المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
الجامعة الإسلامية بالمدينة
النبوية
كلية الدعوة وأصول الدين
قسم العقيدة، مرحلة: الماجستير.
الإلحاد؛ أسبابه وآثاره، وشبهات أهله والرد عليها
كتبه الطالب بقسم العقيدة:
أبو بكر حمزة زكريا
بإشراف شيخنا الشيخ الأستاذ الدكتور:
عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر.
حفظهما الله ولطف بهما.
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة؛ وفيها: أهمية الموضوع:
الحمد لله الذي أوعد الملحدين في دينه ناره؛
فقال جلّ من قائلٍ سبحانه: ( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى
في النار خير أمن يأتي آمنًا يوم القيامة إعملوا شئتم إنه بما تعملون بصير) [1] وقال تعالى: ( ولله الأسماء
الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) [2]. والقائل: ( الحمد لله الذي
خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) [3] وقوله: ( تالله إن كنا لفي
ضلال مبين ** إذ نسوّيكم بربّ العالمين) [4] وقوله: ( هو الله الذي لا
إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو
الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون
هو الله الخالق البارئ المصوّر له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض
وهو العزيز الحكيم) [5]. والصلاة والسلام على من
أرسله ربّه ليكسر رؤوس الجبابرة والزنادقة والملاحدة المشركين، الذي قال ربّه فيه:
( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه وكفى بالله شهيدا) [6] وبعد:
فإنّ هذا البحث "الإلحاد؛
أسبابه وآثاره، وشبهات أهله والرد عليها" نافع ومفيد؛ لأنه تناول موضوعاً
لا بد من معرفته لمن أراد لنفسه النجاة، فإذا كان التوحيد هو أول واجب على الإنسان
معرفته والعمل به؛ فالشرك والإلحاد بمعناه العام الذي هو ضد التوحيد لا بد من
معرفته؛ لأنه بذلك يتضح سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين، فلا بد من معرفة الخير
وأوله التوحيد ليمتثل، ولا بد من معرفة الشرّ وأول ذلك معرفة الشرك والإلحاد ليجتنب؛
وإلا كيف يتقي من لا يدري ما يتقي؟! والشاعر يقول:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ::: ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه.
وحذيفة رضي الله عنه يقول:
" كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن
يدركني" كما في البخاري ومسلم [7]. وهذا البحث يسلط الضوء على
الإلحاد قديماً وحديثاً وعنه في الآيات والألوهية والأسماء والصفات والأفعال، ثم
عن أسباب وجوده وانتشاره العامة والخاصة، ويليه شيء من شبهات أهله والرد عليها.
وإني في هذه العجالة لأقوم
بواجب الشكر على المولى الكبير الكريم على نعمائه التي لا تحصى؛ فله الشكر على ما
أولى وأنعم، وله الحمد في الأولى والآخرة، ثم أشكر حكومة هذه البلاد: بلاد الحرمين
الشريفين على ما تقوم به من خدمة هذا الدين الحنيف، ومن ذلك: إيجادهم الجامعة
الإسلامية وإعدادها وإمدادها، فجزى الله حكومتهم خيراً. ثم أخصّ بالشكر
مشايخي الذين باشروا تربيتنا وعلى رئسهم شيخنا الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن
العباد البدر على توجيهاتها النافعة، ونصحه لنا، وحمل طلاّبه على الجادة، وعلى
إشرافه للبُـحيّث، وأقول لهم: جزاكم الله خيراً. والشكر موصول إلى كل من أعانني
على إخراج الجهد المقلّ، وعلى رئسهم زملائي أصحاب المناقشات الهادفة البنّاءة، وزوجي
على مساعداتها الطيّبة، وأقول لهم: جمعنا الله في مستقرّ رحمته والفردوس الأعلى.
خطة البحث:
موضوع البحث: الإلحاد؛ أسبابه وآثاره،
وشبهات أهله والرد عليها.
جعلت البحث في مباحث خمسة، مبتدءا بالمقدمة وفيها: أهمية الموضوع. ثم
منتهيا بالخاتمة.
المبحث الأول: مفهوم الإلحاد لغة وشرعًا؛
وتحته ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف الإلحاد لغة.
المطلب الثاني: تعريفه
شرعًا.
المطلب الثالث: العلاقة بين
المعنى الشرعي واللغوي.
المبحث الثاني: في بيان ما يكون فيه
الإلحاد! وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: الإلحاد في آيات
الله تعالى (الكونية منها والشرعية).
المطلب الثاني: الإلحاد في الربوبية؛
المطلب الثالث: الإلحاد
في أسماء الله تعالى.
المطلب الرابع: الإلحاد في الألوهية.
المبحث الثالث: من أسباب الإلحاد؛ وتحته مطالب:
المطلب الأول: أسباب عامة للإلحاد والانحراف والضلال.
المطلب الثاني: أسباب
الإلحاد في الربوبية والأسماء والصفات( أعني: توحيد المعرفة والإثبات).
المطلب الثالث: أسباب
الإلحاد في العصر الحديث.
المطلب الرابع: أسباب
الإلحاد في الألوهية وعبادة غير الله بأي نوع كان من أنواع العبادة.
المبحث الرابع: من آثاره
الوخيمة.
المبحث الخامس: بعض شبهات أهله والردّ عليها.
ثم الخاتمة؛ وفيها ذكر أهم ما توصّل الباحث.
المبحث الأول: مفهوم الإلحاد لغة وشرعًا؛ وتحته ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف الإلحاد لغة.
المطلب الثاني: تعريفه شرعًا.
المطلب الثالث: العلاقة بين المعنى الشرعي واللغوي.
المبحث الأول: مفهوم الإلحاد لغة وشرعًا؛
المطلب الأول: تعريفه لغة.
لحد: الام
والحاء والدال أصل يدل على ميل عن الاستقامة ..." ([8])
ل ح د : ألْحَدَ في دين الله أي: حاد عنه وعدل، و لَحَد: من باب قطع لغة
فيه؛ وقرئ { لسانٌ الذي يَلْحَدون إليه }[9] والْتَحَد مثله. وألْحَدَ الرجل:
ظلم في الحرم، وقوله تعالى { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } [10] أي: إلحادًا بظلم؛ والباء زائدة.
واللَّحْدُ بوزن الفلس؛ الشق في جانب القبر وضم اللام لغة فيه ولَحَدَ للقبر لحدا ...
وألْحَدَ له أيضا ([11])
وقال محمد عبد الرؤوف
المناوي في كتابه ( [12]) : اللحد حفرة مائلة عن الوسط، وألحد فلان: مال عن الحق. والإلحاد؛ ضربان:
إلحاد إلى الشرك بالله. وإلحاد إلى الشرك بالأسباب؛ فالأول ينافي الإيمان ويبطله. والثاني
يوهن عراه ولا يبطله.
ويقول الشيخ محمد يوسف محمد
الشوبكي في كتابه: الإلحاد وسبب انتشاره: " الإلحاد من مشتقات ( لحد) وفيه
لغتان؛ لحد وألحد، والإلحاد هو مطلق الميل وترك القصد؛ يقال: ألحد الرجل: إذا مال
عن طريق الحق والإيمان، وألحد في دين الله: إذا حاد عنه وعدل به شيئاً آخر. ولحد
في الدين وألحد فيه: إذا طعن فيه. وألحد في الدين: إذا شك فيه واعترض عليه ...
وألحد في الله: أي شك فيه. يقول العلامة اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز
آبادي في كتابه ([13]
): " اللحْدُ، ويضم: تالشق يكون في
عرض القبر، كالملحود، وجمعه: ألحاد ولحود. ولحد القبر كمنع، وألحده: عمل له لحداً.
وألحد الميت: دفنه. وألحد إليه: مال كالتحد. وألحد: مال وعدل ومارى وجادل. وألحد
في الحرم: ترك القصد فيما أمر به، وأشرك
بالله، أو ظلم، أو احتكر الطعام. وألحد بزيد: أزرى به وقال عليه باطلاً.
وقبر لاحد وملحود: ذو لحد. وركية لحود: زوراء مخالِفة عن القصد. واللُحادة:
اللحاثة، والمزعة من اللحم. ولاحَدَ فلاناً: اعوجّ كل منهما على صاحبه. والملتحد:
الملجأ".
تنبيه:
مادة الإلحاد وردت في
القرآن الكريم في ستة مواضع؛ أربع منها داخلة في معنى الإلحاد الذي معنا، واثنان
بمعنى: الملجأ؛ والموضع كالتالي:
1.
في سورة الأعراف ([14] ): ( ولله الأسماء الحسنى
فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون)؛ فالزيادة فيها
من الإلحاد كما أن النقص كذلك.
4. في
سورة فصلت ( [17]
): ( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي
أمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير).
أما الموضعان الآخران اللذان
بمعنى الملجأ ففي:
وقد
استقرأ الشيخ محمد الشوبكي هذه المادة في
الأحاديث النبوية؛ وذلك بتتبعه فهارس كتب الحديث والكتب التي ألفت لتخريج الأحاديث
بالنظر إلى كلمة ذات دلالة في الحديث؛ فوجدها لا تخرج عن معنيين؛ هما:
2.
اللحد بمعنى: الشق الذي هو
بجانب القبر؛ كما في حديث: { اللحد لنا، والشق لغيرنا}[21].
المطلب الثاني: تعريفه شرعًا.
في تعريف هذه المادة في الشرع يزاد لفظة " عن الدين" على
ما ورد في اللغة؛ فيقيّد بذلك، كما قال الشيخ محمد يوسف محمد الشوبكي ذاكراً حدّه
ومَن الملحدون؟: " هو الميل عن الدين [قال: وهذا عام؛ يشمل كل ميل عن
الدين]. فالميل عن الإيمان بالله أو عن توحيده إلى الإشراك أو عن رسله أو عن عالم
الغيب الذي أنزله في كتابه، كل ذلك من الإلحاد.
وقوله: "الدين" في
التعريف؛ المراد به: الدين الحق.
وأما الملحدون:
فهم فرقة من الكفار يسمون بالدهرية والدهريين. وقال بعض الأئمة: الملحدون في
زماننا: هم الباطنية الذين يدّعون أن للقرآن ظاهراً وباطناً؛ وأنهم يعلمون
علم الباطن؛ فأحلّوا بذلك الشريعة؛ لأنهم تأولوا بما يخالف العربية التي نزل
القرآن الكريم. كما تطلق كلمة الملحدين: عن الذين يعتبرون الله غير موجود"
([22]
).
وقد قال كل من الشيخين الشيخ
عبد الرحمن بن عبد الخالق والشيخ إبراهيم بن عبد الله الحازمي ([23]):
هو الكفر بالله والميل عن طريق أهل
الإيمان والرشد وظهور التكذيب بالبعث والجنة والنار وتكريس العمر للدنيا
فقط".
ومن أجمع التعاريف ما جاء في القسم المصطلحات[24] ( القسم السادس) من "الموسوعة
الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة": " الإلحاد: هو إنكار
وجود الله، أو الميل بنصوص الكتاب والسنة عن الحق الثابت لها؛ كالإلحاد في
الآيات الشرعية؛ مثل تسميته تعالى بما لا يليق كتسمية النصارى له أبا، أو تسمية
الفلاسفة إياه بالعلة الفاعلة. ومن الإلحاد أيضاً: تسمية بعض المخلوقين باسمه
تعالى؛ كتسمية اللات من الإلــه، أو وصف الله تعالى بما يتنزه عنه كقول اليهود: (
الله فقير)، أو تعطيل أسمائه وصفاته عن معانيها وجحد حقائقها؛ كمن يجعل أسمائه
تعالى (علات) محضة لا تدل على الكمال، أو تشبيه الخالق بالمخلوق ذاتاً وصفاتٍ؛
لقوله تعالى: ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائــه
سيجزون ما كانوا يعملون) {180من سورة الأعراف}. ويقول تعالى: ( ولا تقف ما ليس لك
به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) ويأتي الإلحاد أيضاً:
بنسبة الآيات الكونية إلى غير خالقها سبحانه ـ الدهريون ـ كنسبة نزول المطر للنجم
مثلاً، أو التكذيب بالبعث والجنة والنار ـ الطبيعيون ـ وتكريس الحياة كلها للدنيا
فقط. فالإلحاد هو الكفر بالله والميل عن
طريق أهل الإيمان والرشد" .
ـ والمفكرون الإسلاميون
المحدثون يستخدمون هذه المادة (الإلحاد) فيما هوا الكفر؛ وخاصة: اعتناق المذاهب
المادية؛ مثل الشيوعية والوجودية والعلمانية واللادينية، وكذلك يستعملون المادة في
الذين ينكرون وجود الله ويجحدونه ويشكون في وجوده؛ يقول محمد قطب: " هو إنكار
وجود الله" ( قال الشيخ محمد الشوبكي: راجع: مذاهب فكرية معاصرة لمحمد قطب
ص5ـ6، وجهود المفكرين المسلمين في مقاومة التيار الإلحادي لمحمد عبد الحكيم عثمان
ص24) وقال عبد الله ناصح علوان: " إن المقصود من الإلحاد: التنكّر للذات
الإلهية وجحود الرسالات السماوية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى" وقال:
" الإلحاد إنكار كل ما هو غيبي" ( ذكر ذلك في كتابه: حرية الاعتقاد في
الشريعة الإسلامية؛ في ص75 من طبعته الأولى) ذكر ذلك الشوبكي.
_ وأما مادة (الإلحاد) عند الغرب فيمكن أن تعرّف باعتبارات ثلاث:
أما الأول: فعند منصفي
الغرب: هو نفي وجود الخالق، وهو رفض جميع الحجج التي يستند إليها المفكرون في التدليل على وجود الله.
أنظر: ص19 من كتاب الإلحاد)
ثانياً: الإلحاد عند الكنيسة
ورجالها: فهم يطلقون الإلحاد على الهرطقة والزندقة على كل من خالف تعلميها؛ وخاصة
العلماء الذين يشتغلون بالعلوم المادية، ويخرجون بنتائج مخالفة لما تقول الكنيسة.
ثالثاً: عند ملاحدة الغرب؛
فيطلقونه على: حرية الفكر؛ وذلك بخلاف الكنيسة التي تعتبر ذلك من الإلحاد. [25]
المطلب الثالث: العلاقة بين المعنى الشرعي
واللغوي.
والعلاقة بين المعنى اللغوي
والشرعي لهذه الكلمة كالعلاقة بين كثير من مدلولي أخواتها من الكلمات؛ إذْ غالبا
ما يكون المعنى الشرعي جزءاً من المعنى اللغوي مأخوذا منه؛ فإذاً العلاقة بينهما
هي العلاقة التي بين الكل والجزء، والعام والخاص، وهي التداخل ... فكل ما سبق من
أنواع الإلحاد في كلام أصحاب الموسوعة فإنه يدخل في الميل بالشيء عن وجهه وحقيقته،
وليس هو كله.
المبحث الثاني: في بيان ما يكون فيه الإلحاد!
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: الإلحاد في آيات
الله تعالى (الكونية منها والشرعية).
المطلب الثاني: الإلحاد
في الربوبية؛
المطلب الثالث: الإلحاد في أسماء الله تعالى.
المطلب الرابع: الإلحاد في الألوهية.
المبحث الثاني: في بيان ما يكون فيه
الإلحاد!
المطلب الأول: الإلحاد في آيات الله تعالى (الكونية منها والشرعية).
قبل الخوض في هذا الموضوع
أحببت أن أنبّه إلى شيء لا بدّ منه لفهم الموضوع، فأقول مستعينا بالله:
تنبيه لا بد منه:
(الآية) مفرد، وجمعها
الآيات؛ وتطلق في كتاب الله ويراد بها أحد هذه المعاني:
1.
المعجزة التي يقوّي بها الله أنبياءه؛ ومن ذلك
قوله تعالى في سورة الأعراف: ( فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمّل والضفادع
والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين)[26].
2. الآيات الواردة في القرآن ( بمعنى الآيات
التنزيلية) ومن ذلك قوله تعالى: ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها
أو مثلها) [27]
وقوله: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب) [28].
3. وتأتي مُراداً بها: الآيات الكونية التي إذا
أرادها الله فإنها لا تتخلف؛ بل لا بد وأن تقع؛ ومنه قوله تعالى: ( وكأين من
آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يومن أكثرهم بالله إلا
وهم عنها مشركون) [29] وقوله: ( وجعلنا الليل
والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا من فضله) [30] وقوله: (وآية لهم الأرض
الميتة أحييناها فأخرجنا منها حبّا فمنه يأكلون)[31].
4. وتذكر في القرآن ويراد منها: العظة والعبرة؛ ومن ذلك قول المولى عز
وجل: ( قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله).[32] ([33] )
ثم أقول: كيف يكون الإلحاد
في آيات الله؟ وما هو؟
فأقول: قال الله تعالى في
ذكره الوعيد الشديد والعذاب الأكيد للملحدين في آياته: ( إن الذين يلحدون في
آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا
ما شئتم إنه يما تعملون بصير) بعد قوله: ( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر
لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون فإن استكبروا
فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون ومن آياته أنك ترى الأرض
خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربتْ إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على
كل شيء قدير) [34].
وقد جاء ذكر لفظة: (الآية) في القرآن بمعاني كثيرة، فقال العلماء:
الإلحاد في آيات الله تكون
في الآيات الكونية كما تكون في الآيات الشرعية، وهو ( أعني: الإلحاد فيها):
الميل عن الحق في الأدلة
القرآنية والمعجزات والأدلة الموجودة في الكون من سموات وأرض وما بينهما. أو
" التكذيب بها والكفر بها وجحودها والانحراف عن جهة الصحة؛ وذلك بتأويلها أو
حملها على المحامل الباطلة". ذكر ذلك الشيخ محمد الشوبكي. ([35]
)
الإلحاد في
الآيات القرآنية يكون: بمعارضة القرآن واللغط والصفير والاستهزاء. وأما المعجزات
والآيات الكونية عموما من ليل ونهار ومطر فالإلحاد فيها يكون: بالإعراض عنها وعدم
الانتفاع بها. وكذا الإلحاد في مثل قول الله تعالى: ( قد كان لكم آية في فئتين
التقتا): يكون بعدم الاعتبار بها ونسيانها وإهمالها.
ومن صور الإلحاد في آيات
الله:
·
الإعراض.
· الاستهزاء.
· الكفر بآيات الله عز وجل.
· التكذيب بآيات الله سبحانه وتعالى.
· التكبر على آيات الله تعالى.
· الجحود
بآيات الله عزّ وجلّ.
· الطعن في آيات الله تعالى. التحريف في آيات الله
تعالى.
المطلب الثاني: الإلحاد في الربوبية؛
ومن صور الإلحاد في الربوبية:
1.
إنكار وجود الله عز وجلّ.
2. اتّخاذ شريك مع الله في الربوبية ( كالأمر في
الأقطاب والأوتاد عند الصوفية).
3. إعطاء الأولياء بل والأنبياء شيئاً من خصائص
الربوبية.
4. إنكار خصية من خصائص الربوبية.
5. الانحراف في الألوهية سببه إلحاد في الربوبية.
قال الشيخ الفوزان في كتابه ([36]): " ... ولم يجحد
وجود الرب إلا نزر يسير من البشر؛ كفرعون والملاحدة الدهريين والشيوعيين في هذا
الزمان؛ وجحودهم من باب المكابرة، وإلا فهم مضطرون للإقرار به في باطنهم وقرارة
أنفسهم كما قال تعالى: ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلواً) [37] وعقولهم تعرف أن كل مخلوق
لا بد له من خالق، وكل موجود لا بد له من موجد. وأن نظام هذا الكون المنضبط الدقيق
لا بد له من مدبر حكيم قدير عليم. من أنكره فهو إما فاقد لعقله، أو مكابر قد ألغى
عقله وسفه نفسه، وهذا لا عبرة له".
والمقصود أن أكثر شرك الأمم
التي بعث الله إليها رسله وأنزل كتبه غالبهم إنما أشرك في الإلهية ولم يذكر جحود الصانع
إلا عن الدهرية والثنوية وأما غيرهم ممن جحدها عنادا كفرعون ونمرود وأضرابهم
فهم مقرون بالربوبية باطناً ـ كما قدمنا ـ وقال الله عز وجل عنهم: (وجحدوا بها
واستيقنتها أنفسهم ظلما) [النمل 14] وبقية المشركين يقرون بالربوبية باطنا وظاهرا ـ
كما صرح بذلك القرآن فيما قدمنا من الآيات وغيرها ـ؛ مع أن الشرك في الربوبية لازم
لهم من جهة إشراكهم في الإلهية وكذا في الأسماء والصفات؛ إذ أنواع التوحيد متلازمة
لا ينفك نوع منها عن الآخر وهكذا أضدادها فمن ضاد نوعاً من أنواع التوحيد بشيء من الشرك
فقد أشرك في الباقي مثال ذلك..." فذكر مثال القبورية.
وقد ذكر شيخنا الشيخ غالب أن الإلحاد ـ بمعنى:
إنكار وجود الله تعالى أصلاً ـ لم يكن ظاهرة منتشرة في العصور القديمة؛ وعلى هذا
يحمل الآيات الكثيرة المختلفة([39] ) التي جاءت باعتراف
المشركين وإقرارهم بأن الله تعالى هو الخالق المدبر. أما الذين أسندوا كلّ شيء إلى
الدهر في القديم فهم قلة قليلة جداً بالنسبة لغيرهم ممن يؤمنون بالله تعالى
وبوجوده؛ وعلى هذا نحمل آية الجاثية( وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيى
وما يهلكنا إلا الدهر)الآية [40]. فالمشركون في القديم
أكثرهم يثبتون الربوبية إن أشركوا في الألوهية ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم
مشركون) [41]
وقليل جداً منهم ألحد وجحد مع الألوهية الربوبية. أما الملحدون في العصر الحديث
فيقول الشيخ ـ متعه الله بالصحة الكاملة والعافية ـ : " أما الإلحاد المادي
الحديث فقد قام على إنكار وجود الله أصلاً وقد زعم أهله أنهم وصلوا إليه عن طريق
العلم والبحث المحسوس وعن طريق التجربة والدراسة، وزعموا أن الدين لا يوصل إلى
ذلك. وسنرد هذه الكذبة وسخافتها، ونبيّن أنه لا تناقض بين العلم والدين وبين
الإيمان بالله، وأن العلم يدعو إلى
الإيمان بوجود الله تعالى في أكمل صورة ـ كما سيأتي دراسته في الشيوعية ـ . إلى أن
قال: " وهي ( يعني: المجاسرة في إنكار وجود الله الذي كثر في العصر الحديث)
نقلة لم تكن فيما مضى قبلهم" ([42] ).
قال السعدي ـ رحمه الله ـ في مقدمة كتاب هو من أعظم ما ([43] ) كُتب في الردّ على
الملحدين مع وجازته: " فإن الله تعالى بعث رسله مبشرين ومنذرين، وجعلهم
الهداة والأئمة إلى كل علم نافع ودين صحيح، وإلى كل صلاح وخير. وخصّ محمدا صلى
الله عليه وسلم بأن جعله خاتمهم وإمامهم وأنزل عليه الكتاب والحكمة؛ فيهما الهدى
والحق والنور، وفيهما العلوم النافعة والحقائق الصادقة، والأخلاق الفاضلة،
والأعمال الصالحة، والآداب العالية، إليهما ينتهي كل علم وحق وكمال. وقد وضح الله
ورسوله فيهما المسائل والدلائل والحقائق اليقينية والبراهين القطعية؛ فمن تمسك
بهما واهتدى بهما سعد في الدنيا والآخرة. ومن أعرض عنهما أو عارضهما ضلّعن الهدى،
وشقى، ونال الصفقة الخاسرة. وأعظم الناس انحرافاً عنهما ملاحدة الفلاسفة وزنادقة
الدهريين، وهم أكبر أعداء الرسل في كل زمان ومكان، وهم شرار الخلق، الدعاة إلى
الضلال والشقاء، فإنهم تصدّوا لمحاربة الأديان كلها وزيّن لهم الشيطان علومهم التي
فرحوا بها، واحتقروا لأجلها ما جاءت به الرسل؛ ( فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا
بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) [44]. وقد أصّلوا لباطلهم أصولا
يقلّد فيها بعضهم بعضاً، وهي في غاية الفساد، يكفي اللبيب مجرد تصورها عن إقامة
البراهين على نقضها؛ لكونها مناقضة للعقل والنقل، ولكنهم زخرفوها وروّجوها فانخدع
بها أكثر الخلق. أعظمها عندهم؛ أصل خبيث منقول عن معلمهم الأول "أرسطو"
اليوناني المعروف بالإلحاد والجحد لرب العالمين، والكفر به، وبكتبه ورسله. وهذا
الأصل الذي تفرع عنه ضلالهم: أنه من أراد الشروع في المعارف الإلهية فليمْحُ من
قلبه جميع العلوم والاعتقادات، ولْيسعَ في إزالتها من قلبه بحسب مقدوره، ولْيشك في
الأشياء، ثم ليكتف بعقله وخياله ورأيه. وحملوا هذا الأصل الخبيث بحصرهم للمعلومات
بالمحسوسات، وما سوى ما أدركوه بحواسهم نفوه. وهذا أصل أفسد عليهم عقولهم
وأديانهم. وقد بيّن الناس على اختلاف نحلهم بطلانَ أصولـِهم، وأن أهلها قد خالفوا
جميع الرسل وجميع العقلاء. ومن أبلغ من تكلم عليها وأبطلها شرعاً وعقلاً شيخ
الإسلام ابن تيمية؛ فإنه بيّن عدة وجوه في فسادها وبطلانها؛ كل وجه منها كافٍ في
إبطالها! فكيف إذا اجتمعت؟! فننقل كلامه عليها، ثم نتمم ذلك بما ييسره الله. قال ـ
رحمه الله ـ في نقض "التأسيس" لما ذكر عن هذا المعلم الملحِد هذا الأصل
الخبيث: " والكلام على هذا من وجوه: أحدها: أن هذا الكلام هو وما ذكر معه من
الحجة أشبه بكلام أهل الجهل والضلال، ومن لا يدري ما يخرج منه من المقال، من كلام أهل
العلم والعقل والبيان، وهو أشبه بكلام
قصاص الجهال، والمغالطين من كلام العلماء والمجادلين بالحق. وما أحسن ما قال
الإمام أحمد في بشر المريسي: " كان صاحب خطبٍ، ولم يكن صاحبَ حججٍ ..."
وذكر السعدي رحمه الله أكثر من ثمانين وجها للرد على المبطلين الملحدين من
الفلاسفة والدهريين ومن هو دونهم في الإلحاد، كل واحد منها يكفي العاقل لرد
أقوالهم إذا تأمله! فكيف إذا اجتمعت؟!
قال العلامة أحمد بن علي المقريزي الشافعي ([45] ) رحمه الله : "وأما
الشرك الأول( ويعني به: الشرك المتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله) فهو
نوعان: أحدهما: شرك التعطيل؛ وهو أقبح أنواع الشرك كشرك فرعون في قوله: ( وما رب
العالمين) [46]([47] ) وقال لهامان: ( ابن لي
صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إلــه موسى وإني لأظنه كاذبا) [48]. والشرك والتعطيل
متلازمان؛ فكل مشرك معطل، وكل معطل مشرك، لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل، بل قد
يكون المشرك مقراً بالخالق ـ سبحانه ـ وصفاته، ولكنه معطل حق التوحيد. وأصل الشرك
وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل، وهو ثلاثة أقسام:
أحدها: تعطيل المصنوع عن
صانعه.
الثاني: تعطيل الصانع عن
كماله الثابت له.
الثالث: تعطيل معاملته عما
يجب على العبد من حقيقة التوحيد. ومن هذا شرك أهل الوحدة، ومنه شرك الملاحدة
القائلين بقدم العالم وأبديته؛ وأن الحوادث بأسرها مستندة إلى أسباب ووسائط اقتضت
إيجادها يسمونها: العقول والنفوس. ومنه شرك معطلة الأسماء والصفات: كالجهمية
والقرامطة وغلاة المعتزلة" انتهى من المقريزي. وقد قال قبل ذلك: ([49] ) " وشرك الأمم
نوعان: شرك في الألوهية، وشرك في الربوبية، فالشرك في الإلهية والعبادة هو الغالب
على أهل الإشراك ... إلى أن قال: والنوع الثاني من الشرك: الشرك به تعالى في
الربوبية كشرك من جعل معه خالقاً آخر كالمجوس وغيرهم؛ الذين يقولون: بأن للعالم
ربّين؛ أحدهما: خالق للخير ويقولون له بلسان الفارسية: "يزدان". والآخر:
خالق الشرّ ويقولون له المجوس بلسانهم: "أهْرمَنْ". وكالفلاسفة ومن
تبعهم الذين يقولون: بأنه لم يصدر عنه إلا واحد بسيط وأن مصدر المخلوقات كلها عن العقول
والنفوس، وأن مصدر هذا العالم عن العقل الفعّال فهو رب كل ما تحته ومدبّره!! وهذا
شر من شرك عباد الأصنام والمجوس والنصارى؛ وهو أخبث شرك في العالم؛ إذْ يتضمن من
التعطيل وجحد إلهيته ـ سبحانه ـ وربوبيته، واستناد الخلق إلى غيره ـ سبحانه ـ ما
لم يتضمنه شرك أمة من أمم. وشرك القدرية مختصر من هذا، وباب يدخل منه إليه، ولهذا
شبّههم الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بالمجوس، كما ثبت عن ابن عمر وابن عباس رضي الله
عنهم" انتهى.
قال الشيخ العلامة الدكتور
محمد خليل هراس في كتابه: دعوة التوحيد ([50]) " ... لهذا كانت
شؤون الربوبية كلها من الخلق والرزق والملك والتدبير والتصريف مختصة به سبحانه لا
يشاركه فيها أحد من خلقه؛ وهذا أمر مركوز في الفطرة لا يكاد ينازع فيه أحد حتى إن
المشركين الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بذلك ولا
ينكرونه ولا يجعلون أحداً من آلهتهم شريكاً لله في ربوبيته" ثم أورد آية
"يونس" وآيات سورة "المؤمنين" ثم قال: " إلى ما هنالك من
الآيات التي تفيد إقرار المشركين من العرب بتوحيد الربوبية، وانفراد الله عز وجل
بجميع بشؤونها من خلق ورزق، وإحياء وإماتة، وتدبير وتصريف؛ ولم يعرف عن أحد من
طوائف العالم نازع في هذا إلا الدهرية الذين يجحدون الصانع، ويزعمون أن
العالم يسير بنفسه؛ ويقولون ما حكاه عنهم القرآن ( ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت
ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر)([51]) وكذلك التنويه ([52])
من المجوس الذين يجعلون للعالم خالقين؛ خالقاً للخير وهو النور، وخالقاً للشر
وهو الظلمة. وأهل التثليث من النصارى الذين يجعلون الآلهة ثلاثة؛ الأب
والابن والروح القدس. ولكن هاتين الطائفتين مع ذلك لا تقولان بالتساوي بين هذه
الأرباب؛ فالمجوس لا يسوون الظلمة بالنور بل النور عندهم هو الأصل الأزلي، والظلمة
حادثة، ويقولون: إن النور سيغلب في النهاية. وكذلك النصارى لا يجعلون هذه الأقانيم
الثلاثة بدرجة واحدة بل الأب عندهم هو الأقنوم الأول، والإله الأكبر. والحاصل؛ أنه
لا يوجد بين طوائف البشر من يقول بوجود ربّين أو إلهين متكافئين في الصفات
والأفعال. ولكن لما وجد في الناس من ينازع في توحيد الربوبية ويجعل لغير الله عز
وجل شيئاً من الشركة معه في الخلق أو التدبير لم يهملِ القرآنُ الكريم الاحتجاجَ
له، بلْ قرّره أبدع تقريرٍ في قوله من سورة "المؤمنون": ( ما اتخذ الله
من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان
الله عما يصفون)[53].
المطلب الثالث: الإلحاد في أسماء الله تعالى.
في هذا المطلب من المبحث أحاولُ
بيانَ معنى قوله تعالى: ( وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) [54]، أو بعبارة أخرى: بماذا
يتم الإلحاد في أسماء الله عز وجل؟؛ وذلك لتجتنب هذه الأوجه، ولما كان ابن القيم
رحمه الله ذكرها في أكثر من كتاب ([55] )؛ فأنا أنقل منه من إحدى
مواضعها، وهو كتابه البدائع؛ وما ذلك إلا لأنه فصّل فيها أكثر. وقبل أن أنقلها
رأيت أن أقوم بتحليل هذه القاعدة العظيمة. ثم ألخّص ما زاده محمد الشوبكي من
الأمثلة على كلِ نوعٍ مضيفاً النوعَ السادس الذي زاده حفظه الله تعالى. فأقول
وبالله التوفيق:
عرّف ابن القيّم رحمه الله
تعالى في أول هذه (القاعدة: في أسماء الله تعالى)الإلحادَ فيه بتعريف جامع لجميع
أنواعها التي ذكرها. وقد عرفه من حيث اللغة والشرع. ثم ذكر هذه الأنواع الخمس،
وبعدما ذكر النوع الرابع ذكر كلاما جميلا يدل على أن الذين نفوا عن الله ما يستحقه
من الكمال، ليسوا على درجة واحدة في ذلك ؛ بل متفاوتون فيه بين المقلّ والمستكثر،
وإن كان اسم وحكم الإلحاد ينطبق عليه جميعهم، فليستكثروا أو ليستقلوا. ثم بعدما
ذكر النوع الخامس الأخير عقبه ببيان منهج أهل السنة وأنه وسط بين الممثلة والمعطلة
كما أن أهل الإسلام وسط بين أهل الملل والنحل. ثم وصى بالاهتمام بهذه القواعد
وبالتي سبقتها ثم القيام بشرح أسماء الله الحسنى إذا طاب المحل وإلا فجناب الربّ
أجلّ، ثم تمنى أن يعينه الله على شرح الأسماء مطبقاً ومراعياً فيها هذه القواعد
وغيرها. وقد ذكر الشيخ عبد الرزاق أن الله منّ عليه بذلك، وقد نقل ذلك عن ابن رجب
رحمهما الله.
وأما الشيخ محمد الشوبكي
فإنه عرّف الإلحاد في الأسماء والصفات بقول جيّد هو: الميل بهذه الأسماء
والصفات وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها في الكتاب والسنة الصحيحة إلى:
الإشراك والتعطيل والتأويل والتشبيه". وذكر ـ حفظه الله ـ في الأمثلة على
النوع الأول الذي هو: تسمية بعض المخلوقات بأسماء الله تعالى: مثل قول مسيلمة من
تسمية نفسه بالرحمن، وأن العرب كذلك تقول: ما نعرف إلا رحمان اليمامة، وكذلك
إطلاق: ملك الملوك، وقاضي القضاة. ثم إنه بعدما ذكر النوع الثالث ( الذي هو: وصف
الله بما يتعالى ويتنزه عنه) ذكر أقسام ما يتعالى ويتنزه عنه رب العزة والجلال؛
وأنها على قسمين:
1.
المنفصل: كجهة السفل أو جهة تحيط به
والزوجة والولد والشريك والكفء والظهير، ويتعالى كذلك عن الشفيع بغير إذنه، وعن
الولي من الذل. وأورد لكل واحدة منها دليلا.
2. المتصل: كالنوم والسنة ويتعالى عن التعب
واللغوب والموت والجهل والظلم والغفلة والنسيان، كما يتعالى عن كل ما لا يليق به
من عيبٍ أو نقص، كما أنه متصف بضدّها؛ بل بكمال ذلك. وأورد كذلك الأدلة على ذالك.
ثم
ذكر النوع الرابع والخامس من الإلحاد فيها وهي كما عند ابن القيّم؛ وهما: التعطيل،
والتشبيه. ثم ذكر النوع السادس الذي زاده، وكلام ابن القيّم يتضمنّه، وهو: نفي
أسماء الله تعالى وعدم الاعتراف بها مثل قول العرب: نحن لا نعرف إلا رحمن اليمامة(
وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن).
ثم الآن مع كلام ابن القيّم
ـ رحمه الله تعالى ـ في تفصيل ما هو الإلحاد في أسماء الله الحسنى وأنواعها. قال ([56] ) في البدائع: جـ 1\ 179ـ
181
" العشرون: وهي الجامعة
لما تقدم من الوجوه، وهي: معرفة الإلحاد في أسمائه؛ حتى لا يقع فيه. قال تعالى: ( ولله
الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعلمون) [الأعراف
180] والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها. وهو
مأخوذ من الميل كما يدل عليه مادته (ل ح د) فمنه اللحد؛ وهو الشق في جانب القبر الذي
قد مال عن الوسط. ومنه: الملحد في الدين: المائل عن الحق إلى الباطل.
قال ابن السكّيت: الملحد: المائل عن الحق المدخل فيه ما ليس منه
ومنه: الملتحد: وهو مفتعل من ذلك؛ وقوله تعالى: (ولن تجد من دونه ملتحدا)
[الكهف 27] أي: من تعدل إليه وتهرب إليه وتلتجيء إليه وتبتهل فتميل إليه عن غيره.
تقول العرب: التحد فلان إلى فلان؛ إذا عدل إليه. إذا عرف هذا؛ فالإلحاد
في أسمائه تعالى أنواع:
أحدها: أن يسمى الأصنام بها
كتسميتهم اللات من الإلهية، والعزّى من العزيز، وتسميتهم الصنم؛ إلهاً. وهذا إلحاد
حقيقة فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة.
الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله
كتسمية النصارى له: (أبا) وتسمية الفلاسفة له: (موجبا بذاته أو علة فاعلة بالطبع)ونحو
ذلك.
وثالثها: وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس
من النقائص كقول أخبث اليهود: (إنه فقير) وقولهم: (إنه استراح بعد أن خلق خلقه)
وقولهم: (يد الله مغلولة) [المائدة 64] وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته.
ورابعها: تعطيل الأسماء عن معانيها
وجحد حقائقها؛ كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم: إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات
ولا معاني؛ فيطلقون عليه اسم: {السميع والبصير والحي والرحيم والمتكلم والمريد} ويقولون:
لا حياة له ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا إرادة تقوم به؛ وهذا من أعظم الإلحاد فيها
عقلا وشرعا ولغة وفطرة؛ وهو يقابل إلحاد المشركين فإن أولئك أعطوا أسماءه وصفاته لآلهتهم،
وهؤلاء سلبوه صفات كماله وجحدوها وعطلوها فكلاهما ملحد في أسمائه، ثم الجهمية وفروخهم
متفاوتون في هذا الإلحاد فمنهم الغالي والمتوسط والمنكوب.
وكل من جحد شيئا عما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله فقد ألحد في ذلك
فليستقل أو ليستكثر.
وخامسها: تشبيه صفاته بصفات خلقه
تعالى الله عما يقول المشبهون علوا كبيرا. فهذا الإلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة؛ فإن
أولئك نفوا صفة كماله وجحدوها وهؤلاء شبّهوها بصفات خلقه فجمعهم الإلحاد وتفرقت بهم
طرقه. وبرّأ الله أتباع رسوله وورثته القائمين بسنته عن ذلك كله؛ فلم يصفوه إلا بما
وصف به نفسه، ولم يجحدوا صفاته ولم يشبّهوها بصفات خلقه، ولم يعدلوا بها عما أنزلت
عليه لفظا ولا معنى؛ بل أثبتوا له الأسماء والصفات. ونفوا عنه مشابهة المخلوقات؛ فكان
إثباتهم بريئا من التشبيه وتنزيههم خليا من التعطيل؛ لا كمن شبّه حتى كأنه يعبد صنما،
أو عطّل حتى كأنه لا يعبد إلا عدما.
وأهل السنة وسط في النحل؛ كما أن أهل الإسلام وسط في الملل. توقد مصابيح
معارفهم (من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار
نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء) [النور 35] فنسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره
ويسهّل لنا السبيل إلى الوصول إلى مرضاته، ومتابعة رسوله إنه قريب مجيب.
فهذه عشرون فائدة؛ مضافة إلى القاعدة التي بدأنا بها في أقسام ما يوصف
به الرب تبارك وتعالى. فعليك بمعرفتها ومراعاتها. ثم اشرح الأسماء الحسنى إن وجدت قلباً
عاقلاً ولساناً قائلاً ومحلاً قابلاً، وإلا فالسكوت أولى بك؛ فجناب الربوبية أجلّ وأعزّ
مما يخطر بالبال، أو يعبر عنه المقال. (وفوق كل ذي علم عليم) [يوسف 76] حتى ينتهي العلم
إلى من أحاط بكل شيء علما.
وعسى الله أن يعين بفضله على تعليق شرح الأسماء الحسنى مراعيا فيه أحكام
هذه القواعد؛ بريئاً من الإلحاد في أسمائه وتعطيل صفاته فهو المانّ بفضله؛
والله ذو الفضل العظيم" .
تنبيه:
لكي تكتمل صورة (الإلحاد) في
هذا البحث كما هي في الشرع رأيت أن أذكر شيئاً بسيطاً عن الإلحاد في الحرم فأقول
مستعيناً بالله، قال الشيخ محمد الشوبكي[57] :
" المراد بالملحد في الحرم: هو الذي يميل ويحيد عن دين الله
تعالى في الحرم، ويعم ذلك كل ميل عن الدين؛ ويدخل في ذلك: الكفر بالله والشرك به
في الحرم أو فعل شيء مما حرّمه الله أو ترك شيء مما أوجبه، سواء كان صغيراً أو
كبيراً (نقلاً منه عن الشنقيطي رحمه
الله في أضواء البيان).
ويكون الإلحاد
في الحرم بعدة أمور؛ منها:
1.
الشرك: عن مجاهد رحمه الله وابن عباس رضي الله
عنهما: ( ومن يرد فيه بإلحاد) أي: يعبد غير الله تعالى في الحرم.
2. وقيل: الشرك والقتل: وهذا أخذاً من سبب نزول
الآية.
3. احتكار الطعام لحديث في ذلك.
4. قول
الرجل في المبايعة: ( لا والله! و بلى والله!! و كلا والله!!!).
ثم قال " وعموماً فإن من ارتكب إثماً في مكة أو تجاوز حدّه
فارتكب حرمة من حرماتها؛ فإنه يكون بذلك ملحداً في الحرم" .[59]
المطلب الرابع: الإلحاد في الألوهية.
الانحراف والإلحاد في
الألوهية يكون بصرف نوع من أنواع العبادة لغير الله عز وجل بأيّ نوع من أنواع
العبادة كان؛ إذْ ذلك ميل بحق الله إلى غيره الذي لا يستحق ذلك. وهذا دين
المشركين، ولا أطوّله لأنه ليس هو المقصود في البحث بالدرجة الأولى. يفول الشيخ
الفوزان في كتاب التوحيد: " الشرك هو جعل شريك لله تعالى في ربوبيته وإلهيته؛
وغالب الإشراك في الألوهية؛ بأن يدعو مع الله غيره أو يصرف له شيئاً من أنواع
العبادة كالذبح والنذر والخوف والرجاء والمحبة. والشرك أعظم الذنوب؛ وذلك لأمور:
لأنه تشبيه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية؛
فمن أشرك مع الله أحداً فقد شبّهه به؛ وهذا أعظم الظلم، قال تعالى: ( إن الشرك
لظلم عظيم) {لقمان: 13} والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه؛ فمن عبد غير الله فقد
وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها لغير مستحقها؛ وذلك أعظم الظلم" [60] وقد عدد الشيخ سبعة من
مفاسد الشرك. ثم ذكر أنواع الشرك وأنهما
أكبر وأصغر ثم ذكر الفرق بينهما. إلى ص14 من 8 .
المبحث الثالث: من أسباب الإلحاد؛ وتحته مطالب:
المطلب الأول: أسباب العامة للإلحاد والانحراف والضلال.
المطلب الثاني: أسباب
الإلحاد في توحيد المعرفة والإثبات ( أعني: الربوبية والأسماء والصفات).
المطلب الثالث: أسباب
الإلحاد في العصر الحديث.
المطلب الرابع: أسباب
الإلحاد في توحيد الألوهية وعبادة غير الله بأي نوع كان من أنواع العبادة.
المبحث الثالث: ذكرُ شيء من أسباب الإلحاد؛
المطلب الأول: أسباب العامة للإلحاد والانحراف والضلال.
قال الشيخ محمد يوسف محمد الشوبكي في ذكره لأسباب الإلحاد العامة ([61]) " أسباب الإلحاد
العامة:
أولاً: فشوّ الجهل: ... وإن قوما طلبوا من نبيهم أن يجعل لهم إلهً من الحجر؛ وذلك
لجهلهم (اجعل لنا إلـهً كما لهم آلهة). وقوم لوط لما جهلوا أتوا الرجال: (لتأتون
الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون). فالجهل من أسباب الضلال والإلحاد؛
(وهو جهل الإنسان بخالقه، وجهله بذاته، وجهله بالآخرين، وجهله بما يضرّه وما
ينفعه).
ثانيًا: الاعتماد على العقل وحده: ومن أسباب الإلحاد؛ الاعتماد على
العقل في الأمور التي لا يستطيع إدراكها، ولا الوصول إليها، ومحاولة تصوّر تلك
الأمور والادعاء بأن العقل يغني عن الوحي، ولم يخرج لنا بعض الفلاسفة القدماء
والمعاصرين بالأفكار الإلحادية إلا عندما اعتمدوا على عقولهم ورفضوا وحي السماء
وزعموا أن العقل يغني عنه" ثم ذكر الشيخ صلا حيات العقل، وأنه لا ينكر فضله
المسلمون ... إلى أن قال بعد صفحة من كلامه الأول: " ونحن نجزم أنه لا يصلح الاعتماد على
العقل في كل شيء؛ وذلك لعدة أمور:
1.
أن هناك أمورًا فيها سعادة الإنسان ومصلحته،
ولكن لا يمكنه التوصّل إليها بعقله لأنها لا تقع تحت قدرات العقل، ولا في مجاله
ودائرته، فمن أين للعقل معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته؟ [62] ومن أين له معرفة تفاصيل شرعه ودينه لعباده؟
ومن أين له معرفة حبّه ورضاه وسخطه وكراهيته ... ومن أين له معرفة الغيبيات التي
لم يظهر عليها أحدًا من خلقه إلا من ارتضاه من رسله... إلى غير ذلك مما جاءت به
الرسل وبلغته عن الله، وليس العقل طريق إلى معرفته ( وهو أحال إلى مفتاح دار
السعادة)
2. العقل يستطيع أن يدرك الحسن والقبيح، ولكن لا يستطيع أن يدرك حدود
الحسن أو القبيح، ولا يستطيع أن يدرك التفصيلات في ذلك " فالعقل يدرك حسن
العدل، وأما كون هذا الفعل المعيّن عدلاً أو ظلمًا فهذا مما يعجز العقل عن إدراكه
في كل فعل. ( المفتاح)
3. كما
أن العقول قد تحار في بعض الأمور فلا تستطيع أن ترجّح الأمر الذي في ذاته مفسدة
ومصلحة، وقد يكون مصلحة الفرد ومفسدة الغير، فيأتي الشرع والوحي يرجح أحد الأمرين
على الآخر؛ فيأمر بما رجحت مصلحته، وينهى عما رجحت مفسدته. زكما قال ابن تيمية ـ
رحمه الله ـ " الأنبياء جاءوا بما تعجز العقول عن معرفته، ولم يجيئوا بما
تعلم العقول بطلانه، فهم يخبرون بمحارات العقول، ولا بمحالات العقول ( مجموع
الفتاوى 2\ ص312)
4. أن ما يتوصل إليه العقل في
مجال الغيبيات ليس إلا مجرد فرضيات وتخمينات وظنيات لا ترتفع إلى مستوى اليقينيات،
إلا إذا جاء بها الوحي فعندها تكون يقينيات مسلمة لا يتطرق إليها الشك.
والضعف العقلي كذلك يعتبر من أهم أسباب الانحراف
والإلحاد، وقد ذكر الشيخ أربع صور يتضح فيها: الضعف العقلي وتوهّمه الأشياء على
غير ما هي عليها؛ وهي:
i.
الخلط
بين المستحيل العقلي والمستحيل العادي.
ii.
الخلط
بين استحالة العقل الشيء وصعوبة تصوّره.
iii.
الخلط
بين النظر العقلي العام والنظر العقلي الخاص.
iv.
الخلط
بين النظريات العقلية المقطوع بصحتها وبين النظريات العلمية التي لم تثبت ثبوتا
قطعيا.
ثم
ختم السبب الثاني (ص99) بقوله: " ومما تقدم يتبين لنا أن فساد العقل وضعفه
والاعتماد عليه دون غيره من أهم أسباب
الضلال والإلحاد سواء أكان ذلك في قديم الدهر أم في الحاضر أم في المستقبل.
ثالثًا: الكبر: ...
عندما ابتعد الناس عن هدى الله واعتمدوا على عقولهم ضلّوا وأضلّوا... ثم عندما
جاءهم دعاة الإصلاح سواء الأنبياء أو المصلحين الذين يظهرون في كل عصر وفي كل عصر
وفي كل مكان وقف في وجوههم عدد من المتكبرين يحاربونهم ويصدون الناس عن اتّباعهم
وعن الاهتداء بهديهم، وبذلك كان الكبر من أهم أسباب الضلال والانحراف والإلحاد.
رابعًا: الاستهزاء والحسد: لقد قاد كبر المتكبرين إلى الاستهزاء والحسد، والاستهزاء بدعاة
الإصلاح وبالأنبياء، وحسدهم على ما هم عليه من الهدى... إلى أن أورد قوله تعالى: (
وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا)الآية. وفي آخر المطاف (ص104) علّق بقوله: " بهذا
يكون الكبر والحسد والاستهزاء من أهم أسباب الضلال والانحراف والإلحاد، وهنا ينبغي
أن نلاحظ أن الكبر كان من أسباب الإلحاد، وكذلك الحسد فإنه من أسباب الإلحاد، أما
الاستهزاء فليس ([63] ) (بسبب في الإلحاد) وإنما
ينشأ الاستهزاء من الكبر بصورة خاصة، ومن الحسد أيضًا، فيكون بذلك من أسباب
الإلحاد.
خامسًا: تقليد الآباء
واتباع السادة والكبراء: أخذ الشيخ يوضح هذا
العنوان ويستدل له من ص105 إل أن قال في ص107: " واتباع السادة والكبراء
وتقليدهم دون تفكير فيما هم عليه من أهم أسباب الضلال والإلحاد، وغالبًا ما يكون
السادة والكبراء على الضلال ويحاربون الحق والهدى، لأن الحق يساويهم بالعبيد في
كثير من الأمور ..." إلى أن قال: " وليس تقليد الآباء والتعصّب للسادة
والكبراء فقط هو سبب الضلال والإلحاد، بل تقليد الضالين عموما من أسباب الانحراف؛
وذلك عندما يكبر في أعيننا أناس ليسوا أهلا للأكبار مثل المفكرين المنحرفين الذين
ينقلون إلينا فكر الغرب وشبهاتهم ... ".
سادسًا: اتباع الشهوات
والأهواء: فأتباع الشهوات والأهواء هم دائما أبعد الناس عن الحق؛ لأن كل همهم
هو الحصول على الشهوات، سواء من طريق مشروع أو غير مشروع، لأن الشرع والحق يحد من
تلك الشهوات. وكذلك أتباع الأهواء كانوا دائما أبعد الناس عن الحق. ومثال ذلك بنوا
إسرائيل كانوا كلما تأتيهم الرسل والأنبياء بغير ما تهوى أنفسهم يستكبرون فيكذبوا
الرسل والأنبياء ويقتلونهم. إلى أن قال بعد صفحة: (في ص 111): وبيّن الله عز وجل
أن الهوى من أسباب الانحراف والإلحاد ورفض دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام والظلم
والفسوق قال تعالى: ( ومن أضلّ ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) إلى أن قال
(ص112): فأتْباع الهوى والشهوات هم سبب في الإلحاد سواء انحرفوا بأنفسهم أو ساعدوا
غيرهم على الانحراف والضلال.
سابعًا: اتباع الظن.
ثامنًا: إغواء إبليس لمن
اتبعه: وعنه يقول شيخنا الشيخ الدكتور
غالب بن علي عواجي في الفصل الرابع (أسباب الإلحاد) من الباب الثامن عشر: الإلحاد
([64] ) " لظهور الإلحاد
أسباب كثيرة كغيره من الظواهر الأخرى، ولا شك أن أكبر الأسباب هو إغواء إبليس لمن
اتبعه فقد أقسم على يبعد الناس عن ربهم ويغويهم عن اتباع أمره وشرعه عز وجل. "...
وقد ذكر شيخنا الشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان ([65]
) قريبا من هذه الأسباب للانحراف وأشار ـ كذلك ـ إلى عدم انحصار هذه الأسباب؛
وأنها قد تتجدد بتجدد الزمان ـ وسيتضح هذا إن شاء الله عند ذكري لأسباب الإلحاد في
العصر الحديث ـ فقال: " وقد ينضم إلى ذلك عوامل جديدة في كل فترة زمنية
من أنواع الإلحاد ومحاربة الإسلام بأساليب شتى، وأسلحة مختلفة؛ مقروءة ومرئية
ومسموعة، ولولا أن الله تكفل ببقاء هذا الدين إلى آخر وقت من الدنيا لقُضي عليه
منذ زمن بعيد، وهذا بالإضافة إلى ما هو كامن في طباع البشر مما يبعدهم عن الحق؛
مثل التقليد واتباع المألوفات وما يكون عليه رؤساء القوم
وعظمائهم" واستدل بخمس آيات من سورة زخرف؛ وهي قوله تعالى: (أم آتيناهم
كتابا من قبله فهم به مستمسكون) إلى قوله: ( قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) ([66] ) ثم قال: " فهذا يدل
على أن الإنسان يصعب عليه ترك المألوف له، كما أن شيخه ومن يعظمه قد يسيطر على
توجيهه إلى ما يعتقده كما هي طريقة المتكلمين؛ حيث يأخذون بآراء شيوخهم
ومعظميهم مع مخالفتها لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك؛ الجهل
واتباع الهوى كما هو حال أكثر الخوارج؛ فإنهم جهلوا معاني الكتاب، وأرادوا من
عموم الأمة أن لا يكون لهم ذنوب، وإلا أصبح عندهم كافرًا مخلدًا في النار. وأما
الهوى فبابه واسع وقد قال الله تعالى: ( أفرأيت من اتخذا إلهه هواه) ([67] ) وقال تعالى: ( ومن أضلّ
ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) ([68] ) إلى غير ذلك من الدوافع
نحو الانحراف" انتهى إلى ص13 .
المطلب الثاني: أسباب الإلحاد في ذات الله (أعني الربوبية)
والأسماء والصفات.
قال
الشيخ محمد في ذكره أسباب الإلحاد في الأسماء والصفات في (ص295):
·
تحكيم العقل وتقديمه على النقل.
· القياس الفاسد والتأويل الشاذ.
· التقليد الأعمى.
· قال
الشيخ الدكتور محمد خليل هراس رحمه الله ([70] ): " والآن أنتقل إلى
بيان النوع الثالث من التوحيد وهو توحيد الأسماء والصفات. ولهذا النوع من التوحيد أهمية
خاصة لكثرة ما يقع فيه من اللبس. ولطالما احتدم حوله الجدل وثار النزاع بين
الطوائف المختلفة فهو بحق مدحضة العلماء ومزلة أقدامهم ومحك اختبارهم. كم ضلّ فيه
من علماء أعلام؟ وتاه في تيهه كثير من أولي النهى والأحلام؟! ولا سبب لذلك
طبعًا إلا الجري وراء الفلسفات الدخيلة والمذاهب الوثنية وإحسان الظن بها وتقديم
ذلك على هدي الكتاب والسنة".
إلى أن قال بعد أربع صفحات ([71]) : " ولم يكن لهذا
الضلال كله سبب إلا الإعراض عن هدي الكتاب والسنة والتصرف في نصوصهما بالتأويلات
الفاسدة، والجري وراء الظنون الكاذبة بدعوى أنها عقليات لا تقبل النقض، والقول على
الله بلا علم.
" وقد ذكر الله
الأسباب التي دعت أمثال هؤلاء إلى تكذيب الحق، وهو الجهل بما لم يحيطوا بعلمه،
والتبجح بما عندهم من العلوم المخالفة لعلوم الرسل. والكبر الذي في قلوبهم ما هم
ببالغيه، وتقليد أئمتهم الضالين". وقال أيضاً: " فضعف التمييز، وتقليد
أئمة الملاحدة والإعراض عما جاءت به الرسل من أكبر الأسباب التي مكنت هؤلاء من
لزوم الباطل".
المطلب الثالث: أسباب الإلحاد في العصر الحديث.
يقول
شيخنا الشيخ الدكتور غالب بن علي عواجي في الفصل الرابع (أسباب الإلحاد) من الباب
الثامن عشر: الإلحاد ([73]) ([74] ) " لظهور الإلحاد
أسباب كثيرة كغيره من الظواهر الأخرى، ولا شك أن أكبر الأسباب هو إغواء إبليس
لمن اتبعه فقد أقسم على يبعد الناس عن ربهم ويغويهم عن اتباع أمره وشرعه عز
وجل. ثم انضافت إلى ذلك أسباب أخرى هي من صنع الإنسان كالرغبة الجامعة عند
البعض في الانفلات التام عن الدين وأوامره ونواهيه لتحقيق رغباته الشهوانية
المختلفة. وبعض تلك الأسباب يعود إلى أمور سياسية كحب اليهود السيطرة على
العالم. وبعضها يعود إلى طغيان الديانات المحرفة وعلى رأسها النصرانية
التي هي صورة عن الوثنية حيث جاءت بأفكار لا يقبلها عقل ويقرها منطق، وفوق ذلك طغيان
الرهبان والبابوات الذين وصلوا إلى حد لا يطاق من إذلال الناس واستعبادهم مما
جعلها أغلالاً يتمنى أصحابها الخروج عنها إلى أيّ وجهة تكون فتلقفتْهمُ الملاحدة
فأخرجوهم من الرمضاء إلى النار. وبعض تلك الأسباب يعود إلى ظهور مذاهب فكرية..."
وتكلم عن: الجهل والأحوال الاقتصادية، والاكتشافات العلمية
الهائلة التي وصل إليه الغرب. إلى أن قال: " أما بالنسبة لظهور الإلحاد
في ديار المسلمين فإنه يعود كذلك إلى أسباب كثيرة من أهمها: حالة الانبهار
بظهور هذه الماديات التي ظهرت على أيدي غير المؤمنين بالله
تعالى وما أصاب قلوب ضعفاء الإيمان من انبهار تام برونق تلك الحضارة الزائفة
الزائلة التي أخبر الله عنها بقوله: ( يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن
الآخرة هم غافلون)([75] ) وانساق المنهزمون
المغرمون بتلك الحضارة إلى التصديق بأن لا وجود لأي مدبر للعالم غير العالم نفسه؛
خصوصا وأن المغلوب دائما يقلّد الغالب ويحب أن يتظاهر بصفاته ليجبُر النقص الذي
يحس به أمامه.
ومن صحيفة 216-226 أخذ الشيخ
محمد في بيان دور اليهود في إيجاد الإلحاد ونشره، وذلك بأمور عديدة؛ من أهمها:
1)
تركيز البروتوكولات على نشر الإلحاد.
2) خدم
اليهود الإلحاد من خلال الماسونية.
3) أنهم
قدموا للإلحاد النظريات العلمية.
4) ثم دورهم
في الثورة الفرنسية.
5) صلة
اليهود بالدولة الشيوعية (روسيا).
6) وأنهم ساعدوا روسيا الشيوعيا.
7) دور
اليهود في إنشاء الأحزاب الشيوعية في العالم العربي.
8) ثم
إن اليهود قاموا بتأييد النصارى حتى يتمكنوا من رقاب المسلمين.
فمن
خلال هذه النقاط بيّن أن اليهود لهم دورا كبيرا في نشر الإلحاد في هذا العصر.
وقال أيضا (في ذكره لأسباب
الإلحاد في العصر الحديث في ص230): " إن من أهم أسباب الإلحاد الذي غزى
العالم الإسلامي أن قام المستشرقون والمبشرون والملحدون ببثّ شبهاتهم ومطاعنهم
في عالمنا الإسلامي، ووجد لهذه المطاعن صدا بين العامة وأنصاف
المثقفين وبين جهلة المسلمين. كما قام عدد من المثقفين بالثقافة
الغربية بنقل هذه المطاعن وترديدها، وقد ألّف بعضهم كتباً بثّ فيها سموم الغرب
وشبهاتهم. وأهم هذه الشبهات ما تتصل بالإسلام عقيدة؛ منها:
1.
طعنهم في كتاب الله تعالى(231).
2. الطعن في السنة النبوية(232).
3. الطعن في التشريع (ص233).
4. ابتداع علم مقارنة الأديان(ص234).
5. الهجوم على اللغة العربية(ص234).
6. إثارة الشبهات حول القيم العليا للحضارة
الإسلام(ص236).
7. الرفع من قيمة الفكر الدخيل(237).
8. إثارة شبهة فصل الدين عن الدولة(238).
قال إبراهيم بن عبد الله
الحازمي في مقدمته لتحقيقه وتخريج كتاب السعدي: الأدلة القواطع والبراهين... وجاء
له التنويه بكتاب السعدي وأنه من أنفع الكتب في مجاله حيث قال: " فهو كتاب
ليس له مثيل نعلم".
قال: أسباب الإلحاد:
1.
الكنيسة الأوروبية: فهي سبب مباشر في نشر
الإلحاد والزندقة؛ وذلك لأن القائمين عليها أدخلوا في دينهم كثيراً من الخزعبلات
والخرافات وجعلوها عقائد دينية كرفعهم عيسى عليه السلام من مرتبة البشرية إلى
الألوهية وإنكار الكنيسة للنهضة العلمية الحضارية، ثم تطوّر العلم والنظريات وردوا
على الكنيسة فأصبح الناس يتهمون الكنيسة بالكذب، وأصبح لديهم الكراهية العامة لكل
عقيدة تنادي بالإيمان بالغيب واتهام الرسل بالكذب.
2. مظالم العالم الرأسمالي: فقد حصل أهل
الأقطاع على الثروات الضخمة واستغلّوا المال استغلالاً فاحشاً... فظهرت الطبقات
المتفاوتة من رأسماليين جشعين إلى عمال فقراء مظلومين ... وكان رؤية هذا الظلم
الجديد ومساندة رجال الدين أو سكوتهم عنه سببا جديداً في انتشار الإلحاد والشك في
وجود الله.
3. ظهور المذاهب الاقتصادية الإلحادية: وخاصة
التي بشّر بها كارل ماركس، فزعموا أن الحياة مادة فقط. وإن ظهور الدين من فعل
الأغنياء ليستغلّوا الفقراء.
4. اقتران الإلحادية بالقوة المادية: وذلك أن
أوروبا لم تتقدم وتمتلك القوة المادية وتكتشف أسرار الحياة إلا بعد أن تركت أفكار
الكنيسة وعقائدها.
5. هزيمة العالم الإسلامي أمام الهجمة الأوروبية، وكان من ذلك أن تشعبت الشعوب الإسلامية المقهورة بالأوروبين، وأن
الأوروبين لم يصلوا إلى القوة إلا برفضهم الدين.
6. الحياة
الجديدة ومباهج الحضارة: وقد يظن بعض الناس أن الإسلام قد وضع قيوداً على
حرّيتهم، وحجراً لشهواتهم وملذاتهم فازدادوا لذلك بعداً عن الدين وكراهيةً لمن
يذكّرهم بالآخرة؛ وبذلك ازدادت غربة العقائد الدينية، وانتشرت عقائد الإلحاد.
7. دوامة الحياة: فقد انشغل الناس بالملهيات
والمغريات الدنوية الحديثة، فبدأ الإنسان المعاصر يعمل ويكدح ليلاً ونهارًا ولا
يفكّر في نفسه ومصيره.
ثم
قال: " هذه أهم الأسباب لوجود الإلحاد وانتشارها( قلت: في العصر الحديث) نسأل
الله السلامة والعافية. وقد ذكر قريبا من
هذا الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وشرحها في كتابه: ( الإلحاد: أسباب هذه الظاهرة
وطرق علاجها) ([76] ).
المطلب الرابع: أسباب إلحاد المشركين في الألوهية وعبادة غيرالله أو
صرف أيّ نوع من أنواع العبادة إلى غيره.
فيقول
شيخنا الشيخ عبد الرزاق البدر في معرضه لذكر أسباب ([77] ) ضلال من ضلّ في صرف
العبادة والألوهية لغير الله عز وجل وخطورة أئمة الضلال ودعاة الباطل (الذي من
أعظمه الشرك: (وأن ما يدعون من دونه هو الباطل) سورة الحج. يقول الشيخ حفظه
الله :
" ومما ينبغي أن يعلم
هنا أن سبب ضلال هؤلاء ( يعني بهم: أئمة الضلال وغيرهم) وغيرهم ممن تأثر بهم وسار
على طريقهم ثلاثة أشياء:
أحدها: إما تمسكهم واعتمادهم على ألفاظ متشابهة مجملة
مشكلة منقولة عن الأنبياء، وعدلوا عن الألفاظ الصريحة المحكمة. فهم كلما سمعوا
لفظاً فيه شبهة تمسكوا به وحملوه على مذهبهم وإن لم يكن دليلا على ذلك، والألفاظ
الصريحة المخالفة لذلك إما أن يفوّضوها وإما أن يتأوّلوها كما يصنع أهل الضلال
يتبعون المتشابه من الأدلة العقلية والسمعية، ويعدلون عن المحكم الصريح" وذكر
آية 7من آل عمران.
الأمر الثاني: أخبار
منقولة إليهم عن الأنبياء ظنوها صدقًا؛ وهي مكذوبة عليهم، وضعها عباد الأصنام
وأئمة الباطل انتصاراً لمذهبهم وتأييداً لباطلهم، وليس في جميع ما يروى في هذا
الباب حديث واحدٌ مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه باتفاق أهل
المعرفة بحديثه صلى الله عليه وسلم، بل المروي في ذلك إنما يعرف أهل المعرفة
بالحديث أنه من الموضوعات؛ إما تعمداً من واضعه، وإما غلطاً منه؛ مثل نسبتهم إلى
الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لو حسّن أحدكم ظنّه إلى حجر لنفعه الله
به" ([78]
).
الأمر الثالث: خوارق
ظنوها من الآيات، وهي من أحوال الشيطان، وحكايات حكيت لهم عن أصحاب القبور مثل
أن فلاناً استغاث بالقبر الفلاني في شدة فخُلِّص منها، وفلاناً دعاه أو دعا به في
حاجة فقُضِيتْ له، وفلاناً نزل به ضرّ فاسترجى صاحب القبر فكشف ضرّه، والنفوس
مولعة بقضاء حوائجها وإزالة ضروراتها ..." إلى آخر ما قال حفظه الله تعالى.
ومن الأسباب كذلك:
4- اتخاذ الوسائط، واعتقد أنهم شفعاء يوصّلون من دعاهم إلى الله.
5- الغلو في الصالحين.
6- التقليد.
7- الخلل عند القبورية في توحيد الربوبيّة.
المبحث الرابع: آثاره الوخيمة.
ذكر
الشيخ إبراهيم بن عبد الله الحازمي جملة من (آثار الإلحاد في حياة الإنسان) فقال:
ترك الإلحاد آثاره الواضحة في سلوك الإنسان وفي أخلاق الأمم ونظام الاجتماع. قال:
ونستطيع أن نجمل هذه الآثار فيما يلي:
1.
القلق والصراع النفسي: إن أول الآثار التي يخلفها الإلحاد في نفوس الأفراد هو القلق
والحيرة والصراع النفسي والعذاب الداخلي.
2. الأنانية والفردية نتيجة القلق النفسي والخوف من
الزمان؛ فاتجه الإنسان نحو الأنانية وخدمة مصالحه فقط وعدم التفكير في
الآخرين.
3. فقد الوازع والنزوع إلى الإجرام: لأن
الإلحاد لا يربّي النفس، ولا يخوّف الإنسان من إله قوي يراقب تصرفاته. فإن الإنسان
الملحد يغرق في الشهوات والمخدرات ويتغلّب على أمامه إما بالحيلة أو بالمكر أو
بالقوة.
4. هدم النظام الأسري: فإن للإلحاد آثاره
المدمرة في الحياة الاجتماعية والنظام الأسري.
5. تخريب المجتمعات: فإن الملحد لا توجد عنده
تضحيات ولا صبر ولا إسعاد الآخرين بل على العكس من ذلك.
6. الإجرام السياسي: وذلك أن الأخلاق المادية
جعلت قلب الإنسان يمتلئ بالقسوة والأنانية في مجال السياسات العالمية؛ ولذلك ترى
الدول الكبرى تلجأ إلى وسائل خسيسة جداً في استعباد الشعوب الضعيفة والحصول على
خيراتها" انتهى منه حفظه الله تعالى،
وقد ذكرها قريبا الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق ([79] ).
وأما الشيخ محمد يوسف محمد
الشوبكي فقد فصّل القول عن هذه الآثار واستفاد بما ذكره الشيخ عبد الرحمن ـ كما في
الحاشية ـ وغيره فقال في ص 381 من رسالته السابقة، قال: [80] آثار الإلحاد:
1-
الظلم والطغيان:
وذكر
أن ذلك يتضح في عدة أمور:
·
العبودية
لغير الله: ( وهو أعظم الظلم قال تعالى: ( إن الشرك لظلم عظيم) ومن آثار
العبودية لله تعالى: تحرر الإنسان من العبودية لغيره تعالى) ونفي الإلحاد العكس؛
وهو الظلم. ومما قال الشيخ: " أما الملحد الذي ينكر وجود الله فإنه يرى نفسه
فوق البشر فيتكبر على خلق الله ويتألّه عليهم، ويريد أن تكون له القوّة والسلطان.
ومثال ذلك: ما قاله إمام الملحدين فرعون: ( يا أيها الملأ ما علمت لكم من إلهٍ
غيري) ثم إن الملحدين والكفرة على استعداد لأن يستعبدوا أيّ إنسانٍ؛ لذلك قال
تعالى: ( فاستخفّ قومه فأطاعوه) وذلك لأن الملحد حريص على حياته، حريص على المنفعة
المادية، حريص على الشهوات؛ فهو ينصاع مع الطغيان ويذل نفسه لغيره؛ ولذلك يكون
الإلحاد سببا في استعباد الناس لغير الله. ( 381 ـ 382 من الكتاب).
·
الجرائم: إن من آثار الإلحاد انتشار الجرائم سواء جرائم فردية أو جماعية
" لأن قوى الشرّ إذا تمكنت من قطع صلة الإنسان بربه وأقْنعتْـه بأن هذا الربّ
غير موجود؛ فإنها تجرده من كل إحساس إنساني، ولم تبق له أيّ وازع ديني يحول بينه
وبين ارتكاب أية جريمة مهما كان نوعها" والإنسان بفقد إيمانه بالله وباليوم
الآخر يصبح يعمل لدنياه فقط، وحيث لا آخرة في نظره فهو يحتال بكل الوسائل على
القانون ويصبح حيوانا كاسرًا إذا ضمن عدم وقوعه في الشراك في هذه الدنيا، ويفعل كل
ما يريد من قتل ونهب وجمع لكل شيء من كل طريق. فعـالَـمُنا هذا في ظلّ الإلحاد
عالم الجريمة والخوف، فكل يوم (تطلعك) وسائل الاتصال من صحف وكتب وإذاعات وغيرها
بأخبار الجرائم البشعة التي بلغت من الحِدّة والعنف والشذوذ إلى حدّ التلذّذ
بتعذيب الآخرين وشرب دمائهم والتمتع بسماع صراخهم واستغاثتهم، هذا بالإضافة إلى
حوادث السرقة والسطو والاغتصاب والقتل التي تتزايد يومًا بعد يوم، ... إلى أن قال
في ص385: " ولا يمكن التخلّص من هذه الجرائم إلا بالعودة إلى الإسلام دين
العدل والحرية، دين البشرية جمعاء، دين يحفظ حقوق أتباعه وغيرهم. ... فلماذا الظلم
والجور والطغيان؟!.
·
الدمار
والحروب: إن من أهم آثار الإلحاد أيضًا أنه يخلف الدمار والحروب على هذه
البشرية ... إلى أن قال بعد صفحة: " وعمومًا فإن الإلحاد له دور فعال في
إيجاد الحروب أو في زيادة دمارها، ورغم كل هذا فإنهم يزعمون أن العدل والمساواة في
الإلحاد، وكيف يقوم العدل بالأفراد! إذا كانوا يعتقدون أنهم متفاوتون على طبقات من
أصل وجودهم ونشأتهم؟! وكيف يقوم بين الجماعات!! إذا كانوا يعتقدون أنهم طبقات
متمايزة؟ ... أو أنهم شعب الله المختار؟!!!، وقد أطال الكلام في هذا وفصّل من ص385
ـ 392).
2-
الفساد: ومنه:
· فساد الأخلاق؛ إنه أهم ما تتميّز به أخلاق
الملحدين... والمطلع على أحوال المجتمع الإلحادي في الغرب والشرق يرى إلى أيّ حدٍّ
أصبح الناس مديين أنانيين، لا يهتم الفرد إلا في نفسه، ولا يهتم بالآخرين إلا بقدر
ما يعود هذا على نفسه من منافع؛ لذلك تجد العناية بالفقراء تكاد تنعدم، ثم بالأهل
والأقرب ثم بالوالدين ثم بالزوجة والأولاد فكل إنسان في تلك المجتمعات لا يعطي
العناية لأحد سوى نفسه، وذلك حرصًا منه على تحقيق السعادة لنفسه دون التفكير
بالآخرين". وكان الشيخ يتكلم ويفصل
في هذا من ص393 ـ 399 وأورد في كل ذلك الأدلة وهي كلامهم أنفسهم. وبيّن كذلك أن
الشاذ لا حكم له.
· فساد الضمير وفقدان الوازع؛ وإن ذلك من
أهم آثار الإلحاد في أتباعه ومقتنيه؛ لأن الإلحاد لا يخوِّف الإنسان من إلهٍ
يحاسبه ويطلع على سرائره؛ فا لملحد ينشأ غليظ القلب عديم الإحساس فاقد الوازع الذي
يردعه عن الظلم، ويأمره بالإحسان والرحمة ... إلى أن قال: " وأما المؤمن فإنك
تجد ضميره متيقّظًا، فإن أخطأ حاسب نفسه، وربما تألم من ملامته نفسه أكثر من
تلذّذه بالمعصية" أنظر ص399 ـ 402 من الكتاب.
· فساد الأسرة والمجتمع: إن من آثار إلحاد
الإنسان وبعده عن الله تدمير النفسية البشرية والمجتمع الإنساني؛ لأن المجتمع لا
يكون سليمًا إلا إذا كانت اللبنات التي يبنى منها صالحة. ومعلوم أن الأسرة هي
اللبنة الأولى لبناء المجتمع، وعندما تفسد روابط الأسرية تفسد البشرية. للمزيد من
هذا أنظر: ص 402 ـ 404 من الكتاب.
· فساد الشباب: إن الانحلال والترف والغرق
بالشهوات الذي أوجده الإلحاد في مجتمعات التي سيطر عليها أدّى إلى فساد الشباب في
تلك البلاد. أنظر نفس الصفحة.
3- القلق النفسي والانهيارات العصرية: من أهم
الآثار التي يخلفها الإلحاد هو القلق والحيرة والاضطراب النفسي ... وحيث أن
الإلحاد عاجز عن فهم غاية الحياة والكون وأن نداء الفطرة يلحّ على الإنسان بهذه
الأسئلة ( يعني بها: لماذا خُلقنا؟ ومن خلقنا؟ وإلى أين المسير؟ ) فإنه يظل الملحد
قلقًا معذبا" لا يستطيع الجواب عليها. ولقد أثبت الاستقراء والمشاهدة أن أشد
الناس جزعًا أمام شدائد الحياة الملحدون والمرتابون وضعاف الإيمان؛ لأنهم لا
يؤمنون بقدر فيرضون به، ولا بإلهٍ فيطمئنون إلى حكمته في خلقه، ولا بأنبياء فيجدون
في حياتهم القاسية قدوةً، ولا بحياة أخرى طاردة للكآبة باعثة الأمل. والأوروبي أو
الأميركي أو الروسي المعاصر سواء من أصحاب المذاهب الرأسمالية أو الاشتراكية
الملحدون غالبًا لا يجدون لأنفسهم استقررًا ولا اطمئنانًا؛ وتجدهم في قلق مستمر
واضطراب أمام نفسه الواحد منهم أو مع غيره. للمزيد أنظر ص 407 من كتاب الإلحاد
وسبب انتشاره.
4- ويقول
سيخنا الشيخ غالب بن علي عواجي ([81] ) : " وعرف الناس أن
الإلحاد هو الذي سبّب لهم الشقاء والفقر وتزايد الأحقاد والقلق والاضطراب، وأنه
هو الذي سهّل للمجرمين طرق الإجرام وظهور الفتن والضلال ...
5- قال الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ في الأدلة القواطع ([82] ) في الوجه الحادي عشر
للرد على الملحدين، ذاكراً شيئاً من آثار الإلحاد: " أن هؤلاء يعاندون
الله ورسوله أعظم معاندة؛ فالله يقول: ( قولوا أمنا بالله) ([83]
) وقال تعالى: ( إن الذين قالوا ربنا الله) ([84]
) وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لمن سأله قال له: قل لي في الإسلام قولا
لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال: { قل آمنت بالله ثم استقم} أي: على الإيمان. وهؤلاء
الملحدون يقولون: امحوا هذه الأصول والعقائد ـ التي لا أصح منها ولا أنفع ولا يسعد
العبد غيرها ـ من قلبكم، وشكوا لتستحدثوا علوماً وعقائد جديدة تجيش بها القلوب
المنحرفة والآراء الفاسدة والضمائر التي أعرضت عن الحق وعارضته وتوجهت إلى الباطل.
وهذا لا ريب أنه مشاقة ومحاربة لله ورسله. ص28.
6- وذكر
في الوجه العشرين ([85] ): أن هؤلاء الملحدين حصروا
العلوم المدركة في دائرة ضيقة؛ فما أدركوه بحواسهم وتجاربهم أثبتوه، وما لم يدركوه
بذلك نفوه وأنكروه؛ فأنكروا من أجل ذلك علوم الغيب كلها، وجحدوا ربوبية الله
وأفعاله، وعطّلوه من صفاته وأفعاله؛ إذْ لم يدخل تحت مداركهم القاصرة. وهذا باطل
شرعاً وعقلاً. ثم ذكر وجه ذلك من ص36 ـ 39
7- هذا النقل بتصرّف للوجه الثاني
والعشرين من أوجه ردّ السعدي للملحدين بالأدلة القطعية ([86]
) أنهم جرّهم أصلهم الفاسد وعلمهم القاصر
إلى القدح بالرسل وإسقاط منزلتهم من قلوب السمّاعين لهم، المستجيبين
لدعوتهم؛ حتى أبطلوا بذلك الوحي والرسالة، والمعاد ،وأنكروا الربّ تصريحاً
وتعريضاً، وتدرجوا بذلك إلى القدح في جميع الأديان، ولم يجعلوا للرسل ميزة على
غيرهم، بل فضّلوا طواغيتهم وفلاسفتهم عليهم. فأصل هذه آثاره الخبيثة، وهذه ثمراته السمية المنتنة الحنظلية، كيف يليق
بمن له أدنى معقول أن يصغي إليه أو يبني عليه شيئاً من علومه ومعارفه،؛ فإنه مفسد
للأديان والعلوم ومخبط للأذهان، فهو أعظم أصول الغي والضلال.
8- ومن
آثاره ـ[87]
ـ أن الإلحاد حرّم أهله من سعادة الشكر لله على نعمه، ومن فضيلة الصبر على
المكاره؛ وذكر وجه ذلك.
10- وقد
أخذ شيخنا الشيخ غالب يذكر ويشرح هذه الآثار من صحيفة 71 من كتابه: المذاهب
الفكرية المعاصرة... إلى 164 وأن وجود الشيوعية والرأسمالية والماسونية
والعقلانية والإنسانية والاستشراق والتنصير والقومية والوطنية والوجودية وغيرها من
طوائف الإلحاد في العصر الحديث خلّف آثاراً سيّئة بمرة في ربوع وديار المسلمين؛ ومن
أعظم هذه الآثار: عدم تطبيق الشريعة الإسلامية.
الفصل الخامس: بعض شبهات الملحدين قديما وحديثاً:
تشبّث من له نوعٌ من
الإلحاد بحجج واهية وداحضة لا تقوى عند المجادلة، ولما كان الإلحاد بذلك المفهوم
السابق الواسع؛ فإني لا أذكر شبهة المشركين على شركههم لأن العلماء كتبوا في ذلك
كتباً؛ ومن أنفعها مع صغر حجمه: كشف الشبهات لمؤلفه محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
ولا شبهات المعطلة على تعطيلهم ولا الممثلة على تمثيلهم وتشبيههم الخالق بالمخلوق
الضعيف ([89])؛
بل أكتفي بذكر شيء من شبهات الفلاسفة والطبائعيين والثنوية، مع ذكر شيء كذلك من
شبهات الملحدين المعاصرين. فأقول: ـ وبالله توفيق ـ أما تلبيس الشيطان للفلاسفة
والطبائعيين فأنقل كلام ابن الجوزي[90] في ذكره شبهاتهم ورده
عليهم من تلبيس إبليس. وبعضها يكفي في ردها مجرد تصوّرها.
ومن شبهات الملحدين المعاصرين؛ والرد
عليها: أنظر ص414من كتاب الإلحاد للشوبكي
فهذه
طائفة من شُبـه الملحدين ولاسيما في هذه القرون الأخيرة التي ظهرت صور من الإلحاد
لم تكن معروفة فيما غبـَر من الزمان من علمنة واشتراكية وقومية ورأسمالية وغير ذلك
مما هو مشاهد معلوم؛ فكل منتحل مذهبا من هذه المذاهب له شبهه التي يتشبث بها؛ ومنه
على وجه التمثيل لا الحصر:
(1)
شبهة التناقض
بين العلم والدين.
والعلم هنا: العلم التجريبي وما وصل إليه واكتشفه الإنسان الغربي.
وأما (الدين) فلفظة عامة؛
فإن أرادوا؛ أن العلم يتناقض بالدين المحرف كالنصرانية الحالية فنعم، وإن أرادوا
بذلك القول الدين الصحيح فلا؛ واسمع إلى ما يرد به الشوبكي على هذه المقولة
المجملة؛
قال الشيخ محمد الشوبكي ص414 : وللرد على هذه الشبهة لا بد من بيان
أمور:
أ-
بيان أن العلم لا يختلف مع الدين:
... ومن المحال أن يختلف الدين الحق المنزل
من ربّ الخلق مع العلم الصحيح الذي يعتبر من سنن الله في هذا الكون؛ فآيات الله
التنزيلية لا تختلف مع آيات الله الكونية، فإن الأدلة العقلية الصريحة توافق ما
جاءت به الرسل، وإن صريح المعقول لا يناقض صحيح المنقول؛ وإنما يقع التناقض بين ما
يدخل السمع وليس منه، وما يدخل في العقل وليس منه" ... إلى أن نقل عن هربرت
سبنسر الانجليزي في ص415 : " العلم يناقض الخرافات، ولكنه لا يناقض الدين
الدين، ويوجد من العلم الطبيعي الشائع روح الزندقة، ولكن العلم الصحيح الذي تجاوز
المعلومات اللسطحية ورسب في أعماق الحقائق براء من هذه الروح، والعلم الطبيعي لا
يناقض الدين ...".
ب- في حالة جهل أوروبا كان
علمائنا متفوّقين:
...
قال المستشرق الهولندي دوزي: " إن في كل الأندلس لم يكن يوجد رجل أمي بينما
لم يكن يعرف القراءة والكتابة في أوروبا إلا الطبقة العليا من القسيس" ص416
وفي ص417 ما معناه: فنبغ في الفلسفة كثير من علماء المسلمين؛ منهم:
الفيلسوف محمد بن باجه (ت533) وابن رشد (ت595) وغيرهم.
وفي التريخ: ابن خلدون وابن
الأثير والطبري.
وفي الجغرافيا: كل من الرازي
وابن بطوطة.
كما نبغوا في علم الفلك؛
فوضعوا التقاويم مثل تقويم سعد بن عريب أيم المستنصر.
كما نبغوا في كافة الفنون؛
وممن نبغ منهم: ابن الهيثم: مكتشف علم البصريات والضوء، وجابر بن حيان أول باحث في
علم الكيمياء، وأول من استحضر حامض الكبريتيك بعد تقطيره من الشبه، والخوارزمي
رئيس لعلماء الفلك في بلاط المأمون، والزهراوي برع في الطب العام وطب الأسنان،
وكتب موسوعة في الطب أسماها: التصريف؛ وظلّ عدة قرون ـ هذا الكتاب ـ معمولاً به في
الجراحة في أوروبا. [انظر هذا الكلام بتفصيله من ص416ـ419 من كتاب الشوبكي].
ت- أوروبا أخذت أصول العلم عن
المسلمين: [انظر: ص420]
ث- سلاح
الإلحاد العلمي ضعيف؛ ولا يعتبر علم الملحد علما:
قال تعالى في كتابه العزيز:
( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) وقال الفيلسوف
ديكارت: " ليس علم الملحد علماً حقاً؛ لأن المعرفة المشبوهة بالشبهة لا يحق
أن تسمى علماً". [أنظر: ص421] من المرجع السابق.
جـ خطر إنكار المكتشفات
العلمية باسم الدين:
... فليس من مصلحة الإسلام
أن نسارع إليه لنأخذ منه الدليل لتأييد هذه النظرية العلمية أو لنفي تلك؛ فهذا
المعترك معترك تجارب تصيب فيه نظريات وتخطأ أخرى؛ فكم من النظريات كانت في نظر
أكثر الناس خرافة أصبحت اليوم من الحقائق التي لا تقبل الجدل ... أو العكس.
حـ حضّ الإسلام على طلب العلم:
[أنظر: 425] إلى أن قال: [ص427] " ولقد وردت آيات كثيرة يذكر
فيها العلم ويراد به الدين ـ فأورد طائفة كبيرة من الآيات في ذلك ـ وهذا دليل على
عدم تناقضهما، ومن هذه الآيات: ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم
قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من ولي
ولا نصير).
خـ نفي شبهة أن الإلحاد
يظهر في الوسط العلمي:
[أنظر: من ص430ـ 432].
وبهذه الأوجه السبعة المتقدمة رد الشيخ الشوبكي شبهة من زعم التناقض
بين العلم والدين.
الشبهة الثانية: شبهة تحكيم العقل في كل شيء:
(2)
تحكيم العقل في كل شيء.
سبق شيء من الرد على هذه الشبهة لا يصلح لا شرعاً ولا عقلاً تحكيم
العقل في كل شيء وإطلاق السراح عليه؛ بل للعقل حدوده لا يتجاوزه، ومن أفضل من ردّ
على هذا الشيخان شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه الكثيرة من أعظمها: درء تعارض
العقل والنقل وتلميذه ابن القيّم في أكثر من كتاب، رحمهما الله. قال الشيخ محمد
الشوبكي في ص434 من كتابه: " وينبغي على العاقل أن لا يستعمل عقله إلا في ما
هو صالح له بطبيعته وبحكم فطرته التي فطره الله عليها، وأن لا يخرج به عن حدود
طاقته؛ فيكون كالذي يريد أن يسمع بعينه، أو يبصر بأذنه...".
ومن الشبـه كذلك:
(3)
شبهة تفضيل الأدلة التجريبية على الأدلة العقلية؛
وللرد على هذه الشبهة أنقل كلام الشوبكي؛ فيقول
في ص436: " ... وإن من الخطأ الفاحش قصر اعتبار الإثبات العلمي على المسائل
الثابتة بالتجربة الحسية؛ لأن طريق العلمي لا ينحصر في التجربة والمشاهدة، فالعقل
يعتبر دليلا لإثبات التي لم يقع عليها الحس، كما أن الأخبار الصادقة الموثوق بها
دليل على ذلك. أضف إلى ذلك أن الاعتماد على التجربة الحسية فقط فيه حط من كرامة
العقل؛ بإسقاط الاستدلال العقلي من حيز الأهمية... ولست أدري هؤلاء أصحاب التجربة
فقط بماذا يمتازون عن الحيوانات! فإن كان العقل وهو أهم ما يميزهم عن الحيوانات
غير معتمد فما هو فضلهم عن الحيوان؟!" إلى أن قال بعد صفحة: " ومما يدل
على أن العقل أفضل من الحس هو أن المحسوس القوي يفسد الحس؛ فالضوء الشديد يفسد
العين أو يضر بها، وكذلك الصوت الشديد بالنسبة للأذن، كما أن الحس لا يشعر
بالمحسوس الضعيف بعد المحسوس القوي؛ فمن ينظر إلى الشمس لا يرى بعدها شيئاً بخلاف
العقل؛ فإن اشتغاله بالمعقولات القوية والأمور المجردة لا يضعفه بل يقويه، كما أن
الحس يخطأ ويصرّ على خطئه، والعقل يصوّبه ويقوّمه؛ فالناظر إلى القمر يظنه من
النجوم، والراكب في السفينة يظن الشاطئ سائر" وهذا بخلاف الواقع؛ فهناك نجوم
أكبر من القمر، كما أن السفينة هي المتحركة ...إلى ص439 .
(4)
شبهة عدم
رؤية الخالق بالحواس والعجز عن إدراك حقيقته وردّها.
قال
الشيخ الشوبكي ص439: " بعض الملاحدة لا يؤمنون بالله لأنهم لم يشاهدوه، وهل
يشترط في كل موجود أن يكون مشاهداً؟" ونقل عن انشتاين ـ كما في صحيفة 440 ـ أنه
قال: " مثلنا إزاء العالم مثل رجل أتي بكتاب قيّم لا يعرف عنه شيئاً، فلما
أخذ في مطالعته ودراسته تبيّن له ما فيه من أوجه التناسق الفكري، شعر بأن وراء
كلمات الكتاب الكتاب شيئاً غامضاً لا يصل إلى كنهه؛ وهو عقل مؤلفه، فإذا ما ترقّى
به التفكير عرف هذه الآثار نتيجة لعقل إنسان عبقري أبدع هذا الكتاب، كذلك نحن إزاء
هذا العالم نشعر بأن وراء نظامه شيئاً غامضاً لا تصل عقولنا إلى إدراكه؛ وهذا
الشيء هو الله" ولله المثل الأعلى. ثم إن هناك حكمة في عدم إدراك الله ومعرفة
وجوده بالطرق الحسية؛ وهي أن الثابت بالحس والمشاهدة يشترك في الاعتراف به الجميع،
ولا يكون فيه امتياز العاقل عن الغافل ...
(5)
الرد على
شبهة الغرور بالتقدم المادي. وقد ردّ الشيخ محمد هذه الشبهة من ص441 ـ 443 من
كتابه الإلحاد...
(6)
الرد على
شبهة الطبيعة خالقة؛
قبل الرد لا بد وأن نتساءل ما هي الطبيعة؟ فهل هي عبارة عن الأشياء
بذاتها؛ فتكون هي هذه النباتات والجمادات والحيوانات وكل هذه الكائنات؟ أم هي
عبارة عن صفات الأشياء وخصائصها من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة ... ؟
فإن كانت الطبيعة هي
المخلوقات الموجودة في الكون: من سموات وأرض وما فيها من مخلوقات فكيف تكون هذه
المخلوقات هي الخالقة لنفسها، ثم كيف يعطون الطبيعة صفة الخلق؟ وهي لا تملك العقل
والقدرة والإرادة والعلم ... إلى غير ما هنالك من الصفات اللازمة للخالق.
وأما قولهم بأن صفات الأشياء
وخصائصها هي الطبيعة الخالقة؛ فهو من المزاعم الباطلة التي يثيرها الطبيعيون
الملحدون في تأليه الطبيعة، فقولهم: إن خلق الوجود يعتمد على الأشياء من حرارة
وبرودة ورطوبة ويبوسة وملامسة وخشونة، ويعتمد على قابليتها وخصائصها من حركة وسكون
ونمو واغتذاء وتزايد وتوالد، وأنه بها يتم الخلق والتكوين وبسببها تتألف العناصر
... بالله عليك كيف توجد الصفات الذات؟ والصفات عرض والذات جوهر!
وللرد عليهم نقول: إن من
صفات الهاتف وخصائصه أنه ينقل صوت المتكلم البعيد إلى مسمعك؛ فتفهم منه، ثم ترد
عليه كأنه واقف أمامك، وأنه مؤلف من أرقام عديدة بواسطتها يتصل القاصي بالدني، فهل
يصدق عاقل أن صفات الهاتف هذه وخصائصه وقابليته هي التي أوجدت الهاتف وأظهرت هيكله
وجهازه ونقلته من حيّز العدم إلى حيّز الوجود؟[91]
(7) الرد على أن الكون وجد مصادفة؛ قال الشيخ الشوبكي: " يقول تشاد
والس: " إن ما يطلب إلى أيّ إنسان سواء أكان مؤمناً أم ملحداً هو أن يبيّن
لنا كيف تستطيع المصادفة أن تخلق هذا الكون"؟ ثم ذكر الأدلة على وجود الله،
ومنها دليل الفطرة، ودليل المخلوقات.
الخاتمة
الحمد لله الذي منّ عليّ بإتمام هذا البحث، فله
الحمد أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وأودّ أن أذكر أهمّ ما توصّل الباحث إليها
من النتائج في ختامه؛ فأقول:
·
الإلحاد
في الشرع "هو الميل عن الدين " ؛فالميل عن الإيمان بالله أو عن
توحيده إلى الإشراك أو عن رسله أو عن عالم الغيب الذي أنزله في كتابه إلى غير
الشرع، كل ذلك من الإلحاد. وهذا التعريف عام وشامل لجميع أنواع الإلحاد التي سبق
ذكرها في البحث.
·
أن لهذه
المادة " الإلحاد" معانٍ مختلفة عند الغرب وعند رجال الكنيسة، كذا عند
المفكرين الإسلاميين.
· أما الإلحاد في آيات الله فهو الميل عن الحق في الأدلة
القرآنية والمعجزات والأدلة الموجودة في الكون من سموات وأرض وما بينهما. أو
" التكذيب بها والكفر بها وجحودها والانحراف عن جهة الصحة؛ وذلك بتأويلها أو
حملها على المحامل الباطلة.
·
وإنّ من
صور الإلحاد في الربوبية: إنكار وجود الله عز وجلّ،
واتّخاذ شريك مع الله في الربوبية ( كالأمر في الأقطاب والأوتاد عند الصوفية)،
وإعطاء الأولياء بل والأنبياء شيئاً من خصائص الربوبية، وإنكار خصية من خصائص
الربوبية، والانحراف في الألوهية سببه إلحاد في الربوبية. وأنه لم ينكر الربوبيّة
من طوائف البشر: إلا الدهرية، والمجوسيّة. وفرعون لما قال: وما ربّ العالمين)؟ وقال:
( ما علمت لكم من إلـه غيري )؟ كان مكابراً بدليل قول الله تعالى: ( وجحدوا بها
واستيقتنها أنفسهم ظلماً وعلواً).
·
أما
الإلحاد في الأسماء والصفات فهو: الميل بهذه
الأسماء والصفات وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها في الكتاب والسنة الصحيحة
إلى: الإشراك والتعطيل والتأويل والتشبيه. قال ابن القيّم: "والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت
لها".
· أما
الملحد في الحرم فالمراد به: هو الذي يميل ويحيد عن دين
الله تعالى في الحرم، ويعم ذلك كل ميل عن الدين؛ ويدخل في ذلك: الكفر بالله والشرك
به في الحرم أو فعل شيء مما حرّمه الله أو ترك شيء مما أوجبه، سواء كان صغيراً أو
كبيراً.
·
أما
الإلحاد في الألوهية فيكون بصرف نوع من أنواع
العبادة لغير الله عز وجل.
·
أن من
أسباب الإلحاد والانحراف العامة: فشوّ الجهل، و الاعتماد على العقل وحده،
و الكبر، و
الاستهزاء والحسد، و تقليد الآباء واتباع
السادة والكبراء، و اتباع الشهوات والأهواء، و اتباع الظن، و
إغواء إبليس لمن اتبعه.
·
من أهم أسباب الإلحاد في الربوبية والأسماء والصفات: تحكيم العقل وتقديمه على
النقل، والقياس الفاسد والتأويل
الشاذ، والتقليد الأعمى، دخول المنافقين
في صف المسلمين ليفسدوا عليهم عقيدتهم.
·
أما
أسباب إلحاد المشركين فراجع إلى أحد ثلاثة أمور:
1- ترك المحكم والأخذ بالمتشابهات. 2- الأحاديث الموضوعة. 3- خوارق ظنوها كرامات
وهي إهانات.
· من آثار الإلحاد السيّئة: العبودية
لغير الله، والجرائم، و الدمار والحروب، و فساد الأخلاق،
و فساد الضمير وفقدان الوازع، و فساد الأسرة والمجتمع، وفساد
الشباب، وعدم تطبيق الشريعة الإسلامية.
·
وراجع
البحث عن الشبهات واحدة تلو الأخرى.
هذا،
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلّم على نبيّنا محمدٍ وعلى آله
وصحبه أجمعين.
الدراسات السابقة وذكر المراجع في هذا البحث:
ـ الإلحاد وسبب انتشاره
لمحمد يوسف محمد الشوبكي، بإشراف الشيخ: محمد نمر الخطيب.
ـ الإلحاد: أسباب هذه
الظاهرة وطرق علاجها؛ لعبد الرحمن بن عبد الخالق، طبعة البحوث العلمية والإفتاء
لهذه البلاد.
ـ الأدلة القواطع
والبراهين في إبطال أصول الملحدين؛ للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي. رحمه
الله.
ـ نونية ابن القيّم
وشرحها للشيخ محمد خليل هراس.
ـ مختصر الصواعق المرسلة
على الجهمية والمعطلة؛ لابن القيم: اختصار: محمد الموصلي.
ـ بدائع الفوائد:
لابن القيم كذلك.
ـ مدارج السالكين؛ له
كذلك.
ـ الموسوعة الميسّرة في
الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة؛ إشراف وتخطيط ومراجعة: د. مانع بن حمّاد
الجهني، القسم السادس ( معجم المصطلحات) من المجلد الثاني.
ـ القاموس المحيط؛
لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، بإعداد وتقديم: محمد بن عبد الرحمن
المرعشلي، بدار التراث العربي.
ـ المذاهب الفكرية
المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها؛ لشيخنا الشيخ الدكتور غالب
بن علي عواجي، طبعة المكتبة العصرية.
ـ شرح كتاب التوحيد من
صحيح البخاري؛ لعبد الله بن محمد الغنيمان.
ـ فقه الأدعية والأذكار؛
لشيخنا الشيخ الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر، طبعة وزارة الشؤون
الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
ـ فائدة جليلة في قواعد
الأسماء الحسنى؛ من كتاب:"بدائع الفوائد"لابن القيّم؛ للشيخ عبد
الرزاق كذلك.
ـ تيسير العزيز الحميد في
شرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد؛ للشيخ سليمان بن عبد الله. طبعة
المكتب الإسلامي بتحقيق زهير الشاويش.
ـ فتح المجيد شرح كتاب
التوحيد؛ للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، طبعة دار السلام.
ـ تفسير القرآن العظيم؛
لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبي الفداء.
ـ معارج القبول بشرح سلم
الوصول إلى علم الأصول؛ لحافظ بن أحمد حكمي،
طبعة دار ابن القيم بتحقيق: عمر بن محمود أبو عمر.
ـ تلبيس إبليس؛ لعبد
الرحمن بن علي بن محمد أبي الفرج، طبعة دار الكتاب العربي بتحقيق: د. السيد
الجميلي.
- كتاب التوحيد للشيخ
الفوزان حفظه الله.
- معجم مقاييس اللغة
لأحمد بن فارس بن زكريا (395) طبعة دار التراث العربي.
- منهج الدراسة في كلية
الدعوة وأصول الدين: المعتمد من مجلس الجامعة بالقرار رقم163/1407هـ. والمعتمد
خطته منه بالقرار رقم157/1406هـ.
الفهرس الموضوعات................................................
والصفحة
أهمية البحث في المقدمة..................................................2-3
خطة البحث...............................................................4
المبحث الأول: في التعريفات: التعريف اللغوي للإلحاد: .....................
6-7
تنبيه: مادة الإلحاد جاءت في القرآن في ست مواضع.........................
7-8
تعريفه شرعاً:..........................................................8-10
العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي: .........................................10
المبحث الثاني: في ماذا يكون الإلحاد؟
وأنه يكون فيما يكون في الآيات الشرعية منها والكونية.
من صور الإلحاد في آيات
الله: .....................................................12-14
الإلحاد في الربوبية: .................................................................14-20
الإلحاد في أسماء الله
تعالى: ..........................................................20-23
تنبيه في بيان الإلحاد في
الحرم: ..........................................................24
الإلحاد في الألوهية: ................................................................24-25
المبحث الثالث: ذكر أسباب الإلحاد والانحراف العامة: ............................27-31
أسباب ذلك في أفعال الله
وأسمائه وصفاته: .........................................31-32
أسباب الإلحاد في العصر
الحديث عصر العولمة والقومية والاشتراكية
وغيرها من المذاهب المعاصرة:
......................................................32-35
الإشارة إلى أسباب الإلحاد
في الألوهية: ...........................................36-37
المبحث الربع: آثاره الوخيمة على الفرد
والمجتمع: ................................37-43
شبهات أهله والرد
عليها: في القديم كشبهات الفلاسفة
والثنوية والطبائعيين
وغيرهم. ومن شبهات الملحدين
في هذا العصر: ..................................43-48
الخاتمة:
............................................................................49-
50
المراجع: ............................................................................51-52
الفهرس الموضوعات...............................................................53-54
[1] سورة فصلت، رقم 40 .
[7] البخاري، في موضعين 3411 و6673، ومسلم، (باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين
عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة)، برقم 51 .
[11] الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي. مختار الصحاح. نشر مكتبة لبنان، في
طبعته الجديدة سنة: 1415 – 1995 بتحقيق
محمود خاطر.
[12] التوقيف
على مهمات التعاريف؛ (ص 618)، نشر دار الفكر المعاصر في طبعته
الأولى سنة1410 بتحقيق: د. محمد رضوان الداية
[21] أبو
داود، باب ما في اللحد، برقم 3208، والترمذي، باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم اللحد
لنا والشق لغيرنا، برقم 1045، والنسائي، باب
اللحد والشق، برقم 2009، وابن ماجه، باب ما جاء في استحباب اللحد، وبرقم
1554 و1555. وقال الألباني: صحيح.
[22] أنظر: ص
13 من كتاب: "الإلحاد وسبب انتشاره" لمحمد يوسف محمد
الشوبكي، وهذا الكتاب من أجمع ما رأيت في بابه، واستفدت منه كثيراً.
[23] الأول
في كتاب: الإلحاد: أسباب هذه الظاهرة وطرق علاجها. والثاني في تحقيقه لكتاب السعدي
المسماة: الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أدلة الملحدين.
[24] راجع:
لفظة: " الإلحاد" ص981 منه.
[26] سورة
الأعراف، رقم 133 .
[31] سورة
ياسين، 33 .
[35] ص330 من
المرجع نفسه.
[39] كالآيات
من سورة العنكبوت برقم 61 و 63، وكذا في يونس برقم 31، وفي المؤمنون من 84 ـ 89،
وغيرها.
[43] قال
محقق الكتاب: هذا الكتاب ( يعني به: الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول
الملحدين) عظيم، ليس له مثيل فيما نعلم في موضوعه وحسنه ووضوحه ومناسبته للوقت
الحاضر، والحاجة والضرورة قد اشتدت إليه؛ لأن تيّار الإلحاد وطغيان المادة جرَف
جمهور الخلق؛ فمنهم الدعاة والرؤساء المخادعون المغرِّرون، ومنهم
أهل السياسة المستعمرون، ومنهم ضعفاء البصائر المغترون، ومنهم
سماسرة المأجورون المنافقون، فعمت المصيبة واشتد الخطب، وعاد الدين الصحيح غريباً
كما بدأ غريبا وصار القابض على دينه الحق كالقابض على الجمر. وهذا الكتاب قد نازل
جميع طوائف الملحدين وتحداهم وأبطل أصولهم، وفنّد مآخذهم، وهدم قواعدهم، وزلزل
بنيانهم، وبيّن مخالفتهم للعقل والفطرة والحكمة، كما خالفوا الأديان الصحيحة،
وتكلم معهم بكل طريق: فتارة يصوّر مقالتهم تصويراً واضحاً واقعيا
يعرف به كل عاقل بطلان أقوالهم بمجرد تصويرها على وجهها، وتارة يبطل الأصول التي بنوا عليها إلحادهم
بالبراهين القطعية، ويبين أنها أصول في غاية الضعف والانهيار، وتارة
يذكر ما يقابلها من الحق وأصوله وبراهين الصدق واليقين التي يعرف بها أن ما سواها
باطل وضلال، وتارة يذكر تمويهات الملحدين وما زخرفوه من الألفاظ
الخادعة لنصر باطلهم وترويجه بين ضعفاء البصائر أتباع كل نائق، وتارة
يشير إلى المسالك التي سلكها من خادع أو انخدع من المنافقين والملبسين؛ فهو سلاح
للمؤمنين، وغذاء للموقنين، ودواء لمن قصده الحق من الحائرين، ونور يهتدي به
في متاهات الحيرة والضلال، وعلم يأوي إليه
كل طالب حق في جميع الأحوال. ومع ذلك فقد
سلك مع طوائفهم مسلك الإنصاف وعرض الحقائق على العقول عرضاً واضحاً؛ يقبله كل عاقل
سليم الفطرة والنظر. فهو كتاب يصلح لجميع الناس على اختلاف مذاهبهم ، فكل منه
يستمد، وكل قارئ به ينتفع، ومخبر الكتاب والوقوف عليه يغني عن وصفه" أنظر ص12
حفظه الله.
[47] وإن كان
فرعون في قرارة نفسه لا يعطّل الرب بل يعترف به ويقر به كما قال تعالى عنه وعن
قومه وملئه: ( وجحدوا بها واستيقتنها أنفسهم ظلما وعلوا) وسبب قوله ما قال في
الآية السابقة الذكر: هو الاستكبار والطغيان الذي يهدم ولا يبني. نسأل الله
السلامة والعافية.
[55] ذكر
الإلحاد في أسماء الله عز وجل في : بدائع الفوائد جـ 1 | ص179 ـ 181، وفي هذا
الموضع فصّل فيها أيما تفصيل وأوصل الأوجه إلى خمسة ، بينما ذكر ثلاثة أوجه منها
في : مدارج السالكين: جـ1 \29ـ30
وفي مختصر الصواعق كذلك في ص862 بعنوان: ذكر أنواع الإلحاد في أسماء
الله الحسنى. ثم إن الحكمي ـ رحمه الله تعالى ـ ذكر في جـ1 ص369 من معارج القبول
فصلا فيه طوائف الملاحدة الخمسة في توحيد المعرفة والإثبات، وأنهم هم رؤوس فرق الملاحدة في هذا الباب. كما أن كلا من الشيخ عبد
الرزاق والشيخ محمد الشوبكي ذكر أنواع الإلحاد نقلا من علمائنا السابقين رحمهم
الله ؛ أما الشيخ عبد الرزاق البدر ففي كتابيه؛ الأول: أنه أفرد قواعد الأسماء
الحسنى من كتاب: بدائع الفوائد وحققه، وكان القاعدة العشرون في :معرفة الإلحاد،
وهي في صحيفة: 45 ـ 50 وهو آخر الكتاب. والثاني: في كتابه القيم: فقه الأدعية
والأذكار ( القسم الأول منه، في ص123ـ 126 وقال في آخرها: " فهذه أنواع أربعة
للإلحاد في أسماء الله، وقد وقع في كل منها جماعات من المبطلين حمانا الله وإياكم
... "إلى آخر كلامه، فأفاد به أنه ذكر أربعة من الخمسة التي ذكرها ابن القيم
رحمه الله.. أما الشيخ محمد الشوبكي حفظه الله فقد ذكرها في رسالته التي ذكرت
مقاصدها في هذا البحث التي هي بعنوان: "الإلحاد وسبب انتشاره" : فقد زاد
نوعاً واحد للإلحاد في أسماء الله تعالى وصفاته. وذكر في هذا المبحث: أشياء طيبة
وجيدة ـ كما ذكر مثلها في المباحث الأخرى ـ وسأضيف النوع السادس الزائد على ما ذكر
ابن القيم في البدائع المشار إليه. وكذا الأمثلة التي استحسنتها في مواضعها بإذن
الله.
[57] الشوبكي: مصدر سابق ص345 .
[58] البخاري، باب من هم بحسنة أو بسيئة، برقم 6126، مسلم، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب، وبرقم 204، و205، و 206 و207,
[62] يعني به
التوصل إلى معرفة الكيفيات، وإلا فالأسماء والصفات معقولة معلومة. المعنى كما ذكر
نحو هذا مالك رحمه الله.
[63] هنا شيء
غامض وغير مفهوم في كتاب الشيخ المنقول، ولعله: (بسبب في الإلحاد).
[69] قال
الشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان في ص11 من مقدمته لشرحه كتاب التوحيد من صحيح
البخاري: ( فتبيّن أن هذا الإلحاد جاء من قبل اليهود الذين أرادوا إفساد دين
الإسلام.) وذلك بعد ما أورد قصة ذبح خالد بن عبد الله القسري لجعد بن درهم وأنه
زعم " أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما". وراجع كذلك صفحة 14 و15 من الكتاب لترى كثيرًا
ممن دخل الإسلام ليفسده على أهله وليكيد به. وص17 منه.
[72] السعدي:
مصدر سابق ص 38.
[73] أنظر
ص53 إلى 70 أسباب ظهور المذاهب الفكرية الكفرية الإلحادية؛ وقسمّها إلى
أسباب ظهورها في الغرب في العصر الحديث؛ أن سبب ظهور ذلك هم رجال الكنيسة الذين
يسمون بـ (البابوات) الذين يسِمون كل من خالفهم بـ (الهرطقة) ليفتكوا به، وأن سبب
مخافة من خالفهم هو ظهور هذه الأبحاث
الحديثة والتجارب التي جاءت في هذا العصر، فرجال الكنيسة كلما سمعوا برجل اكتشف
شيئاً يخالف ما قالوا به وصفوه بهذا اللقب وفتكوا به؛ فوجد لأجل هذا البون بين
العلم والدين. وهناك أسباب خفية غير هذا ـ كما ذكرها الشيخ في الصفحات المشار
إليها. وإلى أسباب انتشار هذه الأفكار الإلحادية في العالم الإسلامي. وذكر ثمانية أسباب سبق ذكر كثير منها، ومن جملتها:
السبب السادس: تأخر بعض بلدان المسلمين في مناهجهم التعليمية حيث أقصِيت كلُّ
الدراسات ـ إلا القليل ـ التي تبصّر المسلم بما يبيّته له الغرب على أيدي عملائه من
المنصّرين والمسترقين ومن وافقهم ممن يدّعي العروبة أو الإسلام. ومن جملتها: بذل
المساعدات المالية وتحبيب الحياة الغربية إلى قلوب المسلمين وتنفيرهم من حياتهم
الإسلامية، وبثّ الدعايات ضدّ الإسلام وحكّام المسلمين وعلماء الإسلام قاطبة ...
ومن جملتها: نشاط أعداء الإسلام وقوة عزمهم على إفساد عقائد المسلمين وإخراجهم من
دينهم بأنواع الدعايات والمغريات. ومن جملتها: جهل المسلمين بحقيقة ما تحمله هذه
المذاهب من بؤس وشقاء إلى ما هنالك من
أسباب جعلت المسلمين يتبعون الغرب في كل ما أخرجوه وبثّوه فيهم.
[76] فقال
في ذكره لأسباب انتشار هذه الظاهرة في العصور المتأخرة، قال:
" ثانيا: أسباب مشكلة
الإلحاد:
منذ مأتي عام فقط لم تكن
مشكلة الإلحاد بهذه الحدة والانتشار؛ ولكن في
القرنين الأخيرين ظهرت عوامل كثيرة جعلت من الإلحاد والكفر بالله دينًا
عامًا منتشرًا، ونستطيع أن نجمل أهمّ هذه الأسباب في انتشار الإلحاد فيما يلي:
·
الكنيسة الأوروبية.
·
مظالم
العالم الرأسمالي.
·
ظهور
المذاهب الاقتصادية الإلحادية.
·
اقتران
الإلحادية بالقوّة المادية.
·
هزيمة
العالم الإسلامي أمام الهجمة الأوروبية.
·
الحياة
الجديدة ومباهج الحضارة.
·
دوامة
الحياة. "
وقال: " وبروز الاتحاد السوفيتي كقوّة عظمى كان نتيجة لنتيجة
الدين ورفعة للإلحاد بديلا له؛ الأمر الذي سبّب الكثير من الأمراض النفسية، وظهور
الأنانية التي أثرت على الأسرة والمجتمع على حد سواء، ومن آثار ذلك: زيادة الإجرام
السياسي وظهور القسوة في معاملة الشعوب مع امتلاك الأسلحة الفتاكة والذرية
واستخدامها دون رحمة ولا خوف من الجزاء؛ مما دفع الناس إلى العُقد النفسية
والأمراض العصبية والانحراف واللجوء إلى المخدرات والمسكرات".
[78] وقد
أحال الشيخ إلى أنه "لا أصل له، وأنه موضوع"، ونسب ذلك إلى ابن
تيمية وتلميذه ابن القيم (في المنار
المنيف في الصحيح والضعيف) وابن حجر. رحمهم الله. كما أن القاري أورده في
الموضوعات (189).
[80] وهذا
الكلام قاله في اللمبحث الأول ( وهو : آثار الإلحاد) من المباحث الأربعة في باب: (
مكافحة الإلحاد ).
[82] ص27 في
الوجه الحادي عشر.
[83] آية:
136سورة البقرة.
[87] ص91 المصدر
السابق..
[89] لأن
العلماء رحمهم الله كتبوا في دحض ذلك كتباً وعلى رأسهم شيخ الإسلام في كتبه في رده
على الجهمية والمعتزلة، وكذا في رده على الممثلة وعلى الأشعرية وغيرهم. وكذلك ابن
القيّم في : الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة خصوصاً، وغيرهما من علماء أهل
السنة. والذي جرّ المعطلة على التعطيل هو التشبيه الذي وقعوا فيه أولا، وأما
المشبهة فقولهم: لا نعلم صفة إلا كالذي نشاهده عند المخلوقين. ولم يعرفوا: القدر
المشترك، ولا أن الصفة إذا خصصت وقيّدت وأضيفت أخذت صفة موصوفها وتمحضت له. والله أعلم.
[90] كنت
ذكرت شبهات الفلاسفة الدهرية والثنوية والطبائعية وغيرهم من الملحدين القدامى ،
ونقلت عن ابن الجوزي في تلبيس إبليس الرد عليها فأفادني أحد الإخوة ـ وجزاه الله
خيراً ـ إلى أن الكلام غيرُ سليم، فحذفته، وقلت: إذاً؛ أنا في غنىً عنه. وكان في
حدود عشر صفحات؛ إذْ هو من 55 65، فليراجع
هناك، وأعتذر عن عدم وجودي الفرصة لمراجعة شبهاتهم من كتب ابن تيمية وابن القيّم
وغيرهما رحمهم الله..
No comments:
Post a Comment