2015/11/11

ما لا يسع مسلما جهله من فقه الدين

    المملكة العربيّة السّعوديّة
       وزارة التّعليم العالي
       الجامعة الإسلاميّة
                     (032)
            عمادة البحث العلمي
           وحدة البحوث والدراسات






الإنباهُ
بِمالا يَسَعُ مُسلمًا جَهْلُه مِن فِقْهِ دِيْنِه
(مِن عِلم العقائد والعبادات والمعاملات والحقوق)

ABUBUWAN DA BASU  HALATTA GA MUSULMI YA JAHILTA BA    DANGANE DA ADDINI!



إعداد:
أبو بكر حمزة
العام: 1434هـ


      والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
      أخذتُ القلم لتسطير ما يُجلِّي موضوع (مالا يَسَعُ مُسلمًا جَهْلُه مِن فِقْهِ دِيْنِه –مِن علم العقائد والعبادات والمعاملات والحقوق-)، ومِن ثَمّ أجعلُه مِن أهم ما أقوم بتدريسه لِعامة المسلمين، والمذاكرة فيه مع الخاصة فترة حياتِي، لِما رأيتُ مِن الجهل الْمُطبق بالأمور الدينية في الأمة الإسلامية جَمعاء، وخاصة في إخواننا الذين يعيشون في القرى والأرياف؛ ذلك أنَّهم أجْدَرُ أنْ لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله([1]) ، كما لاحظَه غيري .
       وقولِي: "مالا يسَع جهلُه" أعنِي: الذي يتحتم علمُه، ولا يجوز جهلُه. أما الذي يُستحب علمُه من المسائل ولا يَجب: فلا أقصِده بهذا البحث.
       وقولِي: "مِن فقه الدين" أقصِد الشمول (الإسلام والإيمان والإحسان) وهي العقائد، والشرائع بجانبَيها (حقوق الله من العبادات كأركان الإسلام، وكذلك المعاملات بين العباد مِن بيوع ونكاح وحقوق بعضهم على بعض).
       وقد كنتُ أعددتُ أصل هذا البحث وقمتُ بتسجيله ليُبثَّ في قناة الوصال الهوسوية في سبعة عشر حلقة، (كلُّ حلقةٍ منها ثلاثون دقيقة)، إلا أنَّه ولعموم الجهل في المسلمين بالذي يجب عليهم مِن دينهم، وشُمول هذا الجهل للعجم والعرب، وكذلك ولتعميم الاستفادة بالبحث: رأيتُ أنْ أكتبَه باللغة العربية أيضًا كما قلتُه بلغة هوسًا على تلك القناة المتقدمة.
       وقبل ذلك؛ ولأدلل على ما ادَّعَيتُ مِن جهل المسلمين العرب بأمور دينهم: أنقُلُ ما قاله الشيخ عبدُ الأول ابن للشيخ المحدث الفقيه العلامة حماد بن محمد الأنصاري، رحمه الله- في كتابه (المجموع) مِن القصة التي حصلَت لوالدهم قبل ستين سنة على التحقيق: «قال الوالد: لَما وصلتُ إلى مكان قُرب مكة –سَمّاه الوالد- فالتقيتُ بناسٍ أهل بادية فسألتُ رئيسَهم: ما أركان الإسلام؟ فقال: الشافعي وأبو حنيفة ومالك، ونسيتُ الرابع، فقلتُ للذين عنده: اذكروه -يعني: اذكروا الرابع-، فقالوا: نسينا، فقلت لَهم: أحمد، فقالوا كلهم: نعم هو هذا. ثم قال الوالد: وذلك عند خروجنا للدعوة سنة 1375هـ»([2]).
وقال هذه القصة في موضع مع زيادة جملة تَشهَد لرئيس تلك القبيلة بالبداوة وعدم الثقافة، حيث إنه قال في آخر القصة: كيفما قلت فالإجابة ما سَمعتَ! أقول أيضًا: بأنه قد سَمع عبد الأول والدَه يقول: «في سنة 1365هـ ذهبتُ إلى مكان قرب عرفة بِمكة المكرمة اسمه الحسينية تكثُرُ فيه البساتين فرأيت أهلَه (ناس على لون العرب القدماء) فخاطبتُهم بقول: ما هي أركان الإسلام؟ فلم يُجيبوا فقلت لهم: أين رئيسكم؟ فقالوا هذا وأشاروا إلى رجُلٍ منهم طويل القامة، فسألته السؤال السابق، فأجاب أركان الإسلام: مالك وأبو حنيفة والشافعي ونسيت الرابع، فقلت له: لعلك تقصد الرابع الإمام أحمد، فقال: نعم، نعم هو الرابع. ثم قلت له: أظنُّك لم تفهم سؤالِي؛ تظنُّ أنِّي سألتُك عن أئمة المذاهب الأربعة؟ فقال لِي: كيفما قلت فالإجابة ما سَمعت»([3]).
      هذه الأمثلة في بعض العرب الذين هم ساكنون بمقربة من المكان الذي نزل فيه الوحي؛ مكة المكرمة، في ذاك التاريخ، فالسؤال هنا: كيف ببعض المسلمين الذين في شرق الدنيا أو غربها أو في أفرقيا السوداء؟
فالجواب: أنك لا تسأل عن مظاهر الجهل بالدين عند كثيرٍ منهم، والله المستعان!
      وفي قصة أخرى ذكَرها الشيخ حماد الأنصاري مشابِهة للسابقة، وتدل على الجهل المطبق أيضًا: قال عبد الأول: «سَمعتُ الوالد ذكَر أنَّهم في زمن الشيخ عبد العزيز بن باز ذهبوا إلى قريةٍ من قرى هذه البلاد، فوجدوا أهلَها لا يعرفون قراءة القرآن ولا حتى قراءة الفاتحة، فأخذنا نُعلّمهم.
ثم ذكَر أنَّه لَمّا ذهبَت البعثة التي كان فيها الشيخ عبد الله بن غنيمان فوجدوا في القرية التي أُرسلوا إليها ناسًا يعبدون صنَمًا فوق الجبال يسجدون له. وكان في مجلس الوالد أحَدُ الطَلَبَة فقال: ذهبتُ إلى (العيص) -وهي قرية قرب ينبع- فوجدتُ أهلها في قحط عظيمٍ وهم يقولون: كنا نذهب إلى صَنَم فنسأله فيُنْزِل علينا المطر، والآن نسأل اللهَ فلا يُنْزل علينا المطر، فقال: ما أجهلَهم من ناسٍ»([4]).
      وأعلِّق على القصتين فأقول: بأنَّ فيهما تأكيدًا لِما قاله الله تعالى عن الأعراب:     ﮤﮥ ([5]). وهما تدلان على مدى الجهل الذي خيَّم على الكثير من أهل البوادي والقرى (وهذا سبب قول الشيخ حماد السابق: ما أجهلَهم من ناسٍ!)، وأنّ الأعراب -أينما وُجدُوا- فإنهم جهَّال بأمر الدين والدنيا.
      ثم إنَّ القصتين تزيد سامعها ممن له الحسّ الدعوي ومن الدعاة إلى الله تعالى أنفسهم الشعورَ بالمسؤولية الملقاة عليهم تجاه عوام وعموم المسلمين؛ حيث يجب عليهم أنْ يُعلِّموا جاهلهم ويثقفوفهم، حتى يقِفَ كُلُّ مسلم على القدر الذي لا يجوزُ له جهلُه من أمر عقيدته وعباداته.
      ولعل تفاصيل حديث جبريل المشهور الآتي ذكره: يكفي الداعية إلى الله في تعليم المسلمين الدين؛ ذلك أنه هو الدين كله. وكذلك يجمُل أنْ يُركز على حديث قصة بعث معاذ إلى اليمن؛ فيتدرج في تعليمهم بالبداءة بتعليمهم حقيقة كلمة الشهادة؛ لا إله إلا الله محمد رسول الله بشروطها ونواقضها، ثم في العبادات يُبدأ بالصلاة قبل بقية أركان الإسلام، وهذا هو المنهج النبوي الذي جاء في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنهما، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ r قَالَ: "إِنَّكَ تَأْتِى قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِى فُقَرَائِهِمْ ..."([6]). كما أنه ينبغي أنْ يُعتنى بحديث: (الأعمال بالنيات). وحديث (مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ). و(الحلال بيِّن والحرام بيِّنٌ، وبينهما أمورٌ مشتبهات لا يعلمهنَّ كثير من الناس). وستأتي هذه الأحاديث لاحقًا.
      فالقصد هنا أنَّ سؤال الشيخ حماد –رحمة الله عليه- لِذاك الرئيس بالسؤال المحدد (أركان الإسلام) فيه التوجُّه الرشيد الذي كان ينبغي أنْ يعتني به الداعية كثيرًا في دروسه ومحاضراته، فيعتنِي بِما لا يسَعُ مسلِمًا جهلُه مِن أمر دينه عقيدة وعبادة، فأركان الإسلام شاملة لهذا وهذا، كما أنّ وقوفَه على ناسٍ مكلَّفين مسلمين لا يُحسنون قراءة الفاتحة حَمَله على الاعتناء بِهذا الجانب في حياته الدعوية، حيث أكثر الشيخ في محاضراته من إلقاء محاضرات عن سورة الفاتحة وما تضمنته من التوحيد، وأخرى عن الحديث القدسي الذي فيه تقسيم الله الصلاة (الفاتحة) بينه وبين عبده.
       فاتضح بما سبق: أنَّ المسلمين في ضرورة ماسّة إلى تعليمهم وتذكيرهم -التذكيرَ الدائمَ- بأصول الدين وأحكامه؛ فيُلقَّن الصغار والكبار أصول الدين، «بل كان إمام المسجد إذا انتهى من الصلاة كان إلى وقتٍ قريبٍ يفاجئ بعض المصلين؛ يسألُه عن ربِّه وعن نبيِّه وعن دينه، وعن أركان الإسلام، وأركان الإيمان، وشروط الصلاة، وأمور الطهارة، وغير ذلك من الأمور الضرورية في الدين، فكان الناس كلهم عندهم من الفقه في الدين ما يكفيهم ليحفظوا دينهم، وليعلموا على سنة النبي r كلٌّ بقدر طاقته، فلذلك كان يقلُّ في آبائنا وأجدادنا الانحراف، ويقلّ فيهم الابتداع في هذه البلاد. ... وهذا أمرٌ ينبغي أنْ نستمرَّ عليه، بِمعنى أنَّه ينبغي أنْ ننشئ الصغارَ والكبارَ على ضرورة تذكر أصول الدين والأمور القطعية والضرورية دائمًا، في المساجد، وفي الدروس، وفي حِلَق الذكر، وفي البيوت، وفي حِلَق تحفيظ القرآن، إضافة إلى ما يتم في المدارس» ([7]). بل وفي غير ذلك من وسائل الإعلام الحديثة كالتلفاز والقنوات والإذاعات والفيس بوك وتويتر وغير ذلك.

حدود البحث وتساؤلاته:
      يتضح حد البحث الموضوعي من خلال تساؤلاته؛ حيث سيقوم على الإجابة على  الأسئلة التالية:
1- ما الواجبات العقدية التي لا يسَع مسلمًا (مكلَّفًا) جهلُها ويجب عليه تعلمُها؟
2- ما الحدّ الذي يتحتم علمُه على كُلِّ مسلمٍ لإصلاح الفرائض العينية، كمعرفة أحكام الطهارة والصلاة والصيام؟ وما الذي يجب معرفته على آحاد المسلمين كالمستطيع منهم دون غيره مِن عموم المسلمين الفقراء: من أحكام الحج والزكاة؟ أو يجب تعلمه عليهم، لكن لو قام به مَن يسقط الفرض بقيامه له سقط على الباقين كمعرفة أحكام المواريث، وغير ذلك؟
3- المناهي الشرعية الظاهرة والباطنة ما القدر المجزئ للتعرف عليها، حتى يتسنى اجتنابُها؟
4- في باب المعاملات من البيوع والوظائف والنكاح ما القدر الواجب المتحتم علمُه إذا احتاج المسلم التلبس بها؟
5- هل في الحقوق حقوق واجبة الأداء، ومِن ثَمّ العلم بذلك قبل العمل في تأديتها أصحابها؟
      وقد أجاب على التساؤلات -بالاختصار- حافظ المغرب أبو عمر ابن عبد البر –رحمه الله- في معرض حديثه عن العلم الذي يتعين على المسلمين كافة والذي لا يسع أحدًا منهم جهلُه، مِن غير ذلك: في الباب الذي عقَدَه لبيان قَوْلِهِ r: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ": بعدَما أورَد بسنده روايات ومنها، رواية بسنده إلى أبي يوسف المسمى يعقوب سفيان الفسوي، حيث قال: سَمعتُ عليَّ بنَ الحسن بن شقيق، قال: قلتُ لابن المبارك: ما الذي لا يسعُ المؤمنَ مِن تعليم العلم إلا أنْ يطلبه؟ وما الذي يجب عليه أنْ يتعلمه؟
قال: لا يسَعُه أنْ يَقدم على شيء إلا بعلم، ولا يسعه حتى يسأل.
–ثم قال الحافظ معلّقًا على ذلك-: «قد أجمع العلماء على أنَّ مِن العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصته بنفسه، ومنه ما هو فرضٌ على الكفاية إذا قامَ به قائمٌ سقَط فرضُه على أهل ذلك الموضع، واختلفوا في تلخيص ذلك، والذي يلزم الجميع فرضُه من ذلك: ما لا يسع الإنسان جهلُه مِن جملة الفرائض المفترضة عليه نحو: الشهادة باللسان، والإقرار بالقلب، بأنَّ الله وحده لا شريك له؛ لا شِبه له ولا مثل، لَم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، خالق كل شيء وإليه مرجع كل شيء، المحيي المميت، والحي الذي لا يموت. والذي عليه جماعة أهل السنة أنه لم يزل بصفاته وأسمائه؛ ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء، وهو على العرش استوى. والشهادة بأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه وخاتم أنبيائه حق. وأنَّ البعث بعد الموت للمجازاة بالأعمال، والخلود في الآخرة لأهل السعادة بالإيمان والطاعة في الجنة ولأهل الشقاوة بالكفر والجحود في السعير حق. وأنَّ القرآن كلام الله وما فيه حق من عند الله يجب الإيمان بجميعه، واستعمال محكمه.
وأنَّ الصلوات الخمس فرضٌ، ويلزمه مِن عِلمها علم ما لا يتم إلا به؛ مِن طهارتها وسائر أحكامها. وأنَّ صوم رمضان فرضٌ، ويلزمه علم ما يفسد صومه وما لا تتم إلا به. وإنْ كان ذا مال وقدرة على الحج لزِمه –فرضًا- أنْ يعرف ما تجب فيه الزكاة، ومتى تجب؟ وفي كم تجب؟ ويلزمه أنْ يعلم بأنَّ الحج عليه فرض مرة واحدة في دهره إنْ استطاع إليه سبيلا.
إلى أشياء يلزمه معرفة جُملها ولا يُعذر بِجهلها، نحو تحريم الزنا، والربا، وتحريم الخمر، والخنزير، وأكل الميتة، والأنجاس كلها، والغصب، والرشوة على الحكم، والشهادة بالزور، وأكل أموال الناس بالباطل، وبغير طيب من أنفسهم، إلا إذا كان شيئًا لا يتشاحّ فيه ولا يرغب في مثله، وتحريم الظلم كله، وهو كل ما منع الله U منه ورسوله r، وتحريم نكاح الأمهات والبنات والأخوات ومَن ذُكر معهن، وتَحريم قتل النفس المؤمنة بغير حق، وما كان مثل هذا كله مما قد نطق الكتاب به، وأجمعت الأمة عليه.
ثم سائر العلم وطلبه والتفقه فيه، وتعليم الناس إياه، وفتواهم في مصالح دينهم ودنياهم والحكم به بينهم فهو فرض على الكفاية يلزم الجميع فرضه، فإذا قام به قائم سقط فرضه عن الباقين، لا خلاف بين العلماء في ذلك، وحجتهم فيه قول الله U»([8]).
ثم ذكر ابن عبد البر الأدلة على ذلك.
      ثم إنه سيجيب على تلك التساؤلات هذا المشروع البحثي إنْ الله تعالى مفصلا، لهذا ولأبيِّنه عقدتُ أربعة فصول؛ لشرح وبيان العقائد الواجبة التي بها يحصل تصحيح الإيمان، وكذلك معرفة أحكام الطهارة والصلاة والصيام الواجبة، والإشارة إلى العلم الواجب بأحكام الحج والزكاة على القادر المستطيع، ثم الأحكام المتعلقة بالمعاملات لِمَن أراد الدخول على بعضها والتلبس بها. ثم جانب الحقوق الواجبة، تحت خطة تفصيلية لاحقة.

1-            أهمية البحث:
       يكتسب هذا البحث أهميته مِن عمومَين تنبثق إحداهما منه، ويَقصِد البحثُ الثانية، وهما:
       العموم الأول: كون البحث يَقصِد عامة المسلمين ذكرهم وأنثاهم، حضريّهم وقرَويّهم، عامتهم ومثقفوهم ما دام أنه مكلَّف، بذكر ما يتحتم عليهم تعلُّمه مِن دينهم -عقيدة وشريعة-، ولا يجوز لهم جهلُه، فهو –إنْ شاء الله- مِن النصيحة لعامة المسلمين، وقد جاء في الحديث قول رَسُول اللَّهِ r: "إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ " قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لِلَّهِ، وَكِتَابِهِ، وَرَسُولِهِ، وَأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَامَّتِهِمْ، أَوْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ"([9]).
       العموم الثاني: هذا الخطاب الذي يتوجه إلى عامة المسلمين وآحادهم كان لتعريفهم ما لا يسعهم جهلُه مِن أمور دينهم العقدية والشرعية، وبمراتبه (الدين) الثلاثة التي جاء القول من رَسُول اللَّهِ r: بأنَّها هي الدين، في حديث جبريل المشهور "... فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ"([10]) بَعد ذِكِره الإسلام بمراتبه الخمسة، والإيمانَ بِمراتبه الستة، والإحسانَ بِمرتبتَيْه.
       فالبحث كما أنه يتوجه إلى آحاد المسلمين، فإنه كذلك ليس خاصًّا بالمسائل العقدية التي يجب تعلمها، ولا مقتصرًا على جانب العبادات أو المعاملات أو الحقوق اللازمة علمُها قبل العمل بها، بل هو شاملٌ لهذا وهذا.

2-          أسباب اختيار الموضوع:
       يرجع اختياري لِهذا الموضوع للحديث حوله -أولا في قناة الوصال الهوسوية، ثم كتابته وترجمته إلى اللغة العربية ثانيًا- إلى عدة أسباب علمية، أُجْمِلُها فيما يأتي:
1- إرادة بيان حقيقة الإسلام الواجب معرفتُه على كُل مسلمٍ -عقيدة وشريعة- وذلك لِما لاحظتُه –أنا- ولاحظه غيري مِن جهل مطبِق بأمور الدين وأساسياته الذي خيَّم على كثيرٍ مِن المسلمين؛ علَّ الله ينفع فيُعلِّم بِمثله جاهلَ المسلمين.
2- شوقي إلى الوقوف على "القول المحقق" مِن عُلماء الإسلام الراسخين في القدر الذي يتحتَّم على أيِّ مُسلمٍ علمُه، ولا يجوز له جهلُه مِن فِقه دينِه. ومِن ثَمّ التركيز عليه في مجال دعوة وتعليم عامة المسلمين بالطرق والوسائل المتاحة.
3- اقتراح أنْ تكون المادة المجموعة مقررًا يتدرج بها القائمون على تعليم المسلمي الجدد الواجبات المتحتمات المعرفة على كُلّ مسلم؛ فيتدرجوا به من الأهم فالمهم (التوحيد فالصلاة وهكذا).
4- توسيع دائرة الإفادة بالبحث؛ فكما سجلتُ مادته بلغة هوسا ليُبثَّ على قناة الوصال حسُن -لتعم الفائدة- ترجمةُ أفكارِه إلى اللغة العربية.

3-        الدراسات السابقة حول الموضوع وفيه:
       في هذا المقام هناك عدة رسائل من أهمها:
1-             كتاب الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، تأليف كبير المتكلمين القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني (ت:403هـ)، قال في مطلعه: «أما بعد: فقد وقفتُ على ما التمستْه الحرةُ الفاضلةُ الديِّنةُ -أحسَن الله توفيقها- لِما تتوخاه مِن طلب الحق ونُصرته، وتنكب الباطل وتجنبه، واعتماد القربة؛ باعتقاد المفروض في أحكام الدين، واتباع السلف الصالح من المؤمنين، من ذِكر جُملِ ما يجب على المكلفين اعتقادُه، ولا يسع الجهلُ به، وما إذا تدين به المرء صار إلى التزام الحق المفروض، والسلامة من البدع والباطل المرفوض. وإني -بِحول الله تعالى وعونه، ومشيئته وطَوله- أذكُر لَها جُملاً مختصرة تأتِي على البُغية من ذلك، ويُستغنى بالوقوف عليها عن الطلب، واشتغال الهمة بِما سواه. فنقول -وبالله التوفيق-: أنّ الواجب على المكلف»([11])، فذكر عشرات المسائل العقدية. وفي كلامه هذا أنّه (المؤلِّف) بيَّن أنه سيذكُر في هذا الكتاب ما يجب على المكلفين اعتقادُه، ولا يسع الجهلُ به، وكذلك الأشياء التي إذا تدين بها المرء صار إلى التزام الحق المفروض والسلامة من البدع والباطل المرفوض، لهذا قال في موضع: «وأنْ يعلم: أن فرائض الدين وشرائع المسلمين، وجميع فرائض المسلمين وسائر المكلفين على ثلاثة أقسام: فقسم منها: يَلزم جَميعَ الأعيانِ وكلَّ مَن بلغ الحلم وهو: الإيمان بالله U، والتصديق له، ولرسله، وكتبه، وما جاء من عنده، والعبادات على كل مكلف بعينه؛ من نحو الصلاة، والصيام، وما سنذكره ونفصله فيما بعد إن شاء الله. والقسم الثاني: واجبٌ على العلماء دون العامة، وهو القيام بالفُتيا في أحكام الدين، والاجتهاد، والبحث عن طرق الأحكام، ومعرفة الحلال والحرام، وهذا فرضٌ على الكفاية دون الأعيان؛ فإذا قام به البعض سقط عن باقي الأمة، وكذلك القولُ في حفظ جميع القرآن، وما تنفذ به الأحكام من سنن الرسول u، وغسل الميت، ومواراته، والصلاة عليه، والجهاد، ودفع العدوّ، وحماية البيضة وما جرى مجرى ذلك مما هو فرض على الكفاية؛ فإذا قام به البعض سقط عن باقي الأمة. والقسم الثالث: من الواجبات من فرائض السلطان دون سائر الرعية: نحو إقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وقبض الصدقات، وتوليَة الأمراء، والقضاة، والسُّعاة، والفصل بين المتخاصمين، وهذا وما يتصل به من فرائض الإمام وخلفائه على هذه الأعمال دون سائر الرعية والعوام، وليس في فرائض الدين ما يخرج عما وصفناه، ويزيد على ما قلناه»([12]). إلا أنَّ الذي يعكر صفْو الكتاب هو منهجه الكلامي المتكلَّف، وترك المنهج القرآني في المسائل العقدية التي أوردها في الكتاب، لهذا صار كتاب الأصول الثلاثة الذي كان على منهج القرآن خيرًا منه.
2-             من الدراسات السابقة في الموضوع: رسالة بل كتاب نافع بعُنوان: الأصول الثلاثة الواجبة على كل مسلم ومسلمة، للشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب (ت: 1206هـ)، فقف عليه بهذا العنوان في: مجموعة التوحيد، ص162([13]).
3-             وقرَّب الرسالة السابقة واختصر ما فيها الشيخ عبد الله بن إبراهيم القرعاوي وسَماها: الواجبات المتحتمات المعرفة على كل مسلم ومسلمة.
4-             وللدكتورَين عبد الله المصلح وصلاح الصاوي كتاب بعنوان: مالا يَسَعُ المُسلمَ جَهْلُه.
كما أنَّ لهما كتابًا آخر بعنوان: مالا يَسَعُ التاجرَ جَهْلُهُ.
وقد وقفتُ على الأول منهما، واجتهد مؤلفاه فيه، إلا أنّ لي على الكتاب ملاحظة؛ وهي أنهما أدخلا في الكتاب من المسائل ما لا تدخل في الأمور التي لا يسع المسلمَ جهلُها، ويلزمه العلم بها، كسنن الصلاة، ومكروهاته (ص112-116)، وكذلك السنن الراتبة، والرخصة في الجمع والقصر (ص120-121)، وكالصيام المسنون (ص138-139)، وكالقيام والاعتكاف في رمضان (ص140-141)، وكعنوان: مِن جوامع الأدب (ص173-176)، وغير ذلك، ولم يأتِ ذلك منهما عرَضًا، بل أخذت صفحات المسائل -من الكتاب- حيِّزًا ليس بالقليل كما اتضح، وتحت عناوين. ثم إنّ الفصل الرابع الذي جعلته في الحقوق من هذا المشروع يُعد إضافة على ما جاء في كتابهما.
5-             وللقاضي عياض؛ الفقيه الإمام الحافظ أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (ت: 544هـ)، كتابٌ يذكر مترجموه أنه لم يُكمِّله بعنوان: المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان. قال النووي في شرح حديث جبريل u: «قال القاضي عياض رحمه الله: وهذا الحديث قد اشتمل على شرح جَميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان وأعمال الجوارح، وإخلاص السرائر، والتحفظ من آفات الأعمال، حتى إنَّ علوم الشريعة كلَّها راجعةٌ إليه ومتشعبة منه، قال: وعلى هذا الحديث وأقسامه الثلاثة ألفنا كتابنا الذي سَمّيناه: بالمقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان؛ إذْ لا يشذ شيءٌ من الواجبات والسنن والرغائب والمحظورات والمكروهات عن أقسامه الثلاثة. والله أعلم»، (شرح النووي على صحيح مسلم، ص82).
6-             وللشيخ أبي بكر بن محمد عارف خوقير المكيّ المتوفى سنة 1349هـ كتاب باسم: ما لا بد منه في أمور الدين.
وأقصِد أنا ببحث: مالا يَسَعُ مُسلمًا جَهْلُه مِن فقه دينِه أي: الأمور العقدية والشرعية (في باب العبادات والمعاملات والحقوق) التي تجب على أيِّ مسلمٍ ومسلمةٍ معرفتها ولا يجوز لهما جهلها. ومِن ثَمَّ العمل بها. فإنْ كان القاضي عياض قصَد بكتابه: المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان -الذي لَم أقف عليه إلى الآن-، وكذلك صاحب كتاب ما لا بد منه في أمور الدين إنْ كانا قصدَا المسائلَ -في مباحث الإسلام والإيمان والإحسان- التي لا بُد منها وأنه تلزم الإنسانَ معرفتُها والعملُ بها، أو معرفتُها، فيكون بحثهما وهذا في مصبٍّ واحدٍ تمامًا. كما أنه إنْ قصَدا بهما التي تلزم الإنسان العملُ بها؛ فإنه لا بد للمكلف –شرعًا- قبل قيامه بالعمل المشروع أنْ يَعرف الكيفية لهذا العمل المعيّن وما يُشترَط له وما يُبطُله، فرجَع أيضًا إلى ما قصدته ببحثي: ما لا يسَع مسلمًا جهلُه. والله أعلم.

4-           أهداف البحث:
       يهدِف البحث إلى مقصدين هامَّين، هما:
       أولا: التعرُّف على القدر الذي لا يسَع مسلمًا جهلُه مِن دينِه، وذلك مِن أقوال العلماء المحققين المأخوذة من النصوص الشرعية.
       ثانيًا: تثقيف المسلمين بكل الوسائل المتاحة المسموعة والمكتوبة وتعليمهم لهذا القدر رجاءَ أنْ يَبنُوا حياتهم عليها.

5-           خطة البحث:
      يحتوي البحث على مقدمة وتَمهيد وأربعة فصول، وخاتمة، وفهارس علمية، على النحو التالي:

التمهيد: في بيان المراد بـ:الفقه في الدين.

الفصل الأول: تعلُّمُ   "مالا يسَعُ مسلِمًا جهْلُه  في عقيدته"، وفيه تَمهيد وسبعة مباحث:
التمهيد: ذكر أركان الإيمان جملةً وبيان علاقتها بفصل تعلُّمُ "مالا يسَعُ مسلِمًا جهْلُه  في عقيدته".
     المبحث الأول: مما لا يسَعُ مسلمًا جَهلُه مِن عقيدته: معرفةُ أنَّ الله تعالى الربُّ الإلهُ المتصف بنعوت الجلال والجمال والكمال، وفيه ثلاثة مطالب:
         المطلب الأول: مما لا يسَعُ مسلمًا جَهلُه مِن عقيدته: معرفةُ أنَّ الله تعالى الخالقُ المالك المدبِّرُ (توحيد الربوبية) والإقرار بذلك.
         المطلب الثاني: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: معرفةُ أنَّ الله تعالى المتَّصِفُ بغاية الحسن والكمال في الأسماء والصفات والإقرار بذلك.
         المطلب الثالث: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: معرفةُ أنَّ الله وحده المتفرِّدُ بالإلهية على خلقِه أجمعين (توحيد الألوهية والعبادة)، والعمل بذلك.
     المبحث الثاني: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: معرفةُ أنَّ لله ملائكة لا يعلَم عددهم إلا هو، يُسبِّحون الليل والنهارَ لا يفترون.
     المبحث الثالث: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: معرفةُ أنَّ الله أنزل كُتُبًا لهداية الخلق، أعظمها القرآن المهيمن لِما قبله والإقرار بذلك.
     المبحث الرابع: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: المعرفة والإقرار بأنَّ الله أرسلَ رسلا للبشارة والنذراة، خاتمهم محمدٌ r.
     المبحث الخامس: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: معرفةُ أنَّ لله يومًا مهولا أعده للجزاء وجعل لقيامه آيات وأمارات.
     المبحث السادس: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: معرفةُ أنَّ الله ما قدَّر قدرًا ولا قضى خلقًا إلا عن علم ومشيئة وكتاب.
     المبحث السابع: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: معرفةُ غير ما تقدم من المسائل العقدية الواجبة على المكلف.

الفصل الثاني: تعلُّمُ   "مالا يسَعُ مسلِمًا جهْلُه  في عباداته (أركان الإسلام)"، وفيه ثلاثة مباحث.
     المبحث الأول: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من أركان الإسلام: معرفةُ أحكام الطهارة والصلاة والصيام بالكيفيات والشروط والأركان والمفسدات، وفيه مطالب.
     المبحث الثاني: مما لا يسَعُ المكلف القادر المستطيع ومالك النصاب جهلُه: معرفةُ ما تجب فيه الزكاة، ومتى؟ وفي كم؟ وغير ذلك، وكذلك معرفة أحكام الحج وصفته ومحظورات الإحرام، وفيه مطلبان.
     المبحث الثالث: مما لا يسَعُ مسلمًا جهله: معرفةُ منهيات القلب الباطنة والبدن الظاهرة وحقائقها.

الفصل الثالث: تعلُّمُ   "مالا يسَعُ مسلِمًا جهْلُه  في معاملاته (البيوع والوظائف والنكاح)"، وفيه ثلاثة مباحث:
     المبحث الأول: مما لا يسَعُ مسلمًا في بيعه ووظيفته جهلُه: معرفة التصرفات الجائزة والمحرمة كلٌّ بحسبه، ومعرفة أبواب الربا، وكيفة أداء الأمانات، وفيه مطلبان.
     المبحث الثاني: مما لا يسَعُ مسلمًا في نكاحه جهلُه: معرفة الحقوق الزوجية.

الفصل الرابع: الحقوق التي لا يسَعُ مسلِمًا جهْلُها، وفيه مبحثان:
     المبحث الأول: من الحقوق التي لا يسَعُ مسلمًا جهلُها: معرفة حق الوالدين.
     المبحث الثاني: من الحقوق التي لا يسَعُ مسلمًا جهلُها: معرفة حق الأولاد.

الخاتمة: وسأضمِّنها التوصيات وأهم النتائج.

6-           منهج البحث:
       سأسلُك بإذن الله تعالى المنهج الوصفي التحليلي لتناول مادة هذا البحث.

       والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.


التمهيد: في بيان المراد بـ:الفقه في الدين:
      قد أمَرَ الله تعالى عباده بالفقه في الدين، فقال:              [التوبة: ١٢٢]، وبيَّن الرسول r أنَّ جماع الخير في الفقه في الدين فقال: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ" من حديث مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما([14]).
قال الحافظ ابن حجر في شرحه: «ومفهوم الحديث أنَّ مَن لم يتفقه في الدين أي: يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع: فقد حُرِم الخير، وقد أخرج أبو يعلى حديث معاوية من وجه آخر ضعيف وزاد في آخره: ومن لَم يتفقه في الدين لم يُبال الله به. والمعنى صحيحٌ؛ لأنَّ مَن لَم يعرف أمورَ دينِه لا يكون فقيهًا ولا طالبَ فقهٍ؛ فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير. وفي ذلك: بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس، ولفضل التفقه في الدين على سائر العلوم»([15]).
ودعا النبيُّ r لابن عباس رضي الله عنهما: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"([16]).
ولما كان هذا هو الفقه في الدين كان لا بُدَّ لِمَن تطلَّب نجاة نفسه وعرف قدرها أنْ يَسْتَفْهِم عن معنى الفقه في الدين؟ وبعد النظر إلى النصوص الشرعية ومدلولاتها تبيَّن أنَّ الفقه في الدين هو الفقه في العقائد والعبادات والمعاملات وباب الحقوق، يُفسِّر ذلك حديث جبريل الآتي. قال الشيخ حماد بن محمد الأنصاري –رحمه الله-:
ومن ناحية أخرى: عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يرد الله به خيرًا يفقّه في الدين". ما هو الدين الذي إذا أراد الله بنا خيرًا فقّهنا فيه؟ أمور الدين ثلاثة لا رابعَ لها هي: الإسلام، والإيمان، والإحسان هذا هو الدين المطلوب التفقّه فيه. من ماذا أخذناه؟، أخذناه من حديث جبريل عليه السلام لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان أجاب النبي صلى الله عليه وسلم، وذهب جبريل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "أدرك الرجل"، وذهب عمر ليدرك جبريل فلم يدركه، فرجع فقال: ما رأيتُه، فقال: "هذا جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم". فهذه الكلمة أعطتنا فكرة متكاملة عن معنى الدين والإسلام أركانه خمسة، والإيمان أركانه ستة، والإحسان مقامتان. هذا هو الدين الذي علمنا جبريل عليه السلام عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يجب أن يفهم وأن يعرف ليعمل به. وإذا لم تفقه القرآن لم تعمل بالقرآن، القرآن رسالة أرسلت إلينا من الله عز وجل لنقرأها ونتفقّه بها ونعمل بمقتضاها، وإذا خلا شيءٌ من هذا فإنك لعّاب بالقرآن، ما نزل القرآن لتلعب به، نزل لتدرسه وتتفقّه فيه وتعمل بمقتضاه وبدون فهم لن تعمل بمقتضاه([17]).
      فـ"الفقيه في دينه" أعمق علمًا مِن: "العالِم بدينه"، لذا ففي الدعاء النبوي لابن عباس رضي الله عنهما: اللهم فقّهْه في الدين وعلّمْه التأويل.      ومِن المعلوم شرعًا أنّه استنفَرَ الله عبادَه –خفافًا وثقالا- للجهاد في سبيله، ثم بيّن للمؤمنين أنه: ما كان لهم أنْ ينفرُوا كافةً، بل تبقى طائفة مِن كُلّ فِرقة منهم للفقه في الدين الإسلامي، (ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يَحْذَرون). والدين الذي أُمِرنا بالفقه فيه: هو الذي قال رسول الله r فيه: "هذا جبريلُ أتاكم يُعلّمُكم دينَكم" بعد أنْ بيّن مراتبَه الثلاثة (الإسلام، الإيمان، الإحسان) ([18]) وأركان كُلّ مرتبة في الحديث المشهور بحديث جبريل. فصار الفقه في الدين هو الفقه في هذه المراتب والأركان. وهذا الفقه منزلة عظيمة، ودرجة عالية؛ لا تتسنى إلا لِمَنْ يُرِد الله به خيرًا ويَصْطَفِيه: "مَنْ يُرِد الله به خيرًا يُفقّهه في الدين".
      فالمطلوب من المسلم –استحبابًا- هو الفقه في الدين؛ أصوله وفروعه، قال الحافظ ابن رجب –رحمه الله-: «ويدخل في الفقه في الدين: كلّ علم مستنبط من كتاب الله أو سنة رسوله r، سواء كان من علوم الإسلام التي هي الأعمال الظاهرة والأقوال، أو من علوم الإيمان التي هي الاعتقادات الباطنة، وأدلة ذلك وبراهينه المقررة في الكتاب والسنة. أو من علوم الإحسان التي هي علوم المراقبة والمشاهدة بالقلب، ويدخل في ذلك: علم الخشية والمحبة والرجاء والإنابة، والصبر والرضا، وغير ذلك من المقامات. وكلّ ذلك قد سمّاه النبي r في حديث سؤال جبريل له عنه: دينًا، فالفقه فيه: من الفقه في الدين ...»([19]).
والمقامات التي أشار إليها الحافظ هنا كثيرة جدًّا، وقد فصّل في ذكرها وذكر أحكامها العلامة ابن القيّم –رحمه الله- في كتابه العظيم: مدارج السالكين، وبيّن أنّ منها ما هو واجبٌ اعتقادُه، وهي الكثيرة منها، وهذا النوع يجب تعلمه. كما أنّ منها ما اعتقاده والعمل به مستحبٌّ مثل منزلة الرضا التي هي فوق منزلة الصبر، وهذا يُستحب تعلمه. والله تعالى أعلم.
      فالفقه «بِهذا المفهوم يشمل فقه الأحكام، وفقه العقائد، بعكس ما يظن بعض الناس  ... وظنُّوا أنَّ الفقه إنما يعني: فقه الحلال والحرام، وفقه الأحكام التفصيلية المتعلقة بشؤون الناس، وسلوكهم وأعمالهم، وهذا فهم قاصر، فإنَّ الفقه الأعظم هو: فقه الأصول وهو فقه العقائد (ما يتعلق بالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبالقدر، واليوم الآخر) جملة وتفصيلا، ثم فقه العقائد الأخرى المستمدة من هذه الأصول الكبرى، لذلك كان بعض السلف يسمي العقيدة: بالفقه الأكبر، ويسمون الأحكام بالفقه الأصغر. مع أنَّ هذا التفريق لا يعني أنَّ الدين ينقسم إلى فقهين، الدين كله واحد وفقهه واحد، لكن معنى هذا أنَّ الأصول أهم؛ لأنَّها قطعيات لا بُدَّ من الإيمان بها مِن كُلِّ أحدٍ؛ ولو أخلَّ بشيءٍ منها اختلَّ دينُه. والفروع إنما يعمل الإنسان منها ما يستطيع، وما لا يستطيعه فهو معذورٌ فيه. ولو قصَّر في بعضها: لم يخرج من الدين»([20]).
      وقال الأستاذ الدكتور ناصر العقل وهو يتكلم عن (حكم تحصيل الفقه في الدين): «1- منه: ما هو واجبٌ عينِيٌّ على كلِّ فردٍ: *وتحصيل الفقه في الدين هو فرض على وجه العموم، فمنه ما هو واجب على كلّ فرد، وهو أصول العقائد والأحكام الضرورية (ما يتعلق بتوحيد الله سبحانه وتعالى، والإيمان به، وفروض العبادة، وما يتعلق بالرسول r والإيمان به وتصديقه وحقوقه، وما يتعلق بأركان الإيمان وأركان الإسلام، وقطعيات الأحكام)، هذا النوع لا يُعذر بجهله أحدٌ. 2- ومنه: ما هو واجبٌ كفائيّ يأثَم الجميعُ بتركه، ومنه ما هو دون ذلك. والواجب أنْ يتصدى له من تقوم به الكفاية، ويحصل به المقصود للمة من أداء الواجب، وبيان الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة دين الله في الأرض. وإذا لم تقم طائفةٌ بهذا الواجب، فالأمة كلها مطالبة بهذا الفرض، كما ذكر الله تعالى في قوله:              [التوبة: ١٢٢] »([21]).
      فاعلم أنه يلزم تَعَلّم ما وجَبَ اعتقادُه وعَمَلُه: من العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والآداب، فالبحث سيوضح أنه يجب على المكلف تعلم ما وجَبَ عليه العمل به، وأنّ الشريعة لَم تفرِّق بين الذكر والأنثى في هذا الأمر، بل جعلتْهُما على التساوي، بل جاء النساء إلى النبي r فقلن: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ ...) الحديث كما سيأتي.
      كما أنّ سعادة الرجل والمرأة كما يقول العلامة ابن القيم: (في الدارين معلقة بهدي النبي r فيجب على كل مَن نصح نفسه وأحب نجاتَها وسعادتَها: أن يَعْرِف مِن هدْيِه وسيرتِه وشأنِه ما يَخرج به عن الجاهلين به، ويَدخل في عِداد أتباعه وشيعته وحزبه، والناس في هذا بين مستقل ومستكثر، ومحروم، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء»([22]).    وهذا: الرجل والْمرأة فيه على سواء .
      لكل هذا فقد ذكر العلماء قاعدة دينية للمكلف من الذكر والأنثى مفادها أنه:
لا يحل للمكلف أيًّا كان أن يفعل فعلا حتى يَعلم حُكم الله فيه، ويسأل العلماء. كما في كتاب الأخضري. إلى غير ذلك من الأسباب.
      ثم اعلم ثانية: أنه لا يُطلب من المربي سوى القدر الواجب على كل مكلف أن يتعلمه، وقد حدده العلماء بأنه "القدر الذي يتوقف عليه معرفة عبادة يريد فعلها، أو معاملة يريد القيام بها، فإنه في هذه الحال يجب أن يَعرف كيف يتعبد الله بهذه العبادة وكيف يقوم بهذه المعاملة" .
      قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله-: «والمراد بالعلم: العلم الشرعي الذي يُفيد معرفة ما يَجب على المكلف مِن أمر دينه؛ في عباداته، ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته، وما يجب له من القيام بأمره، وتنزيهه عن النقائص. ومدار ذلك: على التفسير، والحديث، والفقه. وقد ضرَب هذا الجامع الصحيح في كل من الأنواع الثلاثة بنصيب»([23]).
      التمهيد: في ذكر حديث جبريل وبيان علاقته بموضوع: مالا يسَعُ مسلمًا جهلُه مِن فقه دينه:
      قال مسلم بن الحجاج في أول صحيحه: حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ -وَهَذَا حَدِيثُهُ- حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ، فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلاَءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلاً الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي؛ أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلاَمَ إِلَىَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِّ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ -وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ- وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لاَ قَدَرَ، وَأَنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ. قَالَ فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّى بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ! لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ. ثُمَّ قَالَ:
      حَدَّثَنِي أَبِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ r، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "الإِسْلاَمُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِىَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ". قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟ قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ". قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ؟ قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: "مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا؟ قَالَ: "أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ". قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا عُمَرُ! أَتَدْرِى مَنِ السَّائِلُ". قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ"([24]).
      قال النووي: «قال القاضي عياض رحمه الله: وهذا الحديث قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان وأعمال الجوارح وإخلاص السرائر والتحفظ من آفات الأعمال حتى أن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه قال وعلى هذا الحديث وأقسامه الثلاثة ألفنا كتابنا الذي سميناه بالمقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان إذ لا يشذ شيء من الواجبات والسنن والرغائب والمحظورات والمكروهات عن أقسامه الثلاثة والله أعلم»([25]).
      وقال: «قوله r: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) فيه أن الإيمان والإسلام والإحسان تسمى كلها دينا واعلم أن هذا الحديث يجمع أنواعا من العلوم والمعارف والآداب واللطائف بل هو أصل الإسلام كما حكيناه عن القاضي عياض»([26]).
      وقال الحافظ ابن رجب في بيان عظمِ الحديث ورجوع علوم الشريعة إليه ما نصُّه: «فمَن تأمَّل ما أشرنا إليه مما دلَّ عليه هذا الحديث العظيم على أنَّ جميع العلوم والمعارف يرجع([27])  إلى هذا الحديث ويدخل تحته، وأنَّ جميع العلماء من فِرَق هذه الأمة لا تخرج علومهم التي يتكلمون فيها عن هذا الحديث وما دلَّ عليه مجملاً ومُفصَّلاً؛ فإنَّ الفقهاء إنَّما يتكلمون في العبادات التي هي من جملة خصال الإسلام ويضيفونه إلى ذلك الكلام في أحكام الأموال والأبضاع والدماء، وكلّ ذلك مِن علم الإسلام كما سبق التنبيه عليه، ويبقى كثيرٌ من علم الإسلام من الآداب والأخلاق وغير ذلك لا يتكلم عليه إلا القليل منهم، ولا يتكلمون على معنى الشهادتين؛ وهما: أصل الإسلام كله. والذين يتكلمون على أصول الديانات يتكلمون على الشهادتين، وعلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر. والذين يتكلمون على علم المعارف والمعاملات يتكلمون على مقام الإحسان، وعلى الأعمال الباطنة التي تدخل في الإيمان أيضًا؛ كالخشية، والمحبة، والتوكل، والرضا، والصبر، ونحو ذلك؛ فانحصرت العلوم الشرعية التي يتكلم عليها فِرَق المسلمين في هذا الحديث، ورجعَتْ كلُّها إليه، ففي هذا الحديث وحده كفايةٌ»([28]).
      وقال الحافظ ابن حجر: «قال القرطبي: هذا الحديث يصلح أن يقال له: أم السنة لما تضمنه من جمل علم السنة. وقال الطيبي: لهذه النكتة استفتح به البغوي كتابيه المصابيح وشرح السنة اقتداء بالقرآن في افتتاحه بالفاتحة؛ لأنها تضمنت علوم القرآن إجمالا. وقال القاضي عياض: اشتمل هذا الحديث على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان ابتداء وحالا ومآلا ومن أعمال الجوارح ومن إخلاص السرائر والتحفظ من آفات الأعمال حتى إنَّ علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه»([29]).
      فالحديث فيه بيان: أول ما يجب على المكلف، والذي هو تصحيح إيْمانه، ثم معرفة ما يُصلِح به فَرْضَ عَيْنِه؛ كأحكام الطهارة والصلاة والصيام.
      وقال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر –رحمه الله- في معرض حديثه عن العلم الذي يتعين على المسلمين كافة والذي لا يسع أحدًا منهم جهلُه، مِن غيره في الباب الذي عقَدَه لبيان قَوْلِهِ r: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ": بعدَما أورَد بسنده روايات ومنها، رواية بسنده إلى أبي يوسف «يعقوب سفيان الفسوي، قال: سَمعتُ عليَّ بنَ الحسن بن شقيق، قال: قلتُ لابن المبارك: ما الذي لا يسعُ المؤمنَ مِن تعليم العلم إلا أنْ يطلبه؟ وما الذي يجب عليه أنْ يتعلمه؟ قال: لا يسَعُه أنْ يَقدم على شيء إلا بعلم، ولا يسعه حتى يسأل. –ثم قال معلّقًا على ذلك-: قد أجمع العلماء على أنَّ مِن العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصته بنفسه، ومنه ما هو فرضٌ على الكفاية إذا قام به قائم سقط فرضه على أهل ذلك الموضع، واختلفوا في تلخيص ذلك، والذي يلزم الجميع فرضُه من ذلك: ما لا يسع الإنسان جهلُه مِن جملة الفرائض المفترضة عليه نحو: الشهادة باللسان، والإقرار بالقلب، بأنَّ الله وحده لا شريك له؛ لا شِبه له ولا مثل، لَم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، خالق كل شيء وإليه مرجع كل شيء، المحيي المميت، والحي الذي لا يموت. والذي عليه جماعة أهل السنة أنه لم يزل بصفاته وأسمائه؛ ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء، وهو على العرش استوى. والشهادة بأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه وخاتم أنبيائه حق. وأنَّ البعث بعد الموت للمجازاة بالأعمال، والخلود في الآخرة لأهل السعادة بالإيمان والطاعة في الجنة ولأهل الشقاوة بالكفر والجحود في السعير حق. وأنَّ القرآن كلام الله وما فيه حق من عند الله يجب الإيمان بجميعه، واستعمال محكمه. وأنَّ الصلوات الخمس فرضٌ، ويلزمه مِن عِلمها علم ما لا يتم إلا به؛ مِن طهارتها وسائر أحكامها. وأنَّ صوم رمضان فرضٌ، ويلزمه علم ما يفسد صومه وما لا تتم إلا به. وإنْ كان ذا مال وقدرة على الحج لزِمه –فرضًا- أنْ يعرف ما تجب فيه الزكاة، ومتى تجب؟ وفي كم تجب؟ ويلزمه أنْ يعلم بأنَّ الحج عليه فرض مرة واحدة في دهره إنْ استطاع إليه سبيلًا. إلى أشياء يلزمه معرفة جُملها ولا يُعذر بِجهلها، نحو تحريم الزنا، والربا، وتحريم الخمر، والخنزير، وأكل الميتة، والأنجاس كلها، والغصب، والرشوة على الحكم، والشهادة بالزور، وأكل أموال الناس بالباطل، وبغير طيب من أنفسهم، إلا إذا كان شيئًا لا يتشاحّ فيه ولا يرغب في مثله، وتحريم الظلم كله، وهو كل ما منع الله U منه ورسوله r، وتحريم نكاح الأمهات والبنات والأخوات ومَن ذُكر معهن، وتَحريم قتل النفس المؤمنة بغير حق، وما كان مثل هذا كله مما قد نطق الكتاب به، وأجمعت الأمة عليه. ثم سائر العلم وطلبه والتفقه فيه، وتعليم الناس إياه، وفتواهم في مصالح دينهم ودنياهم والحكم به بينهم فهو فرض على الكفاية يلزم الجميع فرضه، فإذا قام به قائم سقط فرضه عن الباقين، لا خلاف بين العلماء في ذلك، وحجتهم فيه قول الله U»([30])، ثم ذكر الأدلة على ذلك.
     وقال الحافظ ابن رجب بمثل ذلك وهو يشرح حديث أبي ذر: العلماء ورثة الأنبياء:
«.. فأفضل العلم: العلم بالله، وهو العلم بأسمائه وصفاته، وأفعاله التي توجب لصاحبها: معرفة الله وخشيه ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته، والتبتل إليه، والتوكل عليه، والرضا عنه، والاشتغال به دون خلقه. ويتبَع ذلك: العلم بملائكته وكُتُبه ورسله واليوم الآخر، وتفاصيل ذلك. ... » ([31]).
« ويدخل في الفقه في الدين: كلّ علم مستنبط من كتاب الله أو سنة رسوله r، سواء كان من علوم الإسلام التي الأعمال الظاهرة والأقوال، أو من علوم الإيمان التي هي الاعتقادات الباطنة، وأدلة ذلك وبراهينه المقررة في الكتاب والسنة. أو من علوم الإحسان التي هي علوم المراقبة والمشاهدة بالقلب، ويدخل في ذلك: علم الخشية والمحبة والرجاء والإنابة، والصبر والرضا، وغير ذلك من المقامات. وكلّ ذلك قد سمّاه النبي r في حديث سؤال جبريل له عنه: دينًا، فالفقه فيه: من الفقه في الدين ...» ([32]).
« وأما معرفة ما أمر الله به ونهى عنه، وما يحبه ويرضاه، وما يكرهه وينهى عنه، فيجب على كل من احتاج إلى شيء من ذالك أن يتعلمه. ولِهذا رُوي طلب العلم فريضة على كل مسلم. فإنه يَجب على كل مسلم: معرفة ما يحتاج إليه في دينه كالطهارة والصلاة والصيام. ويجب على مَن له مالٌ: معرفةُ ما يَجب عليه في مال من الزكاة ونفقة وحج وجهاد. وكذلك يَجب على مَن يَبيع ويَشتري: أن يتعلم ما يحل ويحرم من البيوع.
كما قال عمر رضي الله عنه: ( لا بيع في سُوقِنا إلا مَن فَقُه في الدين خرّجه الترمذي.
ويُروى بإسناد فيه ضعف (عن علي t قال: الفقه قبل التجارة؛  إنه مَن اتّجر قبل أن يتفقه ارتطم.
وسُئِل ابن المبارك: ما الذي يجب على الناس من تعلُّم العلم؟ قال: أن لا يقدم الرجل على شيء إلا بعلم يسال ويتعلم، فهذا الذي يجب على الناس من تعلم العلم. ثم فسَّره وقال:
لو كان رجلا لَم يكُنْ له مالٌ لَم يَكُن عليه واجبٌ أن يتعلم الزكاة، فإذا كان له مائتا درهم وجَبَ عليه أن يتعلم كم يخرج؟ ومتى وأين  يضع؟ وسائر الأشياء على هذا .
وسئل الإمام أحمد -رحمه الله- عن الرّجل: ما يَجِب عليه مِن طلب العلم؟
فقال: ما يقيم به الصلوات وأمْرَ دينه من الصوم والزكاة، وذكر شرائع الإسلام.
وقال: ينبغي له أن يتعلم ذلك.
وقال أيضا: الذي يجب الإنسان مِن العلم: ما لا بد له منه في صلاته وإقامة دينه.
واعلم أن علم الحلال والحرام  عِلمٌ شريفٌ  ومنه: ما تعلُّمُه فرضُ عَين، ومنه ما هو فرض كفاية. وقد نصّ العلماء على أنّ تعلُّمه أفضل من نوافل العبادات » ([33]).
      وأوجز هذه المعاني صاحب كتاب الأخضري فقال: (أول ما يجب على المكلف تصحيح إيمانه، ثم معرفةُ ما يُصلح به فرض عينه كأحكام الصلاة والطهارة والصيام)
      ثم إنه ولبيان ذلك مفصَّلا عقدتُ أربعة فصول لبيان العقائد التي بها يحصل تصحيح الإيمان، وكذلك معرفة أحكام الطهارة والصلاة والصيام، والإشارة إلى الحج والزكاة، ثم الأحكام المتعلقة بالمعاملات. ثم جانب الحقوق، على الخطة التالية:
خطة البحث:
موضوع البحث: يحتوي على مقدمة وتَمهيد وأربعة فصول، وخاتمة، على النحو التالي:
الفصل الأول: تعلُّمُ   "مالا يسَعُ مسلِمًا جهْلُه  في عقيدته"، وفيه سبعة مباحث:
الفصل الثاني: تعلُّمُ   "مالا يسَعُ مسلِمًا جهْلُه  في عباداته"، وفيه مبحثان.
الفصل الثالث: تعلُّمُ   "مالا يسَعُ مسلِمًا جهْلُه  في معاملاته"، وفيه مبحثان.
الفصل الرابع: الحقوق التي لا يسَعُ مسلِمًا جهْلُها، وفيه مبحثان.
الخاتمة: وفيها التوصيات وأهم النتائج.



الفصل الأول: تعلُّمُ   "مالا يسَعُ مسلِمًا جهْلُه  في عقيدته، وفيه تمهيد وسبعة مباحث:

التمهيد: ذكر أركان الإيمان جملةً وبيان علاقتها بفصل تعلُّمُ   "مالا يسَعُ مسلِمًا جهْلُه  في عقيدته".
وبعد:
       فهذا البحث المختصر ينبني على ذكر أصول الإيمان الستة وأُسُسه ودعائمه، ومعلومٌ أنه قد جاء في الحديث الذي يسمى بحديث جبريل u سؤاله النبِيَّ عن الإيْمان، ومِن ثَمَّ جاءت إجابته r بذكر أركانه الستة الشهيرة، قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r ذَاتَ يَوْمٍ، ... الحديث، وفيه: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟ قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ"([34]).
      فإجمالا قبل التفصيل أقول: قال الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي (ت: 294هـ): «قوله: الإِيمَان: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ: أنْ تُوحِّده وتُصدق به بالقلب واللسان، وتخضع له ولأمره؛ بإعطاء العزم للأداء لِما أمَرَ، مُجانبًا للاستنكاب والاستكبار والمعاندة، فإذا فعَلتَ ذلك لزمتَ مَحابَه، واجتنبتَ مساخطَه. وأما قوله: وَمَلاَئِكَته: فأنْ تؤمن بِمن سَمّى الله لك منهم في كتابه، وتؤمن بأنَّ لله ملائكةً سواهم لا تُعرف أساميهم وعددهم إلا الذي خلقهم. وأما قوله: وَكُتُبه: فأنْ تؤمن بِما سَمى الله مِن كتبه في كتابه؛ مِن التوراة والإنجيل والزبور خاصة، وتُؤمِن بأنَّ لله سوى ذلك كتبًا أنزلَها على أنبيائه لا يَعرف أسْماءَها وعددَها إلا الذي أنزلها، وتُؤمن بالفرقان؛ وإيمانُك به غير إيْمانِك بسائر الكتب، إيمانُك بغيره مِن الكتب: إقرارُك به بالقلب واللسان، وإيمانك بالفرقان: إقرارك به، واتباعُك بِما فيه. وأما قوله رُسُلهِ: فأنْ تؤمن بِمَن سَمَّى الله في كتابه مِن رسله، وتؤمن بأنَّ لله سواهم رسلا وأنبياء؛ لا يعلم أسماءَهم إلا الذي أرسلهم، وتؤمن بِمحمد r، وإيْمانُك به: غير إيْمانك بسائر الرسل؛ إيمانُك بسائر الرسل: إقرارك بِهم، وإيْمانك بمحمدٍ r: إقرارك به، وتصديقك إياه، واتباعك ما جاء به؛ فإذا اتبعتَ ما جاء به أدَّيْتَ الفرائض، وأحللتَ الحلال، وحرَّمت الحرام، ووقفتَ عند الشبهات، وسارعتَ في الخيرات. وأما قوله: وَالْيَوْم الآخِر: فأنْ تُؤمن بالبعث بعد الموت، والحساب، والميزان، والثواب والعقاب، والجنة والنار، وبِكُلِّ ما وصف الله به يوم القيامة. وأما قوله: وَتُؤْمِن بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ: فأنْ تؤمن بأنَّ ما أصابك لم يكن ليُخطئك، وأنَّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولا تقل لولا كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولو كان كذا وكذا لم يكن كذا وكذا. قال فهذا هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر»([35]).
      فالله تبارك وتعالى قد أمر بالإيمان به وبكتُبه ورسله، ثم نادى بالثبات على ذلك، في آيات كثيرة عظيمة، فقال: ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ   ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ      ﭭ  ﭮ  ﭯ   ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ   ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ   [البقرة]  وقال:ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ       ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ   ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ    ﭪ  ﭫ  ﭬ   ﭭ  ﭮ  [آل عمران]  وقال:ﭻ   ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ   ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊﮋ  ﮌ  ﮍ      ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ   ﮔ  ﮕ    ﮖ  ﮗ  ﮘ  [النساء] وقال في آخر سورة البقرة: ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ   ﮛ   ﮜ  ﮝ  ﮞﮟ  ﮠ      ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ   ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫﮬ  ﮭ  ﮮ   ﮯﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  [البقرة].
فأمر سبحانه في هذه الآيات بالإيمان، وحذَّر من الكفر، وأوضَح بأنَّ الذي كفر بما تقدم على الضلال البعيد. كما شهِد فيها للصحابة y (سلف المؤمنين الأوائل) والرسول r بأنَّهم آمنوا به وبملائكته، وكتبه، ورسله؛ وأنهم لا يفرِّقون بين أحدٍ منهم.
كما حصَر الله البر في منتصف سورة البقرة بأنَّه الإيمان به وبما أمَر بالإيمان به، فقال:   ﭒ  ﭓ   ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ   ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ   ﭣ  ﮈ  [البقرة]
      ثم إنَّ من عظيم لطف الله ورحمته بعباده أنْ بيَّن لَهم أصول الإيمان ودعائمه  وأسسه وأركانه التي لا يقوم إيمانهم إلا عليها، وشرَح لهم كيفية إقامتهم لكلِّ رُكنٍ منها؛ فجاءت النصوص الشرعية الكثيرة ببيان صورة الإيمان بالله، وأنه الإيمان به سبحانه ربًّا ومعبودًا، ذا أسماء حسنى وصفات عُليا، وأوضحَت كذلك الأشياء التي يتحقق بها الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر من الأشياء التي تكون مناقضة لها، مزيلة إيَّاها.
      وأصول الإيمان الستة السابقة التي جاء بها رسولنا محمدٌ عليه الصلاة والسلام هي أعظم أبواب الإيمان بالغيب وأهم مداخله. ولكل ما سبق رأيتُ أنْ أُفصِّل –وباختصار- عن هذه الأصول أصلا أصلا، في ستة مباحث، على نحوٍ تالٍ

      يحتوي هذا الفصل على علاقة المسلم بطلب علم الواجبات  العقدية. وينبني الفصل على أصول الإيمان الستة أصالة، وعلى غيرها، وقد تقدم ذكر حديث جبريل، وفيه سؤاله النبي عن الإيمان وإجابته بأركانه الستة، وهنا أقول:
      قد أمر الله تعالى عباده بالإيمان به وبكتابه ورسله، وبالثبات على ذلك فقال تعالى: ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ   ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ      ﭭ  ﭮ  ﭯ   ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ   ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ   [البقرة]  وقال:ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ       ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ   ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ    ﭪ  ﭫ  ﭬ   ﭭ  ﭮ  [آل عمران]  وقال:ﭻ   ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ   ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊﮋ  ﮌ  ﮍ      ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ   ﮔ  ﮕ    ﮖ  ﮗ  ﮘ  [النساء] ثم قال:ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ   ﮛ   ﮜ  ﮝ  ﮞﮟ  ﮠ      ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ   ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫﮬ  ﮭ  ﮮ   ﮯﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  [البقرة]  فأمر سبحانه في الآيات بالإيمان، وحذَّر من الكفر، كما شهِد فيها لسلف للمؤمنين الأوائل من الصحابة بأنهم آمنوا به وبملائكته، وكتبه، ورسله؛ لا يفرِّقون بين أحدٍ من رسله، وسمعوا له وأطاعوا؛ ثم أوضح أنَّ الذي بما تقدم كائنٌ على الضلال البعيد.
بل إنَّ من عظيم لطفه ورحمته بهم (عباده) أنْ بيَّن لهم الأصول والدعائم  والأسس والأركان التي لا يقوم إيمانهم إلا عليها؛ التي هي الإيمان به رباًّ ومعبوداً، وبأسمائه الحسنى وصفاته العليا، واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، فقال:  ﭒ  ﭓ   ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ   ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ   ﭣ  ﮈ  [البقرة]
 فقد جاءنا رسولنا محمدٌ عليه الصلاة والسلام من ربِّه بالإيمان بالغيب وأنَّ الذي أجاب به جبريل u لَمَّا سأله عن الإيمان بذكره أصوله الستة  من أعظم دعائمه.

المبحث الأول: مما لا يسَعُ مسلمًا جَهلُه مِن عقيدته: معرفةُ أنَّ الله تعالى الربُّ الإلهُ المتصف بنعوت الجلال والجمال والكمال، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: مما لا يسَعُ مسلمًا جَهلُه مِن عقيدته: معرفةُ أنَّ الله تعالى الخالقُ المالك المدبِّرُ (توحيد الربوبية) والإقرار بذلك.
المطلب الثاني: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: معرفةُ أنَّ الله تعالى المتَّصِفُ بغاية الحسن والكمال في الأسماء والصفات والإقرار بذلك.
المطلب الثالث: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: معرفةُ أنَّ الله وحده المتفرِّدُ بالإلهية على خلقِه أجمعين (توحيد الألوهية والعبادة)، والعمل بذلك.

المطلب الأول: مما لا يسَعُ مسلمًا جَهلُه مِن عقيدته: معرفةُ أنَّ الله تعالى الخالقُ المالك المدبِّرُ (توحيد الربوبية) والإقرار بذلك:
الإيمان بربوبية الله U على خلقه أجمعين:
  الإيمان بأنَّ الله عزَّ وجلَّ موجودٌ بل هو واجب الوجود([36])، والدليل على وجوده: العقل، والحس والفطرة، والشرع.
  أما الدليل العقلي على وجود الله U أن نقول: هذا الكون الذي أمامنا ونشاهده على هذا النظام البديع، الذي لا يمكن أن يضطرب، ولا يتصادم، ولا يسقط بعضُه بعضًا بل هو في غاية ما يكون من النظام ﯴ  ﯵ   ﯶ    ﯷ  ﯸ  ﯹ   ﯺ     ﯻ  ﯼ     ﯽ  ﯾﯿ  ﰄ   [ يس] فهل يُعقل أن هذا الكون العظيم بهذا النظام البديع يكون خالقاً لنفسه؟ كلا! لا يُعقل، لأنه لا يمكن أن يكون خالقًا لنفسه؛ إذ إن معنى ذلك أنَّه عدمٌ أوجَدَ موجودًا، ولا يمكن للعدم أن يوجد موجودًا، إذًا فيستحيل أن يكون هذا الكون مُوجِدًا لنفسه، ولا يمكن أيضًا أن يكون هذا الكون العظيم وُجد صدفةً؛ لأنَّه على نظامٍ بديعٍ مطرد، وما جاء صدفة فالغالب أنَّه لا يطَّرد ولا يمكن أن يأتي صدفةً لكن على التنزل.
وقصة أبي حنيفة مع قومٍ دهريين زنادقة والذين سألوه عن وجود الباري وكيف أنَّه –رحمه الله- أفحمهم، فرجعوا وأسلموا، هذه القصة معروفة: د أوردها الحافظ ابن كثيرٍ في تفسير قوله تعالى ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ   ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  والتي بعدها([37]).  وقد أشار الله تعالى إلى هذا الدليل العقلي بقوله: ﭪ  ﭫ  ﭬ    ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ  [الطور].
 وأما الدليل الحسي: فهو ما نشاهده من إجابة الدعاء مثلاً فالإنسان يدعو الله ويقول: يا الله؛ فيجيب الله دعاءَه، ويكشف سوءه، ويحصل له المطلوب، إذًا هناك ربٌّ سمِع دعاءَه، وأجابه، وما أكثر ما نقرأ -نحن المسلمين- في كتاب الله أنه استجاب لأنبياء الله: ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ   ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ     ﮈ  [الأنبياء]،   ﭠ  ﭡ      ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ      ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ   ﭫ  ﭬ   ﭭ  ﭮ  ﭯ   ﭰ   ﭱﭲ    ﭼ   [الأنبياء] والآيات في هذا كثيرةٌ، والواقع يشهد بهذا.
وأما الدليل الفطري: فإن الإنسان بطبيعته إذا أصابه الضر قال: (يا الله) حتى إننا حدثنا أن بعض الكفار الموجودين الملحدين إذا أصابه الشيء المهلك بغتةً يقول على فلتات لسانه: (يا الله) من غير أنْ يشعر، لأنَّ فطرة الإنسان تدلُّه على وجود الرب U.
وأما الدليل الشرعي في هذا فحدِّث عنها ولا حرج؛ إذْ كلُّ الشرع إذا تأمله الإنسان علم أنَّ الذي أنزله وشرعه هو الرب U قال الله تعالى: ﭻ  ﭼ  ﭽﭾ  ﭿ    ﮀ      ﮁ    ﮂ  ﮃ   ﮄ  ﮅ   ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  [النساء]، فائتلاف القرآن، وعدم تناقضه، وتصديق بعضه بعضًا، كل ذلك يدل على أنَّ القرآن نزل من عند الله U، وكون هذا الدين بل كون جميع الأديان التي أنزلها الله U موافقةً تمامًا لمصالح العباد دليلٌ على أنها من عند الله U. فالدين الذي نزل على الأنبياء كله يشهد بوجود الله Uوحكمته وعلمه([38]).
  وأنَّ الربَّ جلَّ وعلا هو الذي خلق الكون كلَّه عُلوِيَّه وسفليَّه، وهو الذي يملكه لا يشاركه في ذلك أحدٌ من خلقه، وأنَّه جلَّ وعلا المدبِّر له هذا مما اتفقت عليه الأمة، والخلاف فيه لا يُعدُّ خلافًا، وقد فطر الله عبادَه على الإقرار له بذلك، وهو المسمى: توحيد الربوبية، وهذا التوحيد يرتكز على أمورٍ ثلاثةٍ؛ هي:
1.الإيمان بأنَّ الله هو خالقُ كلِّ شيءٍ لا إله إلا هو، قال تعالى: ﮂ   ﮃ  ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ        ﮉ    ﮊ       ﮋﮌ  ﮍ  ﮎ   ﮏ  غافر: ٦٢ وقال تعالى: ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ   ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  البقرة: ٢1 والآية التي بعدها.
2.أنْ يؤمن العبد بأنَّ الله تعالى هو مالك هذا الكون لا يشركه في ذلك أحدٌ؛ قال تعالى: ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ  ﯳ  ﯴ   ﯵﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾ   ﯿ  ﰀ  ﰁ  ﰂ  ﰃ  ﰄ  ﰅ  ﰆ  ﰇ  ﰈ  ﰉ   ﰊ   ﭑ  ﭒ   ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘﭙ   ﭪ  سبأ: ٢2ـ23.
3.وأنْ يؤمن بأنَّ تصريف الأمور وتدبيرها لا تكون إلا بيد الله، قال تعالى: ﯚ  ﯛ  ﯜ      ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ    ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ     ﯯﯰ   ﯱ  ﯲﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ  يونس: ٣١
      ويقول الشيخ سليمان في تقرير هذه الأمور الثلاثة في مطلع شرحه لكتاب التوحيد: «النوع الأول: توحيد الربوبية والملك، وهو الإقرار بأنَّ الله تعالى ربُّ كل شيءٍ، ومالكُه، وخالقُه، ورازقه، وأنه المحيي المميت، النافع الضار، المتفرد بإجابة الدعاء عند الاضطرار، الذي له الأمر كله، وبيده الخير كله، القادر على ما يشاء([39])  ليس له في ذلك شريك، ويدخل في ذلك: الإيمان بالقدر»([40])  ومن آمن بما سبق من الخصائص فقد آمن ووحد الله في ربوبيَّته، ويلزمه عبادتُه؛ لأنَّ المتفرِّد بالخلق والملك والتدبير وغيرها هو المستحق بالعبادة دون سواه.
      ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين: «عقيدتنا: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر: خيره وشره؛ فنؤمن بربوبية الله تعالى أي: بأنه الرب الخالق، الملك، المدبِّر لجميع الأمور»([41]) .
      وقد أنكر فرعون ربوبية الله بقوله: ﭯ  ﭰ  ﭱ       ﭲ  [الشعراء]، وإن كان إنكاره لذلك كان بسبب الجحود، وإلا فهو مستيقنٌ بوجوده في قرارة نفسه بدليل قوله تعالى:ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖﭗ  ﭝ  [النمل].

المطلب الثاني: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: معرفةُ أنَّ الله تعالى المتَّصِفُ بغاية الحسن والكمال في الأسماء والصفات والإقرار بذلك:
الإيمان بأسماء الله وصفاته:
      باب الإيمان بصفات الله من الإيمان -كغيره من الأبواب- يرتكز على نفيٍ وإثبات؛ فيُثبت لله U ما أثبته لنفسه وأثبته له رسولُه r إثباتًا بلا تمثيلٍ ولا تكييفٍ، ويُنزَّه عنه النقائص والعيوب، ومشابهة المخلوقات في السماء والصفات والأفعال تنزيهًا بلا تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا يُتجاوز القرآن والحديث، على حدِّ قول الله تعالى: ﭠ  ﭡ  ﭢ        ﭣﭤ   ﭥ     ﭦ  ﭧ  ﭨ  [الشورى]. وهذه الآية هي الميزان الذي به أهل السنة مستمسكون، وهو فقط -لا غيرُه- من أخَذ به في هذا الباب كان من الناجين، ومن تركه كان له من الضلال نصيبٌ بقدر ما تركه.
      قال شيخ الإسلام بعد التقدمة في الواسطية: «ومن (الإيمان بالله): الإيمانُ بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد r من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه: ﭠ  ﭡ  ﭢ        ﭣﭤ   ﭥ     ﭦ  ﭧ  ﭨ  ؛ فلا ينفون عنه ما وصف به نفسَه، ولا يُحرِّفون الكلمَ عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يكيفون، ولا يمثِّلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنَّه سبحانه لا سميَّ له، ولا كفؤَ له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى؛ فإنَّه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من خلقه، ثم رسله صادقون مصدوقون؛ بخلاف الذين يقولون عليه مالا يعلمون؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى: ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿ  ﰀ     ﰁ  ﰂﰃ  ﰄ   ﰅ  ﰆ  ﰇ  ﰈ  ﰉ   [الصافات]؛ فسبَّح نفسَه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلَّم على المرسلين؛ لسلامة ما قالوه من النقص والعيب، وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسَه بين النفي والإثبات؛ فلا عدول لأهل السنَّة والجماعة عما جاء به المرسلون، فإنَّه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وقد دخل في هذه الجملة ما وصف به نفسه في سورة الإخلاص ...إلخ»([42]).
      ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين: «ونؤمن بأسمائه وصفاته، أي: بأنَّ له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا. ونؤمن بوحدانيته في ذلك؛ أي: بأنَّه لا شريكَ له في ربوبيته، ولا في ألوهيته، ولا في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ   ﭘﭙ   ﭚ  ﭛ   ﭜ    ﭝ  ﭞ  [مريم]»([43]) .
      وقال أيضًا: «وكل ما ذكرناه من صفات الله تعالى تفصيلاً أو إجمالاً، إثباتًا أو نفيًا، فإننا في ذلك على كتاب ربنا، وسنة نبينا معتمدون، وعلى ما سار عليه سلف الأمة وأئمة الهدى من بعدهم سائرون. ونرى وجوب إجراء نصوص الكتاب والسنة في ذلك على ظاهرها، وحملها على حقيقتها اللائقة بالله U.
ونتبرأ من طريق المحرفين لها، الذين صرفوها إلى غير ما أراد الله بها ورسوله.
ومن طريق المعطِّلين لها، الذين عطَّلوها من مدلولها الذي أراده الله ورسوله.
ومن طريق الغالين فيها الذين حملوها على التمثيل، أو تكلفوا لِمدلولها التكييف.
ونعلم علم اليقين أن ما جاء في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه، r، فهو حق لا يناقض بعضه بعضًا لقوله تعالى: ﭻ  ﭼ  ﭽﭾ  ﭿ    ﮀ      ﮁ    ﮂ  ﮃ   ﮄ  ﮅ   ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  [النساء]، ولأنَّ التناقض في الأخبار يستلزم تكذيب بعضها بعضاً، وهذا محال في خبر الله تعالى ورسوله، r. ومن ادعى أن في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله، r، أو بينهما تناقضًا، فذلك لسوء قصده، وزيغ قلبه فليتب إلى الله ولينزع عن غيه. ومن توهَّم التناقض في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله، r، أو بينهما، فذلك إما لقلة علمه، أو قصور فهمه، أو تقصيره في التدبر، فليبحث عن العلم، وليجتهد في التدبر حتى يتبين له الحق، فإن لم يتبين له فليكل الأمر إلى عالمه وليكف عن توهمه، وليقل كما يقول الراسخون في العلم: ﯞ  ﯟ  ﯠ       ﯡ  ﯢ  ﯣﯤ  ﯪ  [آل عمران] وليعلم أنَّ الكتاب والسنة لا تناقض فيهما ولا بينهما ولا اختلاف»([44]).
       وينحصر مخالفو أهل السنة في هذا الباب في:
1-المعطِّلة؛ وهم الذين ينفون عن الله أسماءه الحسنى، وصفاته العلا، أو صفاته دون أسمائه، كلّها أو بعضها، وهم متفاوتون في التعطيل؛ فمنهم: الجهميُّ  الذي نفى عن الله جميع أسمائه([45]) وصفاته، ومنهم المعتزلي؛ الذي ينفي عن الله الصفات، ومنهم الأشعري؛ الذي لا يثبت لله إلا سبع صفات ويؤول الأخرى، ويثبت له السبع بالعقل فقط، وطريقتهم في ذلك معروفةٌ، وزاد الماتريدي إثبات صفة ثامنة، هي: صفة التكوين، أما السبعة التي اشتركت الماتريدية مع الأشاعرة في إثباتها: فهي صفة الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام. واعلم أنَّ شبهة الجميع في نفي ما أثبت الله لنفسه شبهةٌ واحدةٌ، هي: أنَّهم توهَّموا أنَّهم لو سموا أو وصفوا الله بما سمى ووصف بها نفسه / أو سماه ووصفه بها رسولُه أنَّهم بذلك شبهوه بالموجودات؛ فعطلوه عن كماله، وجنَوا على النصوص فِرارًا مما توهموه، فآل حال بعضهم إلى تشبيهه بالمعدومات، بل وبالممتنعات. والرد العام وهو الإجمالي على النفاة يكون بقواه تعالى: ﭠ  ﭥ     ﭦ  ﭧ  ﭨ  بعد قوله تعالى: ﭠ  ﭡ  ﭢ        ﭣﭤ   . أما الرد التفصيليُّ فيراعى فيه: تفاوتهم في النفي؛ فيرد على بعضهم ببعض الأوجه التي لا يرد بها على الآخرين. وليس هنا موضع بسط ذلك.
2-المشبِّهة: وهم الذين لم يعقلوا من نصوص الأسماء والصفات إلا مشابهة المخلوقات؛ إذْ إنهم قالوا: لم يخاطبنا الله إلا بما نعقل([46])؛ فله يدٌ كأيدينا، وسمعٌ كسمعنا، وعلمٌ كعلمنا، ... وهم: قدماء الرافضة([47])؛ ولهم في كتب الفرق والمقالات كلام يقبُح ذكرُه([48]) ، وغلاة الصوفية، والكرامية. وجماع الرد عليهم يكون بآيات التنزيه مثل قوله تعالى: ﭥ  ﭦ   ﭧ   ﭯ   [الأنعام] وقولهﭚ  ﭛ   ﭜ    ﭝ  ﭞ  [مريم] وقولهﭡ  ﭢ        ﭣﭤ   ﭨ  [الشورى] وقوله ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ   [الإخلاص]. وغيرها.
      يقول العلامة ابن القيِّم في بيانه أنواع الإلحاد التي أمر الله مجانبة أصحابها، وأنهم سيحصدون ما زرعوا، قال رحمه الله تعالى: «ورابعها: تعطيل الأسماء عن معانيها، وجحد حقائقها؛ كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم: إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني؛ فيطلقون عليه اسم (السميع، والبصير، والحيِّ، والرحيم، والمتكلم، والمريد) ويقولون: لا حياة له، ولا سمع، ولا بصر، ولا كلام، ولا إرادة تقوم به، وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلاً وشرعاً ولغةً وفطرةً، وهو يقابل إلحاد المشركين؛ فإنَّ أولئك أعطوا أسماءه وصفاته لآلهتهم، وهؤلاء سلبوه صفات كماله وجحدوها وعطلوها، فكلاهما ملحِدٌ في أسمائه، ثم الجهمية وفروخهم متفاوتون في هذا الإلحاد فمنهم: الغالي، والمتوسط، والمنكوب. وكل من جحد شيئًا عما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله؛ فقد ألحد في ذلك فليستقل أو ليستكثر. وخامسها: تشبيه صفاته بصفات خلقه تعالى الله عما يقول المشبهون علوًّا كبيرًا. فهذا الإلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة؛ فإنَّ أولئك نفوا صفة كماله وجحدوها، وهؤلاء شبَّهوها بصفات خلقه، فجمعهم الإلحاد وتفرقت بهم طرقه. وبرَّأ الله أتباع رسوله وورثته، القائمين بسنته عن ذلك كله؛ فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه، ولم يجحدوا صفاته، ولم يشبهوها بصفات خلقه، ولم يعدلوا بها عما أنزلت عليه لفظًا ولا معنىً، بل أثبتوا له الأسماء والصفات، ونفوا عنه مشابهة المخلوقات؛ فكان إثباتُهم بريئًا من التشبيه، وتنزيهُهم خلياًّّ من التعطيل، لا كمن شبَّه حتى كأنَّه يعبد صنَمًا، أو عطَّل حتى كأنَّه لا يعبد إلا عدمًا. وأهل السنة وسطٌ في النحل، كما أن أهل الإسلام وسطٌ في الملل توقد مصابيح معارفهم ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ   ﯢ  ﯣ  ﯤ   ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ   ﯪ   ﯫ  ﯬﯭ   ﯮ  ﯯ  ﯰﯱ  ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ     ﯻﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿ  ﰀ  ﰁ  [النور: ٣٥] فنسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره، ويسهّل لنا السبيل إلى الوصول إلى مرضاته ومتابعة رسوله، إنه قريبٌ مجيبٌ» ([49]).
وقد قال في بيان انقسام الناس في نصوص الوحي إلى أصحاب تأويل، وأصحاب تخييل، وأصحاب تجهيل، وأصحاب تمثيل، وأصحاب سواء السبيل: «... الصنف الرابع وهم أصحاب التشبيه والتمثيل؛ ففهموا منها مثل ما للمخلوقين وظنوا أن لا حقيقة لها سوى ذلك، وقالوا محال أن يخاطبنا الله سبحانه بما لا نعقله، ثم يقول: ﮔ  ﮕ  ﮖ  [البقرة] ﯾ  ﯿ  ﰀ   [البقرة] ﭶ   ﭷ  ﭻ  [ص]، ونظائر ذلك، وهؤلاء هم: المشبهة. ... وهدى الله أصحاب سواء السبيل للطريقة المثلى؛ فلم يتلوثوا بشيءٍ من أوضار هذه الفرق وأدناسها، وأثبتوا لله حقائق الأسماء والصفات، ونفوا عنه مماثلة المخلوقات؛ فكان مذهبهم مذهبًا بين مذهبين، وهدى بين ضلالتين؛ خرج من بين مذاهب المعطلين، والمخيلين، والمجهلين، والمشبهين؛ كما خرج اللبن ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ   [النحل] وقالوا: نصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير تحريفٍ، ولا تعطيلٍ، ومن غير تشبيهٍ، ولا تمثيلٍ، بل طريقتنا: إثباتُ حقائق الأسماء والصفات ونفي مشابهة المخلوقات؛ فلا نعطل، ولا نؤول، ولا نمثل، ولا نجهل، ولا نقول: ليس لله يدان، ولا وجهٌ، ولا سمعٌ، ولا بصرٌ، ولا حياةٌ، ولا قدرةٌ، ولا استوى على عرشه، ولا نقول: له يدان كأيدي المخلوق، ووجه كوجوههم، وسمع وبصر وحياة وقدرة واستوى كأسماعهم، وأبصارهم، وقدرتهم، واستوائهم؛ بل نقول: له ذات حقيقة ليست كالذوات، وله صفات حقيقة لا مجازاً ليست كصفات المخلوقين، وكذلك قولنا في وجهه تبارك وتعالى، ويديه، وسمعه، وبصره، وكلامه، واستوائه، ولا يمنعنا ذلك أن نفهم المراد من تلك الصفات وحقائقها، كما لم يمنع ذلك من أثبت لله شيئاً من صفات الكمال من فهم معنى الصفة وتحقيقها؛ فإنَّ من أثبت له سبحانه السمع، والبصر، أثبتهما حقيقةً وفهم معناهما؛ فهكذا سائر صفاته المقدسة؛ يجب أن تجري هذا المجرى، وإن كان لا سبيل لنا إلى معرفة كنهها وكيفيتها؛ فإنَّ الله سبحانه لم يكلف عباده بذلك، ولا أراده منهم، ولم يجعل لهم إليه سبيلاً بل كثيرٌ من مخلوقاته، أو أكثرها لم يجعل لهم سبيلاً إلى معرفة كنهه وكيفيته؛ وهذه أرواحهم التي هي أدنى إليهم من كل دانٍ، قد حجب عنهم معرفة كنهها وكيفيتها، وجعل لهم السبيل إلى معرفتها والتمييز بينها وبين أرواح البهائم...»([50]).
      وقال في بيان وسطية أهل السنة في هذا الباب بين المعطلة والمشبهة : «قوله: (وهي على ثلاثة أركان: إثبات الصفة من غير تشبيهٍ إلى آخرها.  هذه ثلاثة أشياء: أحدها: إثبات تلك الصفة فلا يعاملها بالنفي والإنكار. الثاني: أنه لا يتعدى بها اسمها الخاص الذي سماها الله به، بل يحترم الاسم كما يحترم الصفة، فلا يعطل الصفة، ولا يغير اسمها، ويعيرها اسمًا آخر كما تسمي الجهمية والمعطلة سمعه، وبصره، وقدرته، وحياته، وكلامه: أعراضًا، ويسمون وجهه، ويديه، وقدمه سبحانه: جوارح وأبعاضًا، ويسمون حكمته، وغاية فعله المطلوبة: عللاً وأغراضاً، ويسمون أفعاله القائمة به: حوادث، ويسمون علوه على خلقه، واستواءه على عرشه: تحيراً، ويتواصون بهذا المكر الكبار إلى نفي ما دل عليه الوحي، والعقل، والفطرة، وآثار الصنعة من صفاته؛ فيسطون بهذه الأسماء التي سموها هم وآباؤهم على نفي صفاته، وحقائق أسمائه. الثالث: عدم تشبيهها بما للمخلوق فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله؛ فالعارفون به المصدقون لرسله، المقرون بكماله يثبتون له الأسماء والصفات، وينفون عنه مشابهة المخلوقات فيجمعون بين الإثبات ونفي التشبيه، وبين التنزيه وعدم التعطيل؛ فمذهبهم حسنةٌ بين سيئتين، وهدى بين ضلالتين؛ فصراطهم صراط المنعَم عليهم، وصراط غيرهم صراط المغضوب عليهم والضالين، قال الإمام أحمد رحمه الله: "لا نزيل عن الله صفةً من صفاته لأجل شناعة المشنِّعين" وقال: "التشبيه: أن تقول يد كيدي، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا»([51]).

المطلب الثالث: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: معرفةُ أنَّ الله وحده المتفرِّدُ بالإلهية على خلقِه أجمعين (توحيد الألوهية والعبادة)، والعمل بذلك:
الإيمان بألوهية الله U دون سواه:
      الإيمان بهذا النوع من التوحيد يكمن في اعتقاد أنَّه لا يستحق العبادة أحدٌ غير الله U، فكما أنَّه المتفرِّد بالخلق والرَّزق والإحياء والإماتة، والإعطاء والمنع، والضر والنفع؛ فإنَّه تعالى المتفرِّد باستحقاق العبادة، ولا إلهَ غيرُه؛ قال تعالى: ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ      ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ   ﯙ     ﯚ   الحج: ٦٢، وهذا التوحيد هو إفراد الله بأفعال العباد، مثل الصلاة والصيام والدعاء والخوف والرجاء والذبح والنذر، والاستعانة والاستغاثة والاستعاذة، والإنابة، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها([52]). وهذه وغيرها لا يجوز أنْ يصرف منها شيءٌ لغير الله كائنًا من كان.
      يقول الشيخ سليمان رحمه الله: «النوع الثالث: توحيد الإلهية المبني على إخلاص التألُّه لله تعالى؛ من المحبة، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والدعاء لله وحده، وينبني على ذلك إخلاص العبادات كلها؛ ظاهرها وباطنها لله وحده لا شريك له، لا يَجعلْ فيها شيئًا لغيره؛ لا لملكٍ مقرَّبٍ، ولا لنبيٍّ مُرسلٍ؛ فضلاً عن غيرهما، وهذا التوحيد هو الذي تضمنَّه قوله تعالى:ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ  الفاتحة: ٥ ...»([53]).
 وقال الحكميُّ رحمه الله: «الإيمان بالله: الأول منها: إيماننا بالله بإلهيته وربوبيته؛ لا شريك له في الملك، ولا منازع له فيه، ولا إلهَ غيرُه، ولا ربَّ سواه، واحدٌ، أحدٌ، فردٌ، صمدٌ، لم يتخذ صاحبةً، ولا ولدًا،   ﯴ  ﯵ   ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ  ولا ضدَّ له، ولا ندَّ، ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ   ذي الجلال، ذي العظمة والكبرياء، الذي هو أهل أن يُجلَّ فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكَر فلا يكفر، ويُوحَّد فلا يشرك معه غيرُه، ولا يولى إلا هو»([54]). ثم استدل لما قال.
      ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في ذكر ما به يحصل (الإيمان بالله): «ثالثًا: الإيمان بألوهيته: وهو أن يؤمن الإنسان بأنه سبحانه هو الإله الحق، وأنه لا يشاركه أحد في هذا الحق لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولهذا كانت دعوة الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم هي الدعوة إلى قول: (لا إله إلا الله) ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ   ﭚ   ﭛ   ﭜ        ﭝ  ﭞ   ﭟ  ﭠ  [الأنبياء]  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ   ﭽ  ﭾﭿ    ﮒ  [النحل] لو أن أحدًا آمن بوجود الله، وآمن بربوبية الله، ولكنه يعبد مع الله غيره فلا يكون مؤمنًا بالله حتى يفرده سبحانه بالألوهية»([55]) .
 وقال أيضًا: «ونؤمن بألوهية الله تعالى، أي: بأنَّه الإله الحق، وكل معبود سواه باطلٌ»([56]).

المبحث الثاني: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: معرفةُ أنَّ لله ملائكة لا يعلَم عددهم إلا هو، يُسبِّحون الليل والنهارَ لا يفترون:
بِمَ يتحقق الإيمان بالملائكة:
      ينتظم الإيمان بالملائكة في التصديق والإقرار الإيمان بأنَّهم موجودون، وأنَّهم عباد مكرمون كما وصفهم ربُّهم ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ   ﭰ  ﭱ  ﭲ  [الأنبياء]، ونؤمن بأسماء من عرفنا اسمه، وبصفات من عرفنا صفته، وبأعمال من عرفنا عمله منهم إجمالاً فيما أجمل، وتفصيلاً فيما فُصِّل، ولا يعلم عددهم إلا الله، قال تعالى: ﮊ  ﮋ  ﮌ       ﮍ  ﮎ     ﮏﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ    ﮕ   ﮖ  ﮗ       ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟﮠ   ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ   ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓﯔ  ﯕ     ﯖ  ﯗ  ﯘ  ﯙ  ﯚ   ﯛ  ﯜﯝ  ﯞ  ﯟ      ﯠ  ﯡ  ﯢ        ﯣﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ     ﯨ  ﯩ            ﯪ  [المدثر]، خلقهم الله من نورٍ، وخلق آدم مما وُصف لنا، كما في الحديث، يقول الحكمي رحمه الله: «والثاني: الإيمان بالملائكة الذين هم عباد الله المكرمون، والسفرة بينه تعالى وبين رسله عليهم الصلاة والسلام، الكرام خلقاً، والكرام على الله تعالى، البررة الطاهرين ذاتاً صفة وأفعالاً، المطيعين لله عز وجل، وهم عباد من عباد الله U، خلقهم الله تعالى من النور لعبادته، ليسوا بناتاً لله عز وجل، ولا أولاداً، ولا شركاء معه، ولا أنداداً، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون والملحدون علواً كبيرًا»ثم أورد أدلة على كل ما قاله.([57])
      ولقد قال الشيخ عبد المحسن حفظه الله: «الثانية: الإيمان بالملائكة هو الإيمان بأنهم خلق من خلق الله, خلقوا من نور, والملائكة منهم الموكلون بالوحي, والموكلون بالقطر, والموكلون بالموت, والموكلون بالأرحام, والموكلون بالجنة, والموكلون بالنار, والموكلون بغير ذلك, وكلهم مستسلمون منقادون لأمر الله,    ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  [التحريم], وقد سُمِّي منهم في الكتاب والسنة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ومالك، ومنكر، ونكير, والواجب الإيمان بمن سمِّيَ منهم، ومن لم يسم, والواجب أيضاً الإيمان والتصديق بكلِّ ما جاء في الكتاب العزيز، وصحَّت به السنةُ من أخبار عن الملائكة» ([58]).
 وأضيف هنا شيئًا مختصرًا مما ذكره الحكمي عن الملائكة وخصائصهم فأقول:
      إنَّ منهم: الموكل بالصور: ينفخ فيه ثلاث نفخات بأمر ربه عز وجل الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة: نفخة القيام لرب العالمين.
      وعن ملك الموت وأعوانه: ومنهم الموكل بقبض الأرواح وهو ملك الموت، وأعوانه، وأنهم يأتون العبد بحسب عمله؛ إن كان محسناً ففي أحسن هيئة وأجمل صورة، بأعظم بشارةٍ، وإن كان مسيئاً ففي أشنع هيئة، وأفظع منظرٍ، بأغلظ وعيدٍ، ثم يسوقون الروح حتى إذا بلغت الحلقوم، قبضها ملك الموت فلا يدعونها في يده بل يضعونها في أكفانٍ وحنوطٍ يليق بها.
 قال تعالى: ﯼ  ﯽ    ﯾ  ﯿ  ﰀ  ﰁ  ﰂ  ﰃ  ﰄ  ﰅ  ﰆ  ﰇ   [السجدة] وقال تعالى ﭩ  ﭪ    ﭫ  ﭬﭭ   ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ     ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  [الأنعام].
      ومنهم: الموكل بحفظ العبد في حله وارتحاله وفي نومه ويقظته وفي كل حالاته؛ وهم المعقبات، روى البخاري ومسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو اعلم بهم فيقول كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون واتيناهم وهم يصلون)) ([59]) . وقال مجاهد: (( ما من عبد إلا له ملك موكل في نومه ويقظته من الجن، والإنس، والهوام، فما منها شئ يأتيه إلا قال له الملك: وراءك إلا شيء أذن الله فيه فيصيبه))([60]) .
    ومنهم المبشِّرون للمؤمنين عند وفياتهم وفي يوم القيامة كما قال تعالى: ﭑ   ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ    ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ    ﭡ  ﭢ           ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ      ﭩ  ﭪ  ﭫﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ    ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ   ﭽ ﭷ  ﭸ  ﭹ    ﭺ  ﭻ   [فصلت].
      ومنهم: الموكلون بالنطفة في الرحم؛ كما في حديث ابن مسعود t قال حدثنا رسول الله r وهو الصادق المصدوق، إنَّ أحدكم يُجمع خلقُه في بطن أمه أربعين يوماً نطفةً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك؛ فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلماتٍ بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي، أو سعيد)([61])  الحديث.
      ومنهم: ملائكة سياحون يتبعون مجالس الذكر؛فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله عز وجل تنادوا هلموا إلى حاجتكم؛ فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا؛ فيسألهم ربُّهم عز وجل، وهو أعلم بهم منهم، ما يقول عبادي؟ قالوا: يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك؛ وعن أبي هريرة t أنَّ النبيَّ r قال (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم الا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله في من عنده) الحديث بطوله في الصحيح([62]).
      ومنهم: ملائكة صفوف لا يفترون، وقيام لا يركعون، وركَّع وسجَّد لا يرفعون، ومنهم غير ذلك، ﯞ  ﯟ      ﯠ  ﯡ  ﯢ        ﯣﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ     ﯨ  ﯩ            ﯪ  [المدثر]،  
      روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي ذر رضي الله عنه قال:   قال رسول الله r (إني أرى مالا ترون واسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئطَّ، ما فيها موضعُ أربع أصابع إلا عليه ملك واضع جبهته ساجدًا لله، لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا، ولما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله)([63]). وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله r ما في السماء الدنيا موضع الا عليه ملك ساجد أو قائم وذلك قول الملائكة وما منا الا له مقام معلوم المسبحون عنها قالت قال رسول الله r ما في السماء الدنيا ساجد أو قائم وذلك قول الملائكة ﮉ  ﮊ   ﮋ        ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ   ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ   ﮔ  ﮕ  ﮖ   ﮗ  ([64])  [الصافات] .
      فالإيمان بالملائكة –كما يقوله العلماء- لا يتحقق إلا بالأمور الأربعة الآتية:
1.    الإيمان بوجودهم على الصفة التي وصفوا بها؛ فمن أنكر وجودهم بحجة أنَّه لم يرَهم فإنه لم يكن ممن آمن بهم.
2.  الإيمان بأسماء مَن ذُكرت أسماؤهم في الكتاب والسنة؛ وقد كان النبي r يقول: ( "اللهم رب جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" من حديث عائشة رضي الله عنها([65]).
3.  الإيمان بأوصاف من جاء وصفه في الكتاب أو السنة؛ كجبريل الذي له ست مائة جناحٍ، عن ابن مسعود t أن النبي r رأى جبريل له ستمائة جناح) متفق عليه، واللفظ لمسلم([66]).
4.         الإيمان بأعمال من علمنا أعمالهم في الكتاب أو في السنة؛ فمنهم مَن كان موكلا بالنار، قال تعالى:   ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ   ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  [التحريم]،   ﮧ  ﮨ  ﮩ    ﮪ     ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ   ﯔ  ﯕ  ﯖ  [الأنبياء] .


المبحث الثالث: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: معرفةُ أنَّ الله أنزل كُتُبًا لهداية الخلق، أعظمها القرآن المهيمن على ما قبله والإقرار بذلك:

الإيمانُ بكُتُب الله تعالى السابقة للقرآن جُملة وتفصيلا:
      الإيمان بالكتب المنزلة السابقة يتلخص في الإيمان: «بِما سَمى الله مِن كتبه في كتابه؛ مِن التوراة والإنجيل والزبور خاصة، وتُؤمِن بأنَّ لله سوى ذلك كتبًا أنزلَها على أنبيائه لا يَعرف أسْماءَها وعددَها إلا الذي أنزلها، وتُؤمن بالفرقان؛ وإيمانُك به غير إيْمانِك بسائر الكتب، إيمانُك بغيره مِن الكتب: إقرارُك به بالقلب واللسان، وإيمانك بالفرقان: إقرارك به، واتباعُك بِما فيه». كما تقدم عن المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة.
      فيجب الإيمان بكتب الله المُنزَّلة على رسله عليهم السلام، المُطهَّرة من الكذب، والزور، ومن كل باطلٍ، ومن كل ما لا يليق بها؛ بدليل قوله تعالى: ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ   ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ      ﭭ  ﭮ  ﭯ   ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ   ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ   [البقرة]، وقوله:  ﯱ  ﯲ  ﯳ    ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷﯸ    ﰑ   [الشورى]، وقوله تعالى: ﯤ  ﯥ   ﯦ  ﯧ     ﯨ     ﯩﯪ  ﯫ  ﯬ   ﯭ  ﯮ    ﯯ  [التغابن] وقال تعالى: ﮋ  ﮌ   ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑﮒ  ﮓ  ﮔ     ﮕ  [غافر] .
      أما معنى (الإيمان بالكتب)؛ فبالتصديق الجازم بأنَّ هذه الكتب كلّها منزلٌ من عند الله U على رسله إلى عباده بالحق المبين، والهدى المستبين، وأنها كلامُ الله U لا كلام غيره، وأنَّ الله تعالى تكلَّم بها حقيقةً كما شاء وعلى الوجه الذي أراد؛ فمنها المسموع منه من وراء حجاب بدون واسطةٍ، ومنها ما يسمعه الرسول الملكي؛ ويأمره بتبليغه منه إلى الرسول البشري؛ كما قال تعالى:   ﯹ  ﯺ          ﯻ   ﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿ    ﰀ  ﰁ  ﰂ  ﰃ  ﰄ  ﰅ  ﰆ   ﰇ  ﰈ  ﰉ   ﰊ  ﰋﰌ  ﰍ     ﰎ  ﰏ  ﰐ   [الشورى].
      ومن الأدلة على أنَّها كلام الله قوله تعالى: ﭹ  ﭺ  ﭻ   ﭼ  ﭽ  [النساء]، وقوله: ﯦ  ﯧ   ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ   ﯮ  ﯯ  ﯹ   [التوبة]، وقوله تعالى: ﮓ  ﮔ   ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ    ﮛ  ﮜ  ﮥ  [النحل].
       ومن الكتب ما خطه الله U بيده، كما في حديث الشفاعة.
      والإيمان بكل ما فيها من الشرائع وأنَّه كان واجبًا على الأمم الذين نزلت إليهم الصحف الأولى: الانقيادُ لها، والحكمُ بما فيها؛ لآيات المائدة من قوله: ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ   ﮅ  ﮆﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ     ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮭ  [المائدة] إلى قوله ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝ   ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ   ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫﯬ    ﯽ  .
      وإن جميع هذه الكتب يُصدق بعضها بعضا؛ لا يُكذِّبه؛ فالإنجيل قب التحريف مصدِّقٌ لما بين يديه من التوراة، والقرآن مصدِّق لما بين يديه من الكتاب، ومهيمنٌ عليه.
وكلُّ من كذَّب بشيءٍ منها، أو أبى عن الانقياد لها مع تعلق خطابه به يكفر بذلك،
      ونسخُ الكتب الأولى بعضها ببعض حق كما نسخ بعض شرائع التوراة، وكما نُسخ كثيرٌ من شرائع التوراة، والإنجيل، والقرآن، وإنَّ نسخ القرآن بعض آياته ببعض حق كما قال تعالى: ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ  ﭛ  ﭜﭝ   ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ     ﭤ  ﭥ  ﭦ  [البقرة] وقال تعالى: ﯜ  ﯝ   ﯞ  ﯟ  ﯠﯡ  ﯢ  ﯣ   ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩﯪ  ﯫ  ﯬ    ﯭ  ﯮ   ﯯ  [النحل] والناسخ والمنسوخ آيات مشهورات مذكورات في مواضعها من كتب التفسير وغيرها.
      قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين بعد ما ذكر أنَّ ما صحَّ من أخبار الكتب السابقة يجب علينا أنْ نقبله بدون تفصيلٍ، ومثَّل له بأنْ (لا تزر وازرة وزر أخرى ) و(بل تؤثرون الحياة الدنيا)، قال رحمه الله: (( هذا بالنسبة للأخبار، أما بالنسبة للأحكام -أي ما في الكتب المنزلة من الأحكام- ففيه تفصيل: فما كان في القرآن فإنه يلزمنا التعبد به، وما كان في الكتب السابقة نظرنا إن كان مخالفًا لشريعتنا فإننا لا نعمل به؛ لا لأنه باطل، بل هو حق في زمنه، ولكننا لا يلزمنا العمل به؛ لأنه نُسخ بشريعتنا، وإن وافق شريعتنا فإننا نعمل به؛ لأن شريعتنا أقرتْه وشرعته، وما لم يكن في شرعنا خلافه ولا وِفاقه فإنَّ العلماء قد اختلفوا في ذلك فمنهم مَن قال: هو شرع لنا. ومنهم من قال: ليس بشرع لنا))([67]) .
      والإيمان بالكتب يجب أن يكون إجمالاً فيما أُجملَ، وتفصيلاً فيما فُصِّل؛ إذْ إنَّ الله قد أخبر عن التنزيل على رسله مجملاً، وأمر بالإيمان بها في نحو قوله:   ﮁ  ﮂ  ﮃ   ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊﮋ   ﮘ  [النساء]  وقوله: ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ   ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ      ﭭ  ﭮ  ﭯ   ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ   ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ   [البقرة]، وقال تعالى:  ﯱ  ﯲ  ﯳ    ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷﯸ    ﰑ   [الشورى].
فنحن نقول كما أمرنا ربنا U: (آمنا بما أنزل الله من كتاب، وما أرسل من رسولٍ).
      وتفصيلاً فيما فُصِّل، إذْ قد سمَّى الله تعالى بعضًا من كتبه وأنزلها على بعض رسله، فسمَّى:
1.        التوراة؛ التي أنزلها على موسى، قال تعالى: ﭠ   ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ    ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰﭱ  ﭲ   ﭳ   ﭴ  ﭵ  [الأعراف]. وقال تعالى: ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ   ﮅ  ﮆﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮍ     ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ                  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘﮙ  ﮭ  [المائدة].
2.        والإنجيل؛ أنزله على عيسى، قال تعالى: ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ   ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ  ﭛ   ﭜﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ   ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  [المائدة] وقال تعالى: ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ  ﭛ       ﭜ    ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ    ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨﭩ  ﭪ   ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ    ﭰ  ﭱ  [الصف].
3.     والزبور المنزل على داود؛ قال تعالى: ﭩ   ﭪ  ﭫ([68])  ﭬ  ﭭ  [النساء].
4.     والصحف لإبراهيم وموسى([69])  عليهما السلام؛ قال تعالى: ﭠ  ﭡ      ﭢ  ﭣ  [الأعلى].
5.         وأنزل الله القران على محمد r، قال تعالى: ﮘ   ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ   ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣﮤ  ﯨ  [البقرة]، وقال تعالى: ﭿ  ﮀ     ﮁ   ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ   ﮊﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ   ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞﮟ   ﯙ  المائدة: ٤٨  
        وأمرنا بأن نؤمن ونأخذ بجميع ما في القرآن والسنة فقال: ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ   ﮥ    ﮦ  ﮧﮨ  ﮩ  ﮪﮫ  ﮬ     ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ   الحشر: ٧ وأنَّ الراسخين في العلم     ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ       ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯪ  آل عمران: ٧. وهنا أتطرق إلى المسألة القادمة تحت عنوان:
الإيمان بالقرآن الكريم جملة وتفصيلا، والعمل بمقتضاه:
      فنحن مأمورون بالإيمان بالقرآن؛ مُحكمه ومتشابهه، والعمل بمحكمه، وبتحليل حلاله، وتحريم حرامه، والأخذ بأمره ونهيه، والاعتبار بقصصه وعِظاته، يقول العلامة حافظ حكمي: (( فلا بد في الإيمان به؛ من امتثال أوامره، واجتناب مناهيه، وتحليل حلاله، وتحريم حرامه، والاعتبار بأمثاله، والاتعاظ بقصصه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، والوقوف عند حدوده، وتلاوته آناء الليل والنهار، والذبِّ عنه لتحريف الغاليين، وانتحال المبطلين، والنصيحة له ظاهراً وباطناً بجميع معانيها نسأل الله تعالى أن يرزقنا كلَّ ذلك، ويوفِّقنا له، ويعيننا عليه، ويثبتنا به، وجميع إخواننا المسلمين إنه ولي التوفيق))([70]).
      والقرآن لا يأتي كتابٌ بعده، ولا مغيِّر ولا مُبدِّل لشيءٍ من شرائعه بعده، وأنَّه ليس لأحدٍ الخروجُ عن شيءٍ من أحكامه، وإنَّ من كذَب بشيءٍ منه من الأمم الأولى فقد كذب بكتابه، كما أنَّ من كذَّب بما أخبر عنه القرآن من الكتب؛ فقد كذَّب به، وإنَّ من اتبع غيرَ سبيله ولم يقتف أثره ضلَّ.
      ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية كلام المروزي المتقدم فقال:((وأما قوله (وكتبه) فأنْ تؤمن بما سمى الله من كتبه في كتابه من التوراة والإنجيل والزبور خاصة، وتؤمن بأن لله سوى ذلك كتباً أنزلها على أنبيائه لا يعرف أسماءها وعددها إلا الذي أنزلها، وتؤمن بالفرقان وإيمانك به غير إيمانك بسائر الكتب؛ إيمانك بغيره من الكتب: إقرارك به بالقلب، واللسان، وإيمانك بالفرقان: إقرارُك به، واتباعك ما فيه))([71])  .
      وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرح حديث جبريل: ((كيف نؤمن بالكتب؟
الإيمان بالكتب: أن نؤمن بما علمنا اسمه باسمه، والذي علمنا اسمه من هذه الكتب: القرآن، والتوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، وصحف موسى -إن قلنا إنها غير التوراة- وما لم نعلم اسمه نؤمن به إجمالاً، لأن الله تعالى لا يضيع خلقه بل سينزل عليهم الكتب ليبين لهم الحق، هذا من حيث الإيمان بالكتب. أما من حيث قبول ما جاء فيها من خبر، فيجب أن نقبل كل ما جاء في هذه الكتب من الخبر، ولكن لا يعني أن نقبل كل خبر فيها الآن، لأنها دخلها التحريف والتغيير والتبديل، لكن نقول: إننا نؤمن بكل خبر جاء في التوراة، أو في الإنجيل، أو في الزبور، أو في صحف إبراهيم))([72]).
      وقال الشيخ عبد المحسن حفظه الله في شرح الحديث: ((الثالثة: الإيمان بالكتب التصديق والإقرار بكل كتاب أنزله الله علي رسول من رسله, واعتقاد أنها حق, وأنها منزلة غير مخلوقة, وأنها مشتملة على ما فيه سعادة من أنزلت إليهم, وأنَّ مَن أخذ بها سلم وظفر, ومن أعرض عنها خاب وخسر, ومن هذه الكتب ما سمي في القرآن, ومنها ما لم يُسم, والذي سمي منها في القرآن التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم و موسي, وقد جاء ذكر صحف إبراهيم وموسي في موضعين من القرآن, في سورتي النجم والأعلى, وزبور داود جاء في القرآن في موضعين, في النساء والإسراء, قال الله U فيهما: ﴿وءاتينا داود زبورً﴾ وأما التوراة والإنجيل فقد جاء ذكرهما في كثير من سور القرآن, وأكثرهما ذكرا: التوراة؛ فلم يذكر في القرآن رسول مثل ما ذكر موسى, ولم يذكر فيه كتاب مثل ما ذكر كتاب موسى, ويأتي ذكره بلفظ "التوراة" و"الكتاب" و"الفرقان" و"الضياء" و"الذكر"))([73]).
      والكتب السابقة دخلتها أيدي التحريف والعبث بشهادة القرآن في غير ما آية، أما القرآن فتكفل الله بحفظه.
      والحاصل: أنَّ القرآن هو كلام الله تعالى المنزل على رسوله محمدٍ r، المتعبَّد بتلاوته([74]). وهذا الكتاب مهيمن وناسخٌ للكتب قبله، كما يجب الإيمان به والعمل بما فيه.

المبحث الرابع: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: المعرفة والإقرار بأنَّ الله أرسلَ رسلا للبشارة والنذراة، خاتمهم محمدٌ r:
الإيمان برسل الله السابقين جُملة وتفصيلا:
      الرسل جمع رسول، والرسول -على القول المختار- هو الرجل المُوحى إليه من الله بشرعٍ، المُنزَل عليه شريعة جديدة، المرسَل إلى قوم خالفوه في العقيدة. والنبيُّ أوحي إليه بأن يُبلِّغ رسالة وشريعة سابقة، أو لم يُؤمر بالتبليغ في وقتٍ ما. ولعلَّ هذا هو التحقيق في مسألة الفرق بين الرسول والنبيِّ. أوْ يقال: يُطلق على الرسول: النبيّ، والعكس. أما ما اشتهر من أنَّ النبيَّ أُوحي إليه ولم يُؤمر بالتبليغ كما عند الجمهور؛ فبعض الأدلة تدل على عدم صحته؛ قال تعالى: ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ   ﮅ  ﮆﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ  ﮭ  [المائدة]؛ إذْ تدل الآية على أنَّ أنبياء بني إسرائيل من بعد موسى يحكمون بالتوراة، ويدعون إليها، وقال تعالى: ﮝ  ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ   ﮢ  ﮣ  [الزخرف]، والله تعالى أخذ على الذين أوتوا العلم والكتاب البيان والتبليغ؛ فكيف بالأنبياء؟ قال سبحانه: ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ       ﭚ  ﭛ    ﭧ  [آل عمران] وقد وُصف جمعٌ من المرسلين بأنَّه نبيٌّ رسولٌ؛ قال تعالى في موسى: ﰌ      ﰍ  ﰎ  ﰏﰐ  ﰑ  ﰒ             ﰓ  ﰔ  ﰕ  ﰖ  ﰗ   [مريم]،  وقال في إسماعيل:  ﭽ ﭡ   ﭢ  ﭣ  ﭤﭥ  ﭦ      ﭧ             ﭨ  ﭩ   ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ  [مريم]، فهذا يكون إشكالاً على القول المختار في الفرق بين النبيِّ والرسول، إلا أنَّه يزول ذلك الإشكال بأحد شيئين: هما:
1.      التقييد -في النبيِّ- بأنَّه (لم يُؤمر بالتبليغ في وقتٍ ما)، ثم أُمر؛ فالنبيُّ r لم يُؤْمَر بالتبليغ يوم ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ، ثم أُمر به يوم (ﮯ   ﮰ      ﮱ  . وبهذا يسْلم القولُ: بأنَّ النبيَّ لم يُؤْمر في وقتٍ ما، أو هو الذي أُمر أنْ يُبلِّغ شريعة ورسالة سابقة.
2.   أو يقال: إنَّه يُطلق على الرسول: النبيّ، وعلى النبيِّ: الرسول([75]).
      وأما المراد بـ(الإيمان بالرسل) فهو: التصديق والإقرار الجازم بأنّهم مبتعَثون من عند الله لدعوة الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر عما يُعبد من دون الله كائناً ما كان، يقول الشيخ الحكمي: «ومعنى الإيمان بالرسل: هو التصديق الجازم بأنَّ الله تعالى بعث في كلِّ أمةٍ رسولاً يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بما يُعبد من دونه، وأن جَميعَهم صادقُون مصدَّقون، بارّون، راشدون، كرامٌ بررةٌ، أتقياءُ، أمناءُ، هداةٌ، مهتدون، وبالبراهين الظاهرة والآيات الباهرة من ربهم مؤيَّدون، وأنَّهم بلَّغوا جَميع ما أرسلهم الله به؛ لم يكتموا منه حرفًا، ولم يُغيِّروه ولم يزيدوا فيه من عند أنفسهم حرفًا، ولم ينقصوه، ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ   ﭳ  [النحل]. وأنَّهم كلَّهم كانوا على الحق المبين، والهدى المستبين، وأنَّ الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلاً، واتخذ محمدًا خليلاً وكلَّم موسى تكليمًا، ورفع إدريس مكانًا عليًّا، وأنَّ عيسى عبدُ الله ورسولُه، وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، وأنَّ الله تعالى فضَّل بعضَهم على بعض درجاتٍ. وقد اتفقت دعوتهم من أولهم إلى آخرهم في أصل الدين: وهو توحيد الله عز وجل؛ بإلهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، ونفيِ ما يُضادُّ ذلك أو ينافي كمالَه ...
وأما فروع الشرائع من الفرائض، والحلال والحرام؛ فقد تختلف؛ فيُفرَض على هؤلاء ما لا يُفرض على هؤلاء، ويُخفف على هؤلاء ما شُدِّد على أولئك، ويُحرَّم على أمة ما يحلُّ للأخرى، وبالعكس؛ لحكمةٍ بالغةٍ، وغايةٍ محمودةٍ قضاها ربُّنا U:   ﰒ        ﰓ  ﰔ    ﰕﰞ   [الأنعام]   ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳﭴ  ﮄ  [هود] »([76]) .
      وينقل شيخ الإسلام ابن تيمية كلام المروزي الذي صدَّرت به البحث فيقول: «وأما قوله (ورسله) فأنْ تؤمن بما سمى الله في كتابه من رسله، وتؤمن بأنَّ لله سواهم رسلاً وأنبياء لا يَعلم أسماءَهم إلا الذي أرسلهم، وتؤمن بمحمدٍ؛ وإيمانك به غير إيمانك بسائر الرسل. إيمانك بسائر الرسل: إقرارك بهم. وإيمانك بمحمد: إقرارك به، وتصديقك إياه، دائباً على ما جاء به؛ فإذا اتبعت ما جاء به أديت الفرائض، وأحللتَ الحلال، وحرمتَ الحرام، ووقفت عند الشبهات، وسارعت في الخيرات»([77]).
      ويقول الشيخ العثيمين رحمه الله: «الإيمان بالرسل أن نؤمن بأسماء من علمنا اسمه منهم، وأن نؤمن بكل خبر أخبروا به، وأن نؤمن بأنهم صادقون فيما قالوه من الرسالة، أما من لم نعرف اسمه منهم فنؤمن به إجمالاً، فإننا لم نعرف أسماء جميع الرسل لقوله تعالى: ﴿   ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ   ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞﭟ    ﭳ  ([78])  [غافر].
      ويقول الشيخ عبد المحسن حفظه الله: «الرابعة: الإيمان بالرسل التصديق والإقرار بأنّ الله اصطفى من البشر رسلاً وأنبياء يهدون الناس إلى الحق, ويخرجهم من الظلمات إلى النور, قال الله عز وجل:ﭼ  ﭽ   ﭾ  ﭿ      ﮀ  ﮁ  ﮂﮃ  ﮄ     ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  [الحج]، والجنُّ ليس فيهم رسل، بل فيهم النذُرُ، ودليل ذلك آيات الأحقاف، ورسل الله وأنبياءُه من الرجال دون النساء، ومن الحاضرة دون البادية، قال الله تعالى: ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ   ﮘ    ﮙ  ﮚ  ﮛ   ﮜ  ﮝ  ﮞﮟ  ﯕ  [يوسف] ([79]ولا تنافي بين هذه الآية وقوله تعالى في يعقوب وبنيه: ﮞ  ﮟ  ﮠ   ﮡ   ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ    ﮧ  ﮨ    ﯝ  [يوسف]،  يقول الشنقيطي رحمه الله مجيبًا عن هذا الإشكال: «وأجيب عن هذا بأجوبةٍ: منها: أنَّ يعقوب نُبِّئ من الحضر، ثم انتقل بعد ذلك إلى البادية. ومنها: أنَّ المراد بالبدو: نزول موضع اسمه (بدا)؛ وهو المذكور في قول جميل، أو كثَيِّر: ... وهذا القول مرويٌّ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما. ولا يخفى بعدُ هذا القول، كما نبَّه عليه الألوسيُّ في تفسيره. ومنها: أنَّ البدو الذي جاءوا منه مستندٌ إلى الحضر، فهو في حكمه. والله تعالى أعلم» ([80])
      واعلم أنَّ (الإيمان بالرسل) يشمل جميع الأركان؛ بل والإيمان والعمل بالدين كله: قال شيخ الإسلام: «والإيمان بالرسل يلزم منه الإيمان بجميع ما أخبروا به من الملائكة، والأنبياء، والكتاب، والبعث، والقدر، وغير ذلك من تفاصيل ما أخبروا به، وغير ذلك من صفات الله، وصفات اليوم الآخر؛ كالصراط، والميزان، والجنة، والنار، وقد أدخل في هذه الآيات: الإيمان بالقدر خيره وشره».
فالرسل جاءوا بالهداية؛ والمراد بهدايتهم للخلق: هداية الدعوة، والدلالة والإرشاد إلى سبيل الهدى كما قال تعالى:  ﭱ  ﭲ     ﭳ  ﭴﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ   ﭹ  [الرعد]، وقال تعالى ﭩ  ﭪ  ﭫ     ﭬ  ﭭ   ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ   ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸﭹ  ﭿ   ، وأما هداية التوفيق، والتسديد، والتثبيت فليست إلا بيد الله عز وجل إذْ هو مصرِّف الأمور، ومقلِّب القلوب؛ ليس لملَكٍ مقرَّبٍٍ، ولا نبيٍّ مرسل تصريفٌ في شيءٍ منهما فضلاً عمن دونهما؛ ولذا قال تعالى لنبيه r   ﭻ  ﭼ  ﭽ   ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂﮃ  ﮚ  [البقرة].
      والإيمان برسل الله U متلازمٌ؛ إذ الكفر بواحدٍ منهم؛ كفرٌ بالله تعالى، وبجميع الرسل عليهم السلام، كما قال تعالى ﭱ  ﭲ  ﭳ   ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ   ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ   ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ    ﮋﮌ  ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ   ﮔ  ﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ   ﮝ  ﮞﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ  ﮣ  ﮤ  [النساء].
      الأنبياء المسَمَّون في القرآن الكريم: وقد ذكر الله تعالى وسمَّى في كتابه خمسةً وعشرين من الأنبياء والرسل؛ هم: آدم، ونوحٌ، وإدريس، وهودٌ، وصالحٌ، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، ولوطٌ، وشعيبٌ، ويونس، وموسى، وهارون، وإلياس، وزكريا، ويحيى، واليسع، وذو الكفل، وداود، وسليمان، وأيوب، وذكر الأسباط جملةً، وعيسى، ومحمدٌ عليهم السلام،وr، قال تعالى: ﭝ  ﭞ  ﭟ  ﭠ     ﭡ    ﭢﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧﭨ  ﭩ    ﭪ  ﭫ  ﭬ   ﭭ   ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱﭲ  ﭳ  ﭴﭵ  ﭶ   ﭷ  ﭸ  ﭹﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ   ﮀ  ﮁ  ﮂﮃ  ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ   ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋﮌ  ﮍ            ﮎ  ﮏ  ﮐ   ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔﮕ  ﮖ  ﮗ  ﮘ   ﮙ  ﮚ     [الأنعام] وقال: ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭿ  [البقرة]، وقال: ﭸ  ﭹ  ﭺ   ﭻﭼ    ﮁ  [مريم]، وقال: ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ      ﮅ  [الأنبياء]، وقال: ﮡ      ﮢ  ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  الشعراء: ١٢٤ وقال: ﭑ  ﭒ  ﭓ   ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ ﭞ  [النمل]، وقال: ﯡ  ﯢ     ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ    ﯬ  [الشعراء].
وقصَّ علينا الله من أنبائهم وأخبارهم ما فيه كفايةٌ، وعبرةٌ، وموعظةٌ إجمالاً وتفصيلاً، وأشار إلى هؤلاء وإلى الذين لم يأتنا من أخبارهم شيءٌ في قوله:  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ   ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ   ﭼ  ﭽ  [النساء]، وقال تعالى ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ   ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞﭟ  ﭠ  ﭡ       ﭢ  ﭣ  ﭤ      ﭥ  ﭦ  ﭧ   ﭨﭩ    ﭳ  [غافر] وقال تعالى: ﭣ  ﭤ  ﭥ  ﭦ   ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ      ﭭ  ﭮ  ﭯ   ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ   ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ   البقرة: ١٣٦  وقال تعالى في نبيِّنا محمدٍ r ﭑ  ﭒ  ﭓﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ       ﭚ  ﭛﭜ  ﮍ   [الفتح]،  وقال: ﭳ  ﭴ    ﭵ    ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ   ﮀ   ﮁ  ﮂ  ﮃﮄ  ﮑ  [آل عمران]  وقال: ﯧ  ﯨ         ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ   ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ   [الأحزاب] فيجب أنْ نؤمن بجميعهم تفصيلاً فيما فُصِّل، وإجمالاً فيما أجمل.
      وأول الرسل نوحٌ u: لقول النبيِّ r في حديث الشفاعة: (أَنْتَ أَوَّلُ رَسُوْلٍ أَرْسَلَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ)؛ فآدم أبو البشر عليه السلام ومن بعده قبل نوحٍ فأنبياء، وآخرهم محمد؛ قال الله تعالى: ﯧ  ﯨ         ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ   ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲﯳ  ﯹ   [الأحزاب] ومدَّعِي النبوَّة بعده فكافر مكذِبٌ بالقرآن.
 قال الحكمي رحمه الله:
وخمسة منهم أولو العزم الأولى *** في سورة الأحزاب والشورى تلا
 أي: أصحاب العزم، والجزم، والجد، والصبر، وكمال العقل، ولم يرسل الله تعالى من رسولٍ إلا وهذه الصفات فيه مجتمعة غير أنَّ هؤلاء الخمسة أصحاب الشرائع المشهورة كانت هذه الصفات فيهم أكمل وأعظم من غيرهم لذا خصوا بالذكر في سورة الأحزاب في قوله تعالى ﭑ  ﭒ  ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ   ﭚ  ﭛ  ﭜ   ﭝﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ   [الأحزاب] فذكر تعالى أخذه الميثاق على جميع النبيين جملةً، ونصَّ منهم على هؤلاء الخمسة؛ محمد r وهو خاتمهم، ونوح وهو فاتحهم، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وهم بينهما. وكذا ذكرهم على وجه التخصيص في سورة الشورى إذ يقول تعالى:   ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ   ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ   ﮏ  ﮐ  ﮑﮒ  ﮣ  [الشورى] وهؤلاء الخمسة هم الذين يتراجعون الشفاعة بعد أبيهم آدم u حتى تنتهي إلى نبينا محمد r فيقول: "أنا لها".
وقال ابن زيد: كل الرسل كانوا أولي عزم([81])  لم يبعث الله نبيًّا إلا كان ذا عزمٍ وحزمٍ ورأيٍ، وكمال عقلٍ، وإنما أدخلت (من) للتجنيس لا للتبعيض، والقول بأن أولي العزم؛ هم هؤلاء الخمسة هو قول ابن عباس، وقتادة، ومن وافقهما وهو الأشهر([82])
المطلب الثاني: الإيمان بالنبي الخاتم؛ محمد r وبما جاء به، واتباعُه:
       تقدم أنَّ الإيمان بالرسل المأمور به أمة محمد r هو الإقرار بهم، أما نبينا محمد الخاتم r فالإيمان به لا بد فيه من اتباعه زيادة الإقرار، وذلك في قول المروزي، حيث قال: «وأما قوله رُسُلهِ: فأنْ تؤمن بِمَن سَمَّى الله في كتابه مِن رسله، وتؤمن بأنَّ لله سواهم رسلا وأنبياء؛ لا يعلم أسماءَهم إلا الذي أرسلهم، وتؤمن بِمحمد r، وإيْمانُك به: غير إيْمانك بسائر الرسل؛ إيمانُك بسائر الرسل: إقرارك بِهم، وإيْمانك بمحمدٍ r: إقرارك به، وتصديقك إياه، واتباعك ما جاء به؛ فإذا اتبعتَ ما جاء به أدَّيْتَ الفرائض، وأحللتَ الحلال، وحرَّمت الحرام، ووقفتَ عند الشبهات، وسارعتَ في الخيرات».
       وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام (ت:224هـ): «ثم أوجب مع الإقرار الإيمان بالكُتُب والرسل كإيجاب الإيمان، ولم يجعل لأحد إيمانًا إلا بتصديق النبي r في كل ما جاء به، فقال: ﭿ النساء: ١٣٦ ، وقال:       النساء: ٦٥ ، وقال: البقرة: ١٤٦  يعني: النبي r؛ فلم يجعل الله معرفتَهم به إذْ تركوا الشهادة له بألسنتهم إيْمانًا»([83]).
      ويدل على وجوب الإيمان بالرسول وبما جاء به([84])، ثم العمل بمقتضاه، ما جاء حديث أَبِى هُرَيْرَةَ t، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r، قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَيُؤْمِنُوا بِي، وَبِمَا جِئْتُ بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ"([85]).
     وفي لفظ عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأنَّ محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ..الحديث"([86]).
     فخير الأنبياء وأفضلهم، وأكرمهم على الله تعالى هو عبد الله ورسوله نبينا محمد r.
     وهو الذي لا يُقبل من أحدٍ دينًا ولا يصح له بعد بعثته إلا دينُه، قال تعالى: ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ    ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ   [آل عمران]، وقال النبيُّ r: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهوديٌّ، ولا نصرانيٌّ ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به؛ إلا كان من أصحاب النار" من حديث أبي هريرة t في صحيح مسلم([87]) .
 يقول الشيخ عبد المحسن: «وأعظم نعمةٍ أنعم الله تعالى بها على الجنِّ والإنس في آخر الزمان أنْ بعث فيهم رسوله الكريمَ محمداً r؛ فدلَّهم على كلِّ خيرٍ، وحذَّرهم من كلِّ شرِّ، قال الله U: ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ      ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ  ﯳ      ﯴ  ﯵ  ﯶ          ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ   [آل عمران] وقال: ﮥ  ﮦ  ﮧ            ﮨ  ﮩ    ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﮮ       ﮯ  ﮰ  ﮱ   [سبأ] وقال: ﮢ   ﮣ  ﮤ  ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﯤ   [الأعراف] وقال: ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ   ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ   ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ          ﮑ  ﮒ  ﮓ  [المائدة]، وقال: ﭑ  ﭒ  ﭓ     ﭔ   ﭕ  ﭖ       ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ    ﭛ  ﭜ   ﭝ  ﭞ ﭟ  ﭠ       ﭡ   ﭢ  ﭣﭤ  ﭥ  ﭦ  ﭧ     ﭨ  ﭩ   الآيات.  وأمة نبيِّنا محمدٍ r أمة دعوةٍ، وأمة إجابةٍ؛ فأمة الدعوة كلُّ إنسيٍّ وجنِّيٍ من حين بعثتِه r إلى قيام الساعة، وأمة الإجابة هم الذين وفَّقهم الله للدخول في دينه الحنيف، فشريعتُه لازمةٌ للجنِّ والإنس، والدعوة إليها موجَّهَةٌ لهم جميعاً، ليست لأحدٍ دون أحدٍ، بل هي للجميع، قال r: "والذي نفس محمدٍ بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة: يهوديٌّ، ولا نصرانيٌّ ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به؛ إلا كان من أصحاب النار" رواه مسلمٌ (240). فاليهود والنصارى بعد بعثة محمدٍ r لا ينفعهم زعمهم أنَّهم أتباع موسى وعيسى، بل يتعيَّن عليهم الإيمان بنبيِّنا محمدٍ r، الذي نسخت شريعتُه الشرائعَ قبلها، وخُتم به النبيُّون، قال U: ﯧ  ﯨ         ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ   ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲﯳ  ﯹ   [الأحزاب] » ([88]).

     حقوق الرسول؛ محمدٍ r:
     ولمّا أرسَلَه الله تعالى إلى الثقلين؛ الجن والإنس أوجبَ له حقوقًا على ضرْبَين، الضرب الأول: حقوق هي لوازم الإيمان برسالته لا يصح الإيمان بدونها، وأخرى تزيد عليها، وهي كالتالي:
       أولا: الإيمان بكل ما جاء به r، وقد مَرَّ دليلُه قريبًا.
       ثانيًا: وكذلك الإيمان بخاتمية رسالته للرسالات r، وأنه لا نبِيّ بعده؛ وفي الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ. وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلاثِينَ؛ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ. وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، ..الحديث"([89]).
       ثالثًا: والإيمان بأنّه r مبعوث إلى الثقلين منذ بعثته إلى قيام الساعة، ومِن أشهر الأدلة في أنه مُرسَلٌ إلى الجن كما أنه مرسل إلى الإنس سورة الجن وآيات الأحقاف وغيرها. وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r، قَالَ: "فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ، أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْت إِلَى الْخَلْق كَافَّة، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ"([90]).
      قال النووي –رحمه الله- في شرحه: « قَوْله r: "وَبُعِثْت إِلَى كُلّ أَحْمَر وَأَسْوَد"، وَفِي الرِّوَايَة الأُخْرَى: "إِلَى النَّاس كَافَّة"، قِيلَ: الْمُرَاد بِالأَحْمَرِ: الْبِيض مِنْ الْعُجْم وَغَيْرهمْ، وَبِالأَسْوَدِ: الْعَرَب؛ لِغَلَبَةِ السُّمْرَة فِيهِمْ وَغَيْرهمْ مِنْ السُّودَان. وَقِيلَ: الْمُرَاد بِالأَسْوَدِ: السُّودَان، وَبِالأَحْمَرِ: مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ الْعَرَب وَغَيْرهمْ.
وَقِيلَ: الأَحْمَر: الإِنْس، وَالأَسْوَد: الْجِنّ. وَالْجَمِيع صَحِيح، فَقَدْ بُعِثَ إِلَى جَمِيعهمْ »([91]).
       رابعًا:وأنه لا يسَع أحدًا –كائنًا ما كان مِن يهودي أو نصراني أو غيرهما- بعده r إلا الإيمان برسالته، وقد مَرّ حديث أبي أَبِي هُرَيْرَةَ t بذلك، حيث قَالَ رَسُول اللَّهِ r: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؛ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ"([92]).
      ولَمّا كانت رسالتُه r عامةً فيمَن كان، مِن بعثته إلى قيام الساعة، قال r -فرْضًا- ما يدلّ على أنّ موسى u لو كان باقيًا حيًّا لَما وسِعه إلا اتباعُه، فعن جابر t، عن النبي r، أن عمر أتاه، فقال: إنا نسمع أحاديث من اليهود تعجبنا أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال : «أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي»([93]).
     كما أنّ عيسى u إذا نَزَل لا يَحكُم إلا بشريعة نبينا محمد r([94])، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ t، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا "([95]).
      قال النووي –رحمه الله-: «وَقَوْله r: "حَكَمًا" أَيْ: يَنْزِل حَاكِمًا بِهَذِهِ الشَّرِيعَة، لا يَنْزِل بِرِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّة، وَشَرِيعَة نَاسِخَة، بَلْ هُوَ حَاكِم مِنْ حُكَّام هَذِهِ الأُمَّة»([96]).
       خامسًا: وكذلك الإيمان بكمال رسالته r ووفائها بكلّ المتطلبات الشرعية، ولا تحتاج إلى مُكمّلٍ.
فَلا يكون مؤمنًا به r مَن لم يؤمن بهذه الأمور.
       سادسًا: ومِن ذلك: محبته r فوق كل المحابّ المخلوقة، جاء في صحيح البخاري: بَاب بعنوان: حُبّ الرَّسُولِ r مِنْ الإِيمَانِ([97])، وباب وُجُوبِ مَحَبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -r- أَكْثَرَ مِنَ الأَهْلِ وَالْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَإِطْلاَقِ عَدَمِ الإِيمَانِ عَلَى مَنْ لَمْ يُحِبَّهُ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ من صحيح مسلم([98])، وأُورِد تحتهما حديث أَنَسٍ t، مرفوعًا: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ، وَوَلَدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"، واللفظ للبخاري.
      وعند أبي هريرة t مرفوعًا في البخاري أنّ النبيّ r أكّد هذا الخبر بالحلف بقوله: "فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ، وَوَلَدِهِ"([99]).
وهذا الحديث نصٌّ على تقديم محبة النبيّ r على محبة الوالد والولد والناس أجمعين!       قال العلامة ابن القيِّم –رحمه الله-: «فذَكر في هذا الحديث أنواع المحبة الثلاثة، فإنّ المحبة إما محبة إجلالٍ وتعظيمٍ؛ كمحبة الوالد، وإما محبة تحنُّن ووُدٍّ ولُطْفٍ؛ كمحبة الولد، وإما محبة لأجل الإحسان وصفات الكمال؛ كمحبة الناس بعضهم بعضًا، ولا يُؤمن العبد حتى يكون حُبُّ الرسول r عنده أشد من هذه الْمحابّ كلّها»([100]).
      وأما النصّ الصريح الواضح من السنة على وجوب تقديم محبته r حتى على محبة النفس التي بين الجنبين، فما رواه البخاري عن عَبْد اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ t، قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ r -وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ-، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلا مِنْ نَفْسِي! فَقَالَ النَّبِيُّ r: "لا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ!!" فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ! لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي! فَقَالَ النَّبِيُّ r: "الآنَ يَا عُمَرُ!" ([101]).
       سابعًا: اتباعه r في كل ما شرع، في الحديث عن أَبِي هُرَيْرَة t مرفوعًا، قال: "لا يُؤْمِن أَحَدكُمْ حَتَّى يَكُون هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْت بِهِ"([102]).
       ثامنًا: طاعته r فيما أمر، واجتناب ما عنه وزجر، ذكر الله تعالى طاعة رسوله في القرآن في أكثر مِن ثلاثين موضعًا، قال أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل –رحمه الله-: «نظرتُ في المصحف فوجدتُ فيه طاعة رسول الله r في ثلاثة وثلاثين موضعًا»([103]).
      وقال الشيخ محمد بن الحسين الآجُرِّي -رحمه الله-: «ثم فرَض على الخلق طاعته في نيفٍ وثلاثين موضعًا من كتابه تعالى »([104]). وقال أيضًا بعدما سرَد الآيات في الباب: «وهذا في القرآن كثيرٌ؛ في نيف وثلاثين موضعًا، أوجب طاعة رسوله r، وقرَنَها مع طاعته U. ثم حذّر خلقه مخالفة رسوله r، وأنْ لا يَجعلوا أمر نبيه r -إذا أمَرَهم بشيءٍ، أو نَهاهم عن شيء- كسائر الخلق، وأعلَمَهم عظيمَ ما يَلحق مَن خالفه: من الفتنة التي تلحَقُه»([105]).
ومِن هذه المواضع قوله تعالى: ﭕﭖ ﭟﭠ ﭣﭤ النور: ٥٤.
وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r" قَالَ: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ أَبَى "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: " مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى"([106]).
وجاء في صحيح البخاري: حكاية الرسول r ما رآه في منامه من مجيء الملائكة إليه وأنهم قالوا «إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلا، فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ، وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ، فَقَالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا، وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً، وَبَعَثَ دَاعِيًا؛ فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ، وَأَكَلَ مِنْ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّاعِيَ، لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ الْمَأْدُبَةِ، فَقَالُوا: أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ، وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ، فَقَالُوا: فَالدَّارُ الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ r، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا r فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا r فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمُحَمَّدٌ r فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ»([107]).
        تاسعًا: تصديقه r فيما أخبَر، وهو الصادق المصدوق.
       عاشرًا: تحكيمه r والتحاكم إليه،           النساء: ٦٥
        الحادي عشر: توقيره r وتعزيره، قال تعالى: الفتح: ٨ - ٩
       الثاني عشر: اعتقاد أفضليته r وسيادته ولد آدم أجمعين، وقد تقدم قريبًا قوله "فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ"، وفي حديث آخر: عن أَبِي هُرَيْرَةَ t، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ"([108]).
       الثالث عشر: الصلاة والسلام على النبي الكريم: قال تعالى: ﭷﭸ ﭿ الأحزاب: ٥٦
       الرابع عشر: إنزاله r منزلته وعدم مجاوزة حد العبد الرسول r فيه، والنصوص في ذلك كثيرة شهيرة.
      وهذه الحقوق منها ما هي لوازم الإيمان بالرسالة، بحيث لا يكون مسلمًا مَن لم يُقرّ بها، ومنها ما تزيد على ذلك؛ بحيث يبقى مَن فرَّط فيها في دائرة الإسلام مع إثمه الكبير.
      قال الشيخ عبد الرحمن السعدي وهو يُجمل القولَ في الحقوق النبويّ: «فصل في حق الرسول: ثم بعد حق الله علينا: حق نبينا محمد r الذي هو أولى بنا من أنفسنا ووالدينا، وأرحم بنا وأشفق علينا من جميع الخلق، ولم يصل إلينا من الهدى والعلم والخير شيءٌ إلا على يديه. هو الذي وجدنا ضالين فهدانا الله به، وأشقياء غاوين فاستنقذنا الله به، ووجدنا مُوجِّهين وجوهنا إلى كلّ كفر وفسق وعصيان فوجَّهنا الله به إلى كُلِّ خيرٍ وطاعة وإيمانٍ، لم يبْقَ خيرٌ إلا دلَّنا عليه، ولا شرَّ إلا حذَّرنا عنه، فله علينا أنْ نعلم أنَّه رسول الله حقًّا، وأنَّه خاتم النبيين؛ لا نبي بعده، وأنَّه أُرسل رسالة عامة للمُرسَل إليهم، وعامة في المرسَل به؛ فأما المُرسَل إليهم: فإنَّه مُرسَلٌ إلى العرب وغيرهم من أصناف الأمم، على اختلاف أنواعهم، وأجناسهم، وإلى الجنِّ. وأما ما أُرسِل به: فإنَّه أُرسل ليُبيِّن للخلق أصول دينِهم وفروعه، وظاهرَه وباطنَه؛ لإصلاح العقائد والأخلاق والأعمال، ولصلاح الدين وصلاح الدنيا. ونعلم أنَّه أعلم الخلق وأصدقهم وأنصحهم وأعظمهم بيانًا، وأعرفهم بما يَصلُح للخلق على اختلاف طبقاتهم ومشاربهم، فعلينا أنْ نؤمن به كما نؤمن بالله، ونُطيعَه كما نُطيع اللهَ، ونُقدِّم محبَّتَه على أنفسنا ووالدينا والناس أجمعين. وعلينا أنْ نتبعه في كلِّ شيءٍ، ولا نُقدِّم على هديه وقوله قولَ أحدٍ وهديه –كائنًا مَن كان-، وعلينا أنْ نوقِّره ونُعظِّمه وننصُرَه، وننصر دينَه بأنفسنا وأموالنا وألسنتنا، وبكلّ ما نقْدِر عليه، وذلك كله من أعظم منن الله علينا. ونؤمن بأنَّ الله جمع له من الفضائل والخصائص والكمالات ما لم يجمعه لأحد غيره من الأولين والآخرين، فهو أعلى الخلق مقامًا، وأعظمهم جاهًا، وأقربهم وسيلة، وأجلهم وأكملهم في كلِّ فضيلة، وحقوقه r كثيرة قد أُفردَت فيها المؤلفات الكثيرة»([109]).
المبحث الخامس: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: معرفةُ أنَّ لله يومًا مهولا أعده للجزاء وجعل لقيامه آيات وأمارات:

المبحث السادس: مما لا يسَعُ مسلمًا جهلُه من عقيدته: معرفةُ أنَّ الله ما قدَّر قدرًا ولا قضى خلقًا إلا عن علم ومشيئة وكتاب:

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ثم إنَّ هذه الأركان ترجع إلى ثلاثة أصول سماها العلماء الأصول الثلاثة، بل هي التي سيكون السؤال عليها في القبر، فعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ t عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ قَالَ -حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ-:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا،وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً،وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا.غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ"([110]).
      وأما الدليل على أنه لا نجاة من عذاب القبر ومما بعده إلا لِمن شهد لِلعبد الرسول r بالرسالة، وأقرَّ بالرب وبالدين الإسلامي، فهو ما جاء عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ t قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ r وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرُ وَفِى يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْر وفي الحديث: وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّىَ اللَّهُ. فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِي الإِسْلاَمُ. فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ قَالَ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ r. فَيَقُولاَنِ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ». وفيه أيضًا: « فَيُنَادِى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ». قَالَ: «فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا». قَالَ: «وَيُفْتَحُ لَهُ فِيهَا مَدَّ بَصَرِهِ ». قَالَ: «وَإِنَّ الْكَافِرَ». فَذَكَرَ مَوْتَهُ قَالَ: « وَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ : مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِى. فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِى. فَيَقُولاَنِ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِى. فَيُنَادِى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ». قَالَ: « فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا ». قَالَ : « وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاَعُهُ([111]).

      في جوهرة التوحيد قول ناظمه:
فكُلّ مَن كُلِّفَ شرْعًا وجَبَـا     ###     عليه أنْ يعرِف ما قد وجَبـا
لله، والجائزَ، والْممتنعَـــا      ###     ومثلَ ذَا لِرُسْلِه فاسْتَمِعــا([112])
فالتفسير الصحيح للبَيْتَين على منهج أهل السنة: أنه يجِب على المكلف أنْ يعْرِف ما لله مِن صفَات كمال، وأفعال، وأسماء حسنى، وما له من الحق على عباده (وهو عبادته وحده لا شريك له)، وهذا ما يُعرِف بأنواع التوحيد الثلاثة (توحيد الربوبية –توحيد الله في أفعاله-، وتوحيد الألوهيه –توحيد الله بأفعال العبد من محبة وخوف ورجاء، وصلاة وصيام وقراءة قرآن وغير ذلك-، وتوحيد الأسماء والصفات –صفات الحمد والكمال، وصفات التنزيه والسلب-). إجمالا. وهذا هو الواجب على كُلّ مسلم ومسلمة. أما التفصيل في هذه الأمور فليس بواجب على كافة المسلمين.
ويجب على كُلّ مسلم أيضًا: أنْ يعرِف الحق الثاني (وهو حق الرسل عليهم الصلاة والسلام، وبالأخص حق نبينا محمد r) من الإيمان به ومحبته واتباعه وطاعته، وتوقيره وتعظيمه، وتحكيم شرعه –كتابًا وسنة- جملة، لا تفصيلا، ومعرفة التفصيل في ذلك مستحب. وقلْ مثله في الإيمان بالكتب والملائكة والقدر خيره وشرّه، وبقية المسائل العقدية. ولِهذا قال الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: «.. فأفضل العلم: العلم بالله، وهو العلم بأسمائه وصفاته، وأفعاله التي توجب لصاحبها: معرفة الله وخشيه ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته، والتبتل إليه، والتوكل عليه، والرضا عنه، والاشتغال به دون خلقه. ويتبَع ذلك: العلم بملائكته وكُتُبه ورسله واليوم الآخر، وتفاصيل ذلك. ...» ([113]).
      وبيّن العلامة ابنُ أبي العزّ الحنفي –رحمه الله-: ما يَجب على أعيان المسلمين ذكورِهم وإناثهم، وعلى الكافة، مجملا ومفصلا، فقال: «وَلا رَيْبَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُؤْمِنَ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ إِيمَانًا عَامًّا مُجْمَلا، وَلا رَيْبَ أَنَّ مَعْرِفَةَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ عَلَى التَّفْصِيلِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي تَبْلِيغِ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَدَاخِلٌ فِي تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَعَقْلِهِ وَفَهْمِهِ، وَعِلْمِ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، وَحِفْظِ الذِّكْرِ، وَالدُّعَاءِ إِلَى الْخَيْرِ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ  وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وإِلَى سَبِيلِ الرَّبِّ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَالْمُجَادَلَةِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ مِنْهُمْ.
وَأَمَّا مَا يَجِبُ عَلَى أَعْيَانِهِمْ: فَهَذَا يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ قُدَرِهِمْ وَحَاجَاتِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ، وَمَا أُمِرَ بِهِ أَعْيَانُهُمْ، وَلا يَجِبُ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْ سَمَاعِ بَعْضِ الْعِلْمِ أَوْ عَنْ فَهْمِ دَقِيقِهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى ذَلِكَ. وَيَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النُّصُوصَ ، وَفَهِمَهَا مِنْ عِلْمِ التَّفْصِيلِ مَا لا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي الْمُحَدِّثِ، وَالْحَاكِمِ، مَا لا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ» ([114]).
      فثبت بِهذا الكلام الْمتين أنّ المكلفين مِن حيث ما يجب عليهم تعلُّمه من العلوم على أنواع، حسَب قُدَرِهِمْ وَحَاجَاتِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ.
وأيضًا فإنّ مدار علوم الشريعة على كتاب الله وسنة رسوله r فوجب على المكلف تعلم وتدبر القرآن، وفقه أحاديث الرسول ما يُخرجها مِن عِداد الجاهلين بدينه سبحانه، وأنْ لا يُشغله شيءٌ عن ذلك، وذلك لأنّه:
كل العلوم سوى القرآن مَشغلة     ###   إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال: حدثنا      ###    وما سوى ذاك وسواس الشياطين.
وقال الحكمي –رحمه الله-:
ما العلم إلا كتابُ الله أو أثرٌ       ###    يَجلُو بنور هُداه كُلُّ منْبَهِمِ
ما ثَمَّ عِلْمٌ سِوَى الوحي المبين، وما   #     منه استُمدّ، ألا طوبَى لِمُغتَنِمِ
      ثم إنّ عمدة هذا الفصل هو ما يتعلق بأركان الإيمان الستة، بينما كان عمدة الفصل القادم –إنْ شاء الله تعالى- هو ما يتعلق بأركان الإسلام الخمسة مما هي أعمال وأقوال. فأنتقل إلى الفصل القادم، والله المعين.

      ومما يدخُل في الأمور الواجب إقرارُها غير ما تقدم: الإقرار بوجوب مباني الإسلام الخمس، وتحريم المحرمات، وغيرهما مِن كُلِّ ما يَدخُل في الأمور التي تسمى بالأمور المعلومة من الدين بالضرورة:
      فأقول: اعلم أنَّ في المسائل التي يسميها بعضهم بالفروع أو العمليات التي في مقابل الاعتقادات: ما هو في الحقيقة داخلٌ في مسائل الأصول، بل وأولى بذلك مِن بعض مسائل الأقوال المتنازع فيها، لِهذا بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية أنَّ جمهور الفقهاء المحققين «عندهم أنَّ الأعمال أهَمُّ وآكدُ مِن مسائل الأقوال المتنازع فيها؛ فإنَّ الفقهاءَ كلامُهم إنَّما هو فيها، وكثيرًا ما يكرهون الكلام في كل مسألة ليس فيها عمل؛ كما يقوله مالكٌ وغيرُه من أهل المدينة. بل الحق أنَّ الجليلَ مِن كلِّ واحدٍ من الصنفين "مسائل أصول" والدقيق "مسائل فروع"؛ فالعلمُ بوجوب الواجبات؛ كمباني الإسلام الخمس، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة: كالعلم بأنَّ الله على كل شيء قديرٌ، وبكل شيءٍ عليمٌ، وأنَّه سميعٌ بصيرٌ، وأنَّ القرآن كلام الله، ونحو ذلك من القضايا الظاهرة المتواترة؛ ولِهذا مَن جحَد تلك الأحكام العملية الْمُجمع عليها كفَر، كما أنَّ مَن جحَد هذه كفَر. وقد يكون الإقرارُ بالأحكام العملية أوجبُ من الإقرار بالقضايا القولية؛ بل هذا هو الغالب؛ فإنَّ القضايا القولية يكفي فيها الإقرار بالجمل؛ وهو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره. وأما الأعمال الواجبة: فلا بد من معرفتِها على التفصيل؛ لأنَّ العمل بها لا يُمكن إلا بعد معرفتها مفصلةً؛ ولِهذا تُقرّ الأمةُ مَن يُفصلها على الإطلاق -وهم الفقهاء؛ وإنْ كان قد يُنكر على مَن يتكلم في تفصيل الجمل القولية؛ للحاجة الداعية إلى تفصيل الأعمال الواجبة وعدم الحاجة إلى تفصيل الجمل التي وجب الإيمان بها مجملة»([115]).




الفصل الثاني: تعلُّمُ   "مالا يسَعُ مسلِمًا جهْلُه  في عباداته:
   ويحتوي هذا الفصل على علاقة المرأ بطلب علم العبادات الواجبة دون المستحبة.
تقدم ذكر ما يجب تعلُّمه على عموم المسلمين من مسائل العقيدة، وما يُستحب؛ لسبب كون اعتقاده مستحبًّا.
وهنا وفي هذا الفصل سأذكُرُ ما يجب معرفته على المسلم من عُلوم العبادات، مما يُستحبّ. والضابط الصحيح في هذا الفصل أنّ أركان الإسلام الخمسة يجب تعلمها على كلّ المسلمين، ما عدا الزكاة والحج فإنهما يجب تعلّمهما بعد ملك النصاب، ووجود الاستطاعة للحج.
كما أنّ مَن أراد أنْ يتلبّس بمعاملة ما كالبيع مثلا، أو الزواج = فإنّه –والحالة هذه- يجب على مَن أرادتْ ذلك تعلمُّه قبل عملِه، ذلك أنه: لا يحلّ للمكلف أنْ يفعل فعلا حتى يعلم حُكم الله فيه، كما تقدم. وسيأتي تقرير هذا لاحقًا. أما مَن لَم يَنْوِ وتقدِر على التلبس بهذه المعاملات –البيع والنكاح مثلا- فإنّه لا يجب عليها تعلُّم ذلك، بل يُستحبّ.
      وسأُركز على أهم العبادات التي تشمل جميع المكلفين، على النحو التالي:
      إنَّ مما لا يسَعُ مسلِمًا جهلها من أحكام طهارته:
      1- تعلم صفة وضوء النبي r بشروطه وأركانه وواجباته: فعَن حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بن عفان t أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاَثَ مِرَارٍ ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"([116]).
وقال ابن شهاب: وكان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة.
      ومما لا يسَعُ مسلمًا جهله من أمر صلاته: تعلُّم قراءة سورة الفاتحة التي هي سورة الصلاة، لحديث قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)، ولغيره من الأحاديث التي مفادُها: أنه لا صلاة لِمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.
      2- ومما لا يسَع مسلمًا جهلُها من عبادته تعلُّم: صفة التيمم المؤمن كما أمَر الله تعالى:
      جاء في باب التَّيَمُّمِ من صحيح مسلم، أنه: قال عَمَّار بن ياسر t: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ r فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا". ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ([117]).
      3- ومما لا يسَع مسلمًا جهلُها من عبادته تعلُّم صفة غسل الجنابة كما أمَرَ الله تعالى: جاء عَن ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رضي الله عنها، قَالَتْ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللهِ r غُسْلاً وَسَتَرْتُهُ؛ فَصَبَّ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَهَا مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ- قَالَ سُلَيْمَانُ لاَ أَدْرِي أَذَكَرَ الثَّالِثَةَ أَمْ لاَ، ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، أَوْ بِالْحَائِطِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَغَسَلَ رَأْسَهُ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ خِرْقَةً فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَلَمْ يُرِدْهَا([118]).
      وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ؛ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَد اسْتَبْرَأَ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ حَفَنَاتٍ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ([119]).
      4- ومما لا يسَع مسلمًا جهلُها من عبادته تعلُّم صلاة النبي r بشروطها وأركانها وواجباتها ([120]): جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ النَّبِيَّ r دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ r فَرَدَّ النَّبِيُّ r عَلَيْهِ السَّلاَمَ، فَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" ثَلاَثًا. فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ فَمَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي! قَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا"([121]).
      وفي رواية  بزيادة في أوله هكذا: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ"([122]).
      5- ومما لا يسَع مسلمًا جهلُها من عبادته تعلُّم صيام المؤمن كما أمَرَ الله تعالى بشرطها وركنها: فالصوم: إمساك عن الأكل والشرب والجماع وجميع المفطِّرات من طلوع الفجر الصادق إلى غُروب الشمس مع نيَّة التعبُّد. وقد شرَعَه الله تعالى لِحَكمٍ عظيمة وغايات حميدة، على رأسها تحصيل التقوى، والتعبُّد له بتقديم محابِّه على ما تهواه النفوس، والإنفاق على المحتاجين.
      وبعد: فالواجب من علم العبادات وكذلك المعاملات هو: ما لا يَسَعُ مُسلِمًا جَهْلُه وما يحتاج إليه قبل إقامة الفرض، وأما ما دون ذلك فإنه مما يُرَغّب فيه ويُستَحبُّ، والله تعالى أعلم.
وبعد: فمسألة تعلم الصلاة وما قبلها من الطهارة، ثم الصيام، على الوجه الذي فعَلَها رسول r هي أعظم ما يَجب على كُلّ المسلمين والمسلمات تعلمُّها، ولِهذا تقدم قول صاحب الأخضري –وهو يذكُر أول ما يجب على المكلف-: (... ثم معرفةُ ما يُصلح به فرض عينه كأحكام الصلاة والطهارة والصيام) بعدما ذكر مسألة تصحيح الإيمان.
      وقال بمثله الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: «وأما معرفة ما أمر الله به ونهى عنه، وما يحبه ويرضاه، وما يكرهه وينهى عنه، فيجب على كل من احتاج إلى شيء من ذالك أن يتعلمه. ولِهذا رُوي (طلب العلم فريضة على كل مسلم). فإنه يَجب على كل مسلم: معرفة ما يحتاج إليه في دينه كالطهارة والصلاة والصيام. ويجب على مَن له مالٌ: معرفةُ ما يَجب عليه في مال من الزكاة ونفقة وحج وجهاد. وكذلك يَجب على مَن يَبيع ويَشتري: أن يتعلم ما يحل ويحرم من البيوع. كما قال عمر رضي الله عنه:  لا بيع في سُوقِنا إلا مَن فَقُه في الدين خرّجه الترمذي. ويُروى بإسناد فيه ضعف: عن علي t قال: الفقه قبل التجارة؛  إنه مَن اتّجر قبل أن يتفقه ارتطم. وسُئِل ابن المبارك: ما الذي يجب على الناس من تعلُّم العلم؟ قال: أن لا يقدم الرجل على شيء إلا بعلم يسال ويتعلم، فهذا الذي يجب على الناس من تعلم العلم. ثم فسَّره وقال:
لو كان رجلا لَم يكُنْ له مالٌ لَم يَكُن عليه واجبٌ أن يتعلم الزكاة، فإذا كان له مائتا درهم وجَبَ عليه أن يتعلم كم يخرج؟ ومتى وأين  يضع؟ وسائر الأشياء على هذا .
وسئل الإمام أحمد -رحمه الله- عن الرّجل: ما يَجِب عليه مِن طلب العلم؟
فقال: ما يقيم به الصلوات وأمْرَ دينه من الصوم والزكاة، وذكر شرائع الإسلام.
وقال: ينبغي له أن يتعلم ذلك.
وقال أيضا: الذي يجب على الإنسان مِن العلم: ما لا بد له منه في صلاته وإقامة دينه.
واعلم أن علم الحلال والحرام  عِلمٌ شريفٌ  ومنه: ما تعلُّمُه فرضُ عَين، ومنه ما هو فرض كفاية. وقد نصّ العلماء على أنّ تعلُّمه أفضل من نوافل العبادات» ([123]).
وبعد تلكُم المسائل الفقهية التي يجب تعلمها: فهناك جانب آخر، ألا وهو جانب المنهيات التي كان حذيفة رضي الله تعالى عنه يُديم فيها سؤالَ رسول الله r مخافة أنْ يقَعَ فيها، وعليه فيجب أو يستحب للمسلمة معرفة الربا وكلّ المنهيات خوف الوقوع فيها، ولِهذا وبعدما ذكر الحافظ ابن رجب أفضلَ العلم، وأنه العلم بالله، وما يتبع ذلك: من العلم بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر –كما تقدم- قال –رحمه الله-: «والأعمال الظاهرة والباطنة، وما يكرهه من عباده من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة» ([124]). فهذه أيضًا يجب تعلمّها. وقد يُعبّر عن هذا المعنى وهذا الجانب بـ: معرفة حدود ما أنزل الله تعالى على رسوله r:
قال الشيخ العلامة السعدي –رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: ( ﭵﭶ ) الأنعام: ١٢٠ : «ولا يتم للعبد، ترك المعاصي الظاهرة والباطنة، إلا بَعد معرفتها، والبحث عنها، فيكون البحث عنها ومعرفة معاصي القلب والبدن،والعلمُ بذلك واجبا متعينا على المكلف. وكثير من الناس، تخفى عليه كثير من المعاصي، خصوصا معاصي القلب،كالكبر والعجب والرياء، ونحو ذلك، حتى إنه يكون به كثير منها، وهو لا يحس به ولا يشعر، وهذا من الإعراض عن العلم، وعدم البصيرة» ([125]).
وقال أيضًا: «أن الله تعالى حَثّ على معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله، وذَمّ مَن لَم يَعْرِف ذلك. ومِن أعظمِ ما يَجِب معرفة حدوده؛ الأوامر والنواهي التي كُلّفنا بِها، وأُلزمنا بالقيام بها وتعلُّمها وتعليمها. ولا سبيل إلى امتثالها، أو اجتنابها إلا بمعرفتها، ليَتَأَتَّى فعلُها أو تركها، وذلك أنّ المكلف إذا أُمِر بأمر، وجَب عليه أولا معرفةُ ما هو الذي أمر به، وما يَدخل به وما لا يَدخل. فإذا عرَف ذلك استعان بالله، واجتَهَد في امتثاله بِحَسَب القدرة والإمكان.  وكذلك إذا نُهي عَن أمْرٍ مِن الأمور وجَب عليه معرفةُ ذلك المنهي وحقيقته، ثم يَبذل جُهده -مستعينًا برَبّه- على تركه، امتثالا لأمر الله، واجتنابًا لنَهْيِه، وامتثالُ الأمرِ، واجتنابُ النهي: كلٌّ منهما واجبٌ، وما لا يَتِمّ الواجب إلا به فهو واجبٌ. فعرَفْتَ أن العلم بها قبل العمل، ومُتقدِّم عليه» ([126]).
لهذا كُلّه عقَد البخاريُّ رحمه الله بابًا في صحيحه فقال: باب العلم قبل القول والعمل والدليل قوله تعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.
    فواجبات الشرعية منها ما تكون بين المسلم وبين ربه، ومنها ما تكون بينه وبين خلق الله تعالى من الإنس وغيرهم، وقد سبق التمثيل بأركان الإسلام الخمسة التي هي واجبة في الجملة على كل المسلمين والمسلمات، وإنْ كانت الزكاة لا تجب على كل الأعيان إلا مع ملك النصاب، والحج مع الاستطاعة. والزكاة تُرَدّ إلى فقراء المسلمين.
      والله تعالى أعلم. ثم انتقل إلى (المعاملات) لبيان حُكم تعلّمها.

الفصل الثالث: تعلُّمُ   "مالا يسَعُ مسلِمًا جهْلُه  في معاملاته:
    لا أطيل في تناول هذا الفصل، ذلك أنَّه تقدم في الكلام المتين لبعض السلف أنَّه كلما أراد شخصٌ أنْ يتلبس بمعاملة ما النكاح والبيع فإنّه والحالة هذه يجب تعلُّم ذلك حتى لا يَقَع الشخص في المناهي الشرعية، وهذا الضابط في هذا الباب.

الفصل الرابع: الحقوق التي لا يسَعُ مسلِمًا جهْلُها:
      تقدم ذكر حق الله الواجب في الجانب العقدي والتعبدي، كما تقدم ذكر حق أنبيائه وخصوصًا نبينا محمد صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين، وهذا في الفصل الأول. ثم إنَّه تقدم كذلك الإشارة إلى الحقوق الزوجية وأنها إذا احتاج المسلم إلى الزواج فإنه يجب عليه أنْ يعرف ما له وما عليه. أما في هذا الفصل فسأشير إشارة مختصرة إلى حق الوالدين على ولدهم والعكس،
«فصل في حق الوالدين: ومن آكد الحقوق الخاصة: حق الوالدين الذي أمر الله به في عدة آيات، وقَرَن حقهما بحقه، ونبَّه على السبب في ذلك في قوله:          [الإسراء: ٢٤]  فهذه التربية التي اختص بها الأبوان رُتبتها عظيمة، أولا: تسببًا في اجتماعهما في وجودك، فوجودك أثر بسببهما، والوجود أصل النعم وأساسها، ثم حملَتْك الأم في بطنها مدة الحمل، ووضعتْك كُرهًا ووهنًا على وهن، ثمَّ غذَّتْك بِدَرِّها، وباشَرَتْ حضانتك وملاحظتك، وإزالة الأضرار عنك، وعمل المصالح، وهي في ذلك مبسوطة ممنونة لِما في ضميرها من الحَنان والشفقة والشفقة التي لا نظير لها إلا رحمة الله التي هي منها، وكم أسْهَرْتَ ليلها وأقلَقْتَها. والأب منذ كنتَ في بطن الأم وهو يُجْرِي عليك النفقات، وبعد وضعك ضاعف ذلك. ولم تزل في تربيتهما البدنية والمالية، والإرشاد إلى مصالحك الدينية والدنيوية حتى اكتمل عقلك وقوتك، فوجب عليك من الحق العظيم لهما شيءٌ كثيرٌ من القول الكريم، والإحسان المالي، والخدمة البدنية، والخضوع لهما، وطاعتهما في المعروف، والتوقير لهما، وكفّ الأذى اليسير والكثير، بالقول والفعل، والدعاء لهما، والشكر لهما، والثناء عليهما على ما أبديا نحوك من البر والتكريم، وقضاء حاجاتهما والدَّين الذي عليهما أحياءً وأمواتًا، وتنفيذ وصيتهما بعد موتهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك من جهتهما([127])، ليجتمع لك البر والصلة. وحقوق الوالدين كثيرة، ولكنَّ ضابطها: ما ذكره الله في كتابه؛ فإنَّه أمر بالإحسان إليهما، وذلك شاملٌ لكلّ إحسان بجميع وجوهه، ويُرجع في ذلك إلى العُرف والعادة، فكلّ ما عَدَّه الناس إحسانًا فهو داخلٌ في الإحسان المأمور به»([128]).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: «فصل في حق الأولاد: وللأولاد على والديهم حقوق؛ فإنَّهم أمانات عندهم، وهم مسؤولون عنهم، فعليهم بسببهم جنسان من الواجبات:
أحدهما: القيام بالمؤنة البدنية من نفقة وكسوة، وما يتبع ذلك، فهو واجب لا بد منه، مع أنَّه من أفضل العبادات، وخصوصًا مع احتساب الثواب عند الله، فإنَّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرتَ عليها، حتى ما تجعله فِي في امرأتك، أي: وعيالك. والنوع الثاني: واجب التربية الدينية، فعلى الوالدين تعليمهم القرآن، والعلم، والكتابة، وتوابع ذلك، وتربية أخلاقهم بكفِّهم عن المفاسد كلها، وحثِّهم على الفرائض. وبتمام الأمرين يربح العبد أولادَه، وبتقصيره بالتربية الدينية يخسر أولادَه خسرانًا مبينًا. فالأولاد كما أنهم مسؤولون عن القيام ببر الوالدين، والقيام بواجبهم، كذلك قبلهم الأبوان مسؤولان عن إصلاح أولادهما:  [التحريم: ٦]  وذلك بالقيام بالسباب التي تقيهم النار، والملاحظة التامة، وعدم إهمالهم، ومَن أهملهم فلا يلومَنَّ إلا نفسه إذا فاتَه الثواب، واستحقَّ بترك ما يجب عليه العقاب، وفاتَه برّ أولاده وخيرهم، ﰑﰒ  [فصلت: ٤٦] »([129]).


فبالنسبة لحق الله الواجب:
باب اسم الفرس والحمار
جاء عَنْ مُعَاذ بن جبل t ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ r عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ! هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِه شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا.
في صحيح مسلم: باب مَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِالإِيمَانِ وَهُوَ غَيْرُ شَاكٍّ فِيهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَحَرُمَ عَلَى النَّارِ.
2- ومن الحقوق التي لا يسع مسلمًا جهلها: الحقوق الزوجية.
ففي سنن أبي داود: عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِىِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ قَالَ «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ - أَوِ اكْتَسَبْتَ - وَلاَ تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلاَ تُقَبِّحْ وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَّ فِي الْبَيْتِ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ « وَلاَ تُقَبِّحْ ». أَنْ تَقُولَ قَبَّحَكِ اللَّهُ([130]).
وجاء في حديث أَنَسٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: "لاَ يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا"([131]).
      وقد لخَّص الشيخ حماد بن محمد الأنصاريّ –رحمه الله- هذه الحقوق فقال: «فصل: فيما بين الزوجين: أما حُقُوق الزوج على الزوجة فمنها:
أنْ لا تُحنِث قسمُه، ولا تَكفُر نِعَمَه، ولا تخرُج من بيته إلا بإذنه، ولا تصوم تطوُّعًا إلا بإذنه، ولا تأذن في رحله في شيء يكرهه، ولا تأكل وتلبس ما يؤذيه، ولا تكلم رجلا من غير محارمها إلا بإذنه، وعليها الرفق بأقاربه، والأدب مع إخوانه وأعمامه وأخواله، والرعاية لذريته بعد موته، ... ولها أنْ تأخذ من ماله ما تعلم رضاه به وأنه لا يغضب له ... وحقها على الزوج: أنْ يُحسن معاشرتها، ... ويحتمل عنها وإنْ تطاولت عليه، ويعفو عن زلتها، ويصبر عليها إنْ ضعُفَت. ويُعلِّمها ما تحتاج إليه من أحكام الوضوء والصلاة والصوم والحيض ونحو ذلك مما لا بد لها من معرفته. ويُطعمها من الحلال، ولا يظلمها شيئًا مما يجب لها من الحقوق المتقدمة. ولا يلبس ويأكل ما يؤذيها، ولا يمنعها زيارة والديها، ولا الخروج إلى المسجد إلا لخوف الفتنة ... ومن حُقُوقها على زوجها أنْ يتزيَّن لها كما يُحبُّ أنْ تتزيَّن له»([132]).



الخاتمة:
      تبيّن من الفصول المتقدمة أنه يجب على أيِّ مسلم تعلُّم ما وجب عليه اعتقادُه والعمَلُ به، كما يُستحب له تعلُّم ما يُستحبّ لَه اعتقاده وعملُه، وإنْ كان يجب على عموم المسلمين أنْ يُوجدُوا فيهم مَن يتعمق في تعلم المسائل الدينية غير اللازمة العمل بها. وقد وُجد ويوجد والحمد لله. والله تعالى أعلم.



([1]) قال الله تعالى: ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ    ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ [سورة التوبة: ٩٧]. وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير الآية: «يقول تعالى: (الأعراب) وهم سكّان البادية والبراري (أشد كفرًا ونفاقًا) مِن الحاضرة الذين فيهم كفرٌ ونفاق، وذلك لأسباب، منها: أنهم بعيدون عن معرفة الشرائع الدينية والأعمال والأحكام؛ فهم أحرى (وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) مِن أصول الإيمان وأحكام الأوامر والنواهي، بخلاف الحاضرة؛ فإنهم أقرب؛ لأن يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله؛ فيحدث لهم –بسبب هذا العلم- تصورات حسنة، وإرادات للخير الذي يعلمون ما لا يكون في البادية. وفيهم من لطافة الطبع والانقياد للداعي ما ليس في البادية، ويجالسون أهل الإيمان ويخالطونهم أكثر من أهل البادية؛ فلذلك كانوا أحرى للخير من أهل البادية. وإنْ كان في البادية والحاضرة كفارٌ ومنافقون ففي البادية أشد وأغلظ مما في الحاضرة»، (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للشيخ السعدي، ط1/1423هـ، مؤسسة الرسالة، ص349، بتحقيق: د. عبد الرحمن بن معلا اللويحق).
([2]) المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله تعالى وسيرته وأقواله ورَحَلاته، جمع ابنٌ للشيخ المسمى عبد الأول، (ج1/ص408).
([3]) المجموع لعبد الأول، (ج1/ص453-454).
([4]) المصدر نفسه، (ج2/ص688).
([5]) سورة التوبة: ٩٧ .
([6]) صحيح البخاري: كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، رقم:1395، وكتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي r أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى، رقم: 7372، وصحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الدُّعَاءِ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ وَشَرَائِعِ الإِسْلاَم، رقم: 19.
([7]) الفقه في الدين، د. ناصر العقل، ص31.
([8]) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، (ج1/ص28-30).
([9]) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، باب بيان أنّ الدين النصيحة، رقم: 55.
([10]) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي r عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، رقم: 50، والإمام مسلم في صحيحه في: كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى، وبيان الدليل على التبري ممن لا يؤمن بالقدر، وإغلاظ القول في حقه، رقم: 9، و10، كلاهما من حديث أبي هريرة t.
وانفرد بإخراجه الإمام مسلم من طريق ابن عمر عن أبيه ابن الخطاب رضي الله عنهما، رقم: 8).
([11]) الإنصاف فيما يجب اعتقادُه ولا يجوز الجهل به، تأليف: القاضي أبي بكر الباقلاني، تحقيق: محمد زاهد الكوثري، المكتبة الأزهرية، ص13.
([12]) الإنصاف فيما يجب اعتقادُه ولا يجوز الجهل به، ص20-21.
([13]) طُبع بالرياض، وعلى نفقة الملك فهد فهد بمناسبة مرور مائة عام من تأسيس المملكة، سنة: 1419هـ.
([14]) صحيح البخاري: كتاب العلم، باب مَنْ يُرِد الله به خيرًا يُفقّهه في الدين، رقم: 71، وكتاب أخبار آحاد، باب قَوْلِ النَّبِيِّ r: لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ يُقَاتِلُونَ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ، رقم: 7312، وصحيح مسلم: وكتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، رقم: 1037.
([15]) فتح الباري لابن حجر، (ج1/ص491).
([16]) صحيح البخاري: كتاب الوضوء، باب وضع الماء عند الخلاء، رقم: 143، واللفظ له، وصحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عبد الله بن عباس، رقم: 2477.
([17]) المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري وسيرته وأقواله ورحلاته، لعبد الأول بن حماد الأنصاري، (ج1/ص372-373).
([18]) انظر: شرح حديث جبريل u في الإسلام والإيمان والإحسان المعروف باسم كتاب الإيمان الأوسط، تأليف: ابن تيمية، ص290، بتحقيق: د. علي بن بخيت الزهراني، ط3/1430هـ، دار ابن الجوزي، الرياض، السعودية.
([19]) شرح حديث أبي الدرداء للحافظ ابن رجب، ص24.
([20]) الفقه في الدين، تأليف: أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل، ط1/1413هـ دار إمام الدعوة، ص11-12.
([21]) الفقه في الدين، تأليف: أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل، ط1/1413هـ دار إمام الدعوة، ص12-13.
([22]) زاد المعاد في هدي خير العباد  لابن القيم ج 1/ص 70، ط25/1412هـ، مؤسسة الرسالة،  بتحقيق: شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط.
([23]) فتح الباري، تأليف: الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، (ج1/ص474).
([24]) صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى، وبيان الدليل على التبري ممن لا يؤمن بالقدر، وإغلاظ القول في حقه، رقم: 8 من حديث ابن عمر عن أبيه ابن الخطاب رضي الله عنهما. وقد جاء الحديث من طريق أبي هريرة t واتفق الشيخان في إخراجه (صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي r عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، رقم: 50، وصحيح مسلم، الكتاب والباب نفساهما، رقم: 9، و10).
([25]) شرح النووي على صحيح مسلم، ص82.
([26]) شرح النووي على صحيح مسلم، ص83.
([27])  وبنحو هذا الكلام قال القاضي عياض، وقد ألَّف رحمه الله كتابَه: المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان) على هذا الحديث وأقسامه الثلاثة.
([28])  جامع العلوم والحِكم، لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، ص39، شرح الحديث الثاني،نشر: ط1/1408هـ، دار المعرفة – بيروت.
([29]) فتح الباري لابن حجر، (ج1/ص463).
([30]) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، (ج1/ص28-30).
([31]) شرح حديث أبي الدرداء للحافظ ابن رجب، ص41.
([32]) شرح حديث أبي الدرداء للحافظ ابن رجب، ص24.
([33])كتاب: ورثة الأنبياء -شرح حديث أبى الدرداء- للحافظ ابن رجب، ص22-23.
([34]) صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى، وبيان الدليل على التبري ممن لا يؤمن بالقدر، وإغلاظ القول في حقه، رقم: 8 من حديث ابن عمر عن أبيه ابن الخطاب رضي الله عنهما. وقد جاء الحديث من طريق أبي هريرة t واتفق الشيخان في إخراجه (صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي r عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، رقم: 50، وصحيح مسلم، الكتاب والباب نفساهما، رقم: 9، و10).
([35]) تعظيم قدر الصلاة، تأليف: الإمام أبي عبد الله محمد بن نصر المروزي، ط1/1432هـ، دار الفضيلة، بتحقيق: د. محمد بن سليمان بن صالح الربيش، ص263-264.
([36])  هذه الكلمة من الألفاظ المجملة، والموقف في مثلها معروف؛ إلا أني ذكرتها من باب الإخبار لا غير.
([37])  قد أوردها الحافظ ابن كثير وأمثالها عن الشافعي وأحمد وغيرها (انظر إليها في: تفسير القرآن العظيم، ج1/ص82).
([38])  انتهى ملخصاً من شرح العثيمين رحمه للحديث.
([39])  وربُّك قادرٌ على ما يشاء، وعلى ما لم يشأْ كونَه؛ لأنَّ ﴿ الله على كلِّ شيءٍ قديرٌ﴾، أما عبارة: ( إنَّ الله على ما يشاء قديرٌ) فخطأ؛ لإيهامها أنَّه سبحانه ليس قادراً على ما لم يشأْ.
([40])  تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، ص17 بتحقيق الشاويش في المكتب الإسلامي.
([41])  عقيدة أهل السنة والجماعة، ص8.
([42])  الواسطية بشرح الهراس، ص25وما بعده، والواسطية وشرحها لمحمد ابن إبراهيم آل الشيخ، ص34، وضمن مجموع مؤلفاته، ج3/ص130).
([43])  عقيدة أهل السنة والجماعة، ص8، ط / المؤتمن للنشر.
([44])  عقيدة أهل السنة للعثيمين، ص26-29.
([45])  قد رُوِي لشيخ الطائفة جهم بن صفوان مسلكان في إثبات الأسماء لله وعدمه، الأول: ما سبق في المتن. والثاني: أنَّه كان يسمي الله باسمين فقط، هما: " الخالق" و"القادر"؛ ولأنَّ العبد ليس بقادر؛ إذْ كان هو رأس الجبرية. وأما في الصفات فالجهمية يصفون الله بالصفات السلبية على وجه التفصيل، ولا يثبتون له إلا وجودًا مطلقًا؛ أي: ذهنيًّا؛ ليس له حقيقة في الأعيان (الخارج) عند التحصيل.
([46])  هذا الكلام فيه حق وباطلٌ؛ وحقُّه أنَّه لم يخاطبنا الله إلا بما نعرف معناه؛ إذْ نزل القرآن بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ، أما الباطل الذي فيه حيث أرادوا به الكيفية وأنَّ الله أراد منا معرفتها، وكذبوا والله؛ إذْ الله لم يرد منا معرفة كيفيته؛ إذْ كيف تعرف كيفية من لم تعرف ذاتُه؟!
([47])  أما متأخروهم: فمعطِّلة.
([48])  وذلك لأنهم لم يرجوا لله وقارًا، وعلى سبيل التمثيل: أنهم يزعمون أنَّه سبحانه وتعالى ذو أبعاض متلاصقة، وأجزاء مؤتلفة، وأعضاءٍ من لسانٍ، ورأسٍ، وغير ذلك، وأنه ذو طعمٍ، ولونٍ، ورائحة، ومجسَّةٍ، وأنَّه سبعة أشبارٍ بشبر نفسه.  إلى غير ذلك من المقالات الدالة على عدم تعظيم الله وتوقيره وتقديره حق قدره؛ إذْ كيف يُسوَّى مَن له الكمال كله، والجمال كله، والعلم كله، والقدرة كلها، والعظمة كلها، والكبرياء كلها، مَن لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقَت سبحاتُ وجهه السموات والأرض وما فيهما وما بينهما وما وراء ذلك، الذي يقبض سمواته بيده فتغيب كما تغيب الخردلة في كفِّ أحدنا، الذي نسبة علوم الخلائق كلها إلى علمه أقل من نسبة نقرة عصفورٍ من بحار العلم الذي لو أنَّ البحر يَمده من بعده سبعةُ أبحرِ مدادٍ، وأشجار الأرض من حين خلقت إلى قيام الساعة؛ أقلام لفني المدادُ وفنيت الأقلامُ، ولم تنفد كلمات،ُه الذي لو أنَّ الخلق من أول الدنيا إلى آخرها؛ إنسهم وجنهم، وناطقهم وأعجمهم؛ جُعِلوا صفاً واحداً ما أحاطوا به سبحانه، الذي يضع السموات على إصبعٍ من أصابعه، والأرض على أصبع، والجبال على إصبع، والأشجار على إصبع، ثم يهزهن، ثم يقول: أنا الملك.
فقاتل الله الجهمية والمعطلة أين التشبيه هاهنا! وأين التمثيل؟! لقد اضمحل هاهنا كل موجودٍ سواه فضلاً عن أن يكون له ما يماثله في ذلك الكمال ويشابهه فيه؛ فسبحان من حجب عقول هؤلاء عن معرفته، وولاها ما تولت من وقوفها مع الألفاظ التي لا حرمة لها، والمعاني التي لا حقائق لها. ولما فهمت هذه الطائفة من الصفات الإلهية ما تفهمه من صفات المخلوقين فرَّت إلى إنكار حقائقها، وابتغاء تحريفها، وسمَّتْه تأويلاً؛ فشبهتْ أولاً، وعطَّلت ثانياً وأساءت الظنَّ بربها، وبكتابه، وبنبيه، وبأتباعه". مدراج السالكين، ج3 / ص359 ـ360 بتحقيق: محمد حامد الفقي، ط / 2، 1393هـ - 1973م، نشر: دار الكتاب العربي - بيروت.

([49])  بدائع الفوائد، محمد بن أبي بكر أيوب المعروف بابن القيِّم، (ج 1/ ص179، مكتبة نزار مصطفى الباز، بمكة المكرمة، ط1/ 1416هـ، بتحقيق : هشام عبد العزيز عطا، عادل عبد الحميد العدوي، أشرف أحمد.
([50]) الصواعق المرسلة، لابن القيِّم، (ج2 /ص426)، ط / 3 1418 هـ، بتحقيق: د. علي الدخيل الله،ط/دار العاصمة، الرياض.
([51])  مدراج السالكين، ج3 / ص358 ـ 359 بتحقيق: محمد حامد الفقي، ط / 2، 1393هـ - 1973م، نشر: دار الكتاب العربي - بيروت.
([52])  ينظر: الأصول الثلاثة لمحمد بن عبد الوهاب، ص10، وشرح حديث جبريل في تعليم الدين، 28.
([53]) تيسير العزيز الحميد، للشيخ سليمان، ص19 ـ 20، بتحقيق زهير الشاويش.
([54])معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول للحكمي، ج2/ ص656، ط/ 1، 1410هـ – 1990م ، بتحقيق: عمر بن محمود أبو عمر،نشر : دار ابن القيم – الدمام.
([55])  شرح حديث جبريل للشيخ العثيمين.
([56])  عقيدة أهل السنة للعثيمين، ص8.
([57])  معارج القبول، ج2 / ص656.
([58])  مختصرٌ من (شرح حديث جبريل للعباد، ص31ـ32).
([59])  البخاري، رقم 530، دار ابن كثير، ومسلم، برقم 210، دار التراث العربي.
([60])  تفسير الطبري لقوله تعالى: ﴿ له معقبات ﴾الآية، ج7 / ص350، وابن كثير، ج2 / ص662.
([61])  البخاري، 1226، ومسلم في باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته).
([62])  صحيح مسلم، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، ورقمه: 2699، 2700.
([63]) رواه الترمذي، باب في قول النبي r لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ورقمه: 2312، وابن ماجة، في باب الحزن والبكاء، ورقمه: 4190، وهو حديث حسن. كما قاله الشيخ الألباني. وفي آخر رواية أبي ذرٍّ منه إدراج.
([64]) أورده ابن جرير في تفسير ﴿ وإنا لنحن المسبحون ﴾، ج10 / 538، وابن كثير، ج4 / 571، في تفسير المدثر.
([65]) صحيح مسلم، ج1/ ص534، طبعة التراث العربي.
([66]) رواه البخاري، في باب ﴿ فكان قاب قوسين أو أدنى ﴾، حيث الوتر من القوس، وفي باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه، وفي باب قوله:﴿ فأوحى إلى عبده ما أوحى﴾، ومسلم، باب في ذكر سدرة المنتهى، رقم: 280، 281، و282.


([67])  شرح حديث جبريل للعثيمين.
([68])  والموضع الثاني في سورة الإسراء، قال تعالى: ﮱ   ﯓ  ﯔ  ﯕ  ﯖ  .
([69])  وهل لموسى صحف غير ألواح التوراة خلاف مشهورٌ بين العلماء.
([70]) معارج القبول، ج2 / 675.
([71])  مجموع الفتاوى، ج7 / 312.
([72])  عثيمين في شرحه لحديث جبريل.
([73])  شرح حديث جبريل في تعليم الدين ص32 ـ 33 ضمن رسائله.
([74])  انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، تأليف: الحافظ هبة الله اللالكائي، (1/ص170، و175، و177، و186، و193، و198، 202، و206، وكتاب: دراسات في علوم القرآن الكريم، أ. د. فهد بن عبد الرحمن الرومي، ط15/1428هـ، ص23.
([75])  انظر التحقيق في الفرق بين النبيِّ والرسول عند الشيخ عبد المحسن ص38 من شرح حديث جبريل ضمن كتبه ورسائله.
([76])  ملخص من معارج القبول، ج2 / 677.
([77])  مجموع الفتاوى، ج7 / 313.
([78]) مرجع سابق.
([79])  انظر ص35 ـ 38 ملخصًا.
([80])  دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، ص123، طبعة مكتبة ابن تيمية.
([81])  تفسير الطبري، جـ11 / 302).
([82])  انظر هذا الكلام في معارج القبول، ج2 / ص680.
([83])  كتاب الإيمان للحافظ أبي عبيد القاسم بن سلام، ط1/1421هـ، مكتبة المعارف، بتحقيق الألباني،ص60.
([84])  عقد الحافظ محمد بن إسحاق بن منده بابًا في كتابه كتاب الإيمان بعنوان: ذكر ما يدل على أنَّ الإيمان بما أتى به النبي r من الكتاب والحكمة من الإيمان) (فذكر النصوص بذلك، يُنظر: ج2/ص406-408)، بتحقيق: الشيخ د. علي فقيهي، ط1/1401هـ، الجامعة الإسلامية. وكرر ابن منده العنوان وذكر تحته نصوصًا أخرى (يُنظر: ج2/ص667-685).
([85])  صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، على إثر حديث رقم: 20.
([86])  صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ   ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ   رقم: 25
وصحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، رقم: 22.
([87])  رواه مسلم، وهو في (باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملة)، وبرقم 240.
([88])  شرح حديث جبريل في تعليم الدين، ص39 ـ 40، ضمن مؤلفاته.
([89]) صحيح البخاري: كتاب الفِتَن، بابٌ (بدون ترجمة، وقبله: بَاب خُرُوجِ النَّارِ)، رقم: 7121. وصحيح مسلم: كتاب الفتن، باب لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَتَمَنَّى ..، رقم: 157.
([90])  صحيح مسلم: الكتاب والباب، رقم: 523 .
([91])  شرح النووي على صحيح مسلم، ص402 .
([92])  صحيح مسلم: كتاب الإيمان، بَاب وُجُوبِ الإِيمَانِ بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ r إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، وَنَسْخِ الْمِلَلِ بِمِلَّتِهِ، رقم: 153.
([93]) رواه الحافظ أبو بكر ابن أبي عاصم في كتابه كتاب السنة، باب ذكر قول النبي r: تركتكم على مثل البيضاء، وتحذيره إياهم أن يتغيروا عما تركهم عليه ...، رقم: 50، وفي سنده مجالد (ليس بالقوي، وتغير حفظه)، إلا أنّ الحديث قوي، فإنّ له شواهد كثيرة حسّنه بها الشيخ ناصر الألباني (ظلال الجنة، 28).
([94])  قف على مضمنات الباب الذي عقده الحافظ محمد بن إسحاق بن منده بعنوان: (ذكر الإيمان بنزول عيسى بن مريم u وإيمانه بالمصطفىu وبشريعته، كتاب الإيمان، ج2/ص512).
([95]) صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، بَاب نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلام، رقم: 3448، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ حاكمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّد r، رقم:  155.
([96])  شرح النووي على صحيح مسلم، ص191 .
([97]) صحيح البخاري: كتاب الإيمان، رقم: 15.
([98]) صحيح مسلم: كتاب الإيمان، ورقمه: 44 .
([99]) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، بَاب حُبُّ الرَّسُولِ r مِنْ الإِيمَانِ، رقم: 14 .
([100]) جلاء الأفهام، ص466 .
([101]) صحيح البخاري: كتاب الأيمان والنذور، بَاب كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ r، رقم: 6632.
([102]) السنة لابن أبي عاصم: باب ما يجب أن يكون هوى المرء تبعًا لما جاء به النبي r، رقم: 15، ولا يصح في الصنعة الحديثية لذا (ضعف إسناده الشيخ الألباني، يُنظر: ظلال الجنة، ص14). إلا أنّ معناه صحيحٌ ثابتٌ في النصوص الأخرى. وسيأتِي في المطلب الثالث من هذا المبحث.
([103]) أخرجه ابن بطة في الإبانة، باب ذكر ما جاءت به السنة من طاعة رسول الله r، والتحذير من طوائف يعارضون سنن رسول الله r بالقرآن، (ج1/260)، وإعلام الموقعين لابن القيم، (ج2/ 215-220).
([104]) كتاب الشريعة،باب التحذير من طوائف تعارض سنن النبي r بكتاب الله تعالى...، ص53.
([105])  الشريعة، باب ذكر ما نعت الله U به نبيه محمدًا r في كتابه من الشرف العظيم... ص365-366.
([106]) صحيح البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، بَاب الاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ r، رقم: 7280 .
([107]) تقدم حديث البخاري في صحيحه: كتاب أخبار الآحاد، بَاب الاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ r، رقم: 7281.
([108])  صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا r على جميع الخلائق، رقم: 2278.

([109]) نور البصائر والألباب في أحكام العبادات والمعاملات والحقوق والآداب، تأليف: العلامة عبد الرحمن بن ناصر بن عبد السعدي، ص63-64، ط3/1426هـ، دار ابن الجوزي، باعتناء خالد بن عثمان السبت.
([110]) صحيح مسلم: كتاب الصلاة، باب اسْتِحْبَابِ الْقَوْلِ مِثْلَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ...، رقم: 386.
([111])  سنن أبي داود وهذا لفظه: كتاب السنة، باب المسألة في القبر وعذاب القبر، رقم: 4753، ومختصرًا في صحيح مسلم: الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، رقم: 2871.
([112]) البيتان، في تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد لبرهان الدين إبراهيم بن حسن اللقاني، ص37، وص40 .
([113]) شرح حديث أبي الدرداء للحافظ ابن رجب، ص41.
([114]) شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز، (ج111-112).
([115]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، (ج6/ص55-56).
([116]) صحيح البخاري: كتاب الوضوء، باب الوضوء ثلاثا ثلاثًا، رقم: 159، وصحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء وكماله، رقم: 226.
([117]) صحيح البخاري: كتاب التيمم، باب التيمم ضربة واحدة، رقم: 347، وصحيح مسلم، كتاب الحيض، باب التَّيَمُّمِ، 368.
([118]) صحيح البخاري: كتاب الوضوء، باب تَفْرِيقِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، رقم: 265، وباب من أفرغ بيمينه على شماله في الغسل، رقم: 266وصحيح مسلم، كتاب الحيض، باب صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، 317.
([119]) صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، 318.
([120]) قال الشيخ عبد الأول: «قال الوالد: إن حديث المسيء لصلاته فيه علم جم وينبغي أن يُدْرَسَ هذا الحديث » (المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله تعالى وسيرته وأقواله ورحلاته لعبد الأول بن الشيخ حماد، ج2/ص542).
([121]) صحيح البخاري: كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت، رقم:757، وباب أَمْرِ النَّبِيِّ r الَّذِي لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ بِالإِعَادَةِ، رقم: 793، وصحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُحْسِنِ الْفَاتِحَةَ وَلاَ أَمْكَنَهُ تَعَلُّمُهَا قَرَأَ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا، رقم: 397 .
([122]) صحيح البخاري: كتاب الاستئذان، باب من رد فقال: عليك السلام، رقم: 6251، وكتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسيًا في الأيمان، رقم: 6667، وصحيح مسلم، الكتاب والباب نفساهما، على إثر السابق.
([123])كتاب: ورثة الأنبياء -شرح حديث أبى الدرداء- للحافظ ابن رجب، ص22-23.
([124]) شرح حديث أبي الدرداء للحافظ ابن رجب، ص41.
([125]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص271، للشيخ السعدي، ط/الرسالة، تحقيق: د. عبد الرحمن اللويحق.
([126]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص37، للشيخ ناصر السعدي، ط/ شركة الرسالة، بتحقيق: د. عبد الرحمن بن معلا اللويحق.
([127]) هذا، إشارة إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود في سننه: في كتاب؟؟؟؟؟؟؟، باب فِى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، ولفظه: عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِىِّ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِىَ مِنْ بِرِّ أَبَوَىَّ شَىْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا قَالَ « نَعَمِ الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِى لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا »، رقم: 5144، وابن ماجه في سننه: في كتاب؟؟؟؟؟ باب صل من كان أبوك يصل، رقم: 3664.
([128]) نور البصائر والألباب في أحكام العبادات والمعاملات والحقوق والآداب، تأليف: العلامة عبد الرحمن بن ناصر بن عبد السعدي، ص68، ط3/1426هـ، دار ابن الجوزي، باعتناء خالد بن عثمان السبت.
([129]) نور البصائر والألباب في أحكام العبادات والمعاملات والحقوق والآداب، لعبد الرحمن السعدي، ص69.
([130])  سنن أبي داود: كتاب النكاح، باب فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا، رقم:
([131]) السنن الصغرى للنسائي، كتاب ، حق الرجل على المرأة، ورقمه: 9147.ط1/ دار الكتب العلمية، وبتحقيق: د.عبد الغفار سليمان البنداري، وسيد كسروي حسن.
([132]) مختصر الحقوق، تأليف: الشيخ حماد الأنصاري، ص220-222 (ضمن رسائله الفقهية).

No comments:

Post a Comment

TSAWATARWA DAGA SHAN TABAR SIGARI (التحذير من شرب الدخان)

TSAWATARWA DAGA SHAN TABAR SIGARI (التحذير من شرب الدخان) Na Shehun Malami Abdul’aziz dan Abdullahi bn Baaz Allah ya yi masa rahama...