عقيدة الرافضة في الخلفاء الثلاثة
(أبي بكر وعمر وعثمان ) رضي الله
عنهم.
من كتاب: "مختصر منهاج السنة النبوية"
لعبد الله الغنيمان حفظه الله
تقديم
الطالب: أبو بكر حمزة زكريا
بإشراف:
الشيخ توفيق حفظه الله
P
خطة
البحث ومنهجه
ومنهجي فيه أنني جعلته في فصول أربعة:
·
الفصل الأول :
في ذكر ما نقمت الرافضة في الخلفاء الثلاثة (أبي بكر وعمر وعثمان) والرد عليهم.
·
الفصل الثاني:
في ذكر ما طعنوا به أبا بكر وحده, وخلافته , وديانته والرد عليهم.
·
الفصل الثالث:
في ذكر ما نقموا على عمر, والرد عليهم.
·
الفصل الرابع:
في بيان ما طعنوا به عثمان ذا النورين, والرد عليهم.
ثم إني أنقل كلام الرافضي في جميع المواضع إلا
ما كان من موضعين أو ثلاثة, لأنه جاوز كلامه فيها أكثر من صفحة., وأما رد ابن
تيمية عليه فقد أستغني ببعض الأوجه عن البعض اختصارأ.
وقد جعلت تنبيها مهما في آخر البحث, بينت فيه
عدالة الصحابة وعدم عصمتهم. وفي الأول المقدمة.
المقدمة
الحمد لله الذي جعلنا على منهج أهل
السنة في :الصحابة وبقية أصول الدين ،وجعل الوسطية في الدين كله هو الأمر الموعود
،ثم جعل الوعيد لأهل الإفراط والتفريط, نحمده حمدا يليق بجلال وجهه, وقديم سلطانه,
والحمد لله عدد خلقه, ورضا نفسه, وزنة عرشه, ومداد كلماته. ونسأله الوفاة على حب
الصحابة كلهم أجمعين. ونحمده على أن نزل قوله: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا
غلا للذين آمنوا) فأمر بسلامة الصدر عنهم, والكف باللسان عن ذكر مساوئهم. وصلاة
وسلاما دائمين على من بعثه الله رحمة للعالمين القائل :"لا تسبوا أصحابي،
فوالذي نفسي بيده لو أنفق احد كم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه "
وعلى أله وصحبه أجمعين . والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد:
فإليك الاختصار, وقبله قصة:
القصة
صليت المغرب يوم الثلاثاء بمسجد رسول الله صلى
الله عليه وسلم بتاريخ :ثمانية عشر ذي
القعدة أ لف وأربعمائة وست وعشرين (18/ 11/1426هـ) فصلى بجنبي رجل قريب عمره من
سبعين ، فلما سلم الإمام رفع يده عن فخذيه ثم ردهما ثلاث مرات ، فبعد أذكار الصلاة
سألته عن فعله ذلك، فقال لي: نحن عندنا أن
المصلي إذا سلم من الصلاة يفعل ذلك مع تكبيرات ثلاث، هكذا أجابني.
·
فقلت له :قلت في
كلامك "عندنا" فمن أنتم حتى
يكون لكم عند؟
·
فقال :"نحن
الشيعة الجعفرية "
·
فطلبت من الشيخ أن
أتحدث به، وأن أسأله عن أشياء ،فأجابني بـ
"نعم ". فرأيت أن أتناقش معه في
عقيدة الشيعة في الصحابة وغير ذلك من أصول الدين .
موضوع المناقشة
:
عقيدة الجعفرية في الصحابة
دارت بيني وبين هذا الشيخ مناقشة من بعد صلاة المغرب إلى أذان صلاة
العشاء، وافتتحت المناقشة بسؤاله :
·
ما عقيدة الشيعة الجعفرية في الصحابة ؟
· فأجابني
بشيء حتى الآن ما فهمته جيدا وهو:إن
الصحابة عندهم على قسمين :1 ـ عدول الصحابة . 2 ـ وصحابة العدول .
· فقلت له:
"أعد"، فأعاد. فالذي فهمت من كلامه في ذلك المجلس، أنه من جنس قول أهل
السنة : "مطلق الإيمان والإيمان المطلق". وأخذ يفصل لي، فذكر
أنه يمكن أن يرتكب صحابة العدول المعاصي والفسق وغير ذلك . واستدل لي بقول الباري
في الحجرات :(إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا )
· قال
لي: وقد نزلت هذه الآية في: خالد والله سبحانه وتعالى سماه فاسقا زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
·
فقلت له: نزلت في خالد؟ وذلك لما أن المشهور في كتب التفاسير والسير
والحديث أنها نزلت في الوليد بن عقبة.
وخالد بن سعيد بن العاص استعمله النبي على صدقات بني مذ حج وعلى صنعاء
اليمن،ولم تنزل الآية بسببه.
· قال
الجعفري: "وأما عدول الصحابة عندنا
فمعصومون".
· فأجبته
في كلا قوليه : بأنه عندنا (أعني: أهل السنة) أن الصحابة كلهم عدول، وأما التفريق
الذي عندكم وهذا الاصطلاح فغير موجود عندنا . والأمر الثاني : كون الصحابي يرتكب بعض المعاصي في وقت ما لا يرفع
عنه هذه العدالة لأننا لا ندعي العصمة لأحد سوا الأنبياء ،وأما غيرهم فلا. فعلي
عندنا ليس بمعصوم، وكذلك غيره. فلخصت له مجمل عقيدة أهل السنة في الصحابة، وهو :
1.
أنهم عدول .
2.
أنهم إذا أجمعوا على
أمر فإجماع4343هم معصوم ،لا يجمعون على خطئ
وأما هم كأفراد ،فلا .
3.
أنه يمكن أن يصدر من
أحدهم خطأ أو معصية وذلك لا يمنع أن يقال فيه : عدل ، بتعديل الله لهم.
4.
وفي أخر المناقشة
ذكرت له هذه الآية الآتي ذكرها ،فيها شيئان اتخذ هما أهل السنة عقيدة وهما :
·
الكف باللسان عن ذكر
مساوئهم .
·
عدم حسدهم وغلهم .
كما
أمر بذلك رب العزة والجبروت : (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا
ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف الرحيم ) وقالت عائشة رضي
الله عنها: أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم، كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره
.
·
فقلت له :يا شيخ عليك
فاك!!!، لا تسبنّ أحدا من أصحابي النبي
صلى الله عليه وسلم لأنه لو أنفق أحدنا
مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه كما
في الحديث. فبقلبك لا تحسده, وبلسانك لا تسبه.
· فقال لي : عندنا
ـ الشيعة ـ علي وبيته معصومون.
· فقلت له
:لا معصوم من الكبائر إلا الأنبياء فقط. فهذا الذي عند أهل السنة. وقلت له :ماذا تقول في خلافة الثلاثة
قبل علي ؟
· فقال:
هو ورافضي آخر بجنبه: هذا بحث سياسي لا ينحل في ساعة،
· فقلت له: إن شاء
الله ينْحلّ.
· قال : لا. ولا
في يوم. فلما ألْححت عليه قال لي:
أليس عمر ـ كما في البخاري ـ هو الذي قال: (النبي يهجر) وذلك لما طلب منهم
رسول الله أن يأتوا بكتاب يكتب لهم في مرض
موته.
· فقلت له: لفظة: (يهجر) ليست ٍموجودة في البخاري مع أن
القصة فيه، كما قال عثمان بن محمد الخميس في كتابه: "حقبة من التاريخ"
،وكذلك ما ثبت أن عمر قالها ،بل قالها غيره .
· فقال لي: قرأت في البخاري في
خمسة مواضع.
· فقلت له:
"يا شيخ! هذه اللفظة ليست في البخاري, والقصة فيه".
· فقال: لعله قرأ في سنن ابن ماجه بهذه
اللفظة.
· فقلت: يمكن, ولا أدري.
· وذكر لي:
أن عائشة وطلحة والزبير وغيرهم قاتلوا علياً ومن معه رضي الله عنهم أجمعين.
· فقلت له:
كل من علي من جهة وعائشة وطلحة من جهة أخرى لم يبتدئ القتال, وإنما ابتدأه قتلة
عثمانt
وكل من الصحابة الذين شاركوا فيه قام يدافع عن نفسه فقط.
وكان في يدي كتاب "تفسير العشر
الأخير ويليه أحكام تهم السلم" فقلت له: خذ هذه هدية مني,
وفيه أمور مهمة تستفيد بها وهي الأحكام
التي تهم المسلم, وفتحت له فيه مناقشة دارت بين عبد الله وعبد النبي, وفي أوله "ونحن نتسمى بهذا
الإسم (يعني: عبد النبي) تبركاً وتقرباً إلى الله بجاه نبيه ومكانته عنده, ونطلب
منه r
الشفاعة لذالك". وقلت له: هذه العبارة خطأ.
·
فقال: لا! هذا ليس بخطأ.
· فقلت له:
خطأ, لأنه لا يطلب من النبيr الشفاعة لمكانته عند ربه أو بدونها, بل يسأل
الله الشفاعة لحبنا لنبيه مثلاً. فالعبارة عند أهل السنة خطأ.
ففي الأخير ـ بعد صلاة العشاءـ , نبهته
عن الآية التي سبق ذكرها وهي قوله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم) الآية.
وأعطاني رقمه الإيراني وهو هذا: (09121512526).
·
ومما ذكر لي لما سألته عن كتب الشيعة
قال: هناك كتاب اسمه (ثم اهتديت).
· فقلت له: قد رد
على هذا الكتاب شيخنا إبراهيم ابن عامر الرحيلي بكتاب (الإنتصار على الصحب
والآل) .
فهذا الذي ذكرت من القصة هو الذي دفعني دفعاً إلى أن أزيد في منهج البحث,
وقد كان البحث في الفصلين الأولين فزدت الثالث والرابع كما سبق. وهذا جعلني لا
أتقيد بثلاثين الصفحة المذكورة في القواعد المشترطة في البحث, بل زادت الصفحات على
ذالك, وأستسمحكم في هذا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على سينا محمد
وعلى آله ,صحبه أجمعين.
الفصل الأول:
عقيدة
الرافضة ـ هداهم الله ـ في الخلفاء الثلاثة، رضي الله عنهم .
إن ابن المطهر خصوصا والرافضة عموما طعنوا في
خلافة الخلفاء الثلاثة ودينهم وعرضهم، ولا ارتضوا بخلافة أحدهم قبل علي، بل
اعتبروهم ظالمين له رضي الله عنه،ونقموا منهم أمورا بمجموعهم، أخرى لأحاد هم وتصدى
لشبههم ـوالحمد لله ـ جلة من علماء أهل السنة وردوا عليهم ما افتروا عليهم رضي
الله عنهم، بل ولا أثار أحدهم شبهة إلا وتصدي لها قديما وحديثا، وممن قاموا بهذه
المهمة العظيمة، شيخ الإسلام ابن تيمية ـرحمه الله ـ وأكثر ما رد عليهم في كتابه
"منهاج السنة النبوية في الرد علي الرافضة والقدرية".
وهنا
يأتي ذكر ما نقمت الرافضة على الخلفاء الثلاثة بمجموعهم، وهي أمور:
أولاً: قال
ابن المطهر ):
إنهم "يعني أهل السنة"يقولون: "الإمام بعد
رسول الله أبو بكر بمبايعة عمر،برضا أربعة). ورد عليه شيخ الإسلام بما ملخصه:
ليس هذا ليس قول أئمة السنة، وإن كان بعض أهل الكلام يقول:1ـ إن الإمامة تنعقد
بأربعة. 2ـ وبعضهم: باثنين. 3ـ وبعضهم: ببيعة رجل واحد. وليست هذه أقوال أئمة
السنة، بل الإمامة تثبت عندهم بموافقة أهل الشوكة عليها، ولا يصير الرجل إماما حتى
يوافقه أهل الشوكة الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة،فإن المقصود من الإمامة
إنما يحصل بالقدرة والسلطان،فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إماما. .
. والملك لا يصير ملكا بموافقة واحد ولا اثنين ولا أربعة إلا أن تكون موافقة
غيرهم بحيث يصير ملكا بذلك.. .ولهذا لما بويع علي رضي الله عنه وصار معه شوكة
صار إماما. وقال: وأما قول الرافضي: (ثم عثمان بن عفان بنص عمر على ستة
هو أحدهم فاختاره بعضهم) فيرد عليه: بأن عثمان لم يصر إماما باختيار بعضهم، بل
بمبايعة الناس له، وجميع المسلمين عثمان رضي الله عنه لم يختلف في مبايعته أحد،كما
قال أحمد ـرحمه الله ـ :"ما كان في
القوم أوكد من بيعة عثمان كانت بإجماعهم".وقال عبد الرحمن بن عوف بعد أن أقام
ثلاثا لم يغتمض فيها بكبير نوم في مشورة السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان:"رأيت
الناس لا يعدلون بعثمان أحدا"أي أشاروا عليه بولاية عثمان.وهذا هو السبب في
قول كل من أيوب وأحمد والدار قطني وغيرهم:"من قدم عليا على عثمان فقد أزرى
بالمهاجرين والأنصار"
وأما
قوله:(ثم علي بمبايعة الخلق له ) حيث خصص عليا دون الثلاثة بمبايعة
الخلق له فظاهر البطلان. لأن سيرة القوم بخلاف ذلك، أي أن اتفاق ومبايعتهم لأبي
بكر وعمر وعثمان أعظم من اتفاقهم على بيعة علي رضي الله عنه وعنهم أجمعين. والذين
بايعوا عثمان في أول الأمر أفضل من الذين بايعوا عليا،وذلك لأنهم كبار الصحابة
كعلي نفسه وابن عوف وطلحة وابن مسعود والعباس وأبي وأمثالهم،وأضف إلى ذلك السكينة
والطمأنينة الموجودة،وكون ذلك بعد مشاورة المسلمين ثلاثة أيام. وأما علي رضي الله
عنه فإن مبايعته كانت عقب مقتل عثمان رضي الله عنه والقلوب مضطربة مختلفة،وأكابر
الصحابة متفرقون للحج وغيره. وكان الناس لمبايعته والقتال معه ثلاثة أصناف:
1. صنف
قاتلوا معه.
2. صنف
قاتلوه.
3. صنف
لم يقاتلوه ولم يقاتلوا معه.حتى إنه قيل في غير المشهور:إن ابن عمر وغيره لم
يبايعه.
فإذا كان كما قلت, فكيف يجوز أن يقال: "بمبايعة
الخلق له" يعني علي. ولا يقال مثل ذلك في مبايعة الثلاثة رضي الله عنهم: (ولم
يختلف عليهم أحد)؟ بل بايعهم الناس كلهم, ولا سيما عثمان لما أسلفت لك. وأما أبو
بكر فتخلف عن بيعته سعد لتعيين الأنصار له لللأمارة, ولكن هو مع هذا رضي الله عنه
لم يعارض, ولم يدفع حقاً, ولا أعان على باطل, بل قد روى أحمد بسنده في مسند الصديق
عن عبد الرحمن الحميري ... فذكر حديث السقيفة, وفيه: (ولقد علمت يا سعد أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: (قريش ولاة هذا الأمر, فبر الناس تبع
لبرهم, وفاجر هم تبع لفاجر هم), قال: فقال سعد: صدقت, نحن الوزراء, وأنتم الأمراء[1].
ولأثر وإن كان مرسلا إلا أنه يمكن أن يقال: لعل حميدا أخذه عن بعض الصحابة الذين
شهدوا بذلك. وفيه فائدة جليلة, وهي: أن سعدا نزل عن مقامه الأول وأذعن للصديق
بالإمارة, فرضي الله عنهما أجمعين.
وأهل السنة رووا نصوصا كثيرة في خلافة
الثلاثة, بخلاف خلافة علي رضي الله عنه فإن النصوص فيها قليلة نحو (خلافة النبوة
ثلاثون سنة) فدخل في ذلك علي بالمبايعة له لا بالنص كما تزعم الرافضة.
وأما ما تدّعيه الروافض من النص في ذلك, فهو
كالذي تدعيه الراوندية على العباس, وكلا هما معلوم البطلان بالضرورة عند أهل
العلم.فالحاصل أن الثلاثة رضي الله عنهم اجتمعت الأمة عليهم, فحصل بهم: 1/ مقصود
الإمامة. 2/ وقوتل بهم الكفار. 3/ وفتحت بهم الأمصار. وأما خلافة علي رضي الله
عنه, فلم يقاتل فيها كافر, ولا فتح مصر, وإنما كان السيف بين أهل القبلة.
والله
تبارك وتعالى أعلم.
ثانياً:
ونقم الرافضة على أهل السنة ذكر الخلفاء في الخطبة.
فقال الرافضي: ((مع أنهم ـ أي أهل السنة ـ
ابتدعوا أشياء, واعترفوا بأنها بدعة, وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل بدعة
ضلالة). وقال: (من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد) ولو ردوا عنها كرهته نفوسهم,
ونفرت قلوبهم كذر الخلفاء في خطبهم, مع أنه بالإجماع لم يكن في زمن النبي صلى الله
عليه وسلم ولا في زمن أحد من الصحابة والتابعين, ولا في زمن بني أمية، ولا في صدر
ولاية العباسين ، بل شيء أحدثه المنصور لما وقع بينه وبين العلوية خلاف, فقال:
لأرغمن أنفي و أنوفهم عليهم بني تيم وعدي, وذكَر الصحابة في خطبته, واستمرت هذه
البدعة إلى هذا الزمان)).
وأجاب شيخ الإسلام عن
كلام الرافضي بأجوبة أربعة:
1. إن ذكر الخلفاء على المنبر كان على عهد عمر بن
عبد العزيز، بل قيل إنه كان على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
2. أن ما ذكره الرافضي من
إحداث المنصور وقصره بذلك باطل, فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما توليا الخلافة
قبل المنصور بل وقبل بني أمية, فلم يكن في ذكر المنصور لهما إرغام لأنفه ولا لأنوف
بني علي, إلا لو كان بعض بني تيم أو بني عدي ينازعهم الخلافة, ولم يكن من أحد
ينازعهم فيها.
3. وأهل السنة ما قالوا إن
ذكر الخلفاء فرض, بل قالوا: الاقتصار على علي وحده أو الإثنا عشر هو البدعة
المنكرة التي ما فعلها أحد الصحابة ولا من التابعين ولا من بني أمية ولا من بني
العباس, فإن كان ذكر الخلفاء الأربعة بدعة, عم أن كثيرا من الخلفاء فعلوا ذلك
فالاقتصار على علي مع أنه لم يسبق إليه أحد من الأمة أولى أن يكون بدعة.
4. وقد قيل: إن ابن عبد
العزيز ذكر الخلفاء وترضى عنهم تعويضاً لما كان يفعله بعض بني أمية من سب علي,
وذلك ليمحوا تلك السنة الفاسدة.
ثالثاً: طعن الرافضة في إمامة غير علي من الصحابة.
قال ابن المطهر الرافضي في
الفصل الخامس ):
إن من تقدمه (يعني :عليا) لم يكن إماما).
ورد عليه شيخ الإسلام بما
ملخصه:هذا كلام فيه إجمال، فإن أريد به:أن الثلاثة لم يتولوا على المسلمين،ولم
يبايعهم المسلمون،ولم يكن لهم سلطان يقيمون به الحدود، ويوفون به الحقوق، ويجاهدون
به العدو، ويصلون الجمع والأعياد بالمسلمين، وغير ذلك مما هو داخل في معنى الإمامة
فهذا بهت ومكابرة،فإن هذا معلوم بالتواتر، والرافضة أنفسهم وغيرهم يعلمون ذلك، ولو
لم يتولوا الإمامة لم تقدح فيهم الرافضة. وإن أريد بذلك أنهم لم يكونوا يستحقون
ولا يصلحون للإمامة،وأن عليا كان يصلح ويستقها دونهم،أو أنه أصلح لها منهم فهذا
كذب،وهو مورد النزاع. ويجاب عليه بجواب عام وكلي، ثم بعد ذلك يأتي الجواب مفصلا
وتابعا للأبواب الآتية،حيث يذكر الأدلة على استحقاقهم للإمامة, وأنهم كانوا أحق
بها من علي رضي الله عنهم وعنه. أما الجواب العام والكلي: إن استحقاقهم للإمامة
مما علم علما يقينيا وقطعيا, وهذا لا ينازع فيه اثنان من طوائف المسلمين غير
الرافضة. بل إن أئمة الأمة وجمهورها قالوا: إنا نعلم أنهم كانوا أحق بها من غيرهم,
وكانوا أيضا أفضل الأمة أجمع. فإذا كان كذلك فإنه لا يمكن أن يعارض هذا بدليل قطعي
أو ظني, أما القطعي, فلأن القطعيات لا تتعارض, ولا يتناقض موجبها ومقتضاها, وأما الظنيات فلأنه لا
يعارض القطعي. وما تذكره الرافضة لا يخلو أن يكون شيئا لا يعلم صحته أو لا يعلم
دلالته على بطلان إمامتهم, وأي المقدمتين لم يكن معلوما لم يصلح لمعارضة ما علم
قطعيا. وسيأتي الرد تفصيلا إن شاء الله.
رابعاً:
الرافضي يطعن في علم الخلفاء, والرد عليه, وأن طعنه فيهم طعن في علي من باب
أولى.
قال الرافضي: الثالث:( قصورهم في العلم
والتجاؤهم في أكثر الأحكام إلى علي) الجواب: هذا من أعظم البهتان
كما قال شيخ الإسلام, فأما أبو بكر فما عرف أنه استفاد من عي شيئا أصلاً, وعلي قد
روى عنه واحتذى حذوه, واقتدى بسيرته رضي الله عنهما. وأما عمر فقد استفاد علي أكثر
مما استفاد عمر منه. وأما عثمان فقد كان أقل علما من أبي بكر وعمر, مع هذا فما يحتاج إلى علي حتى إن بعض
الناس شكى إلى علي بعض جبات (عمال) عثمان, فأرسل إيه بكتاب الصدقة, فقال عثمان:
"لا حاجة لنا به" وصدق عثمان. وذلك لأن فرائض الصدقة ونصبها ـ
التي لا تعلم إلا بالتوقيف عن رسول الله ـ هي من أربع طرق, أصحها أولاها وهو كتاب
أبي بكر الذي رواه البخاري وعمل به أكثر الأئمة, وثانيها كتاب عمر, أما الثالث
فكتا المنقول عن علي رضي الله عنه وفيه أشياء لم يأخذ بها أحد من العلماء مثل
قوله: "في خمس وعشرين خمس شاه" وذلك لأنه خلاف النصوص المتواترة
عن النبي صلى الله عليه وسلم, فالذي روي عن علي إما منسوخ, وإما خطأ في النقل.
ورابعها: كتاب عمر ابن حزم.
وكتاب أبي بكر هو آخرها. فكيف يقول عاقل: إن
الخلفاء الثلاثة كانوا يلجئون إليه؟ بل كان شريح القاضي وعبيدة السلماني ونحوهما
من قضاة علي كانوا في زمنه رضي الله عنه, يقضون بما تعلموه من غير علي.
أما طعن الرافضي على الخلفاء فطعن في علي
أولى, لأنه طعنهم بسبب الوقائع الصادرة عنهم, وتقدم في أول الكتاب الجواب عما ينكر
عليهم وأنه أيسر من الجواب عما ينكر على علي. فراجعه , فإنه مهم. وأنه لا يمكن أحد
له علم وعدل أن يجرحهم ويزكي عليا, بل متى زكى عليا
كانوا بالتزكية أولى, وإن جرحهم كان طرح الجرح إلى علي بطريق الأولى.
خامساً: الرافضة تطعن على الخلفاء
عبادتهم للأصنام قبل الإسلام.
قال الرافضي: "الخامس: قوله
تعالى( لا ينال عهدي الظالمين). أخبر بأن عهد الإمامة لا يصل إليها الظالم،
والكافر ظالم، لقوله تعالى (والكافرون هم الظالمون)ولا شك في أن الثلاثة كانوا
كفارا يعبدون الأصنام إلى أن ظهر النبي.)
والرد عليه من أربعة
أوجه: 1ـ قبل أن يبعث الله محمدا رسول
الله لم أحد مؤمنا من قريش لا رجل ولا امرأة ولا صبي ولا الثلاثة ولا علي ، وإذا
قيل عن الرجال: إنهم كانوا يعبدون الأصنام، فالصبيان كذلك، علي وغيره. 2ـ بل إن من ولد في الإسلام ليس كل منهم بأفضل
ممن أسلم بنفسه، بل قد ثبت بالنصوص المستفيضة أن خير القرون القرن الأول، وعامتهم
أسلموا بأنفسهم بعد الكفر، وهم أفضل من القرن الثاني الذين ولدوا في الإسلام. 3ـ الكفر الذي يعقبه الإيمان الصحيح لم يبق على
صاحبه منه ذم،لولا سخافة عقل الرافضي لقوله تعالى:(قل للذين إن ينتهوا يغفر لهم ما
قد سلف) ولقول النبي: "إن الإسلام يجب ما كان قبله".وفي لفظ "يهدم
ما كان قبله". فهذا كله معلوم من دين الإسلام بالاضطرار.
4ـ
إن من قال إن السلم بعد إيمانه كافر،فهو بإجماع المسلمين،فكيف بمن قال:إن أفضل
الخلق إيمانا:إنهم كفار؟لأجل ما تقدم.
سادسا: كذب الرافضي في قوله:
إن الخلفاء كانوا في جيش أسامة رضي الله عنهم.
قال الرافضي: (التاسع: أن رسول الله قال:"جهزوا جيش أسامة،
وكرر الأمر بتنفيذه وكان فيهم أبو بكر وعمر وعثمان, ولم ينفذ أمير المؤمنين, لأنه
أراد منعهم من التوثب على الخلافة بعده, فلم يقبلوا منه). الجواب: أولاً:
نطالب الرافضي بصحة النقل, لأن هذا لا يروى بإسناد معروف, ولا صححه أحد من علماء
النقل. وثانيا: أن هذا كذب بإجماع علماء النقل فلم يكن في جيش أسامة: لا أبو بكر
ولا عثمان, وإنما قد قيل: إنه كان فيه عمر, وقد استأذن الخليفة أبو بكر أسامة في
استشارة عمر فأذن له. فكان هذا من فضائل أبي بكر. أما أبو بكر نفسه فقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استخلفه
على الصلاة حتى مات وصلى أبو كر الصبح يوم موته, وق كشف سجف الحجرة فرآهم صفوفا
خلف أبي بكر, فسر بذلك, فكيف يكون مع هذا قد أمره أن يخرج في جيش أسامة؟ ثالثاً:
أن النبي أمر أبا بكر أن يصلي بالناس ولم يأمر علياً, فلو كان علي هو الخليفة لكان
يأمر بالصلاة بالمسلمين. فكيف ولم يأمر ‘لياً على أبي بكر قط؟ رابعاً: أن النبي
صلى الله عليه وسلم لو أراد تولية علي رضي اله عنه لكان هؤلاء الثلاثة أعجز أن
يدفعوا أمر رسول الله, ولكان جمهور المسلمين أطوع لله ولرسوله من أن يدعوا هؤلاء
يخالفون أمره, لا سيما وقد قالت ثلث المسلمين أو أكثر مع علي لمعاوية, وهم لا
يعلمون معه نصا, فإن كان معه نص لقاتل معه جمهور المسلمين. هذه بعض ما نقمت
الرافضة على الخلفاء الثلاثة بأجمعهم, والفصل الذي أقدمه الآن يأتي في ذكر ما
نقموا على خليفة النبي أبي بكر الصديق.
الفصل
الثاني:
في ذكر ما نقم الرافضة على أبي بكر
وخلافته, والرد عليهم.
ونقموا عليه أموراً:
1. هل
خلافته كانت بنص أو اجتهاد؟ :
قال
ابن المطهر الرافضي: (أما أهل السنة في قول: "أن النبي صلى الله عليه وسلم
لم ينص على إمامة أحد, ,وأنه مات من غير وصية"). قال شيخ الإسلام:
المقصود من الرد عليه هنا: البيان لكلام
الناس في خلافة أبي بكر, هل حصل عليها بنص خفي أو جلي...؟ وسيتبين في الآتي أن
كثيرا من السلف والخلف قالوا بالنص الجلي أو الخفي, وحينئذ يبطل قول الرافضي في
أهل السنة: (إنهم يقولون: إن النبي لم ينص على إمامة أحد). ومن طرف آخر: القول
بالنص على إمامته لم يقله جميعهم كما سيتضح, فإذا كان حقا فقد قال به بعضهم, وإن
كان الحق هو نقيضه فقد قال بعضهم بذلك. فعلى التقديرين لم يخرج الحق عن أهل السنة.
وهنا يأتي ذكر بعض من يرى أن خلافته كانت بالنص مع ذكر أدلتهم، قال شيخ
الإسلام: "قد ذهب طوائف من أهل السنة إلى أن إمامته( يعني أبا بكر)ثبتت
بالنص،والنزاع في ذلك معروف في مذهب أحمد وغيره من الأئمة، فأبو يعلى وغيره
ذكروا في ذلك روايتين عن أحمد. فذكر هما، والثاني منهما:: أنها ثبتت بالنص الخفي
والإشارة؛ قال القاضي:وبهذا قال الحسن البصري وجماعة من أهل الحديث، وبكر بن
أخت عبد الواحد،والبيهسية من الخوارج،انتهى كلامه. أما شيخ أبي يعلى الذي هو ابن حامد فقال:
"وقد اختلف أصحابنا في الخلافة هل أخذت من حيث النص؟ وأنه صلى الله عليه
وسلم ذكر ذلك نصا،وقطع البيان على عينه حتما ..."وكر الاختلاف. وقال أيضا:
(والدليل على إثبات ذلك بالنص أخبار ) فأخذ يسرد الأدلة. وأما أبو محمد بن حزم فإنه قال في كتابه الملل
والنحل:" اختلف الناس في الإمامة بعد رسول الله، فقالت طائفة:
1ـ إن النبي لم يستخلف أحدا،ثم
اختلفوا،فقال بعضهم:لكن لما استخلف أبا بكر على الصلاة كان دليلا على أنه
أولاهم بالإمامة والخلافة على الأمر. وقال
بعضهم: لا. ولكن كان أثبتهم فضلاًًًًً فقدموه لذلك.
2ـ وقالت طائفة أخرى: بل نص رسول الله
على استخلاف أبي بكر بعده على أمور الناس نصا جليا. ثم قال: (وبهذا
نقول لبراهين). ثم سردها. ويتلخص مما سبق أن هؤلاء الآتي ذكرهم ذهبوا إلى نصية
خلافة أبي بكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم: 1ـ الحسن البصري, 2ـ بكر ابن
أخت عبد الواحد. 3ـ شيخ أبي يعلى وهو ابن حامد. 4ـ وبه قال أبو محمد ابن حزم. 5ـ
الإمام أحمد , نقل القاضي أبو يعلى عنه روايتين. 6ـ قال به جماعة من المحدثين. 7ـ
وهو قول البيهسية من الخوارج. وسبق نقل كلام بعضهم, واتضح من هذه العجالة إن قول
الرافضي عن أهل السنة أنهم يقولون: ( إن النبي لم ينص على إمامة أحد)خطأ,والصواب
أن يقول: (إن بعضهم يقولون...) إذ إنهم ليسوا كلهم يقولون بالذي ذكر. والقول
الثاني في المسألة, قال به جماعة منهم. وهو أنه صلى الله عليه وسلم لم ينص على ذلك
وهو ترجيح أبي يعلى وابن تيمية ورأي المعتزلة والأشعرية, وهي الرواية الثانية عن
أحمد.
أما أدلة من قال بالنص
في ذلك فما يأتي: ذكر ابن حامد أحاديث صحيحة وضعيفة على ذلك, فأورد شيخ الإسلام في
المنهاج الصحيحة وترك الضعيفة, فقال: ( وذكر أحاديث أخر لم أذكرها لكونها ليست مما
يثبته أهل الحديث). وأما التي ذكرها شيخ الإسلام مما استدل به ابن حامد ففي صفحة
(54) حيث قال: ( قال ابن حامد: والدليل على إثبات ذلك بالنص أخبار, من ذلك:
1/
ما أسنده البخاري عن جبي ابن مطعم قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه
وسلم, فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت فلم أجدك؟ ـ كأنها تريد الموت ـ
قال: ( إن لم تجديني فأتي أبا بك[2]ر).
2/ وأسن البخاري عن أبي
هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينا أنا نائم رأيتني على
قليب عليها دلو, فنزعت منها ما شاء الله, ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوباً
أو ذنوبين, وفي نزعه ضعف, والله يغفر له ضعفه, ثم استحالت غرباً
فأخذها
عمر ابن الخطاب, فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر, حتى ضرب الناس بعطن), قال:
وذلك قمص في الإمامة.[3]
3/ عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر "[4]
رواه أحمد والترمذي.
4/ عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال
رسول الله يوما:" أيكم رأى رأيا فقلت:أنا رأيت يا رسول الله كأن ميزانا دلى
من السماء فوزنتَ بأبي بكر فرجحت بأبي بكر،ثم وزن أبو بكر بعمر فرجح أبو بكر بعمر، ثم وزن عمر
بعثمان،فرجح عمر بعثمان ثم رفع الميزان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خلافة
نبوة،ثم يؤتي الله الملك لمن يشاء".[5]
رواه أبو داود والترمذي.
5/ عن جابر الأنصاري قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: رأى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله، ونيط عمر
بأبي"ونيط عثمان بعمر، قال جابر: فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم قلنا: أما الرجل الصالح فرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما نوط بعضهم ببعض
فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه.
6/ عن عائشة قالت:"دخل علي رسول الله
اليوم الذي بدئ فيه، فقال:ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا ،ثم
قال:يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر، وفي لفظ: فلا يطمع في هذا الأمر" رواه
البخاري ومسلم [6]
وهو من طريق صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة .ورواه من طريق أبي داود الطيالسي،
عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله قال: " ادعي لي عبد
الرحمن بن أبي بكر لأكتب لألبي بكر كتاباً لا يختلف عليه،ثم قال: "معاذ الله
أن يختلف المؤمنون في أبي بكر."
قال شيخ الإسلام: " وذكر ابن حامد أحاديث تقديم أبي بكر في الصلاة." وأما ابن حزم تبرهن على أن رسول الله صلى الله
وسلم نص على خلافة أبي بكر،فملخص أدلته
الآتي: 1ـ إطباق المهاجرين كلهم وجميع
إخوانهم من الأنصار على أن سموه: خليفة رسول الله. ولم يقولوا: خالف
رسول الله، فهذا في اللغة لا يجوز إلا لمن يستخلفه المرء مقامه، بخلاف: ( الخا
لف ) فإنه يكون لمن يخلف الإنسان دون أن يستخلفه، ثم قال:( ومحال أن يجمعوا ( يعني
الأنصار والمهاجرين )على تسميته بذلك ولم يستخلفه نصا" فالحاصل: إجماع الصحابة على ذلك.
2ـ ثم ذكر حديث المرأة السابق، وعلق
عليه:"( وهذا نص جلي على استخلافه.)
3ـ وذكر حديث عائشة السابق: ( لقد هممت أن أبعث
إلى أبيك ).
4ـ وروي أيضا بهذه الرواية:" ويأبى الله
والنبيون إلا أبا بكر" وعلق عليه بقوله:( فهذا نص جلي على استخلافه صلى الله
عليه وسلم أبا بكر على ولاية الأمة بعده ).
ثم
أخذ يفند أدلة الطائفة الثانية التي استدلوا بها على عدم النصية، فقال:( واحتج من
قال: لم يستخلف بالخبر المأثور عن عمر بن الخطاب أنه قال:( إن استخلف فقد استخلف
من هو خير مني ـ يعني أبا بكر ـ وإلا أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني ـ يعني رسول
الله ـ رواه البخاري ومسلم [7]
وبما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها
سئلت: ( من كان رسول الله مستخلفا لو استخلف)؟[8] ثم
قال: ( ومحال أن يعارض إجماع الصحابة الذي ذكرنا عنهم،والأثران الصحيحان المسندان
إلى رسول الله من لفظه بمثل هذين الأثرين
الموقوفين على عمر وعائشة رضي الله عنهما مما لا تقوم به حجة ظاهرة، مع أن هذا
الأثر خفي على عمر كما خفي عليه كثير من أمور رسول الله كالاستئذان وغيره ... وأما الخبر
عن عائشة فكذلك أيضا يقال فيه؛ وقد يخرج كلامهما عن سؤال سائل. وإنما الحجة في
روايتهما لا في قوليهما.) انتهى كلامه رحمه الله. وقال شيخ الإسلام مرجحا
أحد قولي أهل السنة :" والتحقيق أن النبي دل المسلمين على استخلاف أبي
بكر،وأرشدهم بأمور متعددة من أقواله وأفعاله، وأخبر بخلافته إخبار راض بذلك حامد
له، وعزم على أن يكتب بذلك عهداً، ثم علم أن المسلمين سيجتمعون عليه فترك الكتابة
اكتفاءاً بذلك. ثم عزم على ذلك في مرضه يوم الخميس ،ثم لما حصل لبعضهم شك هل ذلك
القول من جهة المرض، أو هو قول يجب اتباعه ترك الكتابة اكتفاءاً بما علم أن الله
يختاره والمؤمنون من خلافة أبي بكر رضي الله عنه،فلو كان التعيين يشتبه على الأمة
لبينه بيانا قاطعا للعذر، لكن لما دلهم دلالات متعددة على أن أبا بكر هو المتعين،
وفهموا ذلك حصل المقصود، ولهذا قال عمر في
خطبته التي خطبها بمحضر من المهاجرين والأنصار
: " وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر" رواه البخاري
ومسلم .[9]
وفيهما (يعني المهاجرين والأنصار ) كذلك
قال عمر يوم السقيفة: (أنت خيرنا وسيدنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
" ولم ينكر ذلك منهم منكر، ولا قال
أحد من الصحابة : إن غيره من المهاجرين أحق بالخلافة منه، ولم ينازع أحد في
الأنصار إلا سعد رضي الله عنه لكونه كان يطلب الولاية، ولا ادعى العباس ولا علي ذلك لنفسه، وهذا كله معلوم عند
العاملين بالآثار والسنن بالاضطرار. وسعد رضي الله عنه لما قال له أبو بكر : ( لقد
كنت قائداً في مجلس فقال رسول الله: ( إن هذا الأمر في قريش )لم ينازعه، بل أذعن
له وقال: نحن الوزراء وأنتم الأمراء، أو كما جاء في الأثر. فتبين من هذا أن الجميع
أبا إلا أبا بكر كما قال النبي
الكريم. والنزاع يكون ناشئاً لأحد سببين :
1/ خفاء علم . 2 / أو لسوء القصد . وكلا السببين منتفٍ في حقهم
، فإن العلم بفضيلة أبي بكر جلي ، وسوء القصد لا يقع من جمهور الأمة الذين هم أفضل
القرون،ولهذا قال الرسول: (ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ). فالحاصل أن خلافته
رضي الله عنه كانت ثابتةً بالنص والإجماع ،لكن النص دل على رضا الله ورسوله أنها
حق وأن الله أمر بها وقدرها، وأن المؤمنين يختارونها، وكان هذا أبلغ من مجرد العهد
بها،لأنه حينئذ كان يكون طريق ثبوتها مجرد العهد.
2 0
الرافضي يطعن في الإجماع على إمامة الصديق:
وعقد الرافضي أربعة فصول في
قضية الإجماع عموما, إما على نقض خلافة أبي بكر , أو على إثبات خلافة علي به ـ أي
الإجماع ـ فتناقض, ورد عليه شيخ الإسلام في كل ذلك. أما كلام الرافضي في هذا
فقوله: ( وأيضا الإجماع ليس أصلا في الدلالة, بل لا بد أن يستند المجمعون إلى دليل
على الحكم حتى يجتمعوا عليه, وإلا كان خطأ, وذلك الدليل إما عقلي, وليس في العقل
دلالة على إمامته (يعني أبا بكر), وإما نقلي, وعندهم ـ يعني أهل السنة ـ أن النبي
مات من غير وصية, ولا نص على إمام, والقرآن خال منه, فلو كان الإجماع متحققا كان
خطا فتنتفي دلالته). اهـ أما قوله: (الإجماع ليس أصلا في الدلالة) فقد قال شيخ
الإسلام: (هذا الكلام فيه إجمال, وتفصيله: إن أراد به أن أمر المجتمعين لا تجب
طاعته لذاته, وإنما تجب لكونه دليلا ومشيرا إلى أمر الله ورسوله, فهذا صحيح. ولكن
هذا لا يضر, فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجب طاعته لذاته, بل لأن من
أطاع الرسول فقد أطاع الله,ففي الحقيقة لا
يطاع لذاته إلا الله. وأما إن أراد بكلامه هذا أنه قد يكون الإجماع موافقا
للحق،وقد يكون مخالفا له؛ـ وهو الذي أراد بكلامه هذا ـ فهذا قدح في كون الإجماع حجة، دعوى أن الأمة
قد تجتمع على ضلالة والخطإ فوافق النظام.فحينئذ يجاب عليه: 1/ بأن إمامة علي رضي الله عنه وعصمته ـ على ما
تزعم الرافضة ـ وغير هذا من أصول الشيعة الإمامية فظهر بطلانها لأنهم أثبتوه
بالإجماع، فبسقوطه سقط وبطل ما بنيتموه من أصول الدين كلها،وثبت قول أهل السنة.
وإن كان الإجماع حقا، فقد ثبت أيضاً قول أهل السنة. وسقط قولكم كذلك. فعلى أي
التقديرين أيّ التقديرين حملوا قولهم فأصولهم ساقطة . والحمد لله. ويمكن أن
يقولوا: لما أن مصادر التلقي عندنا ليس فقط الإجماع بل معه العقليات، والنقل عن الأئمة المعصومين، فبقال حينئذ: إذا
لم تحتجوا بالإجماع لم يبق لكم ولا معكم حجة سمعية غير النقول المعلوم عن
النبي،وأما ما تنقلونه عن على وغيره من الأئمة فلا يكون حجة حتى نعلم الواحد منهم
،وذلك لا يثبت إلا بنقل عن النبي المعصوم،فما لم يثبت نقل صحيح معلوم عن النبي صلى
الله عليه وسلم هذا الذي تقولونه،لم يكن معكم حجة سمعية أصلا،لا في الأصول ولا في
الفروع. والآن نرد المسألة ونرد عليها مجملا : فنقول: إن
أثبتم بالإجماع خلافة علي ونصية الرسول
على ذلك فكلامكم باطل لنفيكم كون الإجماع حجة.وإن لم تثبتوه إلا بالنقل
الخاص،فقد تبين في المقدمتين بطلانه من وجوه .فآل الأمر إلى البطلان والله
المستعان. وبهذه الطريقة ومثلها فنّد شيخ الإسلام شبه الرافضة وطعنهم في الإجماع
على إمامة أبي بكر الصديق في بقية الفصول الثلاثة التابعة لهذا الفصل. والذي ذكرت
هنا هو مجمل رده على الرافضي فيها.[10]
3
. الرافضي يزعم أن أبا بكر منع فاطمة ـ
رضي الله عنها ـ ميراثها:
فقال :( ومنع فاطمة إرثها
فقالت : يا ابن أبي قحافة، أترث أباك، ولا
أرث أبي؟ والتجأ في ذلك إلى رواية انفرد بها، وكان هو الغريم, لأن الصدقة تحل له’
ولأن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"نحن معشر الأنبياء ما تركناه صدقة".
علي أن ما رووه فالقرءان يخالف ذالك, لأن الله تعالى قال:(يوصيكم الله في أولادكم)
الآية. ولم يجعل الله ذالك خاصا بالأمة دونه صلي الله عليه وسلم, وكذّب روايتهم,
فقال تعالى:(وورث سليمان داود). وقال عن زكريا: (وإني خفت الموالي من ورائي وكانت
امرأتي عاقرًا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب).
والجواب:
1ـ أما ما ذكره من أن فاطمة قالت: " أترث أباك ولا أرث أبي؟". فلا صحة
له. وهب أنه صحّ, فليس فيه حجة لأن أباها لا يقاس بأحد من البشر. 2_ وأما قوله :(
والتجأ برواية انفرد بها) فكذب, لأن الذين رووا حديث: " إنا معشر الأنبياء لا
نورث" من الصحابة عن النبي صلي الله عليه وسلم كثيرون, منهم : 1_ 04 الخلفاء الأربعة. 5.طلحة.
6. الزبير. 7. سعد ابن أبي وقاص. 8. ابن عوف. 9. العباس.
10. أبو هريرة. 11. ثم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. والرواية
ثابتة عنهم في الصحاح والسنن وكلامه هذا يدل على فرط جهله. وذلك لأنه لم يعرف حتى
من خرج الحديث من الصحابة. والله المستعان.
3
ـ وأما قوله: (وكان هو الغريم لها)فكذب أيضا، فإن أبا بكر لم يدع لنفسه، ولا لأهل
بيته، وإنما هو صدقة لمستحقيها كما أن المسجد صدقة للمسلمين.
4
ـ وأما قوله: ( على أن ما رووه فالقرءان يخالف ذلك،لأن الله قال: (يوصيكم الله
)ولم يجعل الله ذلك خاصا لأمة دونه صلى الله عليه وسلم) فيجاب عليه بأنه: ليس في
عموم الآية ما يدل على أن النبي يورث، بل هو شمل للمقصودين بالخطاب،وليس فيه ما
يوجب أن النبي مخاطب بذلك. وبأن :
"لا يورث" ثابت بالسنة المقطوع بها والإجماع، إذاً فلا يعارض ذلك بما
يظن أنه العموم،وإن كان عموما فهو مخصوص. لهذا لم يصرّ أحد من أزواجه على طلب
الميراث، ولا العم كذلك، بل كل من طلب ذلك فأخبر بقول الرسول ذلك، رجع عن
طلبه. وأيضا أبو بكر وعمر أعطيا عليا
وأولاده من المال أضعاف أضعاف ما خلفه النبي من المال.
5
ـ وأن قوله: ( وورث سليمان داود )وقوته : "(فهب لي من لدنك وليل يرثني ويرث
من آل يعقوب )لا يدل على محل النزاع ،الذي هو إرث المال،لأن الأنبياء لم يورّثوا
ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم كما روى أبو داود والترمذي.[11]
والمراد بالإرث في هاتين الآيتين إرث
العلم والنبوة ونحو ذلك. لا إرث المال.
وأما قصة الفدك فإليك نص الرافضي: ( ولما ذكرت فاطمة أن أباها رسول الله وهبها
فدك، قال لها:هات أسود أو أحمر يشهد لك بذلك،فجاءت بأم أيمن، فشهدت لها بذلك؛ فقال:
امرأة لا يقبل قولها، وقد رووا جميعا أن رسول الله قال: " أم أيمن من أهل
الجنة "فجاء أمير المؤمنين فشهد لها بذلك، فقال: (هذا بعلك يجرّه إلى
نفسه، ولا نحكم بشهادته لك)؛ وقد رووا جميعا أن رسول الله قال: "علي مع
الحق، والحق معه يدور معه حيث دار لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض". فغضبت
فاطمة عند ذلك وانصرفت وحلفت أن لا تكلمه ـ يعني أبا بكر ـ ولا صاحبه ـ يعني عمر ـ
حتى تلقى أباها وتشكو إليه، فلما حضرتها الوفاة أوصت عليا أن يدفنها ليلاً ولا يدع
أحدا يصلي عليها، وقد رووا جميعا أن النبي قال: " يا فاطمة إن الله يغضب
لغضبك، ويرضى لرضاك " ورووا جميعا أنه قال : "فاطمة بضعة منّي، من
أذاها فقد أذاني، ومن أذاني فقد أذى الله." ولو كان الخبر ـ إنا معشر
الأنبياء لا نورث ـ صحيحا حقا لما جاز له ترك
البغلة التي خلفها النبي صلى الله عليه وسلم وسيفه وعمامته عند أمير
المؤمنين عليّ، ولما حَكَم له بها، ولما ادعاها العباس؛ ولكان أهل البيت الذين
طهرهم الله في كتابه مرتكبين ما لا يجوز؛ لأن الصدقة عليهم محرمة، وبعد ذلك جاء
إليه مال البحرين وعنده جابر بن عبد الله
الأنصاري فقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي: إذا أتى مال
البحرين حثوت لك ثلاثا، فقال له : تقدم فخذ بعددها، فأخذ من بيت مال المسلمين من
غير بيّنةٍ، بل بمجرد قوله. ) انتهى كلام الرافضي.
الجواب: في هذا الكلام من الكذب مالا يحصى:
أولاً:
كيـــــــــف يهب النبي صلى الله عليه وسلم فدك لفاطمة
ولا يكون هذا معلوما عند أهل بيته حتى تختص بمعرفته أم أيمن أو علي رضي الله عنهما .وأيــــضا أمر الفدك
لا يخلو إما أن يكون إرثا أو هبة، فإن كان الأول أي إرثا امتنع أن يكون الثاني أي هبة والعكس؛ ثم إن كانت هبة فلا تخلو من حالتين: 1.
إما أن يكون في مرض موته. 2. أوفي حال صحته. فإن كان في مرض الموت؛فرسول الله منزه
ـ إن كان يورث كما يورث غيره ـ أن يوصي لوارث أو يخصه بأكثر من حقه في مرض موته.
وإن كان في صحة فلا تخلو أيضا من حالتين: 1ـ أن تكون قبضته. 2ـ أو لا. فإن لم تقبضه حتى مات،أي بأن كانت الهبة
كلاما من الواهب دون أخذ منه، كان ذلك باطلا عند جماهير العلماء.
ثانيا: أن ادعاء فاطمة
فدك
كذب عليها،فإنه جاء عن عمر بن عبد العزيز أنه قال في فدك :( إن فاطمة سألت
النبي أن يجعلها لها فأبى، وأن النبي كان ينفق منها، ويعود على ضعفة بني
هاشم،ويزوج منه أيّمهم،وكانت كذلك حياة رسول الله صلي الله عليه وسلم أمر صدقة،
وقبلت فاطمة الحق ،وإني أشهدكم أني رددتها إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله صلي
الله عليه وسلم، ولم يسمع أن فاطمة ادعت أن النبي أعطاها إياها في حديث ثابت
متصل، ولا أن شاهدا شهد لها...
ثالثاًًً: لو كان النبي يورث, فهل وارثته هي
ابنته فاطمة فقط؟ أم أزواجه يرثنه؟ كذلك عمه العباس, فيكون الخصم عمه وأزواجه
وبنته فاطمة, فهل يقبل عليهم شهادة امرأة واحدة أو رجل واحد؟ ج: لا. وذلك بكتاب
الله وسنة رسوله واتفاق المسلمين. وإن كان لا يورث فالخصم في ذلك جميع المسلين,
فكذلك لا يقبل عليهم شهادة امرأة واحدة ولا رجل واحد باتفاق المسلمين ولا رجل ولا
امرأة في قضايا الأموال. وشهادة الزوج لـزوجته فيها قولان مشهوران للعلماء:
أولاً: لا يقبل. وهو مذهب الجمهور للتهمة. ثانياً: تقبل. وعلى هذا فلو قدر صحة هذه
القصة لم يجز للإمام أن يحكم بشهادة رجل واحد, ولا امرأة واحدة باتفاق المسلمين.
لاسيما وأكثرهم لا يجيزون شهادة الزوج.
رابعاً: قوله: (فجاءت بأم
أيمن فشهدت لها بذلك, فقال: امرأة لا يقبل قولها, وقد رووا جميعاً أن رسول الله
صلي الله عليه وسلم قال: "أم أيمن امرأة من أهل الجنة". وصف شيخ
الإسلام هذا الرجل بالجهل المفرد حيث إنه يريد أن يستدل لنفسه فيحتج عليها. فإن
امرأة واحدة لا يقبل قولها في الحكم بالمال لمدعٍ يريد أن يأخذ ما هو في الظاهر
لغيره. وأما قوله: (رووا جميعا) في الأول والثاني والثالث, فإن شيخ الإسلام علق في
الأول بأنه خبر لا يعرف في شيء من دواوين الإسلام, ولا يعرف عالم من
علماء الحديث رواه.فمن ينكر حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه ( لا نورث)
وقد رواه أكابر الصحابة (كما سبق ذكر ذلك), ثم يقول: (إنهم رووا جميعا هذا
الحديث), فإنما هو من أجهل الناس, وأعظمهم جحدا للحق. وفي الثاني
علق الشيخ بقوله: (فإن هذا الحديث لم يروه أحد عن النبي صلي الله عليه وسلم لا
بإسناد صحيح ولا ضعيف). وأما في الثالث, فقال معلقا فيه فهذا كذب من
ابن المطهر, ما رووا هذا عن النبي صلي الله عليه وسلم, ولا يعرف هذا في شيء من كتب
الحديث المعروفة, ولا له إسناد معروف عن النبي صلي الله عليه وسلم لا صحيح ولا حسن.
خامساً: أما قوله:(إن
عليا شهد لها فرد شهادته لكونه زوجها), فهذا مع أنه كذب, لو صح ليس يقدح, إذ كانت
شهادة الزوج لزوجه مردودة عند كثير من العلماء ـ كما مرّ ـ .
سادساً: أما
قوله: (علي مع الحق, والحق معه, يدور معه حيث دار, ولن يفترقا حتى يردا عليّ
الحوض), فهذا كلام ينزه عنه الرسول صلي الله عليه وسلم عن أن يقوله بدليل أنه أخبر
أنه إنما يرد عليه أشخاص كما في الروايات الكثيرة, وأما الحق فليس من الأشخاص
الذين يردون الحوض.
سابعاً: ما ذكره
من غضب فاطمة على أبي بكر وإيصائها أتن تدفن ليلاً ولا يصلي عليها أحد منهم, فإنه
يحسب أنه يمدحها فيجرحها لجهله. ونحن نعلم أن ما يحكى عنها وعن غيرها من الصحابة
من القوادح كثير منها كذب, وبعضها كانوا فيها متأولين, وإذا كان بعضها ذنبا فليس
القوم معصومين.بل هم مع كونهم أولياء الله ومن أهل الجنة لهم ذنوب, يغفرها الله
لهم. أيضا من رضي الله عنه ورسوله لا يضره غضب أحد من الخلق عليه, كائنا من كان.
ثامناً: وأما قوله: (رووا جميعا
"أن فاطمة بضعة مني, من آذاها, فقد آذاني, ومن آذاني, فقد آذى الله").
فإن الحديث لم يرو بهذا اللفظ, بل بغيره روي, في سياق خطبة علي لابنة أبي جهل,
وفيه:"إني لا آذن, ثم لا آذن, ثم لا آذن, إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما
رابها, ويؤذيني ما آذاها, إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي, وينكح
ابنته.").
تاسعا: قوله: (لو كان هذا الخبر صحيحا
حقاً, لما جاز له ترك البغلة, والسيف, والعمامة...). والجواب: أبو بكر وعمر, لم
يتركا ذلك لأحد على أنه ملك له, بل غايته أنهما تركاها عند هما كما تركا صدقته عند
علي والعباس ليصرفا في مصارفها الشرعية.
عاشرا: وأما قوله: ( ولكان أهل البيت
الذين طهرهم الله في كتابه مرتكبين ما لا يجوز)؛ فيقال: إن الله لم يخبر بأنه طهر
جميع أهل البيت و لا سيما عند الرافضة, فإن الأمر عند هم, أن كل من كان من بني
هاشم, يحب أبا بكر وعمر, فليس بمطهّر. ولآية إنما قال فيها: {إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}, وهي مثل قوله تعالى:{ما يريد الله ليجعل
عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم}, مما فيه بيان أن الله يحب ذلك لكم ويرضاه لكم,
ويأمركم به, فمن فعله,حصل له هذا المراد المحبوب المرضي, ومن لم يفعله لم يحصل له
ذلك.
الحادي عشر:
قوله: (لأن الصدقة محرمة عليهم). فيقال: المحرم الفرض, دون صدقات التطوع.
الثاني عشر: أما معارضته بحديث
جابر, فيقال: جابر لم يدع حقا لغيره, ينتزع من ذلك الغير ويجعل له, فلهذا لم يفتقر
إلى بينة. أما قصة فاطمة فلو كانت صحيحة, ما ذكروه من دعوى الهبة والشهادة, لكان
بالقدح فيمن يحتجون له أشبه منه بالمدح. والله المستعان.
4. نقم الرافضي على
أبي بكر تسميته بالصديق:
فقال: ( وقد رُِوى عن الجماعة كلهم
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق أبي ذر: " ما أقلت الغبراء، ولا أظلت
الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر،" ولم يسموه صديقا؛ وسموا أبا بكر بذلك،
مع أنه لم يرد مثل ذلك في حقه). الجواب: هذا الحديث لم يروه الجماعة كلهم كما زعم، ولا في الصحيحين، ولا هو
في السنن،بل هو مروي في الجملة، وبتقدير صحته وثبوته فإنه من المعلوم لم يرد أن
أبا ذر أصدق من جميع الخلق؛ فإن هذا يلزم من أن يكون أصدق من النبي صلى الله عليه
وسلم ومن سائر الأنبياء، ومن علي بن أبي طالب، وهذا خلاف السنة والشيعة، فعلم من لفظ
الحديث أنه صادق ليس غيره أكثر تحريا للصدق منه، ولا يلزم إذا كان بمنزلة غيره في تحري الصدق أن يكون بمنزلته في كثرة
الصدق والتصديق بالحق، وفي عظم الحق الذي صدق فيه، وصدق به. ولفظ الحديث لم
يقل: أعظم تصديقا من أبي ذرّ بل قال: أصدق لهجة، والمدح: بالصديق الذي صدق
الأنبياء، ليس بمجرد كونه: صادقاً، بل في
مصدقا للأنبياء، وتصديقه للنبي صلى الله عليه وسلم هو صدق خاص؛ فالمدح بالتصديق
نوع،والمدح بنفس كونه صادقا نوع آخر.
5.أما طعن الرافضي في
تسمية أبي بكر: خليفة رسول الله دون
من استخلفه النبي في حياته.
فقال: ( وسموه خليفة رسول الله صلى
الله صلى الله عليه وسلم، ولم يستخلفه في حياته ولا بعد وفاته عندهم، ولم يسموا
أمير المؤمنين: خليفة رسل الله مع أنه استخلفه في عدة مواطن . منها: أنه استخلفه
على المدينة في غزوة تبوك، وقال له:" إن المدينة لا تصلح إلا بي وبك، أما
ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعده"؟ وأمّر أسامة بن زيد على الجيش الذين فيهم أبو بكر وعمر، ومات ولم يعزله،ولم
يسموه:خليفة، ولما تولى أبو بكر غضب
أسامة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرّني عليك ، فمن استلفك عليّ؟
فمشى إليه هو وعمر حتى استرضيا ه، مدة حياته أميراً)
والجواب: لأهل السنة في معنى الخليفة قولان: 1ـ
الذي استخلفه غيره: فهذا عند الظاهرية وغيرهم . 2 ـ الذي يخلف غيره وإن لم يخلفه،
وهذا معروف في اللغة، ومنه قوله تعالى:( هو الذي خلائف الأرض ) الآية. وبه قال
الجمهور. ففي أي القولين كان الحق فهو لم
يخرج عن أهل السنة.
وأما
استخلافه لعلي على المدينة،فذلك ليس من خصائصه، بل استخلف مرة ابن أم مكتوم، ومرة
عثمان، وذلك استخلاف مقيّد، وليس استخلافا مطلقا بعد موته على أمته،فلا غضاضة لعي
لو يطلق عليه: خليفة رسول الله كما هو الحال في عثمان وابن أم مكتوم وغير
هما. والنبي إنما شبه عليا بهرون في أصل
الاستخلاف لا في كماله، ويدل على ذلك أن موسى لما ذهب إلى ميقات ربه لم يكن أحد
يشاركه في ذلك، فاستخلف هرون على جميع قومه ائتمانا عليه في حالة مغيبه، وعلى
استخلف وقليل من الرجال، وقد خرج إلى النبي حينما استخلفه يبكي، وقال:"
أتذرني مع النساء والصبيان "؟ كأنه كره أن يتخلف عنه، فبين له بالحديث أنه
ليس لنقص مرتبة المستخلَف .
وأما
قوله: "إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك "فكذب،لا يعرف في كتب المعمدة
في شيء، ويبين ذلك أن النبي الكريم خرج من المدينة غير مرة ومعه علي، وليس
بالمدينة لا هو ولا علي.
وأما قوله:(إنه أمّر أسامة على الجيش الذين فيهم
أبو بكر وعمر) فكذب كذلك. لأن أبا بكر لم يكن في ذلك الجيش لاستخلافه النبي في
الصلاة من حين مرضه إلى أن مات عليه الصلاة والسلام. وأسامة روي أنه قد عقد له
الراية قبل المرض، فلو قدر أن أبا بكر أُمِر بالخروج معه قبل المرض، ثم أمره النبي
بالصلاة حتى مات لكان يكفي موجب لنسخ إمرة أسامة عنه.
وأما قوله:(ومات ولم
يعزله)فيقال فيه: إن أبا بكر هو الذي أنفذ جيش أسامة رضي الله عنه بعد أن أشار
الناس إليه بردّه، خوفا من العدوّ. فهذا يعد من مناقبه.رضي الله عنه وأرضاه.
وأما
ما ذكره من غضب أسامة وقوله: "أمّرني عليك رسول الله ،فمن استخلفك عليّ
؟"فمن الأكاذيب السمجة. وأعجب من هذا ما يذكره من ذهاب أبي بكر وعمر إليه
لاسترضائه مع قولهم: إنهما ـ أبا بكر وعمر ـ قهرا عليا وبني هاشم وبني عبد مناف؛
ولم يسترضياهم، وهم أعز وأقوى وأكُثر وأشرف من أسامة رضي الله عنه.
6. الرافضي يطعن على أبي
بكر تواضعه:
فقال: (وقال: أقيلوا !
فلست بخيركم، وعلي فيكم. فإن كانت إمامته حقا كانت استقالته منها معصية، وإن كانت
باطلةً لزم الطعن."
الجواب: هذا كذب، ليس هو في شيء من
الكتب، ولا إسناد له. وأن أبا بكر لم يقل: " وعلي فيكم" بل الذي في
الصحيح أنه قال يوم السقيفة:" بايعوا أحد هذين الرجلين عمر وأبا
عبيدة..."إلخ.
وأما
قوله: (إن كانت إمامته حقا كانت استقالته معصية ) فيقال: لا تلازم ـ
وذلك أنه إن ثبت أنه قال ذلك الكلام ـ لأن قيامه بالإمامة إما أن يكون جائزا؛
والجائز يجوز تركه، أو يكون عليه واجبا، وذلك إذا لم يوّلوا غيره، ولم يقيلوه,
وأما إذا أقالوه, ولوا غبره لم تكن واجبة عليه. ولإنسان قد يعقد بيعا أو إجارة,
ويكون العقد حقاً ثم يطلب الإقالة, فلا يصلح أن يقال: (فإن كانت حقاً كانت إقالته
معصية). فهو رضي الله عنه لتواضعه وثقل الحمل عليه, قد يطلب ذلك, وإن لم يكن هنالك
من هو أحق بها منه. وتواضع الإنسان لا يسقط حقه!!! فتنبه!
7. طعن
الرافضي في بيعة أبي بكر بأنها كانت فلتة:
قال: (وقال عمر: (كانت بيعة أبي بكر فلتة, وقى
الله المسلمين شرها, فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه). ولو كانت إمامته صحيحة لم يستحق
صاحبها القتل, فيلزم تطرق الطعن إلى عمر وإن كان كانت باطلة لزم الطعن عليهما
معا).
وفي موضع آخر قال: (الثاني، قول عمر:"
كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقى الله المسلمين شرها، فمن عاد ..." وكونها فلتة
يدل على أنها لم تقع عن رأي صحيح، ثم سأل وقاية شرها، ثم أمر بقتل
من يعود إلى مثلها، وكان ذلك يوجب الطعن فيه)ا.هـ.
ويجاب
عنه: بأن عمر قال:" فلا يغترن امرأ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة
فتمت،آلا إنها قد كانت كذلك، ولكن وقى اله
شرها؛ وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ..."مقتطع من كلامه.
ومعناه: أن بيعة أبي بكر بودر إليها من غير تريّث ولا انتظار،لكونه كان متعينا
لهذا الأمر،. وعمر لم يسأل وقاية شرها؛ بل أخبر بأن الله سبحانه وتعالى وقى شرها
بالاجتماع.
8. ذكر الرافضي ندم أبي
بكر ـ عند موته ـ على الأنصار، والرد عليه :
فقال: " قال أبو بكر عند
موته :" ليتني كنت سألت رسول الله : هل للأنصار في هذا الأمر حق؟" وهذا
يدل على أنه في شك من إمامته، ولم تقع صوابا)
ج ـ
أن هذا كذب على أبي بكر رضي الله عنه؛والمسكين لم يذكر لكلامه إسناداً. وأيضا هذا قدح منه في إمامة علي التي تزعمها
الرافضة أنها كانت بالنص، لأنها لو كانت منصوصة على علي لم يكن للأنصار فيها حق،
ولم يكن في ذلك شك.
9. طعن الرافضة على أبي
بكر خوفه من الله؛ وبيان كذب ابن المطهر في النقل :
فقال: (وقال عند احتضاره: "ليت أمي لم
تلدني! يا ليتني كنت تبنة في لبنة " مع أنهم نقلوا عن النبي أنه قال: ما
من محتضر يحتضر إلا ويرى مقعده من الجنة والنار."
ج ـ أن تكلمه بهذا عند الاحتضار ـ كما يزعمه
ـ باطل بلا ريب. وكلامه عند ذلك معلوم. ونقل عنه أنه قال في صحته: "ليت أمي
لم تلدني " فيقال: إنه قاله خوفا وهيبة من أهوال يوم القيامة. وهذا إذا صحّ
عنه النقل.
10 .
الرافضي يطعن على أبي بكر خوفه من الولاية:
فقال:( قال أبو بكر
:"ليتني في ظلة بني ساعدة ضربت بيدي على أحد الرجلين فكان هو الأمير، وكنت
الزير" وهذا يدل على أنه لم يكن صالحا يرتضي لنفسه الإمامة.)
ج ـ
أن هذا ـإن كان قاله أبو بكر ـ فهو من أدل الدليل على أن عليا لم يكن هو الإمام؛
وذلك لأن قائل هذا إنما يقوله خوفا من أن يضيّع حق الولاية، وأنه إذا ولّى غيره
وكان وزيرا له كان أبرأ لذمته، فلو كان علي هو الإمام، لكانت توليته لأحد الرجلين
إضاعة للإمامة أيضا، و لكان أبو بكر وزيرا
لظالم غيره؛ فيكون قد باع أخرته بدنيا غيره، وهذا لا يفعله من يخاف الله، ويطلب
براءة نفسه.
11. طعن الرافضي على أبي
بكر بعدم خروجه مع جيش أسامة،والكشف على الحديث المختلق في ذلك:
فقال:( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في
مرض موته مرة بعد أخرى، مكرراً لذلك:" أنفذوا جيش أسامة، لعن الله المتخلف عن
جيش أسامة". وكان الثلاثة معه، ومنع أبو بكر عمر من ذلك.)
ج ـ لقد سبق رد هذا
مفصلاً، والذي بقي هو : بيان كذب هذا الذي ادعى أنه حديث، وأنه متفق على كذبه.
وكيف يطعن الرافضي أبا بكر مع أنه ـ كما سبق ـ ليس
داخلا في جيش أسامة باستخلافه النبي على الصلاة منذ بداية مرضه إلى أن مات. وسبق
كذلك أمر عثمان( هل هو مع الجيش أو...؟) أمر عمر ـ رضي الله عنهما ـ إذاً فلا حاجة
لإعادته هنا.
12 . في
طعن الرافضي على أبي بكر إمارة غيره عليه:
فقال: (وأيضاً لم يولّ النبي
أبا بكر البتة عملا في وقته؛ بل ولّى عليه عمرو بن العاص تارة، وأسامة أخرى، ولما
أنفذه بسورة براءة ردّه بعد ثلاثة أيام بوحي من الله؛ وكيف يرتضي العقل إمامة من
لا يرتضيه النبي صلى الله عليه وسلم ـ بوحي من الله ـ لأداء عشر آيات من براءة.)
ا. هـ.
ج ـ
أن قول السابق لمن أبين الكذب؛ لأنه من المعلوم المتواتر عند أهل التفسير والمغازي
والسير والحديث والفقه أن النبي استعمل أبا بكر على الحج عام تسع ... وكان علي من رعيته في هذه الحجة،لأنه لحقه فقال:
أمير أو مأمور؟ فقال علي: بل مأمور، وكان علي يصلي خلف أبي بكر مع سائر المسلمين
في هذه الولاية ويأتمر بأمره؛ ولم يستخلف
على الصلاة أحد كاستخلاف أبي بكر.
وأما
قوله:( إنه أنفذه ببراءة، ثم ردّه بعد ثلاثة) فمن الكذب المعلوم أنه كذب؛ لأنه لما
أمره بالحج في تلك السنة أقام الحج للناس، ولم يرجع إلى المدينة حتى قضى الحج،
وأنفذ فيه ما أمره حبيبه صلى الله عليه وسلّم من ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف
بالبيت عريان...
وبقية ما في كلامه، سبق الرد عليه.
13 . أما قول الرافضي: إن
أبا بكر قطع يسار سارق،ولم يعلم أن القطع لليمنى فمن أظهر الكذب كذلك. ولو
قدر أن أبا بكر يجيز ذلك لكان ذلك قولا سائغا، لأن القرءان ليس في ظاهره ما يعيّن
اليمين، لكن تعيين اليمين في قراءة ابن مسعود: (فاقطعوا أيمانهما)
14 . طعن الرافضي أبا بكر على تحريق للسلمى،
والرد عليه:
فقال: (وأحرق الفجاءة السلمي بالنار، وقد نهى
النبي عن الإحراق بالنار).
ج ـ الإحراق بالنار عن علي أشهر وأظهر منه عن
أبي بكر، وأنه قد ثبت في الصحيح أن عليا أُتي بقوم زنادقة من غلاة الشيعة فحرقهم
بالنار؛ فبلغ ذلك ابن عباس فقال:" لو كنت أنا لم أحرقهم بالنار لنهي النبي
صلى الله عليه وسلم أن يعذب بالنار. فعلي حرق جماعة بالنار، فإن كان ما فعله أبو
بكر منكرا، ففعل علي أنكر منه، وإن كان فعل علي مما يُنكَر مثله على الأئمة فأبو
بكر أولى بأن لا يُنكَر عليه.
15 . في دعوى الرافضي جهل
أبي بكر بالأحكام:
فقال: (وخفي عليه أكثر الأحكام، فلم يعرف حكم
الكلالة،وقال: "أقول فيها برأيي فإن
يك صوابا فمن الله، وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان"، وقضى بالجد بسبعين قضية،
وهو يدل على قصوره في العلم).
ج
ـ هذا الكلام باطل؛ إذ كيف يخفى عليه أكثر الأحكام ولم يكن بحضرة النبي من يفتي
ويقضي إلا هو ، وأيضا لم يكن النبي أكثر مشاورة لأحد من الصحابة له ولعمر،ولم يكن
كذلك أحد أكثر اختصاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم منه ثم عمر . وذكر منصور بن عبد
الجبار السمعاني وغيره: إجماع أهل العلم على أن أعلم الأمة. ولم تختلف الأمة في
ولايته في مسألة إلا وفصّلها هو بعلم يبيّنه لهم، وحجة يذكرها لهم من الكتاب
والسنة.كما بين لهم موت رسول الله
وتبيتهم على الإيمان، وقراءته عليهم الآية، ثم بين لهم موضع دفنه، وبين
لهم قتال مانعي الزكاة؛ وأن الخلافة في قريش، وقد استعمله النبي على
أول حجة حجت من المدينة، وعلم المناسك أدق علم في العبادات، ولولا سعة علمه
بها لما استعمله، وكذلك الصلاة استخلفه فيها، ولم يستخلف غيره لا في حج ولا
صلاةٍ. أصح كتب الصدقة أخذه أنس من أبي بكر، وعليه اعتمد
الفقهاء. وبالجملة: لا يعرف لأبي بكر غلط
في مسألة من الشريعة، وقد عرف لغيره في مسائل.
وأما
قول الرافضي: (لم يعرف حكم الكلالة حتى قال فيها برأيه) فالجواب :إن هذا من
أعظم علمه،لأن هذا الرأي الذي رآه في الكلالة قد اتفق عليه العلماء بعده، والقول
بالرأي معروف عن سائر الصحابة كعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت معاذ بن
جبل، لكن الرأي الموافق للحق هو الذي يكون لصاحبه أجران ، كرأي الصديق هذا. وقد
قيل لعلي: "أرأيت مسيرك هذا ألعهد
عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم أم رأي رأيته؟فقال: بل رأي رأيته"كما
روى ذلك مسلم وأبو داود.ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ[12]
فإذا كان مثل هذا الرأي الذي حصل به من سفك
الدماء ما حصل، لا يمنع صاحبه أن يكون إماما؛ فكيف بذلك الرأي الذي اتفق على حسنه
جماهير العلماء؟!.
وأما
ما ذكره من قضائه في الجدة بسبعين قضية فكذب. ونقل مثل هذا عنهم يدل على غاية جهل
هؤلاء الروافض وكذبهم.
16 .
الرافضة تفضل عليا على أبي بكر في العلم :
فقال
الرافضي:(
أي نسبة له بمن قال:" سلوني قبل أن تفقدوني؛ سلوني عن طرق السماء، فإني أعرف
بها من طرق الأرض."قال أبو البختري:رأيت عليا صعد المنبر بالكوفة، وعليه
مدرعة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدا لسيف رسول الله صلى الله عليه
وسلم متعمما بعمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي أصبعه خاتم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فقعد على المنبر ، وكشف عن بطنه، فقال: "سلوني من أن
تفقدوني فإنما بين الجوانح مني علم جم؛ هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم، هذا ما زقّني رسول الله صلى الله عليه وسلم زقاً من غير وحي إليّ،
فو الله لو ثنيت وسادة فجلست عليها لأفتيت
أهل التوراة بتوراتهم، وأهل الإنجيل بإنجيلهم، حتى ينطق الله التوراة والإنجيل،
فتقول:صدق علي،قد أفتاكم بما أنزل الله فيّ، وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)
الجواب: أما قول علي :
"سلوني" فإنما يخاطب به أهل كوفة ليعلمهم العلم والدين، لأن أغلبهم جهال، بخلاف أبو بكر الذي حول منبره
أكابر أصحاب رسول الله، تعلموا منه العلم والدين. قال شيخ الإسلام: " وقد جمع
الناس الأقضية والفتاوى المنقولة عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فوجدوا أصوبَها
وأدلّها على علم صاحبها أمور أبي بكر ثم عمر؛ وأبو بكر يكاد يوجد نص يخالف أموره،
وأما عمر فالذي وجد من مخالفة أموره نصوصا أقل مما وجد عن علي.
وأما
الحديث الذي نسبه إلى على فكذب عليه، لا تجوز نسبة مثله إليه، فإن عليا أعلم بالله
وبدين الله من أن يحكم بالتوراة والإنجيل، إذ كان المسلمون متفقين على أنه لا يجوز
لمسلم أن يحكم بين أحد ـ كافر كان أو مسلم
ـ إلا بما أنزل الله. وإذا كان كذلك من أنه لا يجوز أن يحكم إلا بالشرع ولو
كان بين اليهوديين سواء وافق الشرع ما عندهم أو لم يوافقه كان من نسب عليا إلى أنه
يحكم بالتوراة والإنجيل بين اليهود والنصارى أو يفتيهم بذلك، ويمدحه بذلك: إما أن
يكون من أجهل الناس بما يمدح به صاحبه وبالدين، وإما أن يكون زنديقا ملحدا أراد
القدح في علي بمثل هذا الكلام الذي يستحق صاحبه الذم والعقاب دون المدح والثواب.
17
. الرافضي ينكر على أبي بكر تركه قتل
خالد:
فقال:
(أهمل حدود الله فلم يقتص من خالد ابن وليد ولا حدّه، حيث قتل مالك بن نويرة، وكان
مسلما، وتزوّج امرأته في ليلة قتله وضاجعها، وأشار عليه بقتله فلم يفعل).
والجواب:
هل قتل علي قتلة عثمان؟ إن كان ترك قتل قاتل المعصوم مما ينكر على الأئمة
كان هذا من أعظم شيعة عثمان على علي, فإن عثمان خير من ملء الأرض من مثل ابن
نويرة, وعثمان خليفة المسمين, وقد قتل مظلوما شهيدا بلا تأويل مسوغ لقتله, فإن كان
لعلي عذر شرعي في ترك قتل قتلة عثمان, عذر أبي بكر في ترك قتل قاتل مالك بن نويرة
أقوى, وإن لم يكن لأبي بكر عذر في ذلك, فعلي أولى أن لا يكون له عذر في ذلك. وأما
ما تفعله الرافضة من الإنكار على أبي بكر في هذه القضية الصغيرة وترك إنكار ما هو
أعظم منها على علي, فمن فرط جهلهم وتناقضهم وظلمهم. وكذلك إنكارهم على عثمان كونه
لم يقتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان, هو من هذا الباب. وإذا قال قائل: علي كان
معذورا في ترك قتل قتلة عثمان, لأن شروط الاستيفاء لم توجد, إما بعدم العلم بأعيان
القتلة, وإما لعجزه عن القوم, لكونهم ذوي شوكة, ونحو ذلك. قيل: فشروط الاستيفاء لم
توجد في قاتل مالك ابن نويرة, وقتل قاتل
الهرمزان لوجود الشبهة في ذلك والحدود تدرأ بالشبهات. وإذا قالوا: فعمر أشار على
أبي بكر بقتل الخالد, وعلي على عثمان بقتل عبيد الله, قيل: وطلحة والزبير وغير هما
أشاروا على علي بقتل قتلة عثمان, مع أن الذين أشاروا على أبي بكر بالقود أقام
عليهم حجة وسلموا لها, إما لظهور الحق معه, وإما لكون ذلك مما يسوغ فيه
الاجتهاد... وعلي لما لم يوافق الذين أشاروا عليه بالقود, جرى ما جرى بينه وبينهم
من الحروب ما قد علم, وقتل قتلة عثمان أهون مما جرى بالجمل والصفين, فإذا كان في
هذا اجتهاد سائغ ففي ذلك أولى. وإن قالوا: عثمان كان مباح الدم. قيل لهم: لا يشك
أحد في أن إباحة دم مالك ابن نويرة أظهر من إباحة دم عثمان, بل مالك لا يعف أنه
كان معصوم الدم, ولم يثبت ذلك عندنا, وأما عثمان فقد ثبت بالتواتر ونصوص الوحيين
أنه كان معصوم الدم, وبينهما من الفرق ما لا يحصى. ثم يقال: غاية ما في قصة
ابن نويرة: إنه كان معصوم الدم, وإن خالدا قتله بتأويل,وهذا لا يبيح دم خالد, كما
أن أسامة ابن زيد لما قتل الرجل الذي قال:"لا إله إلا الله", وقال له
النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أسامة! أقتلته بعد أن قال لا إلـه إلا
الله" ثلاثاً. فأنكر عليه قتله, ولم يوجب عليه قودا, ولا دية, ولا كفارة.
وأما
ما ذكره من تزوّجه بامرأته ليلة قتله فهذا مما يعرف ثبوته، ولو ثبت لكان هناك
تأويل يمنع الرجم، إذ الفقهاء مختلفون في هل امرأة الكافر عليها عدة الوفاة؟
قولان. وتنازعوا كذلك في إيجاب عدة الوفاة على الذمية؟ قولان مشهوران. هذا في ما
إذا كان الكافر أصليا، أما المرتد إذا قتل أو مات على ردته ففي مذهب الشافعي وأحمد
وأبي يوسف ومحمد ليس عليها عدة وفاة بل عدة فرقة بائنة، لأن النكاح بطل بردة
الزوج. وهذه الفرقة ليست طلاقا عند الشافعي وأحمد، وهي طلاق عند مالك وأبي حنيفة؛
ولهذا لم يوجبوا عليها عدة وفاة، بل عدة فرقة بائنة، فإن كان لم يدخل بها فلا عدة
عليها، كما ليس عليها عدة من الطلاق. ومعلوم أن خالدا قتل مالكا لما رآه مرتدا،
فإذا كان لم يدخل بامرأته فلا عدة عليها عند عامة العلماء، وإن كان قد دخل بها
فإنه يجب عليه استبراء بحيضة لا بعدة كاملة في أحد قوليهم، وإن كان كافرا أصليا فليس
على امرأته عدة وفاة في أحد قوليهم، فإذا الواجب استبراء بحيضة فقد تكون حاضت ومن
الفقهاء من يجعل بعض الحيضة استبراء؛ فإذا كانت في آخر الحيض جعل ذلك استبرءا
لدلالته على براءة الرحم.
وبالجملة فنحن لم نعلم أن القضية وقعت على وجه
لا يسوغ فيها الاجتهاد. والطعن بمثل ذلك من قول من يتكلم بلا علم، وهذا مما حرمه
الله ورسوله. والله تعالى أعلم.
18 .في طعن الرافضي على
أبي بكر أن له شيطانا، والرد عليه:
قال
الرافضي: (الأول: قول أبي بكر: "إن لي شيطانا
يعتريني، فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوّموني." ومن شأن الإمام تكميل
الرعية، فكيف يطلب منهم التكميل؟).
والجواب
من وجوه:
أحدها : ألمأثور عن أبي بكر أنه قال:
" إن لي شيطانا يعتريني ـ يعني عند
الغضب ـ فإذا اعتراني فاجتنبوني لا أؤثر في أبشار كم " وقال:" أطيعوني
ما أطعت الله, فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم". وهذا الذي قاله أبو بكر من
أعظم ما يمدح به.
الثاني: فسر الشيطان الذي يعتريه بالذي
يعرض لابن آدم عند الغضب, وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان" رواه البخاري ومسلم [13].
فنهي عن الحكم عند الغضب, وهذا هو الذي أراده أبو بكر, إذ أمرهم ألا يطلبوا منه
حكما أو يحملوه على حكم في هذه الحال.
الثالث: أن يقال: الغضب يعتري بني آدم
كلهم, حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنما أنا بشر, أغضب كما يغضب
البشر, وإني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه: أيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته,
فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة" متفق عليه من حديث أبي
هريرة.
وأما قوله:" فإن استقمت فأعينوني,
وإن زغت فقوّموني". فمن كمال عدل أبي بكر وتقواه. فيجب على كل إمام أن يقتدي
به. ويجب على الرعية أن تعامل الأئمة بذلك, حيث يعينونه إذا استقام, ويبينوا له
الصواب إذا أخطأ, وإن تعمد ظلما منعوه منه
بحسب الإمكان.
وأما قول الرافضي: "ومن شأن
الإمام تكميل الرعية، فكيف يطلب منهم التكميل؟" فنقول: لا نسلم أن
الإمام يكملهم، وهم لا يكملونه أيضا :(ولعل هذا مبني على ما اعتقدوه من أن الإمام يكون معصوما ) ونحن نقول: بالمنع.
إلا ما كان من الرسول، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. وأيضا نقول: هذا الكلام ما زاد أبا بكر
عند الأمة إلا شرفا وتعظيما، بل الذين بايعوا الرسول تحت الشجرة بايعوه طوعا،
مقرين بفضيلته واستحقاقه؛ ثم أطاعوه وعظّموه.
18 . الرافضي ادعى أن أبا بكر أذى عليا
والزبير وأنه كبس بيت فاطمة:
فقال: "الثامن: قوله
في مرض موته: " ليتني تركت بيت فاطمة لم أكسبه، وليتني كنت في بني ساعدة ضربت
على أحد الرجلين، وكان هو الأمير،وكنت الوزير" وهذا يدل على إقدامه على بيت
فاطمة عند اجتماع أمير المؤمنين والزبير وغير هما فيه).
وفي الجواب يقال: إن القدح والجرح لا
يقبل إلا بشرطين اثنين: 1 ـ صحة النقل : وذلك بأن يكون بإسناد صحيح. 2 .ـ وأن يكون
دالا دلالة ظاهرة على القدح. فإذا انتفى أحد هما انتفى القدح، فكيف إذا انتفيا
كلاهما؟. ونحن نعلم يقينا أن أبا بكر لم يقدم على علي والزبير وغير هما بشيء من
الأذى، بل ولا على سعد بن عبادة المتخلف عن بيعته أولا وأخرا. و أما كبس البيت
لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمّه، وأن يعطيه لمستحقيه، ثم رأى أنه لو
تركه لجاز، فإنه يجوز له أن يعطيهم من مال الفيء.
وبقية كلامه سبق الرد عليه. والله أعلى وأعلم.
19 . وادعى الرافضي: أن النبي لم يولّ أبا بكر شيئا:
فقال: ( العاشر: أنه لم يولّ أبا بكر شيئا من الأعمال، وولى
عليه.)
ج
ـ إن هذا باطل. لأن الولاية التي تولاها لم يشركه فيها أحد، وهي ولايته على الحج
كما سبق. وولاه غير ذلك. وأن ولاية من دونه عليه لا تدل على نقصه كولاية عمرو بن
العاص والوليد بن عقبة وخالد بن الوليد عليه. بل قد يكون ترك ولايته أنفع له منه
في تلك الولاية، وحاجته إليه في المقام عنده وغنائه عن المسلمين أعظم من حاجته
إليه في تلك الولاية؛ فإنه كان كالوزير له صلى الله عليه وسلم.
19 . في بيان كذب الرافضي: أن النبي رد أبا بكر عن إمارة الحج سنة تسع:
فقال: ( الحادي عشر: أنه صلى الله عليه وسلم أنفذه لأداء سورة براءة، ثم أنفذ عليا وأمره
برده وأن يتولى هو ذلك، ومن لا يصلح لأداء سورة أو بعضها، فكيف يصلح للإمامة
العامة المتضمنة لأداء الأحكام إلى جميع الأمة؟)
ج ـ سبق شيء من هذا الوجه والرد عليه، وهنا
يرد ما تبقى. كيف يقال: إن النبي أمّر عليا بردّ أبي بكر ؟ ولكن أردفه بعلي لينبذ
إلى المشركين عهدهم، لأن عادتهم كانت جارية على أنه لا يعقد العقد ولا يحلّه إلاّ
المطاع، أو رجل من أهل بيته، فلم يكونوا يقبلون ذلك من كل أحد.
وأما قوله: ( فكيف يصلح للإمامة العامة
المتضمنة لأداء الأحكام إلى جميع الأمة)
فقول باطل،لألن الأحكام كلها تلقتها الأمة عن نبيّها. فلا تحتاج الأمة إلى الإمام
إلا كما تحتاج إلى نظائره من العلماء. وأيضا القرءان بلغّه عن النبي كل أحد من
المسلمين،فيمتنع أن يقال: إن أبا بكر لم يكن يصلح لتبليغه. ثم إنه لا يجوز أن يظن
أن تبليغ القرءان يختص بعلي، فإن القرءان لا يثبت بخبر الآحاد، بل لا بد أن يكون
منقولا بالتواتر.
20 . في فسخ الرافضي ـ على زعمه ـ الحجج
على إمامة الصديق، والرد عليه:
قال
الرافضي: ( الفصل السادس: في فسخ حججهم على إمامة الصديق، احتجوا بوجوه: الإجماع،
والجواب: منع الإجماع، فإن جماعة من بني هاشم لم يوافقوا على ذلك، وجماعة من أكابر
الصحابة، كسلمان وأبي ذر والمقداد وعماّر وحذيفة وسعد بن عبادة وزيد بن أرقم
وأسامة بن زيد وخالد بن سعيد بن العاص وابن عباس. حتى إن أباه أ،كر ذلك، وقال:
" من استخلف على الناس؟ فقالوا: ابنك. فقال: وما فعل المستضعفان؟ إشارة إلى :
علي والعباس، فقالوا: اشتغلوا بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا أن ابنك
أكبر الصحابة سنّا، فقال: أنا أكبر منه." وبنو حنيفة كافة لم يحملوا الزكاة
إليه، حتى سماهم أهل الردة، وقتلهم وسباهم، فأنكر عمر عليه، ورد السبايا أيام
خلافته.) ا. هـ.
الجواب:هذا الكلام من
الرافضي على أحد أمرين: إما جهله المفرط بأخبار الصحابة أو أنه من أجرأ الناس
بالكذب؛ وذلك لأن من له أدنى أدنى علم بالسيرة يعلم أن هذا الرافضي وأمثاله في
ظلمة الجهل بالمنقول والمعقول. ولما أنهم ذوو هوى أو جهل ، فإن كل من حدثهم بما
يوافق هواهم صدقوه،ولم يبحثوا عن صدقه وكذبه، ومن حدثهم بعكس ذلك كذبوه ولم يبحثوا
عن صدقه وكذبه، ولهم نصيب من قول الباري: ( فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق
إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين). ومن أعظم ما في هذا الكلام من الجهل
والضلال: جعلُه بني حنيفة (الذين آمنوا بمسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة
باليمامة, وادعى أنه شريك النبي صلى الله عليه وسلم في الرسالة, وكانت دعوته
النبوة في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم). من أهل الإجماع, فإنهم لما
امتنعوا عن بيعته ولم يحملوا إليه الزكاة سماهم أهل الردة وقتلهم وسباهم, انظر هذا
الكلام من الرافضي وقارن بينه وبين ما في القسين. وأمر مسيلمة وادعاؤه النبوة أشهر
وأظهر من أن يخفى إلا على أمثال الرافضي هذا.
ومن فضائل أبي بكر عند الأمة عامة: أنه
قاتل المرتدين, وأعظم الناس ردة كان بنو حنيفة, ولم يكن قتال أبي بكر لهم على منع
الزكاة فقط, بل قاتلهم على أنهم آمنوا بمسيلمة الكذب. وكانوا فيما يقال: نحو مائة ألف. وأم محمد بن الحنفية
( التي تسمى: حنفية) سرية علي رضي الله عنه كانت من بني حنيفة. والذي جوز من
العلماء سبي المرتدات إذا كان المرتدون محاربين احتج بفعل علي هذا من التسري
بالحنفية, فإذا كانوا معصومين مسلمين فكيف استجاز علي أن يسبي نساءهم ويطأ من ذلك
السبي؟
وخلاصة الكلام: هل المرتدون
معتبرون بهم فالإجماع؟ وهل علي سبى مسلمة وهي الحنفية؟ وكلا هما:
"لا!!!".
وأما قول الرافضي: (أن عمر أنكر قتال
أهل الردة). فهذا من أعظم الكذب عليه, بل الصحابة كلهم متفقون على قتال مسيلمة
وأصحابه, ولكن هناك طائفة أخرى مقرون بالإسلام واتمنعوا عن أداء الزكاة, فهؤلاء
حصل لعمر أولا شبهة حتى ناظره الصديق وبيّن وجوب قتالهم, فرجع إليه. والقصة
مشهورة. وعند الرافضي هذا: عليٌّ الذي يقاتل ليطاع هُوَ ويتصرف في النفوس ولأموال
فِعله هذا قتال على الدين, وأما أبو بكر الذي قاتل من ارتد عن دين الله وترك ما
فَرض اللهُ, قاتل ليطاع الله ورسوله,و ليس أمره قتالا على الدين. نعوذ بالله من
الحور بعد الكور, ومن الكفر بعد الإسلام.
وأما الذين عدّهم الرافضي أنهم تخلفوا عن
بيعة الصديق من أكابر الصحابة, فذلك كذب عليهم, إلا سعد بن عبادة ـ وقد مرّ شيء من
توجيه أمره ـ فإن مبايعة هؤلاء لأبي بكر وعمر, أشهر من أن تنكر, وهذا مما اتفق
عليه أهل العلم بالحديث والسير والمقولات خَلَفأً عن سلف.
وأسامة بن زيد رضي الله عنه ما خرج في السرية
حتى بايع أبا بكر, ولهذا كان يقول له: (يا خليفة رسول الله!). وكذلك جميع من
ذكرهم. لكن خالد بن سعيد كان نائبا للنبي صلى الله عليه وسلم, فلما ن\مات النبي
صلى الله علي وسلم قال:" لا أكون نائبا لغيره" فترك الولاية. وإلا فهو من المقرين بخلافة الصديق، وقد علم
بالتواتر أنه لم يتخلف عن بيعة أبي بكر إلا سعد بن عبادة.
وأما
على وبنو هاشم فكلهم بايعه باتفاق الناس، لم يمت أحد منهم إلا وهو مبايع له. لكن
قيل في علي قولان: 1 ـ أنه بايعه بعد مضي ستة أشهر ببيعته. 2 ـ بايعه في ثاني يوم.
وعلى فقد بايعوه من غير إكراه.
أما ما ذكره عن أبي قحافة الوالد لأبي بكر
فمن الكذب المتفق عليه، وأبو قحافة كان بمكة، وكان شيخا أسلم عام الفتح، وأتى به
أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورأسه ولحيته مثل الثغامة بياضا، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: " لو أقررت الشيخ مكانه لأتيناه" كما في المسند.[14] إكراما لأبي بكر. وقول الرافضي: ( إنهم قالوا لأبي قحافة:
"إن ابنك أكبر الصحابة سنا" فكذب واضح، لأن في الصحابة خلق كثير أسن من
أبي بكر، مثل العباس فإنه كان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين،
والرسول أسن من أبي بكر.
وبعد هذا كله ، يمكن أن يجاب عن منعه
الإجماع بهذه الأوجه:
1/
أن كل هؤلاء الذين ذكرهم لم يتخلف منهم إلا سعد بن عبادة، وإلا فالبقية كلهم
بايعوه باتفاق أهل النقل. وطائفة من بني هاشم قد قيل: إنها تخلفت عن بيعته
أولا، ثم بايعته بعد ستة أشهر من غير رهبة
ولا رغبة. ولا ريب أن الإجماع المعتبر لا يضر فيه تخلف الواحد والاثنين والطائفة
القليلة، فإنه لو اعتبر لم يكد ينعقد إجماع على إمامة، فإن الإمامة أمر متعين، فقد
يتخلف الرجل لهوى لا يعلم، ومن ترك الشيء لهوى لم يؤثر تركه.
2
/ أنه لو فرض خلاف هؤلاء الذين ذكرهم، وبقدرهم مرتين؛ لم يؤثر ولم يقدح في ثبوت
الخلافة، فإنه لا يشترط في الخلافة إلا اتفاق أهل الشوكة والجمهور بحيث يمكن أن
يقام بهم مقاصد الإمامة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " عليكم
بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة." رواه الترمذي.[15]
3
/ أن يقال: إجماع الأمة على خلافة الصديق كان أعظم من اجتماعهم على مبايعة علي؛
فإن ثلث الأمة ـ أو أقل أو أكثر ـ لم يبايعوه، بل قاتلوه؛ والثلث الثاني لم
يقاتلوا معه، وفيهم من لم يبايعه أيضا كما قيل، والذين لم يبايعوه منهم من قاتلهم،
ومنهم من لم يقاتلهم، فإن جاز القدح في الإمامة بتخلف بعض الأمة عن البيعة ، كان
القدح في إمامة علي أولى بكثير.
21
. في طعن الرافضي الاحتجاج بالإجماع وبيان أن ذلك يهدم بنيانه:
قال
الرافضي: ( وأيضا كل واحد من الأمة يجوز عليه الخطأ فأي عاصم لهم عن الكذب عند
الإجماع)
والجواب: أن يقال: من
المعلوم أن الإجماع إذا حصل, حصل له من الصفات ما ليس للآحاد, ولم يجز أن يجعل حكم
الواحد حكم الاجتماع, فإن كل واحد من المخبرين يجوز عليه الغلط والكذب, فإذا انتهى
المخبرون إلى حد التواتر, امتنع عليهم الكذب والغلط. وأيضا فإن كان الإجماع قد
يكون خطأ , لم يثبت أن عليا معصوم ـ كما زعموا ـ وإنه إنما علمت عصمته بالإجماع
على أنه لا معصوم سواه, فإذا جاز كون الإجماع خطأ أمكن أن يكون في الأمة معصوم
غيره, وحينئذ فلا يعلم أنه هو المعصوم. فتبين أن قدحهم في الإجماع يبطل الأصل الذي
اعتمدوا علي في إمامة المعصوم, وإذا بطل أنه معصوم, بطل أصل مذهبهم, فبطلان مذهبهم
على التقديرين. فتبين أنهم إن قدحوا في
الإجماع بطل أصل مذهبهم, وإن سلموا أنه حجة بطل مذهبهم.
22. الرافضي يطعن في الإجماع على إمامة الصديق بمخالفته النص على علي, والرد
عليه.
فقال: (وقد بينا ثبوت النص
الدال على إمامة أمير المؤمنين, فلو أجمعوا على خلافه لكان خطأ, لأن الإجماع
الواقع على خلاف النص يكون عندهم خطأ).
الجواب: 1ـ قد تبين مما تقدم أن كل ما دل على إمامة علي
قبل الثلاثة فباطل.
2ـ أن النصوص إنما دلت على خلافة
الثلاثة قبله.
3ـ أن يقال: الإجماع المعلوم,
حجة قطعية لا سمعية, لا سيما مع النصوص الكثيرة الموافقة له, فبكون لو قدر ورود
خبر يخالف الإجماع كان باطلا؛ إما لكونه لم يقله الرسول صلى الله عليه وسلم, وإما
لكونه لا لدلالة فيه.
4ـ أنه يمتنع تعارض النص المعلوم مع
الإجماع المعلوم,فإن كليهما حجة قطعية, والقطعيات لا يجوز تعارضها. وقد دل الإجماع
المعلوم والنص المعلوم على خلافة الصديق رضي الله عنه, وبطلان غيره, ونص الرافضة
مما نحن نعلم كذبه بالاضطرار. وعلى كذبه أدلة كثيرة.
23. الرافضي ينكر فضائل أبي بكر في
الهجرة وغيرها والرد عليه.
وفي
مختصر منهاج السنة, ما يقرب من صفحتين في ذكر به الرافضي في إنكار فضائل الصديق تركتها اختصاراً. ورد عليه
شيخ الإسلام وذكر في مقدمة الرد عله: أن الرافضة لهم شُبه كبير باليهود, وأنهم قوم
بهت, ويُقلّبون الحقائق, وأنهم أعظم الفرق تكذيبا بالحق, وتصديقا بالكذب. ثم أخذ
شُبهَ الرافضي وردها واحدة تلو أخرى, ثم ذكر في الأخرى ما اختص به أبو بكر من
الفضائل على غيره, وذكر من ذلك ما يقرب
خمسة عشر وجها وقال هذا الكلام النفيس: (والمقصود هنا: بيان اختصاصه في
الصحبة الإيمانية بما لم يشركه مخلوق, لا
في قدرها ولا في صفتها ولا في نفعها،فإنه لو أحصي
الزمان الذي كان يجتمع فيه أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم والزمان الذي كان
يجتمع به فيه عثمان أو علي أو غير هما لوجد ما يختص به أبو بكر أضعاف ما اختص به
واحد منهم، لا أقول ضعفه. وأما كمال معرفته ومحبته للنبي صلى
الله عليه وسلم، وتصديقه له فهو مبرز في ذلك على سائر هم تبريزاً...
وأما نفعه للنبي صلى الله
عليه وسلم ومعاونته له فحدث ولا حرج، ثم قال الشيخ: " فهذه
الأمور التي هي مقاصد الصحبة ومحامدها التي بها يستحق الصحابة أن يفضلوا بها على
غيرهم،لأبي بكر فيها من الاختصاص بقدرها ونوعها وصفتها وفائدتها ما لا يشركه فيها
أحد. وذلك كما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس
على المنبر فقال: " إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الحياة الدنيا
وبين ما عنده، فاختار ما عنده فبكى أبو بكر,وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا.
قال:فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير, وكان أبو بكر أعلمنا به. فقال
رسول الله:" إن من أمن ّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر, ولو كنت متخذا
خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا, ولكن أخوة الإسلام, لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة
أبي بكر, وفي رواية للبخاري:" لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر
خليلا, ولكن أخوة الإسلام ومودته." فذكر أحاديث كثيرة بعد هذا ثم ختمها بهذا
التعليق: (فهذه النصوص كلها مما تبين اختصاص أبي بكر من فضائل الصحبة ومناقبها
والقيام بها وبحقوقها بما لم يشركه فيه أحد, حتى استوجب أن يكون خليله دون الخلق
لو كانت المخالّة ممكنة. وأيضا هي صريحة بأن أحب الخلق إليه من الرجال أبو بكر كما
في حديث عمرو بن العاص. ومجمل ما اختص به
أبو بكر دون سائر الصحابة مثل ما يأتي: 1 / حديث المخالة. 2 /حديث إن الله معنا.
3/ وحديث إنه أحب الرجال إلى النبي صلى الله عليه وسلم. 4 / حديث الإتيان إليه
بعده. 5 / وحديث كتابة العهد إليه بعده. 6 / وحديث تخصيصه بالتصديق ابتداءا
والصحبة, وتركه له وهو قوله:" فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟" 7 / وحديث
دفعه ـ أي أبي بكر ـ عنه ـ أي النبي ـ عقبةَ بنَ أبي معيط لما وضع الرداء في عنقه
حتى خلصه أبو بكر, وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟. 8 /وحديث استخلافه في
الصلاة. 9 /وحديث الخصال التي اجتمعت فيه في يوم, وما اجتمع في رجل إلا وجبت له
الجنة. 10 / وحديث استخلافه في الحج. ثم صبره وثباته بعد موت النبي صلى الله عليه
وسلم وانقياد الأمة له. ورحم شيخ الإسلام رحمة واسعة إذ أخذ يرد على شُبه الرافضي
بوجه من التفصيل بعد ما ردها مجملةً. وبداية رده المجمل من صحيفة: 511 إلى: 514
وأما الرد المفصل فمن: 514 إلى أ خر مختصر المنهاج للغنيمان, وهو: 535 .
الفصل الثالث:
في ما انتقم الرافضة
على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه:
وهنا
يأتي ذكر ذلك, والرد عليها:
الأول: نقم الرافضة
على عمر تسميته بالفاروق:
فقال الرافضي:( وسموا عمر الفاروق, ولم يسموا
عليا عليه السلام بذلك,مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: "هذا فاروق
أمتي يفرق بين أهل الحق والباطل."وقال ابن عمر:" ما كنا نعرف المنافقين
على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ببغضهم عليا عليه السلام").
يجاب
أولا: بأن هذين الحديثين لا إسناد لهما معروف, ولم يرو واحد منهما في شيء
من كتب العلم المعتمدة، بل هما حديثان موضوعان على النبي صلى الله عليه وسلم.
وثانيا:
لو ثبت عند أهل الحديث أن الرسول قاله في حق علي لقبلوه ولنقلوا إلينا كما نقلوا
قوله لأبي عبيدة: " هذا أمين هذه الأمة " وقوله للزبير: " إن لكل
نبي حواري, وحواريي الزبير " وكما قبلوا ونقلوا قوله في حق علي: "
لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" وحديث الكساء.
فلو ثب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذا فاروق هذه الأمة" لنقلوه
وقبلوه, وذلك لأنهم يتبعون أقوال الرسول إيمانا به ومحبة لمتابعته, لا لغرض لهم في
الشخص الممدوح. حاشاهم.
ثالثا:
بالنظر إلى معنى كلا الحديثين يتبين كذبه, وذلك لأن هناك أدلةً تخالفه, وهي مقطوعة
بها, لأنه نقول: ما المعنى بكون علي أو غيره فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق
الباطل؟ إن المراد به أنه يميز بين أهل الحق والباطل, فيمز بين المؤمنين
والمنافقين, فهذا أمر لا يقدر عليه إلى الله, وقد قال تعالى: {وممن حولكم من
الأعراب منافقون ومن أهل المدينة لا تعلمهم نحن نعلمهم}, فإذا كان النبي صلى اله
عليه وسلم لا يعلم عين كل منافق في مديته وفيما حولها, فكيف يعلمه غيره؟
الثاني: في طعن الرافضي على عمر بكلامه عند احتضاره:
فقال: (ومننها ما رووه عن عمر, روى أبو نعيم
الحافظ في كتابه (حلية الأولياء) أنه قال لما احتضر: "يا ليتني كنت كبشا
لقومي فسمنوني ما بدا لهم, ثم جاءهم أحب قومهم إليهم فذبحوني, فجعلوا نصفي شواء
ونصفي قديدا فأكلوني فأكون عذرة ولا أكون بشرا", وهل هذا إلا مساوٍ لقول
الكافر: {يا ليتني كنت ترابا}؟ قال: وقال لابن
عباس:" لو أن لي ملء الأرض ذهبا ومثله معه لافتديت به نفسي من هول
المطلع" وهذا مثل قوله: {ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه
لافتدوا به سوء العذاب يوم القيامة}, فلينظر المنصف العاقل قول الرجلين عند احتضار
هما, وقول علي:
"
مـــتى ألـقـى الأحـبــة * مـحـمـد وحـزبـــه
مـــــتى
ألـقــاهـــا * مـتى يبعــث أشـقاهـا".
وقوله حين قتله ابن ملجم:"فزت ورب
الكعبة".
وفي
الجواب على هذا نقول: هذا الكلام مما يدل على فرط جهل الرافضي, وذلك لأن ما نقل
عنة علي هذا, قد نقل عمن هو دون أبي بكر وعمر وثمان وعلي, بل نقل مثله عمن يكفر
عليا رضي الله عنه من الخوارج, كقول بلال (عتيقُ أبي بكر) عند الاحتضار, وامرأته
تقول : وا حرباه! وهو يقول: وا طرباه! غدا ألقى الأحبة محمدا وحزبه.
وكذلك قول علي:"فزت ورب الكعبة" قد قاله من هو دون علي بكثير وكثير, فقد
قاله عامر ابن فهيرة مولى أبي بكر الصديق لما قتل يوم بئر معونة, وكان قد بعثه
النبي صلى الله عليه وسلم قِبَل نجد, قال العلماء بالسير: طعنه جبار بن سلمى
فأنفذه, فقلا عامر: فزت والله! . فقال جبار: ما قوله: "فزت والله"؟ قال
عروة ابن الزبير: "يرون أن الملائكة دفنته.
وأما
خوف عمر من الله وخشيته له, فمن كال علمه, لأن ما يخشى الله من عباده العلماء, وقد
كان النبي صلى الله عليه وسلم في صدره أزيزا كأزيز المرجل من البكاء.
وأما قوله:(هذا مسوٍ لقول الكافر:{ يا
ليتني كنت ترابا}, فجهل منه, لأن الكافر يقول ذالك يوم القيامة حين لا يقبل توبة
ولا تنفع حسنة, وأما من يقول ذلك في الدنيا, فهذا يقوله في دار العمل على وجه
الخشية لله, فيثاب على خوفه من الله, وقد قالت مريم:{ يا ليتني مت قبل هذا وكنت
نسيا منسيا}, ولم يكن هذا كتمني الموت يوم القيامة, ولا يكون هذا كقول النار:
{ونادوا يا مالك ليقض عليا ربك قال إنكم ماكثون}, وكذلك قوله: {ولو أن للذين ظلموا
ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به
من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون * وبدا لهم
سيئات ما كسبوا }. فهذا إخبار عن حالهم يوم القيامة حين لا تنفع توبة ولا خشية.
وأما في الدنيا فالعبد إذا خاف ربه كان خوفه مما يثيبه عليه, فمن خاف الله في
الدنيا أمنه يوم القيامة, ومن جعل خوف المؤمن في الدنيا كخوف الكافر في الآخرة,
فهو كمن جعل الظلمات كالنور.
الثالث: هنا في إفك الرافضي على
عمر بظلم فاطمة, وتعطيل الحدود:
قال
الرافضي:
(ولما وعظت فاطمة أبا بكر في فدك, كتب لها كتابا بها, وردها عليها, فخرجت من عنده,
فلقيها عمر الخطاب, فحرق الكتاب, فدعت عليه بما فعله أبو لؤلؤة به؛ و وعطّل الحدود
فلم يحد المغيرة بن شعبة, وكان يعطي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بيت المال
أكثر مما ينبغي, وكان يعطي عائشة وحفصة في كل سنة عشرة آلاف درهمٍ, وغيَّر حكم
الله في المنفيين, وكان قليل المعرفة بالأحكام).
نقول في الجواب عليه:
أبو بكر لم يعط الفدك لأحد, لا لفاطمة ولا غيرها, ولا دعت فاطمة على عمر بما فعل
به أبو لؤلؤة المجوسي, وهذا كله كذب منه. وأما فعل أبي لؤلؤة لعمر فهو كرامة في
حقه رضي الله عنه, وهو أعظم مما فعله ابن ملجم لعلي رضي الله عنه, فإن أبا لؤلؤة
كافر قتل عمر كما يقتل الكافر المؤمن, وهذه الشهادة أعظم من شهادة من يقتله مسلم.
وأيضا نقول: قتل عمر من قبل أبي لؤلؤة كان بمدة طويلة بعد موت, فاطمة فمن يعرف أن
قتله كان بسبب دعاء حصل في تلك المدة؟ ولو قال قائل: إن عليا ظلم أهل الصفين
والخوارج حتى دعوا عليه بما فعله ابن ملجم, لم يكن هذا أبعد عن المعقول من ذاك.
وأما قول الرافضي: (وعطل الحدود فلم يحدّ المغيرة بن شعبة), نقول: هذه المسألة
اجتهادية, وعليه: فالجماهير من العلماء على ما فعله عمر في قصة المغيرة, من أن
البينة (أي الشهداء) إذا لم تكمل حدّ الشهود.
وقوله: (وكان يعطي أزواج النبي صلى الله علي
وسلم من بيت المال أكثر مما ينبغي, وكان يعطي عائشة وحفصة في كل سنة عشرة آلاف
درهمٍ).
ج/ أما حفصة وعبد الله
ـ ابناه ـ فقد كان ينقصهما من العطاء, لأنهما ابناه, وهذا كمن كمال عدله, وخوفه
مقام ربه, ونهيه نفسه عن الهوى, فنرجو أن تكون الجنة مأواه, وهو رضي الله عنه كان
يرى التفضيل في العطاء بالفضل, فيعطي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أعظم مما
يعطي غير هن من النساء, كما كان يعطي بني هاشم من آل أبي طالب وآل العباس أكثر مما
يعطي من عداهم من سائر القبائل, كان يقول:"ليس أحد أحق بهذا المال من
أحد, وإنما هو الرجل وغناؤه, والرجل وبلاؤه, والرجل وسابقته, والرجل وحاجته".
وهذه السيرة لم يسِرْها بعده مثله لا
عثمان ولا علي فإنْ قُدِح فيه بتفضيل أزواج النبي صلى الله عليه سلم فليقدح فيه
بتفضيل رجال أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, بل وتقديمهم على غيرهم.
وأما قوله: (وغَـيَّر حكم الله في
المنفيين).
فالجواب: نقول: مسألة حد
الخمر مسألة اجتهادية, وذلك لأن النبي لم يحدها:لا قدره ولا صفته, بل جوّز فيها
الضرب بالنعال والجريد وأطراف الثياب وعُثكول النخل, وأما في حد الزنا والقذف فلا
يكون إلا بالسوط. وأما العدد فهو كذلك, فإنه ضرب الصحابة أربعين, وضربوا ثمانين,
وقال علي كما في صحيح مسلم: " كل سنة "[16] فعمر رضي الله عنه في هذه القضية لم يسقط ما
أوجب الله, ولا حرم ما أحل الله, وإنما أمره في هذه القضية في القدر والصفة, وسبق
أنه مما يسوغ فيه الاجتهاد. والله تعالى أعلم.
وأما قوله: ( هو قليل المعرفة بالأحكام,: أمر برجم حامل, فقال له
علي: " إن كان لك سبيل إليها, فلا سبيل لك إلى ما في بطنها. فأمسك, وقال:
لولا علي لهلك عمر).
فالجواب: إذا صحت القصة فلا
تخلو من أمرين, إما أن يكون عمر لم يعلم بحملها, فعلمه علي به, وذكر له حالها.
وهنا لا إشكال. أو أن عمر قد غاب عنه وذهل عن كون الحامل لا ترجم, ولما ذكّر علي
ذكر, ولهذا أمسك, كما في الغامدية التي أمسك عنها النبي بقولها:" إني حبلى من
الزنا...اذهبي حتى تضعيه ". ولو قدّر
خفاء ـ لا ذهول ولا نسيان ـ علم هذه المسألة على عمر حتى عرفه علي لم يقدح ذلك فيه,
لأن عمر ساس المسلمين وأهل الذمة, يعطي الحقوق ويقيم الحدود, ويحكم بين الناس
كلهم, وفي زمنه انتشر الإسلام, وظهر ظهورا لم يكن قبله مثله, وهو دائما يقضي
ويفتي, ولولا كثرة علمه لم يطق ذلك, فإذا خفيت عليه قضية من مائة ألف قضية ثم
عرفها, أو كان نسيها ثم ذكرها, فأيّ عيب في ذلك؟
الرابع: تابع في الرد علي الرافضي في دعواه أن عمر يجهل الأحكام:
فقال: ( وأمر برجم مجنونة, فقال له علي رضي الله عنه: رفع القلم عن المجنون
حتى يفيق فأمسك,وقال:" لولا علي لهلك عمر").
ج / أن هذه الزيادة ليست
معروفة في الحديث. ورجم المجنونة لا يخلو من أمرين: إما أنه لم يعلم بجنونها
فأخبر, أو أنه نسي وذهل عن المجنون مرفوع عنه القلم, فذكّر فتذكر, فأمسك. والمجنون
والصبي بل حتى الدابة يعاقبون لدفع عدوانهم الدنوي, وذلك إذا صالوا, حتى إذا لم
يندفع عدوانهم وصيالهم إلا بالقتل يمكن أن يقتل, ولا ضمان في ذلك على قاتل الدابة
عند مالك والشافعي وأحمد, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"واضربوهم
لعشر".
وقد ردّ شيخ الإسلام ما تقدم من شبة الأولى
والثانية والثالثة والرابعة رداً مجملا في ستة أسطر, فلتراجع المختصر (ص: 279).
الخامس: في طعن الرافضي على عمر رجوعه عن
تحديد المهور:
فقال: (وقال في خطبة له:" من غالى في مهر
امرأة جعلته في بيت المال", فقالت له امرأة: كيف تمنعنا ما أعطانا الله في
كتابه حين قال:{ وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً}, فقال:"كل أحد
أفقه من عمر حتى المخدرات!".
الجواب: هذا يل على فضل عمر
ودينه وتقواه, ورجوعه إلى الحق إذا تبين له, وأنه يقبل الحق حتى من امرأة’ ويتواضع
له, وأنه معترف بفضل الواحد عليه, ولو في أدنى مسألة. وليس لشرط الأفضل أن لا
ينبهه المفضول لأمر من الأمور, فقد قال الهدهد لسليمان:{أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين}. وقد قال موسى
لخضر:{هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا}. والفرق بين موسى والخضر أعظم من
الفرق بين عمر وأشباهه من الصحابة, ولم يكن هذا بالذي أوجب أن يكون الخضر قريبا من
موسى, فضلا عن أن يكون مثله, بل الأنبياء المتبعون لموسى كهارون ويوشع وداود
وسليمان أفضل من الخضر.
السادس: كذب الرافضي على عمر جهله حد
الخمر:
فقال: (ولم يحد قدامة في الخمر , لأنه تلا
عليه:{ ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا
وعملوا الصالحات ثم التقوا وآمنوا} الآية.
فقال له علي:" ليس قدامة من أهل هذه الآية, فلم يَـدْرِ كم يحده. فقال له
أمير المؤمنين:"حُدّه ثمانين, إن شارب الخمر إذا شربها سكر, وإذا سكر هذى,
وإذا هذى افترى").
الجواب: هذا من الكذب البين
على عمر, لأن عمر وأبا بكر قبله قد جلدا الناس في الخمر, وكان تارة يجلدون أربعين,
وأخرى ثمانين, وعمر كان يزيد في بعض الأوقات بحلق الرأس والنفي تعزيراً, والجلد
تارة النعال, وتارة ثانية بالجريد, وثالث بأطراف الثياب. فلم يكن عمر يحتاج إلى
دليل في هذه المسألة كما زعم الرافضي.
وأما قصة قدامة, فقد رواها أبو إسحاق
الجوزجاني وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه وفيه أن عليا أشار بثمانين, وفيه نظر
لأن الذي ثبت في الصحيح: أن عليً جلد أربعين عند عثمان بن عفان لما جلد الوليد بن
عقبة, وأنه ـ أي علي ـ أضاف الثمانين إلى عمر. وثبت في الصحيح أن عبد الرحمن بن
عوف أشار بالثمانين, فلم يكن جلد الثمانين مما استفاد عمر من علي, وعلي كذلك قد
نقل عنه أنه جلد في خلافته ثمانين, فدل على أنه كان يجلد تارة أربعين, وأخرى
ثمانين.
السابع: في طعن الرافضي على عمر في قصة
المرأة التي أسقطت:
فقال: (وأرسل إلى حامل يستدعيها فأسقطت خوفا,
فقال له الصحابة:"نراك مؤدبا ولا شيء عليك, ثم سأل أمير المؤمنين فأوجب الدية
على عاقلته.
والجواب: هذه مسألة اجتهادية, ولا وجه
للذم فيها.
الثامن: في قصة امرأتين, تنازعتا طفلاً, نسبها الرافضي إلى عمر:
فقال: (وتنازعت امرأتان في طفل, ولم يعلم الحكم, وفزع فيه إلى أمير
المؤمنين علي, فاستدعى أمير المؤمنين المرأتين ووعظ هما, فلم ترجعا,
فقال:"ائتوني بمنشار, فقالت المرأتان: ما تصنع به؟ فقال:"أقدّه بينكما
نصفين, فتأخذ كل واحدة نصفا". فرضيت واحدة, وقالت لأخرى: الله الله يا أبا
الحسن! إن كان ولا بد من ذالك فقد سمحت لها به, فقال علي:"الله أكبر! هو ابنك
دونها, ولو كان ابنها لرقّت عليه, فاعترفت الأخرى أن الحق مع صاحبتها, ففرح عمر, ودعا
لأمير المؤمنين).
ج/ هذه القصة, معروفة عن نبي الله سليمان بن
داود عليهما الصلاة والسلام, وأما كونها معروفة عن عمر وعلي فلا, ولا يعرف صحتها,
والرافضي هنا لم يذكر لها إسنادا حتى يُنظر, وقد قال ابن تيمية:( لا أعلم أحدا من
أهل العلم ذكرها), والله المستعان.
التاسع: في قصة امرأة ولدت من ستة أشهر:
قال الرافضي: (وأمر بجم امرأة ولدت من ستة
شهور, فقال له علي:"إن خاصمتك بكتاب الله تعالى خصمتك, إن الله يقول:{وحمله
وفصاله ثلاثون شهراً}. وقال تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن
أراد أن يتم الرضاعة}.
ج/ إن عمر كان يستشير الصحابة ولا إشكال,
فتارة يشير عليه عثمان, وأخرى يشير عليه علي, وثالث يشير عليه ابن عوف، كل بما
يراه ثوابا, وتارة يشير عليه غيرهم, وبهذا مدح الله المؤمنين بقوله: {وأمرهم شورى
بينهم}. ولما طبق عمر هذه الآية كانت آراؤه أسدّ. والله أعلم.
العاشر: تابع في طعن الرافضي على عمر
تفضيله في العطاء:
قال الرافضي: (وكان يفضل في الغنيمة
والعطاء, وأوجب الله تعالى التسوية).
ج/ أما الغنيمة فكان الذي يقسمها
الغانمون, وإنما ترسل إليه الخمس كما ترسل إلى غيره فيقسمه بين أهله, ولم يقل عمر
ولا غيره: إن الغنيمة يجب فيها التفضيل, لكن تنازع العلماء هل للإمام أن
يفضل بعض الغانمين على بعض إذا تبين له زيادة نفع؟ وفي الجملة: هذه مسألة اجتهادية.
فإذا كان عمر يسوّغ فيها التفضيل للمصلحة, فهو الذي ضرب الله الحق على لسانه
وقلبه.
وأما التفضيل في العطاء
فلا ريب أن عمر كان يفضل فيه , ويجعل الناس فيه على مراتب, وروي عنه أنه قال:
"لإن عشت إلى قابل لأجعلن الناس بابا واحدا", أي نوعا واحدا.
وأما قوله: (إن الله أوجب التسوية
فيه), فإنه لم يذكر على ذلك دليلاً, ولو ذكره لتكلمنا عليه كما نتكلم في مسائل الاجتهاد.
الحادي عشر: في طعن الرافضي عليه قوله
بالرأي, والرد عليه:
قال الرافضي: (وقال بالرأي والحدس
والظن).
الرد عليه كالرد الذي سبق في طعنه على أبي بكر
قوله بالرأي, وأن الرأي رأيان. فليراجع من شاء.
الثاني عشر: طعنه على عمر في قضية
الشورى, والرد عليه:
في صحيفة: 285 من مختصر المنهاج
للغنيان ذكر الرافضي أمورا عن الشورى ـ يعني بين الستة الذين اختارهم عمر ليختاروا
واحدا منهم أمير المؤمنين ـ في قريب من الصفحة ينقم فيها على عمر ببعض الأمور في
الشورى التي هي في الأصل محامد له قلبها وجعلها مطاعن عليه ومذامّ. وبعض الأمور
التي ذكرها مكذوبة كما هي عادته من ركوب مطايا الكذب وذكر ما لا يصح أو ما لا سند
له أصلاً.
ورد عليه شيخ لإسلام من صحيفة 286 ـ 295 .
ولا يفوتني ذكر بعض الأمور ولو على رؤوس الأصابع التي هي كذب من الرافضي على عمر.
منها:
1/ قول الرافضي كاذبا على عمر: ( إنه كان يعلم أن
عليا وعثمان لا يجتمعان على أمر ) فهذا كذب عليه.
2 / وكذا قوله: (إن عمر علم أن عبد لرحمن
بن عوف لا يعدل بالأمر عن أخيه وابن عمه).
هذا كذب بيّن على عمر أولاً, ثم على أنسابهم.
3 / ومن الكذب عليه كذلك قوله: ( ثم أمر بضرب
أعناقهم إن تأخروا عن البيعة ثلاثة أيام).
4 / وكذلك قوله: ( وأمر بقتل من خالف
الأربعة, وأمر بقتل من خالف الثلاثة الذين بينهم عبد الرحمن).
5 / وكذا ما ذكره الرافضي من إشارة عمر
إلى الأمر بقتل عثمان, وإلى ترك ولاية علي, كذب مفترى عليه.
لأن قوله:( لإن فعلت ليقلنك الناس) ليس فيه أمر بقتل عثمان رضي الله عنه, بل هو
إخبار محض عما يفعله الناس له, وقد فعلوا. وكذا قوله في علي: (لا يولونه إياها)
ليس فيه نهي الناس عن ولاية علي رضي الله عنه, بل هو إخبار محض عما سيقع. وأيضا
الأثر بهذا السياق ليس بثابت عن عمر رضي الله عنه, بل هو كذب عليه.
وشيخ الإسلام رحمه الله في مطلع رده على الرافضي
ذكر أن كلام الرافضي في الشورى كله لا يخرج عن لونين: 1 ـ إما الكذب في النقل. وقد رأيت من ذلك شيئا.
2 ـ وإما القدح في الحق. فإن من الكلام ما هو كذب معلوم الكذب, أو غير معلوم
الصدق, وما علم من كلام الرافضي أنه صدق فليس فيه ما يوجب الطعن على عمر رضي الله
عنه,بل ذلك معدود من فضائله ومحاسنه التي ختم الله بها عمله". ا. هـ. كلام
الشيخ رحمه الله بتصرف يسير فيه.
من صفات ابن المطهر خصوصا والرافضة عموما
هذه الأربعة:
قلب
الحقائق في المنقول والمعقول: ويتفرع عن هذا هذه الأربعة:
1
ـ فيأتون إلى الأمور التي وقعت وعلم أنها وقعت فيقولون:ما وقعت.
2
ـ ويأتون على أمور ما كانت ويعلم أنها ما كانت فيقولون: كانت.
3
ـ وإلى أمور هي خير وصلاح، فيقولون: هي فساد.
4
ـ وإلى الأمور التي هي فساد, فيقولون: هي خير وصلاح. فليس لهم عقل ولا نقل,
بل لهم نصيب من قول الباري: (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير).
واتضحت كل هذه الصفات من ابن المطهر في قضية الشورى هذا. نسأل الله السلامة
والعافية.
وبهذا جئت إلى آخر هذا الفصل من رد بعض ما نقم
الرافضة على عمر رضي الله عنه, والفصل الذي بعد هذا يأتي في ذكر ما نقموا على
عثمان رضي الله عنه. وهو الفصل الأخير من البحث.
ملحق
بالفصل الثاني والثالث
في دعوى الرافضي سؤال أبي بكر وعمر لعلي:
فقال: (قال أبو عمر الزاهد: قال أبو العباس:
لا نعلم أحدا قال بعد نبيه:"سلوني من شيث إلى محمد" إلا علي, فسأله
الأكابر (أبو بكر وعمر وأشباههما, حتى انقطع السؤال, ثم قال بعد هذا:"يا كميل
بن زياد, إن ههنا لعلماً جماً لو أصبت له حَـمَـلة").
الجواب: أبو بكر لم يسأل عليا قط عن
شيء كما سبق شيء من هذا, وأما عمر فكان يشاور الصحابة: عثمان وعليا وعبد الرحمن بن
عوف وبن مسعود وزيد نب ثابت وغيرهم, فكان علي من أهل الشورى.
والنقل إن صح عن ثعلب, فثعلب لم يذكر له
إسنادا حتى يحتج به, وليس ثعلب من أئمة الحديث الذين يعرفون صحيحه من سقيمه, حتى
يقال قد صح عنده, كما إذا قال ذلك أحمد أو ابن معين أو البخاري ونحوهم, بل من هو
أعلم من ثعلب من الفقهاء يذكرون أحاديث كثيرة لا أصل لها, فكيف ثعلب؟ وعلي لم يكن
يقول هذا بالمدينة, لا في خلافة أبي بكر ولا عمر ولا عثمان, وحديث كميل يدل على
هذا, فإن كمليلا من التابعين لم يصحبه إلا بالكوفة, وإنما كان يقول هذا في خلافته
في الكوفة ليعلم أولئك الذين لم يكونوا يعلمن ما ينبغي لهم علمه. ولم يكن يقول هذا
في المهاجرين والأنصار, بل كان عظيـمَ الثناء عليهم.
الفصل الرابع:
في ما انتقم الرافضة ـ عليهم من الله ما يستحقون ـ على عثمان رضي
الله عنه, والرد عليهم:
والرافضي في أول طعنه على عثمان كتب أكثر من
صفحة , فليراجع من شاء الوقوف على كلامه غير مبتور إلى: مختصر منهاج السنة لشيخنا
عبد الله الغنيمان ـ حفظه الله ـ من صحيفة: 295 إلى التي بعدها.
ويقال في الرد على شبهه والإجابة عنها:
أولا: أما قوله: ( وقسم جميع الولايات بين
أقاربه).
ج/
من العجب أن الشيعة ينكرون على عثمان ما يدعون أن عليا كان أبلغ فيه منه, فيقولون:
إن عثمان ولى أقاربه من بني أمية، ومعلوم أن عليا ولّى أقاربه من قبل أبيه وأمه
كعبد الله وعبيد الله ابني العباس, فولى عبيد الله بن العباس اليمن, وولّى
على مكة والطائف قثم بن العباس, وأما المدينة فقيل إنه ولّى عليها
سهل بن حنيف, وقيل: ثمامة بن العباس, وأما البصرة فولّى عليها عبد بن
العباس, وولّى على مصر ربيبه محمد بن أبي بكر الصديق الذي رباه في حجره. ثم
إن الإمامية تدعي أن عليا نص على أولاده في الخلافة أو على ولده, وولده على ولده
الآخر, وهلم جرا؛ ومن المعلوم أنه إن كانت تولية الأقربين منكرا, فتولية
الخلافة العظمى أعظم من إمارة بعض الأعمال, وتولية الأولاد أعظم إلى إنكارا من
تولية بني العم؛ ولذا تنازع العلماء رحمهم الله في الخلافة: هل للخليفة أن
يوصي بها لولده؟ قولان؛ وعند أكثر العلماء: الشهادة للإبن مردودة للتهمة,
ولا ترد الشهادة لبني العم عندهم. والدليل ما رواه أبو داود والترمذي عن النبي صلى
الله عليه وسلم:" أنت ومالك لأبيك" وقوله عند ابن ماجة:" ليس لواهب
أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما وهبه لولده".
فإن
قالوا: لعلي حجة فيما فعله.
قلنا: وحجة عثمان فيما
فعله أعظم كما سيتضح. وقد يدعون لعلي العصمة ونحوها غلوا مما يقطع عنه ألسنة
الطاعنين, وأما عثمان فكان ما يُدّعى له من الاجتهاد الذي يقطع ألسنة الطاعنين
أقرب إلى المعقول والمنقول. والرافضة في غلوهم في علي مثل النصارى في غلوهم في
عيسى, بل هناك طائفة منهم أشد غلوا فيه من
النصارى في عيسى. وترتيبهم في غلوهم كالآتي:
1/ طائفة ادعوا الإلهية في علي. فهؤلاء شر من
النصارى.
2/
وصنف ثان ادعوا النبوة فيه. وعلي رضي الله عنه بريء من هذا.
3/
ومنهم من أثبت له معنى النبوة ـ وهي العصمة ـ حيث جعل كل أقواله وأفعاله واجبة
الإتباع؛ وهذا وإن سلب عن علي اسم النبوة بالفظ إلا أنه أعطاه معناها وهي
وجوب الإتباع وغيره.
وأهل
الكتاب ما منعوا من الغلو في الدين لأنهم يهود ونصارى, بل بعلة أن الدين لا يقبل
الزيادة؛ فإذا كان كذلك فنحن كذلك ممنوعين من الزيادة فيه. والنهي جاء في قوليه: (
يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن
مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه, فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا
ثلاثة, انتهوا خيرا لكم, إنما الله إلـه واحد سبحانه أن يكون له ولد ) و ( يا أهل
الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ) الآية. اللهم الوسطية الوسطية, ونعوذ بك من
الغلو في الدين.
وأيضا
نقول: إن المعصوم تجب طاعته مطلقا بلا قيد, ومخالفه يستحق الوعيد, والقرءان إنما
أثبت هذا في حق الرسول خاصة,قال تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولـئك مع الذين
أنعم الله عليهم) الآية. وقال أيضا: (ومن يعص الله ورسوله, فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا). فدل القرءان في غير موضع
على أن من أطاع الرسول كان من أهل السعادة, ولم يشترط طاعة معصوم آخر يدّعى, ومن
عصى الرسول كان من أهل الوعيد, وإن قُدّر أنه أطاع من ظن أنه معصوم, فالرسول صلى
الله عليه وسلم هو الذي فرق الله به بين أهل الجنة وأهل النار, وبين الأبرار
والفجار, وبين الحق والباطل, وبين الغي والرشاد, والهدى والضلال,وجعله القسيم الذي
قسم الله به عباده إلى شقي وسعيد, فمن اتبعه فهو السعيد, ومن خالفه فهو الشقي,
وليست هذه المرتبة لغيره. ولهذا اتفق أهل الكتاب والسنة على أن كل شخص يؤخذ من
قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يجب تصديقه في كل ما أخبر,
وطاعته في كل ما أمر, فإنه المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى,
وهو الذي يُسأل الناس عنه يوم القيامة كما قال الله:{فلنسألن الذين أرسل إليهم
ولنسألن المرسلين}, وهو الذي يمتحن به
الناس في قبورهم فيقال لأحدهم: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ويقال: ما تقول في هذا
الرجل الذي بعث فيكم؟ ولو ذكر إنسان بدل
الرسول في الإجابة سواء كان من الصحابة أو
التابعين أو الأئمة والعلماء لم ينفعه ذلك. ولا يمتحن في القبر بشخص غير الرسول.
والمقصود هنا أن ما يعتذر به عن علي فيما أنكر
عليه يعتذر بأقوى منه عن عمان, فإن عليا قاتل على الولاية وقتل بسبب ذلك خلقٌ كثير
عظيم, ولم يحصل في ولايته لا قتال للكفار, ول فتح للبلاد, ولا كان المسلمون في
زيادة خير, وقد ولّى من أقاربه من ولاه, فولاية الأقارب مشتركة,ونُواب عثمان كانوا
أطوع من نواب علي وأبعد عن الشر. وأما لأموال التي قال إنه يؤثر أهله بها ... فإنه
تأول عثمان فيها كما تأول علي في الدماء مع أن أمر الدماء أخطر وأعظم.
ويجاب ثانيا: هذا النص الذي تدعونه,
أنتم فيه مختلفون اختلافا يوجب القطع بأنه ليس عندكم ما يعتمد عليه فيه, بل كل قو
منكم يفترون ما شاءوا. وأيضا يقول جماهير
المسلمين: إنا نعلم علما يقينا كذب هذا النص بطرق كثيرة, بسطها ابن تيمية في مواضع
من كتبه.
ثالثا:
إذا كان الأمر كذلك فإن حجة عثمان تظهر وتعلو, ويمكنه أن يقول: إن بني أمية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعملهم في
حياته, واستعملهم بعده من لا يتهم بقرابة فيهم: أبو بكر الصديق وعمر الفاروق رضي
الله عنهما, بل ولا نعرف قبيلة من قبائل قريش فيها عمال لرسول الله أكثر من بني
عبد شمس, لأنهم كانوا كثيرين, وكان فيهم شرف وسؤدد, فاستعمل النبي صلى الله علي
وسلم في عزة الإسلام على أفضل الأرض مكة عتّاب بن أسيد بن أبي العيس بن
أمية, واستعمل أيضا خالد ابن سعيد بن العاص على صدقات بني مذحج, وعلى صنعاء
اليمن فلم يزل عليها حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم, واستعمل عثمان
بن سعيد بن العاص على تيماء وخيبر قرى عرينة, واستعمل أبان بن سعد بن العاص على
بعض السرايا ثم استعمله على البحرين فم يزل عليها بعد العلاء الحضرمي حتى توفي
النبي صلى الله علي وسلم, واستعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط حتى أنزل
الله فيه: {إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة} الآية. فلعثمان أن يقول: "أنا لم
أستعمل إلا من استعمله رسول الله منهم ومن جنسهم ومن قبيلتهم, وكذلك أبو بكر وعمر
بعده ـ أي استعلا هم ـ فقد ولى أبو بكر يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية
في فتوح الشام, وأقره عمر, ثم ولى عمر بعده أخاه معاوية. واستعمال النبي
صلى الله عليه وسلم هؤلاء ثابت مشهور, بل متواتر عند علماء الحديث.
وأما قوله: (واستعمل الوليد بن عقبة, حتى ظهر
منه شرب الخمر, وصلى بالناس وهو سكران),.
ج/ الوليد بن عقبة الذي أنكر الرافضي على
عثمان ولايته قد اشتهر أن النبي صلى الله عليه وسلم ولاه على صدقات قوم, فلما قرب
منهم خرجوا إليه, فظن أنهم يحاربونه, فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يذكر
محاربتهم له, فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل إليهم جيشا, فأنزل الله
الآية: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا}, فإذا كان حال
هذا خفي على النبي صلى الله علي وسلم فكيف لا يخفى على عثمان؟ فإن قالوا:
فكيف ولاه عثمان بعد ذلك؟ قلنا: باب التوبة مفتوح, وقد كان عبد الله بن سعد
بن أبي السرح ارتدّ عن الإسلام ثم جاء تائبا, وقبل النبي صلى الله علي وسلم توبته
بعد أن أهدر دمه. فهذا لا يقدح في عثمان, وغاية ما يقال: إن عثمان ولى من
يعلم أن غيره أصلح منه, وهذا من موارد الاجتهاد. أو يقال: إن محبته لأقاربه
ميَّلته إليهم, حتى صار يظن أنهم أحق من غيرهم, أو أن ما فعله كان ذنبا,
وقد حصلت أسباب المغفرة من وجوه كثيرة منها:
·
سابقته في الإسلام
وإيمانه وجهاده وغير ذلك من طاعاته, وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له
بل بشره بالجنة على بلوى تصيبه.
·
أنه تاب من عامة ما
أنكروا عليه, والتائب للذنوب كمن لا ذنب له.
·
وأنه ابتلي ببلاء
عظيم فكفر الله به خطاياه, وقد صبر حتى قتل شهيدا مظلوما. أو كُفّر عنه بغير ذلك.
وأما قوله: (حتى
ظهر من بعضهم الفسق, ومن بعضهم الخيانة).
فيجاب بكون ظهور ذلك بعد الولاية لا
يدل على كونه ثابتا حين الولاية, ولا عل أن المُولي علم ذلك. وعثمان لمّا علم أن
الوليد بن عقبة شرب الخمر طلبه وأقام عليه الحد, وكان يعزل من يراه مستحقا للعزل
ويقيم الحد علو من يراه مستحقا لذلك.
ويجاب على قوله السابق بأنه لا جرم أن
عثمان طلب الوليد وأقام عليه الحد بمشهد من علي, وقال لعلي قم فاضربه ... حتى ضربه
جعفر أربعين ثم قال علي:"أمسك, ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو
بكر كذلك, وعمر ثمانين, كل سنة وهذا أحب إلي". رواه مسلم. فإذا أقام الحد
برأي من علي وأمره, فقد فعل الواجب.
وأما قوله:
(وولّى عبد الله بن سعد بن أبي السرح على مصر حتى تظلم منه أهلها, وكاتبه
أن يستمر على ولايته سرا خلاف ما كتب إليه جهرا). فهذا كذب على عثمان.
وكذا قوله: (وأمر بقتل محمد ابن أبي
بكر). كذبٌ عليه.
وأما قوله: (وولى معاوية الشام فأحدث
من الفتن ما أحدثه).
فالجواب: معاوية ولاه عمر لما مات
أخوه اليزيد بن أبي سفيان, واستمر على الشام في الولاية في خلافة عثمان, كانت
رعيته تحبه, وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال:" خيار أئمتكم:
الذين تحبونهم ويحبونكم, وتصلون عليهم ويصلون عليكم, وشرار أئمتكم: الذين
تبغضونهم, ويبغضونكم, وتلعنونهم ويلعنونكم". رواه مسلم. وإنما ظهر
الأحداث من معاوية في الفتنة لما قتل
عثمان,كانت
الفتنة شاملة لأكثر الناس لم يختص بها معوية.
وأما قوله: (وولى عبد الله بن عامر
على البصرة, ففعل من المناكير ما فعل).
فالجواب: أن عبد الله له من الحسنات
والمحبة في قلوب الناس ما لا ينكر, فإذا فعل منكرا فذنبه عليه. فمن قال: إن عثمان
رضي بالمنكر الذي فعله؟
وأما قوله: (وولى مروان أمره, وألقى
إليه مقاليد أموره, ودفع إليه خاتمه, وحدث من ذلك قتل عثمان, وحدث من الفتنة بين
الأمة ما حدث).
فالجواب: أن قتل عثمان
والفتنة لم يكن سببهما مروان وحده, بل اجتمعت أمور متعددة, من جملتها أمور تنكر من
مروان, وعثمان كان قد كبر, وكانوا يفعلون أشياء لا يٌعلِمونه بها, فلم يكن آمرا
بالأمور التي أنكر تموها عليه. وقد قيل: إن مروان أراد قتلهم ولكن لم يتم
غرضه فطلبوا من عثمان أن يسلمه لهم ليقتله فلم يسلّم ْ. ولكن غاية هذا لا يبيح
شيئا مما فعلوه بعثمان. ومن سعى في قتل إنسان ول يقتله لم يجب قتله, فما كان يجب
قتل مروان بسبب هذا, نعم, ينبغي الاحتراز ممن يفعل مثل هذا وتأخيره وتأديبه, أما
القتل فلا ولا, لأنه أمر عظيم.
وأما قوله: (كان يؤثر أهله
بالأموال الكثيرة من بيت المال, حتى إنه دفع إلى أربعة نفر من قريش ـ زوجهم بناته
ـ أربعمائة ألف دينار, ودفع إلى مروان ألف دينار).
ج/ فأين النقل الثابت لذلك؟ نعم كان
يعطي أقاربه عطاء كثيرا, ويعطي غيرهم أيضا, وكان محسنا إلى جميع المسلمين, وأما
هذا القدر الكثير فيحتاج إلى نقل ثبت, بل قال شيخ الإسلام: هذا كذب بين.
وأما قوله: (وكان بن مسعود يطعن عليه
ويكفره).
ج/ فهذا من الكذب البين على ابن
مسعود, بل نقل علماء النقل أن ابن مسعود قال لمّا ولي عثمان: "وُلّينا أعلانا
ذا فوق, ولم نألُ". وأما في آخر خلافته فقد نقم عليه أشياء وهو المعذور فيها؛
ومن جملتها: أنه بقي في نفس ابن مسعود عليه من
أمر المصحف شيء, وذلك لما فوض كتابته إلى زيد ودونه, وأمر الصحابة أن
يغسلوا مصاحفهم, وجمهور الصحابة كانوا على قراءة ابن مسعود مع عثمان. وعثمان أفضل
من كل من تكلم فيه؛ إذ هو أفضل من ابن
مسعود وعمار وأبي ذر وغيرهم. وكل هذا مما أمرنا بالإمساك عنه لأنا لا نسأل عن ذلك
كما قال عمر بن عبد العزيز قوله المشهور, ولكن إذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل
فلا بد من الذب عنهم وذكر ما يبطل شبهه وحججه بعلم وعدل. وكذلك ما
نقل من تكلم عمار عنه ونقل من إنكار الحسن وعلي عليه.
وأما قوله: (إنه لما حكم ضرب ابن
مسعود حتى مات). فهذا كذب باتفاق أهل العلم. وبالجملة إذا قيل : إن عثمان ضرب ابن
مسعود أو عمار فهذا لا يقدح في أحد منهم, لأنا نقطع ونشهد بأن الثلاثة في الجنة.
وأما قوله: ( وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: " عمار
جلدة بين عينيّ, تقتله الفئة الباغية, لا أنالهم الله شفا عتي يوم القيامة".
فيقال الذي في الصحيح: " تقتل عمار
الفئة الباغية" رواه البخاري ومسلم[17]. أما قوله: ( لا أنالهم الله شفاعتي). فكذب مزيد في الحديث, وكذلك قوله: (عمار جلدة
بين عينيّ), لا يعرف له إسناد.
أما قوله: (وطرد رسول الله صلى الله
عليه وسلم الحكم بن العاص عم عثمان عن المدينة, ومعه ابنه مروان, فلم يزل هو وابنه
طريدين في زمن النبي وأبي بكر وعمر, فلما ولي عثمان آواه وردّه إلى المدينة وجعل
مروان كاتبه وصاحب تدبيره مع أن الله قال:{لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر
يوادّون من حاد الله ورسوله}.
ج/ الحكم ليس في المدينة إنما هو في
مكة؛ وأما استكتابه مروان فمروان لم يكن له ذنب في ذلك, لأنه كان صغيرا ومات النبي
صلى الله عليه وسلم ومروان لم يبلغ الحلم, فعلى ذلك فلا ذنب لعثمان على استكتابه
بعد ذلك. ومروان قبل الفتنة لم يكن معروفا بشيء يعاب به.
وأما
قوله: (إنه نفى أبا ذرّ إلى الربذة وضربه ضربا وجيعا, مع أن النبي صلى الله
علي وسلم قال في حقه: "ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق
من أبي ذر". وقال: "إن الله أوحى إليّ أنه يحب أربعة من أصحابي".
فقيل له : من هم يا رسول الله؟ قال: "علي سيدهم, وسلمان, والمقداد, وأبو
ذرّ").
ج/ إن أب ذر سكن الربذة واعتزل عن
الناس بسبب اجتهاد اجتهد فيه فأخطأ في أمر الزكاة حيث إنه يرى وجوب الزهد, وأن ما
أمسكه الإنسان فاضلا عن حاجته فهو كنز يكون به في النار, حتى إنه لما توفي عبد
الرحمن بن عوف وترك مالا, جعل أبو ذر ذلك من الكنز الذي يعاقب عليه, وكان عثمان في
ذلك حتى دخل كعب ووافق عثمان, فضربه أبو ذر, وكان قد وعق بينه وبين معاوية كلام
بالشام بهذا السبب. أما الخلفاء وجماهير الصحابة والتابعين فهم على خلافه, فعنهم
الكنز: هو المال الذي لم تؤدّ حقوقه. أما الذي أديت حقوقه فليس بكنز.
أما
كونه من أصدق الناس فلا يوجب أنه أفضل من غيره, بل كان أبو ذر مؤمنا ضعيفا كما قال
النبي: " يا أبا ذر! إني أراك ضعيفا, وإني أحب لك ما أحب لنفسي, لا تأمرن على
اثنين, ولا تولين مال يتيم" فالمؤمنون الصالحون لخلافة النبوة كعثمان وعلي
وعبد الرحمن بن عوف أفضل من أبي ذر وأمثاله بدليل: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من
المؤمن الضعيف, وفي كل خير".
والحديث
الثاني:
" إن الله أوحى إليّ أنه يحب أربعة من أصحابي..." السابق موضوع, وليس له
إسناد يقوم به.
أما قوله: (إنه ضيع حدود الله فلم يقتل عبيد
الله بن عمر حين قتل الهرمزان مولى أمير المؤمنين بعد إسلامه, وكان أمير المؤمنين
يطلب عبيد الله لإقامة القصاص عليه, فلحق بمعاوية, وأراد أن يعطل حد الشرب في
الوليد بن عقبة, حتى حده أمير المؤمنين, وقال: "لا تبطل حدود الله وأنا
حاضر".
ج/.
أما قوله: (إن الهرمزان كان مولى علي). فمن الذب الواضح, فإن الهرمزان كان من
الفرس الذين استنابهم كسرى على قتال المسلمين, فأسره المسلمون وقدموا به على عمر,
فأظهر الإسلام, فمـنّ عليه عمر وأعتقه, ولما قتل عمر, كان الذي قتله أبو لؤلؤة
المجوسي الكافر,وكان بينه وبين الهرمزان مجـانسـة, وذُكر لعبيد الله بن عمر أنه
رُئي عند الهرمزان حين قتل عمر, فكان ممن اتهم بالمعاونة على قتل عمر كما روي عن
سعيد بن المسيب أنه قال: ( إن عبد الرحمـن بن أبي بكر الصديق قال حين قتل عمر: قد
مررت على أبي لؤلؤة قاتل عمر ومعه جُفينة والهرمزان وهم نجي, فلما بَغـتَهم ثاروا,
فسقط من بينهم خنجر له رأسان, ونصابه وسطه, فانظروا ما الخنجر الذي قتل به عمر,
فوجدوه الخنجر الذي نعت عبد الرحمن بن أبي بكر, فانطق عبيد الله بن عمر حين سمع
ذلك من عبد الرحمن ومعه السيف حتى دعا الهرمزان,فلما خرج إليه قال: انطلق معي حتى
ننظر إلى فرس لي, وتأخر عنه حتى إذا مضى بين يديه علاه بالسيف ...الخ ). وعثمان
استشار الصحابة في هذا الأمر أي قتل عبيد الله, فأشار عليه طائفة من الصحابة أن لا
تقتله, فإن أباه قتل بالأمس, ويقتل هو اليوم ... فكأنهم وقعت لهم شبهة في عصمة دم
الهرمزان, وهل كان من الصائلين الذين كانوا يستحقون الدفع؟ أو من المشاركين في قتل
عمر الذين يستحقون القتل؟ وإذا كان قتل عمر وعثمان وعلي ونحوهم من باب المحاربة,
فالمحاربة يشترك فيها الردء والمباشر عند الجمهور, فعلى هذا من أعان على قتل عمر ـ
ولو بكلام ـ وجب قتله, وكان الهرمزان ممن ذكر أنه أعان على ذلك. وإذا كان ذلك كذلك
كان قتله واجبا, ولكن كان قتله إلى الأئمة ...فافتاتَ عبيد اللهٍٍ بقتله, وللإمام
أن يعفو عمن افتات عليه.
أما قوله: (إن عليا كان يريد
قتل عبيد الله بن عمر)
فيقال:
يا ليت شعري! متى عزم على قتل عبيد الله؟ ومن العجب عند الرافضة: أن دم الهرمزان
المتهم بالنفاق والمحاربة لله ولرسوله والسعي في الأرض فسادا, تقام فيه وعليه
القيامة, ودم عثمان يجعل لا حرمة له, وهو إمام المسلمين المشهود له بالجنة, الذي
هو وإخوانه أفضل الخلق بعد النبيين.
فهل
في عثمان يقال: إنه كان يستحل إراقة دماء المسلمين بتعطيل الحدود؟ فإذا كان
كذلك كان طرق قائل هذا من القدح في علي رضي الله عنه ما هو أعظم من هذا, وسوَغ لمن
يبغض عليا ويعاديه ويقاتله أن يقول: إن عليا قد استحل إراقة دماء المسلمين
بتعطيله الحدود الواجبة على قتلة عثمان رضي الله عنه, وتعطيل تلك الحدود ـ إن كانت
واجبة ـ أعظم فسادا من تعطيل حد وجب بقتل الهرمزان. وإذا كان من الواجب الدفع
عن علي بأنه كان معذورا باجتهاد أو عجز, فلأن يدفع عن عثمان بأنه كان معذورا بطريق
الأولى.
وأما قوله: ( أراد عثمان تعطيل حد
الشرب في الوليد بن عقبة حتى حده علي أمير المؤمنين).
فهذا من الكذب عليهما ـ علي وعثمان ـ بل عثمان
هو الذي أمر عليا بإقامة الحد عليه, كما تقدم أنه ثبت في صحيح مسلم بذلك, وقد تقدم
تخريج الحديث, وعلي رضي الله عنه خفف عن الوليد وجلده أربعين, ولو جلده ثمانين لم
ينكر عليه عثمان.
وقول الرافضي: ( إن عليا قال: لا يبطل
حد الله وأنا حاضر)
ج/ هذا الذي ذكره كذب, وعلى احتمال أن
يكون صدقا , فهو من أعظم المدح في عثمان, لأنه قبل قول علي؛ ولم يمنع عليا من
إقامة الحد, مع قدرة عثمان على منعه لو أراد. والرافضة تريد ذم إنسان فتمدحه.
وقوله: ( إنه زاد الأذان
الثاني يوم الجمعة, وهو بدعة, فصار سنة إلى الآن).
ج/
إن عليا وافق عثمانا في حياته وبعد مقتله, ولهذا لما صار خليفة لم يأمر بإزالته
كما أمر بإزالة ما أنكره من ولاية طائفة من عمال عثمان؛ بل أمر بعزل معاوية وغيره.
وبطال هذه البدعة من الكوفة ونحوها أهون عليه من عزل أولـئك ومقاتلتهم التي عجز
عنها. وعلي أقدرُ على هذا من تلك؛ ولو أزال الأذان الثاني لعلمه الناس ولنقلوه,
ومن أدل ما يستدل به في أن عليا لم يزل هذه البدعة ـ على زعم الرافضي ـ قوله
السابق: ( فصارت سـنة إلـى الآن). فإن قيل: كان الناس لا يوافقونه على
إزالتها؟ قيل: فيوافقون عثمان على استحبابها, ولا يوافقون عليا على
إزالتها؟ ثم إنه من العجب: أن الرافضة تنكر
شيئا فعله عثمان بمشهد من الأنصار والمهاجرين, ولم ينكروه عليه,واتبعه المسلمون
قاطبة في أذان الجمعة, وهم ـ الرافضة ـ قد زادوا في الأذان شعارا, لم يكن يعرف على
عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمر به المصطفى, وهو قولهم: حيّ على
خير العمل. ونحن نعلم بالاضطرار أنها بدعة باطلة.
وأما قوله: ( وخالفه المسلمون كلهم حتى
قتل, وعابوا أفعاله, وقالوا له: غبت عن بدر, وهربت يوم أحد, ولم تشهد بيعة
الرضوان, والأخبار في ذلك أكثر أن تحصى ).
ج/
أما قوله:(وخالفه المسلمون كلهم حتى قتل). فإن أراد أن كل المسلمين في كل
ما فعله, أو في كل ما أُنكِر عليه, فكذب؛ لأنه ما من شيء أنكر عليه إلا وقد وافقه
عليه كثير من المسلمين, بل من علمائهم. وإن أراد به أنهم خالفوه خلافا يبيح
دمه وقتله, أو أنهم كلهم أمروا بقتله,ورضوا به , وأعانوا علي ذلك , فهذا أيضا مما
يعلم كل أحد أنه من الكذب.
والذي قال له: غبت عن بدر وبيعة
الرضوان, وهربت يوم أحد, قليل جدا, بل لم يعين منهم إلا اثنان أو ثلاثة, وقد
أجابهم عثمان نفسه وابن عمر وغير هما عن هذا السؤال, وقالوا: يوم بدر غاب بأمر
النبي صلى الله علي وسلم, ليخلفه عن ابنته المريضة, فضرب له النبي صلى الله عليه
وسلم بسهمه وأجره. ويوم الحديبية: بايع النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان بيده
الشريفة, ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير له من يده لنفسه, وكانت البيعة بسببه,
لأنه لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى أهل مكة بَلَغَه أنهم قتلوه,
فبايع أصحابَـه على أن لا يفروا أو على الموت, فكان عثمان شريكا في البيعة, مختصا
بإرسال النبي صلى الله عليه وسلم له. وأما التولي يوم أحد فقد قال الله تعالى:{إن
الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد
عفا الله عنهم إن الله غفور حليم}. فقد عفا عن جميع المتولين يوم
أحد, فدخل في العفو من هو دون عثمان, فكيف لا يدخل هو فيه مع فضله وكثرة حسناته؟!
والقصة في البخاري.
إلى هنا انتهى هذا البحث, الذي بأبي بكر رضي
الله عنه مرورا بعمر وانتهاء بعثمان رضي الله عنهما وعن سائر أصحاب نبينا أجمعين,
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تنبيه! تنبيه!! تنبيه!!!
قال شيخ الإسلام ابن
تيمية
في الدفاع عن عثمان: (والقاعدة الكلية في هذا: أن لا نعتقد أن أحدا معصوم بعد
النبي صلى الله عليه وسلم, بل الخلفاء وغيرهم يجوز عليهم الخطأ, والذنوب التي تقع
منهم قد يتوبون منها, وقد تكفر عنهم بحسناتهم الكثيرة, وقد يُبتلَون
أيضا بمصائب يكفر الله عنهم بها, وقد يكفّر عنهم بغير ذلك. فكل ما ينقل عن عثمان
غايته أن يكون ذنبا أو خطأ, وعثمان رضي الله عنه قد حصلت له أسباب المغفرة من وجوه
كثيرة, منها: 1ـ سابقته وإيمانه وجهاده وغير ذلك من طاعاته. وقد ثبت أن النبي صلى
الله عليه وسلم شهد له بل بشره بالجنة على بلوى تصيبه. 2ـ ومنها أنه تاب من عامة
ما أنكروه عليه. والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. 3ـ وأنه ابتلي ببلاء عظيم, فكفر
الله به خطاياه. 4ـ وصبر حتى قتل شهيدا مظلوما؛ وهذا من أعظم ما يكفر الله به
الخطايا).
وكذلك علي رضي الله عنه ما تنكره عليه الخوارج
وغيرهم غايته أن يكون ذنبا أو خطأ وكان قد حصلت له أسباب المغفرة من وجوه كثيرة,
مثل ما ذكرنا لعثمان. ثم قال شيخ الإسلام: (وهذه القاعدة تغنينا أن نجعل كل ما فعل
واحد منهم هو الواجب أو المستحب من غير حاجة بنا إلى ذلك). وقال عثمان بن محمد
الخميس صاحب كتاب "حقبة من التاريخ" في صحيفة 15 : (ولا بد أن
نعتقد ونحن نقرأ تاريخ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرين اثنين: أولا:
أن نعتقد أن أصحابه هم خير البشر بعد أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم, وذلك
لأن الله تبارك وتعالى امتدحهم, والنبي صلى الله عليه وسلم كذلك مدحهم وبين في
أكثر من حديث أنهم أفضل البشر بعد أنبياء الله, وأمتهم أفضل الأمم. ثانيا:
أن نعلم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير معصومين. نعم نعتقد العصمة في
إجماعهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة,
فهم معصومون من أن يجتمعوا على ضلالة, لكنهم كأفراد غير معصومين, فالعصمة لأنبياء
الله وملائكته أما غير الأنبياء والملائكة فلا نعتقد عصمة أحد. إذاً لا بد أن
نعتقد أن الصحابة خير البشر, وأن نعتقد أنهم غير معصومين. فإذا جاءتك رواية فيها
طعن في صحابي فلا تُقْدِم على ردها, ولا تقبلها حتى تنظر فيها, فإن وجدت السند
صحيحا فهذه من الأشياء التي هم غير معصومين فيها, وإن وجدت السند ضعيفا فابق على
الأصل وهو أنهم خير البشر بعد أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم. أما مدح الله
لهم فهو في قوله عز وجل: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم
تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك
مثلهم في التوراة} الآية. ففيها مدح الله جملة أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم, إذاً الأصل فيهم المدح وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"لا تسبوا أصحابي, فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ
مدهم ولا نصيفه". فهذا مدح منه لأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.
فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة,
فهم وسط بين الرافضة والناصبة. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات, وصلى الله
وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
No comments:
Post a Comment