمور من الغيب المطلق
لجميع الخلق، ثم يكون بعضها نِسبيًّا
لبعضهم بعد أنْ يطلعهم الله على ما شاء منه؛ فالملائكة التي يأمرها الله بكتابة
رزق الجنين وأجله، وشقيٍّ أو سعيدٍ تكون هذه المعلومات عندها معلومة وشاهدة، وإن
كانت مجهولة عند غيرها من الخلق. وكذلك الذكورية والأنوثة يعرفها الأطباء معرفة
ظنيَّة، وبواسطة، وبعد تمام الخلق لا قبله. وقد اختص الله تعالى بعلم الأجل والعمل
والشقاوة أو السعادة ... وقد يعلمها غيره بعد اطلاع الله ذلك لهم. قال تعالى: ﭽ
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
ﮕ ﮖ ﭼ [آل عمران: ٦ ].
المفتاح
الرابع: علمُ ما تكسبه النفوس في المستقبل: وهذا شاملٌ للكسب المعنوي
والمادي، والتي هي الأعمال الطالحة والصالحة، والأرزاق التي تكسبها النفس. فمِن
إطلاق الكسب على الأعمال الصالحة قوله تعالى: ﭽ ﭟ
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ [ الأنعام: ١٥٨]. ومن إطلاقاته على الأعمال السيئة: ﭽ ﭷ
ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﭼ [ الأنعام: ١٢٠].
ومن إطلاقه على الرزق قوله تعالى: ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ ﯓ ﭼ [ البقرة: ٢٦٧].
يقول الدكتور أحمد بن عبد الله الغنيمان بعدما ذكر إطلاقات الكسب في القرآن: « ومن
كلِّ ما تقدم يتبيَّن أنَّ الكسب عامٌ يطلق على كلِّ عملٍ يعمله الإنسان سواء كان
معنويًّا كالأعمال الصالحة أو السيئة، أو حسِّيًا كالرزق من مالٍ أو طعامٍ أو شراب
...» وأنَّها كلّها مما استأثر الله بها دون غيره، فيكون معنى آية: ﭽ
ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﭼ
شاملاً لكلِّ ما ذُكر؛ فالنفس لا تدري ماذا قدِّر لها أو عليها في المستقبل. ولا
فرق في ذلك بين نفوس الملائكة والأنبياء، والجن والإنس. إنما يختص بذلك علام
الغيوب لكمال علمه سبحانه. وقد
يُطلع الله مَن شاء مِن رسله.
المفتاح الخامس والأخير: العلم بالموت زمانًا
ومكانًا: فالموت نهاية هذه الحياة، ولا يدري الإنسان متى وبأيِّ أرض يموت، إنما
اختص بذلك العليم الخبير. وقد يُعلمه الله مَن شاء من ملائكته ورسله. ودليل هذه
المفاتيح الخمسة إشارةُ آية الأنعام، وتصريح آية لقمان، وزيادة تفسير بالأحاديث،
وسيأتي ذكر هذه النصوص قريبًا. والله أعلم. (انظر عن المفاتيح الخمسة مفصَّلا: في ص 44-64، وص 65- 86، وص 87- 110، وص 118- 119، وص 111-126، وص 127-142 في كتاب علم الغيب في العقيدة الإسلامية للدكتور أحمد الغنيمان –حفظه
الله-).
([19])
صحيح البخاري: كتاب التفسير، باب قوله ﭽ ﭺ
ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ ﭼ [الرعد: ٨ ]، ورقمه: 4697، وقد جاءت
لفظة" في خمسٍ لا يعلمهن... " في حديث جبريل الطويل عند الشيخين من طريق
أبي هريرة t، في صحيح البخاري: (كتاب
الإيمان، باب سؤال جبريل النبي r عن الإيمان،
والإسلام، والإحسان، وعلم الساعة، ورقمه: 50. وفي صحيح مسلم: (كتاب الإيمان، باب بيان
الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى، ورقمه: 9
و10).
([21])
صحيح ابن حبان: كتاب الرقائق، باب الأدعية
-ذكر الأمر لمن أصابه حزَنٌ أن يسأل الله ذهابَه عنه، وإبداله إياه فرَحًا-،
ورقمه: 972، ومستدرك الحاكم: كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، ورقمه: 1877، وقال: « هذا
حديث صحيح على شرط مسلم إن سلِم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه؛ فإنه مختلف
في سماعه عن أبيه »، وقال شعيب الأرناؤوط
ومساعدوه: « إسناده صحيح »، وقد جزم في أبي
سلَمَة الجهني بأنَّه هو موسى الجهني في تعليقه على ابن
حبان، والأمر محتمل، واستدرك على ذلك في المسند. هذا، وللحديث شاهِدٌ من حديث أبي موسى، فحديث ابن مسعود هذا حسن به، (وراجع مسند ابن
مسعودٍ t، من مسند الإمام أحمد، للتوسع
في تخريج الحديث، ورقم الحديث: 3712).
([34])
هذا هو قول قتادة وغيره في الآية من أنَّ
التبري سيكون في الآخرة، وليس أنَّه وقع لـمَّا رُفع عيسى u
إلى السماء، وإنْ صُدِّر الكلامُ بلفظ المضي، وعُقِّب بقوله: ﭽ ﯯ ﯰ ﭼ وﭽ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ
، وهذان هما
العلتان اللتان استدل بهما ابن جَريرٍ في ترجيح أنَّ ذلك كان في الدنيا وليس في
الآخرة، وقد نظَّّرهما ابن كثيرٍ، ورجح الأول، وقال: « هو الأظهر ». راجع تفسير
الآية، في تفسير القرآن الكريم، وجامع البيان.
([41])
سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب فتنة الدجال، وخروج عيسى بن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج، ورقمه:
4081، وأحمد، في مسند ابن مسعودٍ t، ورقمه: 3556، قال البوصيري في
الزوائد: « هذا إسناده صحيحٌ، رجاله ثقاتٌ، مؤثر
بن عَفَازة ذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال الإسناد ثقات. .. ورواه الحاكم عن
أبي العباس .. وقال: هذا صحيح الإسناد »، شروح سنن ابن ماجه ص1501ـ 1502)، وقد ضعَّف الحديث الشيخ الألبانيُّ،
وضعَّف الإسناد الشيخ أرناؤوط، وذكر أنَّ لبعضه شواهد.
([42]) عبد الله بن الإمام أحمد: هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الإمام، الحافظ، الناقد،
محدِّث بغداد، أبو عبد الرحمن ابن شيخ العصر أبي عبد الله الشيباني، المروزي، ثم
البغدادي، سمع عن أبيه الكثير، وله كتاب الرد على الجهمية، والجمل، قَالَ إِبْرَاهِيْم بن مُحَمَّدِ
بنِ بَشِيْر: سَمِعْتُ عبَّاسًا الدُّوْرِيّ يَقُوْلُ: كُنْتُ يَوْمًا عِنْد أَحْمَد
بن حَنْبَلٍ، فَدَخَلَ ابْن عَبْد اللهِ فَقَالَ لِي أَحْمَدُ: يَا عَبَّاس! إِنَّ
أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَن قَدْ وَعَى عِلْماً كَثِيْرًا، وقد كَانَ ثِقَةً ثَبْتًا فَهمًا،
قال
الذهبي: وَكَانَ صَيِّنًا دَيِّنًا صَادِقاً،
صَاحِبَ حَدِيْثٍ وَاتِّبَاع وَبصرٍ بِالرِّجَال. (انظر: سير أعلام النبلاء، /ج8 ،
624 ـ 630، ورقم الترجمة: 2635، وقسم الدراسة لكتابه كتاب السنة، بقلم: عادل بن
عبد الله آل حمدان، ص7-9).
([46])
مسروق بن
الأجدع بن مالك بن أمية بن عبد الله
الهمدانى الوادعى، الإمام، القدوة، العلم، الثقة، أبو عائشة الكوفى، من كبار التابعين،
يقال: إنَّه سُرق وهو صغيرٌ، حدَّث عن: عثمان وابن مسعود وعائشة y، روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، مات سنة: 62 ، ويقال: 63 هـ بالسلسلة.
(انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، ج4 / ص34، ورقم
ترجمته: 521، والتقريب: ص528، وبرقم: 6601).
([49])
للعلماء في الاستثناء الذي في آية ﭽ ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ
ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭼ ونظائرها قولان، القول الأول: أنَّه
استثناءٌ منقطعٌ؛ فيكون المعنى أنَّ النبيَّ r
لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرَّا لكن يكون من ذلك ما شاء الله كونه؛ إذ المخلوق لا
يملك لنفسه ذلك بحالٍ، فضلاً عن أن يملك لغيره، وهو الصحيح، وقيل هو استثناءٌ
متصل، والمعنى على هذا: أنَّ النبيَّ r
يملك من ذلك ما ملَّكه الله، وانظر: الصارم المُنكِي في الردِّ على
السُّبكِي لمحمد بن عبد الهادي، ص 267 ـ 268، بتحقيق أحمد سليمان، ط / مكتبة ابن
تيمية، وقد نقل ابن عبد الهادي هذه المسألة عن الرد على الأخنائي لابن تيمية.
([53]) صفوان بن المعطَّل بنِ رَحَضَةَ بنِ المُؤَمَّلِ السُّلَمِيُّ ،
قال النووي: « هو بفتح الطاء بلا خلاف »، ( المنهاج ص 1628 )، وهو أَبُو عَمْرٍو السُّلَمِيُّ،
ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ، المَذْكُوْرُ بِالبَرَاءةِ مِنَ الإِفْكِ، وَقد قال فيه النَّبِيُّ
r
في القِصَّةِ معنا: " مَا عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْراً "، قال ابن
إسحاق: « قتل في غزوة أرمينية، سنة تسع عشرة » انظر: ( سير أعلام النبلاء، ج3 / ص
273 ـ276، وبرقم: 347 ).
([54]) ذكر شيخ الإسلام خلاف
العلماء –رحمهم الله- في هذه المسألة بخصوصها، وهل يعلم النبي r
انتفاء الفاحشة التي أُفِـكَتْ به حبيبتُه رضي الله عنها، وبراءتها من ذلك، بدليل
قوله تعالى: ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﭼ
[النور: ٢٦]. ولِما يَذكر بعضُ السلف مِن أنه لم تزنِ
امرأة نبـيٍّ قط، أو أنه لا يعلم بذلك يقينًا، والراجح –والله أعلم- أنّه r
متردد في المسألة، ولم يكن له علم يقين بـحصول المرمي به أو انتفائه، مع أنه يغلب
عليه انتفاء ذلك عنها، وعن صفوان، رضي الله عنهما،
قال –رحمه الله-: « وقد تنازع الناس في النبي r هل كان يعلم براءة عائشة
قبل نزول الوحي مع اتفاقهم على أنه لم يجزم بالريبة؟
فمِن الناس من قال: يعلم براءتها، وكذلك علي، ولكن
لخوض الناس فيها ورميها بالإفك توقف؛ قالوا: وذلك أنّ نساء الأنبياء ليس فيهن بغيٌ
كما قالت طائفة من السلف: ما بغَتْ امرأة نبيٍّ قط؛ لأنّ في ذلك من العار بالأنبياء
ما يجب نفيُـه.
وقال آخرون: بل كان النبي r حصل له نوع شك وترجحت عنده براءتها ولما نزل الوحي حصل اليقين
قالوا: والدليل على ذلك أنه استشار في طلاقها عليًّا
وأسامة، قال أسامة: أهلك يا رسول الله! ولا نعلم إلا خيرًا وقال علي: لا يضيق الله
عليك والنساء سواها كثيرٌ، وسل الجارية تصدقُك فسأل النبي r بَرِيرة: " ما علمتِ على عائشة أو ما رأيت؟ " فقالت: «
ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر، غير أنها جارية حديثة السن
تنام عن عجين أهلها حتى تأتي الداجن فتأكله » فسؤاله لبريرة، واستشارته لعلي وأسامة
دليلٌ على حصول الشك فيها، وهو لما خطب ما جزم بالبراءة فقال فيما قال: " والله!
ما علمتُ على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلا ما علمتُ عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل
على أهلي إلا معي " ولو كان جازمًا بالبراءة لقال: إنهم كذبوا على أهلي وافتروا،
وإنّ أهلي لبريئةٌ مما قيل، ونحو ذلك.
ونفي العلم ليس علما بالعدم، لكن هذه العبارة تصلح لدفع المتكلم ونهيه
وذمه على قبول القول، كما قال تعالى: ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﭼ [النور: ١٥].
والعدل الذي
عُرِفَت عدالـتُه إذا لم يعلم فيه مَن له به خبرة ما ظنّ به إلا الخير كان عدلا عنده،
فإذا جرحه جارحٌ لم يعلم صدقه بل ترجح عنده كذبُـه لم يقدح في عدالته، ولم يوجب الجزم
ببراءته.
قال صاحب هذا القول: ولولا نزول براءتها من السماء لدام الشك في أمرها
وإن كان لم يثبت شيءٌ،
ففرق بين عدم
الثبوت مع حد القاذف وبين البراءة المنـزلة من السماء من الله U، ولهذا ذكر غيرُ واحد
من العلماء اتفاق الناس على أنّ مَن قذفها بما برأها الله تعالى منه فقد كفر؛ لأنه
مكذِّبٌ للقرآن.
وأصحاب هذا
القول يقولون: إن النبي r تردد هل يطلقها أم لا؟ لما حصل الشك لكون امرأة النبي r لا تكون بغيًّا، وكان عزمه أن يطلقها -والعياذ بالله- لو كان ما ذكر صحيحا
لكن تأنَّى وانتظر أمر الله تعالى حتى بـيّن الله الحق.
ومن قال هذا، يقول: المحفوظات هن اللواتِي يبقين
عند النبي r ولا يطلقهن،
وقد يقال: بل كلّ مَن تزوجها النبي r محفوظة، وإن
طلقها »، ( تلخيص كتاب
الاستغاثة، والرد على البكري، ص340-341).
([55]) أم مسطح، واسمها سلمى، وهى بنت أبى رُهْم، أما رُهم فبضم الراء، وإسكان الهاء، وأما ابنها مسطح فبكسر الميم، وهو « مِسْطَحُ
بنُ أُثَاثَةَ بنِ عَبَّادِ بنِ المُطَّلِبِ المُطَّلِبِيُّ ابْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ
قُصَيٍّ، المُطَّلِبِيُّ، المُهَاجِرِيُّ، البَدْرِيُّ، المَذْكُوْرُ فِي قِصَّةِ الإِفْكِ.
كَانَ فَقِيْراً،
يُنْفِقُ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ » كما قاله الذهبي. ومسطح لقبٌ، واسمه: عامر، وقيل:
عوف، كنيته: أبو عباد، وقيل: أبو عبد الله. وأُثاثة بهمزة مضمومة، وثاء مثلثة مكررة،
توفى سنة سبع وثلاثين، وقيل أربع وثلاثين،
انظر: ( المنهاج، ص 1628 ـ 1629، والسير للذهبي، ج2 / 151 ).
([57])
هو أُسَامَةُ بنُ زَيْدِ بنِ حَارِثَةَ بنِ شَرَاحِيْلَ، المَوْلَى،
الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، حِبُّ رَسُوْلِ اللهِ r وَمَوْلاَهُ، وَابْنُ مَوْلاَهُ، فهو الحِبّ ابن الحِبّ، وكنيته: أَبُو
زَيْدٍ، وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ، وقيل غير ذلك، وقد اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ r عَلَى جَيْشٍ لِغَزْوِ الشَّامِ، وَفِي الجَيْشِ
عُمَرُ وَالكِبَارُ؛ فَلَمْ يَسِرْ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ r؛ فَبَادَرَ الصِّدِّيْقُ بِبَعْثِهِمْ. وكان عمر يُجلُّه ويكرمه، وقد فضَّله في العطاء على
ولده عبد الله، واعتزل أسامة الفتن بعد قتل عثمان إلى أن مات في أواخر خلافة
معاوية t، وقد صحَّح ابن عبد البَرِّ أنَّه مات سنة
أربع وخمسين، انظر: ( الإصابة، ج1 / ص102 ـ 103، ورقم ترجمته: 89، وقد ذكر الذهبي
طائفة كبيرة من فضائله، انظر: ج3 / 247 ـ 252، وبرقم: 336 ).
([60]) سَعْدُ بنُ مُعَاذِ بنِ النُّعْمَانِ بنِ امْرِئِ القَيْسِ الأَنْصَارِيُّ،
السَّيِّدُ الكَبِيْرُ، الشَّهِيْدُ، أَبُو عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، الأَشْهَلِيُّ،
البَدْرِيُّ، الَّذِي اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِهِ. (انظر ترجمته الوافية
في: الإصابة، ج4 / 303 ـ
30305، وبرقم الترجمة: 3218، وفي السير للذهبي، ج2 / ص366، وبرقم: 197 ).
([67]) بِشْرُ بنُ البَرَاءِ
بنُ مَعْرُوْرٍ الخَزْرَجِيُّ، مِنْ كِبَارِ البَدْرِيِّيْنَ، قال الذهبي: « مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِهِ،
.. وهُوَ الَّذِي أَكَلَ مَعَ النَّبِيِّ r مِنَ الشَّاةِ المَسْمُوْمَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَأُصِيْبَ، وَهُوَ مِنْ
كِبَارِ البَدْرِيِّيْنَ »، السير للذهبي: (ج2 / ص 362، ورقم الترجمة: 195 ) .
([68])
صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب مرض النبي r ووفاته،
رقم: 4428. وأبو داود: الديات، باب فيمن سقى رجُلاً سُمًّا، أو أطعمه؛ فمات أيُقَاد
منه؟ رقم: 4512. وللنظر إلى
الروايات وهل قتَل النبي r
هذه اليهودية، وإنْ كان فما سببُه؟ يُنظر إلى هذا الباب عند أبي داود وشروح
العلماء له، وشرح الحافظ ابن حجر لأحاديث غزوة خيبر!
([74]) يلقب
بثَوْبَان النَّبَوِيِّ، مَوْلَى رَسُوْلِ اللهِ r سُبِيَ مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ، فَاشْتَرَاهُ النَّبِيُّ r وَأَعْتَقَهُ، فَلَزِمَ النَّبِيَّ
r وَصَحِبَهُ، وَحَفِظَ عَنْهُ كَثِيْرًا مِنَ العِلْمِ، وَطَالَ عُمُرُهُ،
وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ. يُكْنَى: أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَيُقَالُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَقِيْلَ: هُوَ يَمَانِيٌّ. وَاسْمُ أَبِيْهِ: جَحْدَرٌ، وَقِيْلَ: بُجْدَدٌ. وَكَانَ
مِنْ نَاحِيَةِ اليَمَنِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: نَزَلَ حِمْصَ، وَلَهُ بِهَا دَارٌ،
وَبِهَا مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ، مختصر من السير للذهبي، ج3 / ص323 ـ
324، وانظر: ص133 من التقريب لابن حجر، برقم: 858.
([81])
صحيح مسلم، كتاب الحدود،
باب من اعترف على نفسه بالزِّنَى، ورقمه: 1695. و الرُّبَيِّع -بضم الراء، وفتح
الباء، مع تشديد وكسر ما بعده-، هي الأنصارية النجارية، كانت من المبايعات
بيعة الشجرة، وكانت ربما غزت مع رسول الله r، وقد ذكر الحافظ ابن حجر حديث الباب في ترجمتها، انظر: ( الإصابة، ج13 /
ص375 ـ 376 ).
([101])
صحيح البخاري: كتاب الصيام، باب صوم شعبان، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: « لم يكن
النبي r يصوم شهرًا أكثر من شعبان..، وكان يقول: " خذوا من العمل ما تطيقون
فإنَّ الله لا يَملُّ حتى تملُّوا ". وأحب الصلاة إلى النبي r ما دُووِم عليه،
وإنْ قلَّت، وكان إذا صلَّى صلاةً داوم عليها » رقم: 1970، وصحيح مسلم: كتاب
الصيام، باب صيام النبي r في غير رمضان واستحباب أن لا يُخْلِيَ شهْرًا عن صومٍ، رقم: 782 .
No comments:
Post a Comment