الأربعون في خُلَفاء رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم
-الأحاديثُ في خلافتِهم ومكانتِهم، وشيءٌ مِن
التعليقات عليها-
جَمعُ:
أبو عبد المحسن؛ أبو بكر حمزة زكريا
السنة: 1434هـ الموافق: 2013م
P
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول
الله؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما
بعد:
فقد جَمعتُ في هذه الأوراق أربعين حديثًا
وأثرًا تتعلق بخلافة النبوة نفسها مِن بعد عبد الله ورسوله نبينا محمد r، أو تتعلق بالخلفاء الخمسة الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ
والحسن y أجمعين، وذلك من حيث ذكر خلافتهم ومناقبهم الجليلة، وبيان منزلتهم
العظيمة، ومكانتهم في الدين الإسلامي، وعند الرسول الكريم، وصحابته الطيبين
الطاهرين. وقد جمعتُها في الوقت الذي رأيتُ أنّ الحاجةَ ماسةٌ إلى وقوف عموم
المسلمين عليها، لفساد معتقد كثيرٍ ممن ينتسب إلى الإسلام فيهم بسبب الشبهات
الرافضية. كما أنَّ هذه النصوص سهلةٌ لِمَن أراد حفظها وتحفيظها ومدارستها
وتدريسها، وخصوصًا في المدارس العربية والإسلامية، والمساجد والحلقات العلمية.
وشرطي فيها -مِن حيث القبول- هو أنْ تكون محلّ اعتبارٍ وقبولٍ عند أهل الاصطلاح
والحديث؛ وذلك بأنْ تكون صحيحةً أو حسنةً فحسب؛ إذْ فيهما -ولله الحمد- الغُنيَة،
وأسمَيتُها: الأربعون في الخلفاء. ثم إنَّ خلفاء رسول الله r
الراشدين المهديين اشتهر كثيرًا أنهم أربعة، لكنّ الذي سيأتي مِن حديث سفينة مولى
رسول الله r وt قد
يجعلنا نعدهم خمسة كما تقدم ذكر أساميهم، وها كم
الأحاديث في الخلافة وفي الخلفاء، تحت الأبواب الْمُنْبِئَة بالتي تضمنتْها من
المعاني والعِبَر، على النحو التالي:
الحديث
الأول: ذكر أنَّ خِلافَة النُّبُوَّةِ بعد رسول الله r
ثَلاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَصِير مُلْكًا:
وقد كانت خِلافَةُ أَبِي بَكْرٍ
الصديق سَنَتَيْنِ، وَالفاروق؛ عُمَر عَشْرًا، وَذو النورين؛ عُثْمَان اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ، وَأبو الحسنين؛ عَلِيّ خمسة إلا أشهُرًا، والحسن نحو سبعة أشهر، ثُمَّ صارت مُلْكًا([1])؛ ابتدأه معاوية y،
فعَنْ سَفِينَةَ مولى رسول الله r،
قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:
"خِلافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ
الْمُلْكَ، أَوْ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ"([2]).
الحديث الثاني: ذكر الأمر بلزوم سنة الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ:
عن الْعِرْبَاض
بْن سَارِيَةَ t، في
الحديث المشهور بحديث المَوْعِظَة البَلِيغَة، وفيه أنه قال رسول الله r:
"... فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ
الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا
بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ،
فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ"([3]).
الحديث الثالث: ذكر الخلفاء الاثني عشر من
قريش يظلّ الدين في عهدهم عزيزًا:
وقد ذكَر شرّاح الحديث المحققون أنَّ
هؤلاء الاثنَي عشر الخلفاء الذين عَزَّ الدين في خلافتهم هم الخلفاء الأربعة
المتقدمة أسماؤهم، ثم معاوية وسبعة من خلفاء بنِي أمية بعده: فعن جابر بن سمرة t (الْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ، كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ) ([4]). ؟؟؟؟؟؟؟
الحديث الرابع: بيان أنَّ عظماء أهل البيت
لم يسأل الإمامة والخلافة:
أورد الإمام البخاري في صحيحه([5]) بسنده عَن الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ
عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ r فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ
فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ r ؟ قَالَ: أَصْبَحَ
-بِحَمْدِ اللَّهِ- بَارِئًا، فَأَخَذَ بِيَدِهِ الْعَبَّاسُ، فَقَالَ: أَلا تَرَاهُ،
أَنْتَ –وَاللَّهِ- بَعْدَ الثَّلاثِ عَبْدُ الْعَصَا([6])، =وفي موضع: بَعْدَ ثَلاثٍ=، وَاللَّهِ
إِنِّي لأُرَى رَسُولَ اللَّهِ r سَيُتَوَفَّى فِي وَجَعِهِ، وَإِنِّي لأَعْرِفُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ الْمَوْتَ، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَنَسْأَلَهُ فِيمَنْ يَكُونُ
الأَمْرُ؟ فَإِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا أَمَرْنَاهُ
فَأَوْصَى بِنَا! = وفي موضع: اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ
هَذَا الأَمْرُ، إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ
فَأَوْصَى بِنَا=، قَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ r فَيَمْنَعُنَا لا يُعْطِينَاهَا
النَّاسُ أَبَدًا، وَإِنِّي لا أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ r أَبَدًا .
الحديث
الخامس والسادس: ذكر أنَّه يأبى الله ويدفع المؤمنون إلا خلافة الصديق t:
فعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله
عنها، قَالَتْ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r فِي مَرَضِهِ:
"ادْعِى لِي أَبَا بَكْرٍ؛ أباكِ وَأَخَاكِ؛ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا؛ فَإِنِّي
أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، وَيَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى. وَيَأْبَى اللَّهُ
وَالْمُؤْمِنُونَ إِلاَّ أَبَا بَكْرٍ»([7]).
وجاءت القصة بالمعنى الأتم في صحيح الإمام البخاري، حيث قال الْقَاسِم بْن مُحَمَّدٍ: قَالَتْ عَائِشَة رضي الله عنها:
«وَارَأْسَاهْ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r : "ذَاكِ
لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ؛ فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ، وَأَدْعُو لَكِ "، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلِيَاهْ!
وَاللَّهِ إِنِّي لأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ لَظَلِلْتَ
آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ r: "بَلْ
أَنَا، وَارَأْسَاهْ! لَقَدْ هَمَمْتُ، أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي
بَكْرٍ وَابْنِهِ، وَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ، أَوْ يَتَمَنَّى
الْمُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ، أَوْ
يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ"([8]).
وعن سَعِيد بْن جُبَيْرٍ([9]) أنه سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: «يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟
ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى، قُلْتُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ! مَا
يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ قَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ r وَجَعُهُ،
فَقَالَ: "ائْتُونِي بِكَتِفٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا؛ لا تَضِلُّوا
بَعْدَهُ أَبَدًا"،
فَتَنَازَعُوا، وَلا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: مَا لَهُ
أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ([10]).
فَقَالَ: "ذَرُونِي فَالَّذِي
أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ، فَأَمَرَهُمْ بِثَلاثٍ؛
...الحديث([11]).
وفي لفظ عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أيضًا، قَالَ: لَمَّا حُضِرَ
رَسُولُ اللَّهِ r وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ r: هَلُمُّوا أَكْتُبْ
لَكُمْ كِتَابًا لا تَضِلُّوا بَعْدَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
r قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ،
فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبُ
لَكُمْ كِتَابًا لا تَضِلُّوا بَعْدَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَمَّا
أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاخْتِلافَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: قُومُوا . قَالَ
عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ
مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ r وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ؛ لاخْتِلافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ
([12]).
وصُرِّح في رواية عَنْه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بقائل مقولَة: (قَدْ غَلَبَ
عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ) وأنه عُمَرُ
بن الخطاب، حيث قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ r وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ النَّبِيُّ
r: هَلُمَّ أَكْتُبْ
لَكُمْ كِتَابًا لا تَضِلُّوا بَعْدَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ r قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ
وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ؛ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ؛
فَاخْتَصَمُوا، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ النَّبِيُّ r كِتَابًا؛ لَنْ تَضِلُّوا
بَعْدَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ
وَالاخْتِلافَ عِنْدَ النَّبِيِّ r، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
r: " قُومُوا
". .. الأثر ([13]).
الحديث
السابع والثامن والتاسع: ذكر إشارة رسول الله r
إلى خلافة الصديق t بعده:
فعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ
t، قَالَ:
أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ r فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، قَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ
أَجِدْكَ؟ -كَأَنَّهَا تَقُولُ: الْمَوْتَ. قَالَ r: "إِنْ
لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ"([14]).
وقد استخلف الرسول r أبا
بكر t في
الصلاة، وفي الحج أيضًا، فأما الأول، فقد أخرجه
الإمام البخاري بسنده إلى الأَعْمَش، عن إِبْرَاهِيمَ النخعي، قَالَ: قَالَ الأَسْوَدُ: كُنَّا
عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلاَةِ
وَالتَّعْظِيمَ لَهَا، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللهِ r مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَأُذِّنَ فَقَالَ:
"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ" فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ
أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ
بِالنَّاسِ، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: "إِنَّكُنَّ
صَوَاحِبُ يُوسُفَ؛ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ" فَخَرَجَ
أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى، فَوَجَدَ النَّبِيُّ r مِنْ نَفْسِهِ
خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ؛ كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ
مِنَ الْوَجَعِ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ
r: أَنْ
مَكَانَكَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ. قِيلَ لِلأَعْمَشِ، وَكَانَ
النَّبِيُّ r يُصَلِّي، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَتِهِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ
بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ بِرَأْسِهِ: نَعَمْ([15]).
وأما الثاني: فقد أخرجه صاحبا الصحيحين بسندهما عن حُمَيْد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
t أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ t، بَعَثَهُ
فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ r قَبْلَ حَجَّةِ
الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ، فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ: أَلاَ لاَ يَحُجُّ
بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ"([16]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «..وَأَيْضًا فَإِنَّ
الصِّدِّيقَ اسْتَخْلَفَهُ النَّبِيُّ r عَلَى الصَّلاةِ
الَّتِي هِيَ عَمُودُ الإِسْلامِ، وَعَلَى إقَامَةِ المنَاسِكِ الَّتِي لَيْسَ فِي
مَسَائِلِ الْعِبَادَاتِ أَشْكَلُ مِنْهَا، وَأَقَامَ الْمَنَاسِكَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ
النَّبِيُّ r، فَنَادَى
أَنْ لا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ، فَأَرْدَفَهُ
بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِيَنْبِذَ الْعَهْدَ إلَى الْمُشْرِكِينَ؛ فَلَمَّا
لَحِقَهُ قَالَ: أَمِيرٌ، أَوْ مَأْمُورٌ. قَالَ: بَلْ مَأْمُورٌ؛ فَأَمَّرَ أَبَا
بَكْرٍ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ عَلِيٌّ مِمَّنْ أَمَّرَهُ النَّبِيُّ
r أَنْ يَسْمَعَ وَيُطِيعَ فِي الْحَجِّ وَأَحْكَامِ الْمُسَافِرِينَ وَغَيْرِ
ذَلِكَ لأَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ هَذَا بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ الَّتِي اسْتَخْلَفَ
عَلِيًّا فِيهَا عَلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الرِّجَالِ
إلا مُنَافِقٌ أَوْ مَعْذُورٌ أَوْ مُذْنِبٌ..»([17]).
الحديث
العاشر والحادي عشر والثاني عشر: ذكر خلافة العمرين رضي الله عنهما:
جاء حديث الباب عن صحابيين هما: عبد الله
ابن عمر وأبو هريرة y، أما حديث الأول:
فعَنْ عَبْد اللهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
r: "بَيْنَمَا
أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا جَاءَنِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَأَخَذَ أَبُو
بَكْرٍ الدَّلْوَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ
يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ؛ فَاسْتَحَالَتْ
فِي يَدِهِ غَرْبًا؛ فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، فَنَزَعَ
حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ. قَالَ وَهْبٌ: الْعَطَنُ: مَبْرَكُ الإِبِلِ،
يَقُولُ: حَتَّى رَوِيَتِ الإِبِلُ فَأَنَاخَتْ([18]).
في لفظ: "رَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ
فِي صَعِيدٍ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ..
([19]). وهذه الرُّؤْيَا
نوميةٌ كما في بعض الألفاظ: "أُرِيتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَنْزِعُ بِدَلْوِ
بَكْرَةٍ عَلَى قَلِيبٍ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ.."([20]).
فالروايات السابقة كلها عن ابن عمر رضي الله عنهما. وقد جاء ما يشهد للحديث
من طريق أَبي هُرَيْرَةَ t، أَنَّ رَسُولَ اللهِ
r قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ وَعَلَيْهَا
دَلْوٌ فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ
فَنَزَعَ مِنْهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ
لَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَخَذَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَلَمْ أَرَ
عَبْقَرِيًّا ..الحديث"
([21]).
وفي لفظ عنه t، مرفوعًا أنّ أبا
بكر أخذ الدلو لإراحة النبي r، قال فيه: "...أَتَانِي أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ الدَّلْوَ مِنْ يَدِي لِيُرِيحَنِي؛
... وفيه: فَأَتَى ابْنُ الْخَطَّابِ فَأَخَذَ
مِنْهُ فَلَمْ يَزَلْ يَنْزِعُ حَتَّى تَوَلَّى النَّاسُ وَالْحَوْضُ يَتَفَجَّرُ"
([22]).
قال النووي: «قال العلماء: هذه إشارة إلى خلافة أبى
بكر وعمر، وكثرة الفتوح وظهور الإسلام في زمن عمر»([23]).
وأورد مسلم بسنده عَن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ،
سَمِعْتُ عَائِشَةَ وَسُئِلَتْ: مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r مُسْتَخْلِفًا لَوِ اسْتَخْلَفَهُ؟ قَالَتْ: أَبُو بَكْرٍ. فَقِيلَ لَهَا:
ثُمَّ مَنْ بَعْدَ أَبِى بَكْرٍ؟ قَالَتْ: عُمَرُ. ثُمَّ قِيلَ لَهَا: مَنْ بَعْدَ
عُمَرَ؟ قَالَتْ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ. ثُمَّ انْتَهَتْ إِلَى هَذَا([24]).
فالأحاديث المتقدمة
كانت في الخلافة المشار إليها في النصوص، أما الطائفة من الأحاديث التي يأتي ذكرها
تباعًا فهي لبيان منزلة هؤلاء الخلفاء في الدين، ومكانتهم عند رسول رب العالمين
وصحابته الطيبين الطاهرين، كما أنها تشرح فضائلهم ومناقبهم السامقة، فإليك هذه
الأحاديث:
الحديث الثالث عشر: مِن خصائص الصديق t:
إنَّ من خصائص أبي بكر الصديق t الكثيرة ما جاءت في حديث المخالة الذي رواه عدد من
الصحابة، كابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وأبي سعيد الخدري وجندب y، ولفظ الأخير منهم –كما عند مسلم-: قول جُنْدَبٍ t: سَمِعْتُ النَّبِيَّ
r قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ: "إِنِّي
أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلاً كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً، وَلَوْ كُنْتُ
مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلاً؛ لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، .." ([25]).
وأما لفظ أبِي سعيد t للحديث، فهو في الصحيحين، حيث
قَالَ: «خَطَبَ النَّبِيُّ r فَقَال: "إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا
وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللهِ" فَبَكَى أَبُو
بَكْرٍ t، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:
مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ؛ إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا
وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللهِ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ r هُوَ الْعَبْدَ، وَكَانَ
أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، قَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ تَبْكِ؛
إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِي
لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ، لاَ يَبْقَيَنَّ
فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلاَ سُدَّ، إِلاَّ بَابُ أَبِي بَكْرٍ"([26]).
الحديث الرابع عشر: ذكر أمر النبي r بالاقتداء بالخليفتين بعده رضي الله عنهما:
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ t، قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: "إِنِّي لاَ أَدْرِي
مَا قَدْرُ بَقَائِي فِيكُمْ؛ فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي, وَأَشَارَ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ..."الحديث([28]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذكره
الحديث: «وَلَمْ يَجْعَلْ هَذَا لِغَيْرِهِمَا، بَلْ ثَبَتَ
عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ
الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي. ..." فَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ
الرَّاشِدِينَ. وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الأَئِمَّةَ الأَرْبَعَةَ. وَخَصَّ أَبَا بَكْرٍ
وَعُمَرَ بِالاقْتِدَاءِ بِهِمَا. وَمَرْتَبَةُ الْمُقْتَدَى بِهِ فِي أَفْعَالِهِ
وَفِيمَا سَنَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ: فَوْقَ سُنَّةِ الْمُتَّبِعِ فِيمَا سَنَّهُ فَقَطْ»([29]).
الحديث الخامس عشر: ذكر الشهادة بالإيمان للعُمَرَين وما هما فِي
الْقَوْمِ ، وبيان فضل إيمانهما رضي الله عنهما:
عَن أَبي هُرَيْرَةَ t، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: "بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ
فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً فَطَلَبَهُ الرَّاعِي فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ:
مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي؟ وَبَيْنَا رَجُلٌ
يَسُوقُ بَقَرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَتْ:
إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا وَلَكِنِّي خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ". قَالَ النَّاسُ:
سُبْحَانَ اللهِ!
قَالَ النَّبِيُّ r: "فَإِنِّي
أُومِنُ بِذَلِكَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا"([30]).
وفي لفظ بزيادة في آخره تزيد في إيضاح منزلة
إيمان الشيخين رضي الله عنهما، ولفظها: .. فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا، وَأَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ -وَمَا هُمَا ثَمَّ-([31]) .. في الموضعين منه.
وفي آخر
بالاسم المظهر: وَمَا ثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ([32]). وفي آخَر بتصريح الراوي: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: مَا هُمَا يَوْمَئِذٍ
فِي الْقَوْمِ([33]).
قوله في الحديث: لَيْسَ
لَهَا رَاعٍ غَيْرِي: مبالغة في تَمكن الذئب من الشاة. وأما يَوْم السَّبُعِ -فبضم
الباء- . وقد اختلف العلماء –رحمهم الله- في المراد بهذا اليوم (يوم السبع) الوارد
في الحديث، ولعل الأصح أنه «عند الفتن حين
تتركها الناس هملا لا راعي لها، نُهبة للسباع، فجعل السبع لَها راعيًا: أي: منفردًا
بِها»([34])، والله أعلم.
الحديث السادس عشر: ذكر رشاد القوم إنْ أطاعوا أبا بكر وعمر رضي الله عنهما:
جاء في حديث (الميضأة) ([35]) الطويل جعل الرسول r الرشاد معلقا بطاعة العمرين رضي الله عنهما، فقال: "إِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا"([36]) من حديث أبي قتادة t.
الحديث السابع عشر: بيان أنّ أحبّ الرجال إلى رسول الله r أبو بكر ثم عمر:
جاء عن عَمْرو بْن الْعَاصِ t أَنَّ النَّبِيَّ r بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ
ذَاتِ السَّلاَسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ:
"عَائِشَةُ!" قُلْتُ: مِنَ
الرِّجَالِ؟ قَالَ: "أَبُـوهَا!" قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "عُمَـرُ!"
فَـعَدَّ رِجَالاً، فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ»([37]).
الحديث الثامن عشر والتاسع عشر:
ذكر أنّ خير الناس بعد رسول الله r وأفضل الأمة بعد نبيِّها أبو بكر ثم عمر:
عَن ابْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ
النَّبِيِّ r فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ثُمَّ عُثْمَانَ
بْنَ عَفَّانَ y([38]).
وفي
لفظ آخر عند البخاري عَنه t، قَالَ:
كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ r: لاَ
نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ
النَّبِيِّ r: لاَ
نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ ([39]).
وجاء الحديث عند ابن
أبي عاصم في السنة هكذا: عَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّا كُنَّا
نَقُولُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فِي الْخِلافَةِ([40]).
هذا من طريق ابن عمر، وقد جاء في جواب
عليّ بن أبي طالب t لابنه مُحَمَّد ابْن
الْحَنَفِيَّةِ مثل ذلك، وذلك حين سأله فقَالَ: قُلْتُ لأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ
بَعْدَ رَسُولِ اللهِ r؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ.
قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ. وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ: عُثْمَانُ، قُلْتُ:
ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلاَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ([41]).
وعلق عليه ابن تيمية فقال: «وَهَذَا يَقُولُهُ لابْنِهِ: الَّذِي لا يَتَّقِيه وَلِخَاصَّتِهِ؛
وَيَتَقَدَّمُ بِعُقُوبَةِ مَنْ يُفَضِّلُهُ عَلَيْهِمَا. وَالْمُتَوَاضِعُ لا يَجُوزُ
لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِعُقُوبَةِ كُلِّ مَنْ قَالَ الْحَقَّ وَلا يَجُوزُ أَنْ يُسَمِّيَهُ
مُفْتَرِيًا»([42]).
كما أنه قد قال قبل ذلك: «وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ نَحْوِ ثَمَانِينَ وَجْهًا وَأَكْثَرَ
أَنَّهُ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةَ: خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»([43]).
وقال الحافظ ابن حجر
في شرح الحديث الأخير: «وَقَدْ سَبَقَ بَيَان الاخْتِلَاف فِي أَيّ الرَّجُلَيْنِ أَفْضَل
بَعْد أَبِي بَكْر وَعُمَر: عُثْمَان أَوْ عَلِيّ؟ وَأَنَّ الْإِجْمَاع انْعَقَدَ بِآخِرِهِ
بَيْن أَهْل السُّنَّة أَنَّ تَرْتِيبهمْ فِي الْفَضْل كَتَرْتِيبِهِمْ فِي الْخِلَافَة،
رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. ..»([44]).
الحديث العشرون والحادي والعشرون: أبو بكر صدِّيقٌ وعمر شهيدٌ:
عن أَنَس بْن مَالِكٍ
t أنه حَدَّثَهُمْ
أَنَّ النَّبِيَّ r صَعِدَ أُحُدًا، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَقَالَ:
«اثْبُتْ أُحُدُ؛ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَان ([45]).
وفي صحيح مسلم: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
r كَانَ عَلَى حِرَاء هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِىٌّ
وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "اهْدَأْ؛ فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ
شَهِيدٌ"([47]). وشَهِيدٌ هنا: للجنس.
والحديث الثاني بلفظ حراء لا (جبل أُحد)،
قال الحافظ ابن حجر: «..ومن رواه بلفظ (حراء) وأنه يُمكن الجمع بالحمل على التعدد،
ثم وجدت ما يؤيده: فعند مسلم من حديث أبي هريرة.. فذكره»([48]).
الثاني والعشرون: ذكر بشارة النبي r لضجيعَيه في الرمس؛ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بالجنة:
هنا أذكر طائفة من
الأحاديث، كالتالي:
الحديث الأول:
ما جاء من حديث أَبِي مُوسَى t
مختصرًا، أَنَّ النَّبِيَّ r دَخَلَ حَائِطًا وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِ الْحَائِطِ، فَجَاءَ رَجُلٌ
يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ"؛
فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ
وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ"؛ فَإِذَا عُمَرُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ
فَسَكَتَ هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ؛
عَلَى بَلْوَى سَتُصِيبُهُ" فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ([49]).
وسيأتي الحديث بطوله في
صفة النبي r وأبي
بكر وعمر رضي الله عنهما.
الحديث الثاني: حديث
البشارة لعشرة بالجنة، ومنهم العمرين، ومن ألفاظه:
عن عبد الرحمن
بن عوف أنّ النبي r قال: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعلي في الجنة، وعثمان في الجنة
وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في
الجنة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة
تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده قوي على شرط مسلم
ولفظ الترمذي:
عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو بكر في الجنة و عمر في الجنة و عثمان في
الجنة و علي في الجنة و طلحة في الجنة و الزبير في الجنة و عبد الرحمن بن عوف في الجنة
و سعد في الجنة و سعيد في الجنة و أبو عبيدة بن الجراح في الجنة
قال الشيخ الألباني : صحيح.
وأورد ابن ماجه بسنده إلى رِيَاحِ بْنِ الْحَارِثِ، أنه سَمِعَ سَعِيدَ
بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله
عَليْهِ وسَلَّمَ عَاشِرَ عَشَرَةٍ ، فَقَالَ : أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ
، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ
، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
فِي الْجَنَّةِ , فَقِيلَ لَهُ : مَنِ التَّاسِعُ ؟ قَالَ : أَنَا.
الحديث الثالث: ما أورده أبو داود بسنده
إلى صَدَقَة بْن الْمُثَنَّى النَّخَعِيّ أنه حدَّث أنَّ جَدّه رِيَاحُ بْنُ الْحَارِثِ
حدَّثه فقَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ فُلاَنٍ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ وَعِنْدَهُ
أَهْلُ الْكُوفَةِ فَجَاءَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَرَحَّبَ
بِهِ وَحَيَّاهُ وَأَقْعَدَهُ عِنْدَ رِجْلِهِ عَلَى السَّرِيرِ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ
أَهْلِ الْكُوفَةِ يُقَالُ لَهُ قَيْسُ بْنُ عَلْقَمَةَ فَاسْتَقْبَلَهُ فَسَبَّ وَسَبَّ
فَقَالَ سَعِيدٌ مَنْ يَسُبُّ هَذَا الرَّجُلُ قَالَ يَسُبُّ عَلِيًّا. قَالَ أَلاَ
أَرَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُسَبُّونَ عِنْدَكَ ثُمَّ لاَ
تُنْكِرُ وَلاَ تُغَيِّرُ أَنَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ
وَإِنِّى لَغَنِىٌّ أَنْ أَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ فَيَسْأَلُنِى عَنْهُ غَدًا
إِذَا لَقِيتُهُ « أَبُو بَكْرٍ فِى الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِى الْجَنَّةِ ». وَسَاقَ مَعْنَاهُ ثُمَّ
قَالَ لَمَشْهَدُ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَغْبَرُّ
فِيهِ وَجْهُهُ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ عُمْرَهُ وَلَوْ عُمِّرَ عُمْرَ نُوحٍ.
حديث
أَبِي هُرَيْرَةَ t، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ r قَالَ: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ نُودِيَ مِنْ
أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا خَيْرٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ
دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ
الْجِهَادِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ ،
وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ" فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ t: بِأَبِي
أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ! مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ
مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ،
وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ"([50]).
وقد نظم هذه المعاني وهو يتكلم عن أبواب الجنة العلامة ابنُ القيم
فقال:
أبوابها حق ثَمانية أتت
|
في النص وهي لصاحب الإحسان
|
باب الجهاد وذاك أعلاها، وبا
|
ب الصوم يدعي الباب بالريان
|
ولكلِّ سعيٍ صالح بابٌ، وربُّ
|
السعْيِ منه داخلٌ بأمان
|
ولسوف يدعى المرء مِن أبوابِها
|
جَمْعًا إذا وفَّى حُلَى الإيمان
|
منهم: أبو بكرٍ هو الصديقُ،
ذا
|
وحديث أَبِى هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ r:
"مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ:
"فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ:
"فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
أَنَا. قَالَ: "فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا". قَالَ
أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:
"مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ"([52]).
ومن الأحاديث –في
ذكر أنَّ عمر t في الجنة-: ما جاء من القصر الذي أعده الله له،
وكذلك ما فيه من الجارية، فقد جاء عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ r: "رَأَيْتُنِي
دَخَلْتُ الْجَنَّةَ؛ فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ، وَسَمِعْتُ
خَشَفَةً فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا بِلاَلٌ! وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ
جَارِيَةٌ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ! فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ
فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ"، فَقَالَ عُمَرُ: بِأُمِّي وَأَبِي
يَا رَسُولَ اللهِ، أَعَلَيْكَ أَغَارُ؟!([53]).
وعَن أبي هُرَيْرَةَ t، قَالَ:
بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ r إِذْ قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ؛
فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟
قَالُوا: لِعُمَرَ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ؛ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا"، فَبَكَى،
وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللهِ؟!([54]).
وقال في شرح الحديث في باب ما جاء في صفة
الجنة وأنها مخلوقة، من كتاب بدء الخلق: «... قد روى أحمد من حديث معاذ قال: إنّ عمر
من أهل الجنة؛ وذلك أن النبي r كان ما يرى في يقظته أو نومه سواء، وأنه قال: بَيْنَا أَنَا فِي الْجَنَّةِ؛
بينا أنا في الجنة إذ رأيت فيها جَارِيَة فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذه؟ فَقيلَ: لِعُمَر بن
الخطاب([56])»([57]).
ومعرفة هذه
الآثار النبوية في ذكر أنَّ ابن الخطاب في الجنة مِن قبَل الصحابة والتابعين هو
الذي حَمل شابًّا على ذكر أنَّ عمر شهيدٌ وذلك بعدما طُعِن من قبل المجوسي فيروز
وحُمل إلى بيته، كما في قصة مقتله حيث جاء أنه: «احْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ، فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ
وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ؛ فَقَائِلٌ يَقُولُ:
لاَ بَأْسَ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: أَخَافُ عَلَيْهِ؛ فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ
مِنْ جَوْفِهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ؛ فَعَلِمُوا
أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ
رَجُلٌ شَابٌّ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللهِ لَكَ
مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ r، وَقَدَمٍ
فِي الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ، قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ
كَفَافٌ لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي. فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ؛
قَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلاَمَ؟ قَالَ: ابْنَ أَخِي! ارْفَعْ ثَوْبَكَ؛ فَإِنَّهُ
أَبْقَى لِثَوْبِكَ، وَأَتْقَى لِرَبِّكَ... »([58]).
وفي (باب مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ
r وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) بلفظ: «وَوَلَجَ عَلَيْهِ شَابٌّ مِنَ
الأَنْصَارِ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللهِ كَانَ لَكَ
مِنَ الْقَدَمِ فِي الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ ثُمَّ اسْتُخْلِفْتَ فَعَدَلْتَ
ثُمَّ الشَّهَادَةُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ»([59]).
ومثل شهادة هذا
الشاب قالها حبر الأمة عبد الله بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وذلك لَما قال عمر
-بعدما خرج اللبن الذي شرب مِن جُرحَيه، وعُرِفَ بذلك أَنَّهُ الْمَوْتُ-: الآنَ لَوْ أَنَّ
لِيَ الدُّنْيَا كُلَّهَا لافْتَدَيْتُ بِهَا مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ، وَمَا ذَاكَ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِنْ أَكُونُ رَأَيْتُ إِلا خَيْرًا. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
وَإنْ قُلْتَ ذَلِكَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، أَلَيْسَ قَدْ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ
r أَنْ يُعِزَّ اللَّهُ بِكَ الدِّينَ وَالْمُسْلِمِينَ إِذْ يَخَافُونَ بِمَكَّةَ،
فَلَمَّا أَسْلَمْتَ كَانَ إسْلامُكَ عِزًّا، وَظَهَرَ بِكَ الإِسْلامُ وَرَسُولُ اللَّهِ
r وَأَصْحَابُهُ، وَهَاجَرْتَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكَانَتْ هِجْرَتُكَ فَتْحًا،
ثُمَّ لَمْ تَغِبْ عَنْ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ يَوْمِ كَذَا وَيَوْمِ كَذَا، ثُمَّ قُبِضَ
رَسُولُ اللَّهِ r وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، فَوَازَرْتَ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ عَلَى مِنْهَاجِ
رَسُولِ اللَّهِ r، فَضَرَبْتِ
مَنْ أَدْبَرَ بِمَنْ أَقْبَلَ حَتَّى دَخَلَ النَّاسُ فِي الإِسْلامِ طَوْعًا أَوْ
كَرْهًا، ثُمَّ قُبِضَ الْخَلِيفَةُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ وُلِّيتَ بِخَيْرِ
مَا وُلِّيَ النَّاسُ، مَصَّرَ اللَّهُ بِكَ الأَمْصَارَ، وَجَبَى بِكَ الأَمْوَالَ،
وَنَفَى بِكَ الْعَدُوَّ، وَأَدْخَلَ اللَّهُ بِكَ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ
تَوَسُّعِهِمْ فِي دِينِهِمْ، وتَوَسُّعِهِمْ فِي أَرْزَاقِهِمْ، ثُمَّ خَتَمَ لَكَ
بِالشَّهَادَةِ، فَهَنِيئًا لَكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ الْمغرورَ مَنْ تَغُرُّونَهُ،
ثُمَّ قَالَ: أَتَشْهَدُ لِي يَا عَبْدَ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟
فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَلْصِقْ خَدِّي بِالأَرْضِ
يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ عُمَرَ، فَوَضَعْتُهُ مِنْ فَخِذِي عَلَى سَاقِي، فَقَالَ:
أَلْصِقْ خَدِّي بِالأَرْضِ، فَتَرَكَ لِحْيَتَهُ وَخَدَّهُ حَتَّى وَقَعَ بِالأَرْضِ،
فَقَالَ: وَيْلَكَ وَوَيْلَ أُمِّكَ يَا عُمَرُ إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَكَ! ثُمَّ
قُبِضَ رَحِمَهُ اللَّهُ»([60]).
فثبت بالأحاديث
التي جَمعت في بشارة العمرين، وبالأحاديث التي ذكرت أنَّ كلا منهما بمفرده في
الجنة: أنَّ ضجيعَي رسول الله r ورضي الله عنهما بُشِّرا بالجنة، وأنهما فيها، بل وفي أعلى
غرقهما كما في المباحث القادمة؛ بحيث يضيء الجنة بإشرافهم، ويراهم مَن أسفل منهم
كما يُرى الكوكب الطالع في الأفق.
كما أنَّه سيأتي
لاحقًا أنَّ أبا بكر صديق، وأنَّ عمر شهيد، والصديق والشهيد في الجنة مع الأنبياء –كما
في آية سورة النساء.
الحديث الثالث ذكر النبي r فضلَ درجاتِ
أبي بكر وعمر في الجنة:
عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ،
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t، أَنَّ
النَّبِيَّ r، قَالَ:
"إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ لَيُشْرِفُ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ
فَتُضِيءُ الْجَنَّةُ؛ لِوَجْهِهِ، كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ"، وفيه:
"وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْهُمْ، وَأَنْعَمَا"([61])، هذا لفظ أبي داود للحديث.
وقد جاء عند الترمذي وابن ماجه هكذا: "إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى
يَرَاهُمْ مَنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ, كَمَا يُرَى الْكَوْكَبُ الطَّالِعُ فِي الأُفُقِ
مِنْ آفَاقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ، وَأَنْعَمَا"([62]).
الحديث الرابع والعشرون: ذكر النبي r أنَّ
أبا بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة:
عَنْ عَلِيٍّ t، قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: "أَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ , مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ
، إِلاَّ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ، لاَ تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ مَا دَامَا
حَيَّيْنِ"([63]).
؟؟؟؟
عَن سَعِيدِ بْنِ عَجْلانَ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَلا أُخْبِرُكُمَا بِمَثَلِكُمَا فِي الْمَلائِكَةِ
وَمَثَلِكُمَا فِي الأَنْبِيَاءِ؟! أَمَّا مَثَلُكَ أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ فِي الْمَلائِكَةِ
كَمَثَلِ مِيكَائِيلَ يَنْزِلُ بِالرَّحْمَةِ، وَمَثَلُكَ فِي الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ
إِبْرَاهِيمَ إِذْ كَذَّبَهُ قَوْمُهُ، وَصَنَعُوا مَا صَنَعُوا فَقَالَ: ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ [إبراهيم: ٣٦] . وَمَثَلُكَ يَا عُمَرُ فِي الْمَلائِكَةِ كَمَثَلِ
جِبْرِيلَ يَنْزِلُ بِالْبَأْسِ وَالشِّدَّةِ وِالنِّقْمَةِ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ،
وَمَثَلُكَ فِي الأَنْبِيَاءِ مِثْلَ نُوحٍ إِذْ قَالَ: ﭽ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﭼ [نوح: ٢٦] ([64]).
الحديث الثامن والعشرون: ذكر تقديم الشيخين في الشورى على غيرهما:
جاء
في صحيح مسلم في شأن أسرى بدر،
حديث
عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاسٍ رضي الله
عنهما، قَالَ: «حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t، قَالَ: لَمَّا
كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ r إِلَى
الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ
رَجُل، ... وفيه: قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ:
فَلَمَّا أَسَرُوا الأُسَارَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لأَبِى بَكْرٍ
وَعُمَرَ: "مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلاَءِ الأُسَارَى؟"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا
نَبِيَّ اللَّهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ؛ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ
مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللَّهُ
أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "مَا
تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ". قُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ! مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّى أَرَى أَنْ
تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ؛ فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ
فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلاَنٍ –نَسِيـبًا لِعُمَرَ- فَأَضْرِبَ
عُنُقَهُ؛ فَإِنَّ هَؤُلاَءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا، فَهَوِيَ
رَسُولُ اللَّهِ r مَا قَالَ أَبُو
بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ؛ فَإِذَا
رَسُولُ اللَّهِ r وَأَبُو بَكْرٍ
قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ
شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ! فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ
أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "أَبْكِي
لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ
عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ". شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ r. ... الحديث([65]).
الحديث التاسع والعشرون: ذكر مرور الرسول بالعمرين وهما يصليان:
جاء عَنْ أَبِى قَتَادَةَ t: أَنَّ النَّبِيَّ
r خَرَجَ لَيْلَةً فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ t يُصَلِّي يَخْفِضُ مِنْ
صَوْتِهِ -قَالَ- وَمَرَّ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ يُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَهُ
–قَالَ- فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَ النَّبِيِّ r قَالَ النَّبِيُّ r: "يَا أَبَا
بَكْرٍ! مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي تَخْفِضُ صَوْتَكَ". قَالَ : قَدْ
أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ وَقَالَ لِعُمَرَ: "مَرَرْتُ
بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَكَ". قَالَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أُوقِظُ الْوَسْنَانَ([66])، وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ. زَادَ الْحَسَنُ
فِي حَدِيثِهِ: فَقَالَ النَّبِيُّ r: "يَا أَبَا
بَكْرٍ ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا". وَقَالَ لِعُمَرَ: "اخْفِضْ
مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا"([67]).
الحديث الثلاثون: بيان أنّ اختصاص
العمرين بالنبي r يعرفها حتى أعداء الإسلام:
جاء
في صحيح البخاري بسنده إلى البراء بن عازب t أنه:
كَانَ النَّبِيُّ r وَأَصْحَابُهُ أَصَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً؛
سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلاً؛ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي الْقَوْمِ
مُحَمَّدٌ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ r أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟
ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ،
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلاَءِ فَقَدْ قُتِلُوا، فَمَا
مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللهِ! إِنَّ الَّذِينَ
عَدَدْتَ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوؤُكَ. قَالَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ
بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ([68]).
ومثله ما جاء في :- باب غَزْوَةِ أُحُدٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ r أَنْ لاَ تَبْرَحُوا
فَأَبَوْا، فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ فَأُصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلاً، وَأَشْرَفَ
أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: لاَ تُجِيبُوهُ. فَقَالَ:
أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ قَالَ: لاَ تُجِيبُوهُ. فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ
ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ قُتِلُوا؛ فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لأَجَابُوا،
فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ، أَبْقَى اللَّهُ
عَلَيْكَ مَا يُخْزِيكَ([69]).
الحديث
الحادي والثلاثون: ذكر قبور الثلاثة العظماء؛ النبي r وضجيعَيْه
رضي الله عنهما:
سبق أنّ سعيد بن المسيّب أوَّل جلوس الرسول
r على شفير بئر أريس، وفعل العمرين مثل ذلك، ثم لَمَّا جاء عثمان
جلس جنبًا أوَّل فعلهم هذا باجتماع قبور الثلاثة وانفراد قبر عثمان، وقد سبقه –رحمه
الله- في مثل ذلك: أبو بكر وعليٌّ رضي الله عنهما؛ فـروى مالك بسنده عَنْ
عَائِشَةَ زَوْج النَّبِيِّ r، قَالَتْ: «رَأَيْتُ ثَلاثَةَ أَقْمَارٍ سَقَطْنَ فِي حُجْرَتِي
فَقَصَصْتُ رُؤْيَايَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَتْ: فَلَمَّا
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ r، وَدُفِنَ فِي بَيْتِهَا، قَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: « هَذَا
أَحَدُ أَقْمَارِكِ، وَهُوَ خَيْرُهَا»([70]).
وسيأتِي قريبًا أثر ابن أبي طالب t في ظنِّه أنَّ الله تعالى سيجعل عمر مع صاحبيه؛ لأنه كثيرًاما سمع
رسولَ الله يقول: دخلتُ أنا وأبو بكر وعمر، .. الأثر.
الحديث الثالث والثلاثون: ذكر صفة قبر النبي r وضجيعَيه؛ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما:
أورد صاحبا الصحيح
بسندهما إلى عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ t أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَقُلْتُ: لأَلْزَمَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ r
وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا، قَالَ: فَجَاءَ الْمَسْجِدَ فَسَأَلَ عَنْ
النَّبِيِّ r
فَقَالُوا: خَرَجَ وَوَجَّهَ هَا هُنَا، فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ
عَنْهُ، حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ([71]) فَجَلَسْتُ عِنْدَ
الْبَابِ، وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ r
حَاجَتَهُ، فَتَوَضَّأَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ؛ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى بِئْرِ
أَرِيسٍ، وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، وَدَلاهُمَا فِي
الْبِئْرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ،
فَقُلْتُ: لأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ r
الْيَوْمَ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ! فَقَالَ: "ائْذَنْ
لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ" فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لأَبِي
بَكْرٍ: ادْخُلْ وَرَسُولُ اللَّهِ r
يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ
اللَّهِ r، مَعَهُ
فِي الْقُفِّ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ r،
وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي
يَتَوَضَّأُ وَيَلْحَقُنِي. فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدْ اللَّهُ بِفُلانٍ خَيْرًا
يُرِيدُ أَخَاهُ يَأْتِ بِهِ؛ فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ، فَقُلْتُ:
مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ
جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُ!
فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ" فَجِئْتُ
فَقُلْتُ: ادْخُلْ، وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ r
بِالْجَنَّةِ، فَدَخَلَ فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي
الْقُفِّ عَنْ يَسَارِهِ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ. ثُمَّ رَجَعْتُ
فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدْ اللَّهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ؛
فَجَاءَ إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُثْمَانُ
بْنُ عَفَّانَ، فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r
فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى
بَلْوَى تُصِيبُهُ" فَجِئْتُهُ، فَقُلْتُ
لَهُ: ادْخُلْ، وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ r
بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُكَ، فَدَخَلَ فَوَجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ،
فَجَلَسَ وِجَاهَهُ مِنْ الشَّقِّ الآخَرِ.
قَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ([72]).
وفي كتاب الفتن من صحيح البخاري جاء لفظه
هكذا: قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَتَأَوَّلْتُ ذَلِكَ قُبُورَهُمُ؛ اجْتَمَعَتْ
هَاهُنَا، وَانْفَرَدَ عُثْمَانُ([73]).
الحديث الثالث والثلاثون: بيان أنّ منزلة العمرين من النبي في حياته r كمنزلتهما منه بعد مماته:
روى البخاري ومسلم عَن ابْن عَبَّاسٍ رضي
الله عنهما، قال: «وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ([74])؛
يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي
إِلا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي؛ فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَتَرَحَّمَ
عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى
اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ([75])،
وَايْمُ اللَّهِ! إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ،
وَحَسِبْتُ إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ r يَقُولُ: "ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»([76]).
وفي لفظ فيهما أنّ ابْن
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي قَوْمٍ فَدَعَوْا
اللَّهَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَدْ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، إِذَا رَجُلٌ
مِنْ خَلْفِي قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَى مَنْكِبِي يَقُولُ: رَحِمَكَ
اللَّهُ إِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ؛ لأَنِّي
كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ r
يَقُولُ: كُنْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَفَعَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ،
وَانْطَلَقْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَإِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ
اللَّهُ مَعَهُمَا، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ([77]).
وجاء في لفظ عنهما عن ابْنِ
أَبِي مُلَيْكَةَ أيضًا أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: وُضِعَ عُمَرُ
عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ
يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي؛ فَإِذَا
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ
أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ
اللَّهِ! إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ،
وَحَسِبْتُ إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ r
يَقُولُ: ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) ([78]).
في لفظ مسلم: "يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ
أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ" وفي آخره: "جِئْتُ أَنَا وَأَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ...".
وقد
أورَدت كُتُب السيرة والتاريخ مثل القول المتقدم من ابن أبي طالب في حق أخيه أبي
بكر رضي الله عنهما أيضًا بعد وفاته، فجاء في تاريخ الإسلام للذهبي (ج3/ص120) أنه قال
عبد الواحد بن أيمن وغيره، عن أبي جعفر الباقر قال: دخل علي على أبي بكر بعد ما سجي فقال: ما أحد
ألقى الله بصحيفته أحب إلي من هذا المسجي([79]).
ومما ليس ببعيد عن
القصة المتقدمة (قصة حديث ابن أبي طالب)، إلا أنَّ فيه دخول الشيخين؛ الصديق
والفاروق وعثمان على النبي r لا
أنَّ النبي دخل معهما كما في أثر ابن عباس السابق: ما جاء عَنْ عَطَاءٍ وَسُلَيْمَانَ ابْنَيْ يَسَارٍ
وَأَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ r مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ
أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ
عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ
رَسُولُ اللَّهِ r وَسَوَّى ثِيَابَهُ -قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلاَ أَقُولُ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ
وَاحِدٍ- فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ
فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ
وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ
عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ؟ فَقَالَ: "أَلاَ أَسْتَحِي مِنْ
رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ!"،
انفرد بروايته الإمام مسلم([80]).
وفي لفظ
عنده بلفظ تتم به القصة من طريق سَعِيد بْن الْعَاصِ،
قال: حدثتني عائشة زَوْج النَّبِيِّ r وَعُثْمَان:
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ لاَبِسٌ مِرْطَ عَائِشَةَ فَأَذِنَ لأَبِى
بَكْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ
عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ ثُمَّ
انْصَرَفَ. قَالَ عُثْمَانُ: ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَجَلَسَ وَقَالَ لِعَائِشَةَ:
"اجْمَعِي عَلَيْكِ ثِيَابَكِ". فَقَضَيْتُ إِلَيْهِ حَاجَتِي ثُمَّ
انْصَرَفْتُ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا لِي لَمْ أَرَكَ فَزِعْتَ
لأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَمَا فَزِعْتَ لِعُثْمَانَ؟ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ r:
"إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ وَإِنِّي خَشِيتُ إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَى
تِلْكَ الْحَالِ أَنْ لاَ يَبْلُغَ إِلَيَّ فِي حَاجَتِهِ"([81]).
الحديث ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ذكر السلام عليهم عند قبورهم المشرفة:
قد كان الصحابة
يسلِّمون عليه عند قبره، وقد كان ابن عمر يقول: السلام عليك يا رسول الله!
السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت. رواه مالك عن نافع عنه، ورواه
أحمد وغيرُه، فقد
أورد الإمام الآجري؛ محمد بن الحسين عن ابْنُ عَوْفٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ نَافِعًا: هَلْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ
يُسَلِّمُ عَلَى الْقَبْرِ؟ . قَالَ: نَعَمْ , لَقَدْ رَأَيْتُهُ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ
أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ كَانَ يَمُرُّ فَيَقُومُ عِنْدَهُ فَيَقُولُ: السَّلامُ
عَلَى النَّبِيِّ r, السَّلَامُ عَلَى
أَبِي بَكْرٍ, السَّلَامُ عَلَى أَبِي([82]).
الحديث الخامس والثلاثون: ذكر اعتراف
الصحابة بأنَّ عملهم دون عمل الشيخين، فكيف بعمل الرسول؟
عَنْ أَنَسٍ t أَنَّ رَجُلا سَأَلَ النَّبِيَّ r عَنْ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: " وَمَاذَا
أَعْدَدْتَ لَهَا " قَالَ: لا شَيْءَ إِلا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
r فَقَالَ: " أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ". قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ
فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ r: (أَنْتَ مَعَ
مَنْ أَحْبَبْتَ). قَالَ أَنَسٌ: «فَأَنَا
أُحِبُّ النَّبِيَّ r وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ؛ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ
وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ» متفق عليه([83]). وفي رواية: «مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ
كَثِيرِ صَلاةٍ، وَلا صَوْمٍ، وَلا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»،
وفي رواية: «كَبِيرَ صِيَامٍ...» الحديث([84]).
وعَنْ أَنَسٍ
t أَنَّ رَجُلا سَأَلَ النَّبِيَّ r عَنْ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: " وَمَاذَا أَعْدَدْتَ
لَهَا " قَالَ: لا شَيْءَ إِلا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ r فَقَالَ: " أَنْتَ
مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ". قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ
فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ r: (أَنْتَ مَعَ
مَنْ أَحْبَبْتَ). قَالَ أَنَسٌ: «
فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ r وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ؛ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ
وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ » متفق عليه([85]).
الحديث السادس والثلاثون: ذكر أنه ينحرج الصحابة في الإجابة على
أسئلة الرسول ما لم يتكلم العمران:
جاء في
صحيح البخاري: باب إكرام الكبير ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال: وأورد تحته حديث ابْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: "أَخْبِرُونِي
بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا،
وَلاَ تَحُتُّ وَرَقَهَا" فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ؛ فَكَرِهْتُ
أَنْ أَتَكَلَّمَ وَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّمَا قَالَ
النَّبِيُّ r: "هِيَ
النَّخْلَةُ"، فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَبِي قُلْتُ: يَا أَبَتَاهْ! وَقَعَ
فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا؟ لَوْ كُنْتَ
قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: مَا مَنَعَنِي إِلاَّ
أَنِّي لَمْ أَرَكَ، وَلاَ أَبَا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُمَا فَكَرِهْتُ([86]).
وعَنه
أيضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كما في رواية: وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لاَ
يَتَكَلَّمَانِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ. فَلَمَّا لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، قَالَ
رَسُولُ اللهِ r: "هِيَ
النَّخْلَةُ". وفيه أنه قال ابن عمر لوالده: لَمْ أَرَكُمْ تَكَلَّمُونَ فَكَرِهْتُ
أَنْ أَتَكَلَّمَ، أَوْ أَقُولَ شَيْئًا([87]).
وفي
لفظ في صحيح مسلم: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأُلْقِىَ فِي نَفْسِي أَوْ رُوعِيَ: أَنَّهَا
النَّخْلَةُ، فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا؛ فَإِذَا أَسْنَانُ الْقَوْمِ فَأَهَابُ
أَنْ أَتَكَلَّمَ، فَلَمَّا سَكَتُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ..
فذكر النَّخْلَة([88]).
وفي
رواية عند البخاري: ثُمَّ الْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ
فَسَكَتُّ([90]).
قال
الحافظ ابن حجر: بعد ذكره روايات الحديث ومنها: عَاشِرُ عَشَرَةٍ: «فائدة:...
فاستفدنا من مجموع ما ذكرناه
أنَّ منهم: أبا بكر وعمر، وابن عمر، وأبا هريرة وأنس بن مالك -إنْ كانا سَمِعا ما روياه
مِن هذا الحديث في ذلك المجلس، والله تعالى أعلم»([91]).
ومن الاستثناء في ذلك ما جاء عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t، قَالَ:
«صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ
r إِحْدَى صَلاَتَيِ الْعَشِيِّ- قَالَ ابْنُ سِيرِينَ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ،
وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا- قَالَ: فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ
إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا؛ كَأَنَّهُ غَضْبَانُ،
وَوَضَعَ يَدَهُ
الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ،
وَوَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ
مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلاَةُ، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ
طُولٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ
الصَّلاَةُ؟ ... »الحديث([92]).
وفي رواية عند البخاري:
وَفِي الْقَوْمِ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؛ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ ([93]).
فقوله: فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ،
وفي رواية: فَهَابَاهُ، والمعنى: -كما قاله الحافظ ابن حجر- أنهما غلَب عليهما احترامُه
وتعظيمُه عن الاعتراض عليه، وأما ذو اليدين فغلَب عليه حرصُه على تعلُّم العلم ([94]).
الحديث السادس والثلاثون: ذكر أنّ
الشيخين أبا بكر وعمر السمع والبصر رضي الله عنهما:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ t، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ r رَأَى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ: "هَذَانِ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ"([95]).
أورد الحديث السابق
الإمام الآجري (ت:360هـ) في كتابه في باب ذكر منزلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مِن
رسول الله r ([96]).
وجاء في نونية القحطاني
قوله في هذين الشيخين:
وهما
لأحمد ناظراه، وسَمعه
|
وبقربه
في القبر مضطجعان
|
وجاء في شرح الحديث في تحفة الأحوذي: «"هَذَانِ
السَّمْعُ وَالْبَصَرُ" أي: نفسهما مبالغة كرجل عدل، أو هما في المسلمين أو
في الدين كالسمع والبصر في الأعضاء؛ فحذف كاف التشبيه للمبالغة، ولذا يسمى تشبيهًا
بليغًا، أو هما في العزة عندي بِمنزلتهما. قال القاضي: ويحتمل أنه r سماهما بذلك لشدة حرصهما على استماع الحق واتباعه، وتهالكهما على النظر
في الآيات المنبثة في الأنفس والآفاق، والتأمل فيها والاعتبار بها، كذا في المرقاة»([97]).
الحديث الثامن والثلاثون: ذكر سمر
رسول الله r مَعَ أَبِى بَكْرٍ وعمر رضي الله عنهما فِي أَمْرٍ
مِنْ أَمورِ الْمُسْلِمِينَ:
جاء عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
t، قَالَ:
«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَسْمُرُ مَعَ أَبِى بَكْرٍ فِي الأَمْرِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَا
مَعَهُمَا»([98]).
الحديث الخامس والثلاثون: ما روي أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وزنا
بالأمة فرجحا بإيمانهما:
جَاء فِي السُّنَنِ عَنْ
أَبِى بَكْرَةَ t، أَنَّ
النَّبِيَّ r قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا». فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا
رَأَيْتُ، كَأَنَّ مِيزَانًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَوُزِنْتَ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ
فَرُجِحْتَ أَنْتَ بِأَبِي بَكْرٍ. وَوُزِنَ عُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ فَرُجِحَ أَبُو
بَكْرٍ، وَوُزِنَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرُجِحَ عُمَرُ. ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ. فَرَأَيْنَا
الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ r ([99]).
وجاء ما يدُلُّ على أنّ
النبي r رأى
رؤيا شبيهة، وأنّ المفاضلة كانت بينه وبين أمته، وكذلك ما يتعلق بأبي بكر وعمر رضي
الله عنهما، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ r ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: رَأَيْتُ آنِفًا كَأَنِّي أُعْطِيتُ الْمَقَالِيدَ
وَالْمَوَازِينَ، فَأَمَّا الْمَقَالِيدُ فَهِيَ الْمَفَاتِيحُ؛ فَوُضِعْتُ فِي كَفَّةٍ
وَوُضِعَتْ أُمَّتِي فِي كَفَّةٍ فَرَجَحْتُ بِهِمْ. ثُمَّ جِيءَ بِأَبِي بَكْرٍ فَرَجَحَ
بِهِمْ، ثُمَّ جِيءَ بِعُمَرَ فَرَجَحَ بِهِمْ. ثُمَّ جِيءَ بِعُثْمَانَ فَرَجَحَ.
ثُمَّ رُفِعَتْ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: فَأَيْنَ نَحْنُ؟ قَالَ: أَنْتُمْ حَيْثُ جَعَلْتُمْ
أَنْفُسَكُمْ"([100]).
الحديث السادس والثلاثون: ذكر تفضيل الصديق على الفاروق وبيان فضله
عليه:
في ذلك
أحاديث: منها:
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ
t، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا
عِنْدَ النَّبِيِّ r إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ
رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ r: أَمَّا صَاحِبُكُمْ
فَقَدْ غَامَرَ، فَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ
شَيْءٌ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى
عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلاَثًا!
ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَسَأَلَ: أَثَمَّ أَبُو
بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لاَ، فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ r فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ r يَتَمَعَّرُ([101]) حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا
عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ مَرَّتَيْنِ،
فَقَالَ النَّبِيُّ r: "إِنَّ اللَّهَ
بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي
بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ مَرَّتَيْنِ. فَمَا
أُوذِيَ بَعْدَهَا([102]).
وفي لفظ
أوضح، أنه قال الدَّرْدَاءِ t: كَانَتْ بَيْنَ أَبِي
بَكْرٍ وَعُمَرَ مُحَاوَرَةٌ، فَأَغْضَبَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ
عُمَرُ مُغْضَبًا، فَاتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ فَلَمْ
يَفْعَلْ؛ حَتَّى أَغْلَقَ بَابَهُ فِي وَجْهِهِ. فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ
اللهِ r، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:
وَنَحْنُ عِنْدَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: "أَمَّا
صَاحِبُكُمْ هَذَا فَقَدْ غَامَرَ" قَالَ: وَنَدِمَ عُمَرُ عَلَى مَا كَانَ
مِنْهُ فَأَقْبَلَ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ r وَقَصَّ عَلَى رَسُولِ
اللهِ r الْخَبَرَ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ r وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ
يَقُولُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ لأَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
r: "هَلْ أَنْتُمْ
تَارِكُو لِي صَاحِبِي، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي، إِنِّي قُلْتُ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ"([103]).
الحديث السابع والعشرون: ذكر رجاحة علم الصديق على الفاروق:
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ t قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ
النَّبِيُّ r وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ
عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ r: "أُمِرْتُ
أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَمَنْ
قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ
وَحِسَابُهُ عَلَى الله" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ
فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ!
لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ r لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى
مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ: فَوَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ أَنْ قَدْ شَرَحَ
اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ([105]).
الحديث الثامن والعشرون: ذكر صدقة
أبي بكر وصدقة عمر رضي الله عنهما:
جاء في السنن أنه قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ
t: أَمَرَنَا رَسُولُ
اللَّهِ r يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالاً عِنْدِي فَقُلْتُ: الْيَوْمَ
أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ r: "مَا أَبْقَيْتَ
لأَهْلِكَ؟"، قُلْتُ: مِثْلَهُ. قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ t بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ،
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r: "مَا أَبْقَيْتَ
لأَهْلِكَ؟"، قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ: لاَ
أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا([106]).
وبِمناسبة ذكر حديث الباب
يحسُن أنْ أورِدَ حديثين آخرَين فيهما منقبة الصديق t في
باب الصدقة وغيره، كالتالي:
الحديث الأول: هو ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ r قَالَ: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ نُودِيَ مِنْ
أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا خَيْرٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ
دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ
الْجِهَادِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ ،
وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ" فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ t: بِأَبِي
أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ! مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ
مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ،
وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ"([107]).
وقد
نظم هذه المعاني وهو يتكلم عن أبواب الجنة
العلامة ابنُ القيم فقال:
أبوابها حق ثَمانية أتت
|
في النص وهي لصاحب الإحسان
|
باب الجهاد وذاك أعلاها، وبا
|
ب الصوم يدعي الباب بالريان
|
ولكلِّ سعيٍ صالح بابٌ، وربُّ
|
السعْيِ منه داخلٌ بأمان
|
ولسوف يدعى المرء مِن أبوابِها
|
جَمْعًا إذا وفَّى حُلَى الإيمان
|
منهم: أبو بكرٍ هو الصديقُ، ذا
|
قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: «قوله: (وأرجو
أن تكون منهم) قال العلماء: الرجاء من الله ومِن نبِّيِه واقعٌ؛ وبِهذا التقرير يدخُل
الحديث في فضائل أبي بكر. ووقع في حديث ابن عباس عند ابن حبان في نحو هذا الحديث: التصريح
بالوقوع لأبي بكر، ولفظه، قال: "أجل وأنت هو يا أبا بكر". وفي الحديث
من الفوائد: أنَّ مَن أكثَرَ من شيء عُرف به، وإنّ أعمال البِرّ قَلَّ أنْ تَجتمع جَميعُها
لشخصٍ واحدٍ على السواء...»([109]).
وقال
النووي قبله: «قوله r لأبي بكر t: (إنِّي
لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ) فيه: منقبة لأبي بكر t. وفيه:
جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب وغيره، والله أعلم»([110]).
الحديث الثاني: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:
"مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ:
"فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ:
"فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
أَنَا. قَالَ: "فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا". قَالَ
أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:
"مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ"([111]).
وعلَّق شيخ الإسلام على حديث: مروا أبا بكر) الذي أعاده
الرسول مرات، فقال: فَهَذَا التَّخْصِيصُ وَالتَّكْرِيرُ وَالتَّوْكِيدُ فِي تَقْدِيمِهِ
فِي الْإِمَامَةِ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ مَعَ حُضُورِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ
وَغَيْرِهِمْ مِمَّا بَيَّنَ لِلْأُمَّةِ تَقَدُّمَهُ عِنْدَهُ عَلَى غَيْرِهِ .
الحديث التاسع والثلاثون: ذكر صلابة دين عمر وقوته:
جاء
في صحيح الإمام البخاري أنه قال رسول الله r:
"بينما أنا نائم رأيتُ الناس يُعرضون عليّ وعليهم قمص؛ منها ما يبلغ الثدي،
ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومرّ عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره" فقال له
الصحابة y: ما أ وّلت
يا رسول الله؟ قال: "الدين".
الحديث التاسع والثلاثون: عليٌّ يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسولُه:
وأجاب الله دعاء نبيِّه r في عليٍّ t في رمده، فبرأ كأنْ لم يكنْ به وجع([112])، وأذهب عنه الحرّ والبرد، فـعن أبي ليلى t ([113])، أنّه كَانَ يَسْمُرُ مَعَ عَلِيٍّ فَكَانَ يَلْبَسُ ثِيَابَ
الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، وَثِيَابَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، فَقُلْنَا: لَوْ سَأَلْتَهُ؟
فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r بَعَثَ إِلَيَّ وَأَنَا أَرْمَدُ الْعَيْنِ
يَوْمَ خَيْبَرَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أَرْمَدُ الْعَيْنِ
فَتَفَلَ([114]) فِي عَيْنِي ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ " قَالَ: فَمَا وَجَدْتُ حَرًّا وَلا بَرْدًا بَعْدَ
يَوْمِئِذٍ. وَقَالَ: " لأَبْعَثَنَّ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَيْسَ
بِفَرَّارٍ " فَتَشَرَّفَ لَهُ النَّاسُ،
فَبَعَثَ إِلَى عَلِيٍّ فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ »([115]) .
وفي الصحيحين عن سَهْل بْن سَعْدٍ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: "لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ
غَدًا رَجُلا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ،
وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ
لَيْلَتَهُمْ، أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا؛ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ r كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ: أَيْنَ عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقِيلَ: هُوَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ. قَالَ: فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ فَأُتِيَ بِهِ؛
فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ
بِهِ وَجَعٌ؛ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ ... الحديث([116]).
الحديث الأربعون: الحسنt سيّدٌ سيُصلح الله به بين
فئتين من المسلمين:
فوقع كما أخبَر،
وأصلَح به تعالى بين أتباعه وأهل الشام
عام الجماعة: فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ t، قال: «أَخْرَجَ النَّبِيُّ r ذَاتَ يَوْمٍ الْحَسَنَ؛ فَصَعِدَ بِهِ عَلَى
الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: " ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ
يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ([117]). وأخرجه البخاري –رحمه الله- في كتاب
الصلح([118])
–وفيه قصة([119])-.
قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في
آخر شرحه للحديث -ذاكرًا شيئًا مِن فوائده-: وَفِي هَذِهِ الْقِصَّة مِنْ
الْفَوَائِد: عَلَم مِنْ أَعْلام النُّبُوَّة، وَمَنْقَبَة لِلْحَسَنِ بْن
عَلِيّ؛ فَإِنَّهُ تَرَكَ الْمُلْك لا لِقِلَّةٍ، وَلا لِذِلَّةٍ، وَلا لِعِلَّةٍ،
بَلْ لِرَغْبَتِهِ فِيمَا عِنْدَ اللَّه لِمَا رَآهُ مِنْ حَقْن دِمَاء
الْمُسْلِمِينَ، فَرَاعَى أَمْر الدِّين وَمَصْلَحَة الأُمَّة. وَفِيهَا:
رَدّ عَلَى الْخَوَارِج الَّذِينَ كَانُوا يُكَفِّرُونَ عَلِيًّا وَمَنْ مَعَهُ،
وَمُعَاوِيَة وَمَنْ مَعَهُ؛ بِشَهَادَةِ النَّبِيّ r لِلطَّائِفَتَيْنِ: بِأَنَّهُمْ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ يَقُول عَقِبَ هَذَا
الْحَدِيث: قَوْله:" مِنْ الْمُسْلِمِينَ " يُعْجِبنَا جِدًّا،
.. وَفِيهِ: فَضِيلَة الإِصْلاح بَيْنَ النَّاس، وَلا سِيَّمَا فِي حَقْن
دِمَاء الْمُسْلِمِينَ، وَدَلالَة عَلَى رَأْفَة مُعَاوِيَة بِالرَّعِيَّةِ،
وَشَفَقَته عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقُوَّة نَظَره فِي تَدْبِير الْمُلْك،
وَنَظَره فِي الْعَوَاقِب. وَفِيهِ: جَوَاز خَلْع الْخَلِيفَة نَفْسه إِذَا
رَأَى فِي ذَلِكَ صَلاحًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَالنُّزُول عَنْ الْوَظَائِف
الدِّينِيَّة وَالدُّنْيَوِيَّة بِالْمَالِ، وَجَوَاز أَخْذ الْمَال عَلَى ذَلِكَ
وَإِعْطَائِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاء شَرَائِطه؛ وَفِيهِ: إِطْلاق الابْن عَلَى
ابْن الْبِنْت، وَقَدْ انْعَقَدَ الإِجْمَاع عَلَى أَنَّ امْرَأَة الْجَدّ وَالِد
الأُمّ مُحَرَّمَة عَلَى اِبْن بِنْته، وَأَنَّ امْرَأَة ابْن الْبِنْت مُحَرَّمَة
عَلَى جَدّه، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي التَّوَارُث([120]).
باب ذكر فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
قال محمد بن الحسين رحمه الله : المحمود الله على كل حال وصلى الله على
محمد النبي وآله وسلم، اعلموا رحمنا الله وإياكم أنه قد تقدم ذكرنا لفضائل المهاجرين
والأنصار ولفضائل العشرة، أولهم أبو بكر وعمر، ولأبي بكر رضي الله عنه فضائل على الانفراد
نذكرها إن شاء الله تعالى، ولأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فضائل اجتمعا فيها، نذكر
فضلهما جميعا، ولعمر رضي الله عنه فضائل خصه الله الكريم بها، نذكرها إن شاء الله على
حسب ما تأدى إلينا والله الموفق
فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
باب ذكر منزلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من رسول الله r
باب فضل إيمان أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
باب ذكر فضل درجات أبي بكر وعمر في الجنة
باب ذكر فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
باب ذكر جوامع فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
قال محمد بن الحسين رحمه الله: قد اختصرت من ذكر فضائل أبي بكر وعمر رضي
الله عنهما ما حضرني ذكره بمكة، وفضائلهما بحمد الله كثيرة.
([1]) جاء في كتاب عون المعبود: «قَالَ الْعَلْقَمِيّ: قَالَ شَيْخنَا: لَمْ يَكُنْ
فِي الثَّلاثِينَ بَعْده r إِلا
الْخُلَفَاء الأَرْبَعَة وَأَيَّام الْحَسَن. قُلْت: بَلْ الثَّلاثُونَ سَنَة هِيَ
مُدَّة الْخُلَفَاء الأَرْبَعَة كَمَا حَرَّرْته؛ فَمُدَّة خِلافَة أَبِي بَكْر
سَنَتَانِ وَثَلاثَة أَشْهُر وَعَشْرَة أَيَّام، وَمُدَّة عُمَر عَشْر سِنِينَ
وَسِتَّة أَشْهُر وَثَمَانِيَة أَيَّام، وَمُدَّة عُثْمَان أَحَد عَشَرَ سَنَة
وَأَحَد عَشَرَ شَهْرًا وَتِسْعَة أَيَّام، وَمُدَّة خِلافَة عَلِيّ أَرْبَع
سِنِينَ وَتِسْعَة أَشْهُر وَسَبْعَة أَيَّام. هَذَا هُوَ التَّحْرِير
فَلَعَلَّهُمْ أَلْغَوْا الأَيَّام وَبَعْض الشُّهُور. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي
تَهْذِيب الأَسْمَاء: مُدَّة خِلافَة عُمَر عَشْر سِنِينَ وَخَمْسَة أَشْهُر
وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَعُثْمَان ثنْتَيْ عَشْرَة سَنَة إِلا سِتّ
لَيَالٍ، وَعَلِيّ خَمْس سِنِينَ وَقِيلَ خَمْس سِنِينَ إِلا أَشْهُرًا،
وَالْحَسَن نَحْو سَبْعَة أَشْهُر، انْتَهَى كَلام النَّوَوِيّ، وَالأَمْر فِي
ذَلِكَ سَهْل. هَذَا آخِر كَلام الْعَلْقَمِيّ»
(ص2020).
([4]) جاء الحديث في الصحيحين وغيرهما من حديث جابر بن سمرة t بألفاظ عدة، (انظره بألفاظه الكثيرة: صحيح البخاري: كتاب الأحكام،
باب (بدون ترجمة)، رقم: 7222، وصحيح مسلم: كتاب الإمارة، باب النَّاسُ تَبَعٌ
لِقُرَيْشٍ وَالْخِلاَفَةُ فِي قُرَيْشٍ، رقم: 1821).
أما
هذا اللفظ فَمن تلفيقات هذا الدكتور ومن كذبه (انظر: الشيعة هم أهل السنة، ص130)،
وكشف الجاني محمد التجاني، (ص120)، (وانظر شرح الحديث في: فتح الباري، ج4/
ص5226-5228).
([6]) قَوْله: (أَنْتَ
وَاَللَّه بَعْد ثَلاث عَبْد الْعَصَا) كِنَايَة عَمَّنْ يَصِير تَابِعًا لِغَيْرِهِ،
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَمُوت بَعْد ثَلاث، وَتَصِير أَنْتَ مَأْمُورًا عَلَيْك. وَهَذَا
مِنْ قُوَّة فِرَاسَة الْعَبَّاس t، وذَكَر ابْن إِسْحَاق عَنْ الزُّهْرِيّ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْم
قُبِضَ النَّبِيّ r. (انظر: فتح
الباري للحافظ ابن حجر، ج3/ ص3073).
([10]) قال النووي: «قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: أَوْ
قَوْله: (أَهَجَرَ رَسُول اللَّه r)
هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره (أَهَجَرَ) عَلَى الاسْتِفْهَام، وَهُوَ
أَصَحّ مِنْ رِوَايَة: (هَجَرَ، وَيَهْجُر)؛ لأَنَّ هَذَا كُلّه لا يَصِحّ مِنْهُ r؛
لأَنَّ مَعْنَى (هَجَرَ): هَذَى، وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا مِنْ قَائِله
اسْتِفْهَامًا؛ للإِنْكَارِ عَلَى مَنْ قَالَ: لا تَكْتُبُوا، أَيْ لا تَتْرُكُوا
أَمْر رَسُول اللَّه r
وَتَجْعَلُوهُ كَأَمْرِ مَنْ هَجَرَ فِي كَلامه؛ لأَنَّهُ r لا
يَهْجُر. وَإِنْ صَحَّتْ الرِّوَايَات الأُخْرَى، كَانَتْ خَطَأ مِنْ قَائِلهَا
قَالَهَا بِغَيْرِ تَحْقِيق، بَلْ لِمَا أَصَابَهُ مِنْ الْحَيْرَة وَالدَّهْشَة؛
لِعَظِيمِ مَا شَاهَدَهُ مِنْ النَّبِيّ r مِنْ
هَذِهِ الْحَالَة الدَّالَّة عَلَى وَفَاته وَعَظِيم الْمُصَاب بِهِ، وَخَوْف
الْفِتَن وَالضَّلال بَعْده، وَأَجْرَى الْهَجْر مَجْرَى شِدَّة الْوَجَع. وَقَوْل
عُمَر t:
حَسْبنَا كِتَاب اللَّه رَدٌّ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ لا عَلَى أَمْر النَّبِيّ r،
وَاللَّهُ أَعْلَم» قاله النووي في المنهاج بشرح صحيح مسلم
بن الحجاج، ص1040).
([15]) هذا لفظ البخاري في صحيحه: كتاب الأذان، باب حد المريض أن يشهد الجماعة،
رقم: 664، وباب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة، رقم: 679، وصحيح الإمام مسلم: كتاب
الصلاة، باب اسْتِخْلاَفِ الإِمَامِ إِذَا عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ وَسَفَرٍ
وَغَيْرِهِمَا مَنْ يُصَلِّى بِالنَّاسِ... على إثر حديث برقم: 418. وجاء شاهد
للحديث عن أبي موسى الأشعري t، كما
في صحيح البخاري، كتاب الأذان، وباب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة، رقم: 678،
وكتاب أحاديث الأنبياء، رقم: 3383، وصحيح مسلم: الكتاب والباب السابقان نفساهما،
رقم: 420.
([28]) جامع الترمذي: كتاب المناقب عن رسول الله r، بابٌ في مناقب أبي بكرٍ وعمر رضي الله
عنهما كِلَيهما، ورقمه: 3663، وباب مناقب عمار بن ياسر t، رقم: 3799، وسنن
ابن ماجه: كتاب المقدمة، فضل أبي بكر الصديق t، رقم: 97، وقال
الترمذي: «هذا حديثٌ حسن». وصححه الشيخ الألباني كما أورد له ثلاث شواهد من طريق
ابن مسعود وأنس وابن عمر y، (السلسلة الصحيحة، رقم: 1233، ج3/ص233).
([50]) صحيح البخاري: كتاب الصوم، باب الريان للصائمين، رقم: 1987، ومختصرًا في كتاب
الجهاد والسير، باب فضل النفقة في سبيل الله، رقم: 2841، وكتاب بدء الخلق، باب ذكر
الملائكة، رقم: 3216. ومطولا أيضًا في: كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي r: لو
كنت متخذا خليلا، رقم: 3666. وصحيح مسلم: كتاب الزكاة، باب مَن جمع
الصدقة وأعمال البرّ، رقم: 1027.
([53]) صحيح البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب مَنَاقِبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَبِي حَفْصٍ
الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ t،
رقم: 3679، وكتاب التعبير، باب القصر في المنام، رقم: 7024 ومختصرًا في صحيح مسلم
في موضعين: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر، رقم: 2394، وباب مِنْ فَضَائِلِ
أُمِّ سُلَيْمٍ أُمِّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَبِلاَلٍ رضى الله عنهما، رقم: 2457.
([56]) ولفظ هذا الأثر هو ما جاء عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ,
قَالَ: إِنَّ عُمَرَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r مَا رَآهُ فِي مَنَامِهِ وَفِي
يَقَظَتِهِ فَهُوَ حَقٌّ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا
دَارًا فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذِهِ الدَّارُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ".
(مسند؟؟؟؟؟).
([60]) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟جاء هذا الأثر من طريق مُبَارَك بن فَضَالَةَ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بن عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
في المعجم الكبير للطبراني، وصحيح ابن حبان، وشعب الإيمان للبيهقي، وأورده الحافظ
ابن حجر في فتح الباري وهو يشرح أثر الشاب الذي أثني على ابن الخطاب المتقدم
(انظر: فتح الباري، ج2/ص2682).
ومبارك بن فَضَالة
قال عنه الحافظ ابن حجر: «بفتح الفاء وتخفيف المعجمة-
أبو فضالة البصري، صدوق يدلس ويُسوِّي، من السادسة، مات سنة ست وستين على الصحيح، خت
د ت ق» (تقريب التهذيب، ص452، رقم الترجمة: 6464)، ط2/ص1429هـ، مؤسسة الرسالة،
بعناية: عادل مرشد.
([62]) جامع الترمذي: كتاب المناقب، باب مناقب أبي بكر الصديق t،
رقم: 3658، وسنن ابن ماجه: كتاب المقدمة، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصَحَابِ رَسُولِ اللهِ
r، -فَضْلُ
أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ t، رقم:
96، وقد حسَّنه الترمذي وقال: هذا حديث حسن؛ روي من غير وجه عن عطية عن أبي سعيد، وصححه الشيخ الألباني في كتاب ظلال الجنة، برقم: 1418، و1419،
ص577-578.
([63]) جامع الترمذي: كتاب المناقب، باب (بدون ترجمة، وقبله: باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله
عنهما)، رقم: 3665، وسنن ابن ماجه: كتاب المقدمة، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصَحَابِ
رَسُولِ اللهِ r (فَضْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ t)، ورقمه: 95، ضعفه
الترمذي من أحد طريقيه، وذكر أن له شاهدين؛ أورد أحدهما وأشار إلى الثاني، وقد صححه
الشيخ
الألباني في كتاب ظلال الجنة، برقم: 1421، ص578. (وشاهده عن أنس t جاء
عند الترمذي برقم: 3664. والثاني عن ابن عباس، وهو مثل حديث أنس (أشار إليه الذهبي
في السير كذلك، ج2/ ص4).
([95]) جامع الترمذي: كتاب المناقب، باب فِى مَنَاقِبِ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ
رضى الله عنهما كِلَيْهِمَا، رقم: 3671، ضعفه الترمذي
فقال: هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ حَنْطَبٍ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِي r، وحسَّنه الشيخ الألباني أو صححه بعدما ذكر عبد
الله بن حنطب، وقرر بالنقل الذي نقله عن ابن حجر أنه صحابي، فقال: " فهذا يقتضي ثبوت صحبته
"، قلت: وهو الذي نرجحه، وإذا عرفت ذلك فالإسناد عندي صحيح كما قال الحاكم، لأن
السعدي لم يتفرد به، بل تابعه جماعة منهم عمرو بن أبي عمرو وهو ثقة. والله أعلم
(انظر:سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، ج2/ص455، برقم: 814، وانظر
أيضًا: الحديث برقم: 815).
([107]) صحيح البخاري: كتاب الصوم، باب الريان للصائمين، رقم: 1987، ومختصرًا في كتاب
الجهاد والسير، باب فضل النفقة في سبيل الله، رقم: 2841، وكتاب بدء الخلق، باب ذكر
الملائكة، رقم: 3216. ومطولا أيضًا في: كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي r: لو
كنت متخذا خليلا، رقم: 3666. وصحيح مسلم: كتاب الزكاة، باب مَن جمع
الصدقة وأعمال البرّ، رقم: 1027.
([113]) أبو ليلى:
قال ابن حجر –رحمه الله تعالى- في ترجمته: « أبو ليلى الأنصاري والد عبد الرحمن،
صحابِيٌّ، اسمه بلال أو بُليل، -بالتصغير- ويقال: داود. وقيل: هو يسار
–بالتحتانية-. وقيل: أوس. شهد أُحُدًا وما بعدها، وعاش إلى خلافة علي » ورمز
لإخراج حديثه بـرمز أصحاب السنن الأربعة ( 4 )، (رقم الترجمة: 8331، انظر: ص669).
No comments:
Post a Comment