بسم الله
الرحمن الرحيم
قال أبو الحسن عليُّ بن إسماعيل الأشعري
(ت:330هـ) في كتابه: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلِّين:
« هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة:
¿ جملةُ
ما عليه أهلُ الحديثِ والسنة: الإقرارُ بالله وملائكته وكتبه ورسله. وما جاء من
الله، وما رواه الثقاتُ عن رسول الله r؛
لا يَرُدُّون من ذلك شيئاً. وأن الله سبحانه إلهٌ واحدٌ فردٌ صمَدٌ، لا إله غيرُه،
لم يتَّخِذْ صاحبةً ولا ولداً.
وأن محمداً
عبدُه ورسولُـه.
وأنَّ الجنَّة
حقٌّ، وأنَّ النار حقٌّ، وأنَّ الساعة آتيةٌ لا ريبَ فيها، وأنَّ الله يَبْعثُ منْ
في القبور.
وأنَّ الله
سبحانه وتعالى على عرشه كما قال: ﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾ [ سورة
طه:5].
وأنَّ له يَدَينِ
بِلا كَيفَ كما قال: ﴿ خلقتُ بِيَدَيَّ ﴾ [سورة
ص:75]. وكما
قال:﴿ بل يداهُ مبسُوطتان ﴾ [سورة المائدة:64].
وأنَّ له
عينَيْنِ بِلا كَيْفَ كما قال: ﴿ تَجْرِي بأعْيُنِـنا ﴾ [سورة
القمر: 14].
وأنَّ له
وجهًا كما قال: ﴿ ويبقى وجهُ ربِّك ذو الجلالِ والإكرام ﴾ [سورة
الرحمن: 27].
وأنَّ
أسماءَ الله لا يُقال إنَّها غيرُ الله كما قالتِ المعتزلةُ والخوارجُ.
وأقرُّوا
أنَّ لله سبحانه عِلمًا كما قال:﴿أنزله بعلمه﴾[سورة النساء:166].﴿وما تَحْمِلُ
مِن أُنثى ولا تَضَعُ إلاَّ بعِلْمِه﴾[سورة فاطر:11].
وأثبَتُوا
السمعَ والبصَرَ، ولم يَنْفُوا ذلك عنِ اللهِ كما نفَتْهُ المُعتَزِلةُ.
وأَثْبتُوا
للهِ القوَّةَ كما قال: ﴿ أَوَلم يرَوا أنَّ الله الذي خلقَهُم هو أشدُّ مِنهم قوَّةً
﴾ [سورة
فُصِّلت: 15].
وقالوا: إنَّه
لا يكون في الأرض مِنْ خيرٍ ولا شرٍّ إلا ما شاء اللهُ؛ وأنَّ الأشياءَ تكُونُ
بمشيئة الله كما قال عزَّ وجلَّ: ﴿ وما تَشاءُون
إلاَّ أنْ يشَاءَ اللهُ ﴾ [سورة التكوير: 29]. وكما قال
المسلمُون: ما شاء اللهُ كان؛ وما لا يشاءُ لا يكونُ.
وقالوا: إنَّ
أحدًا لا يستطِيعُ أَنْ يفْعلَ شيئًا قبل أن يفْعلَهُ، أَوْ أَنْ يفعل شيئًا عِلمَ
اللهُ أنه لا يفعَلُه.
وأَقرُّوا
أنَّه لا خالقَ إلا اللهُ، وأن سيئاتِ العبادِ يَخْلُقُها اللهُ، وأنَّ أعمالَ
العباد يخلُقُها الله عزَّ وجلَّ، وأنَّ العبادَ لا يَقْدِرُون أن يخلُقُوا شيْـئًا.
وأنَّ اللهَ
سبحانه وفَّق المؤمنين لطاعتِه، وخذَل الكافرِين، ولطَف بالمؤمنين، ونظَر لهم
وأصلحَهُم وهداهم، ولم يَلْطُف بالكافرين ولا أصلحَهم ولا هداهم؛ ولوْ أصلحهم
لكانوا صالِحِين، ولَو هداهُم لكانوا مهتدين، وأنَّ الله سبحانه يَقـْدِر أن يُصلِح
الكافرين ويَلْطُف بهم حتى يكُونوا مؤمنِين؛ ولكنَّه أراد أن يكونوا كافرين كما
علِم، وخذلَهم وأضلَّهم وطبَع على قلُوبِهم، وأنَّ الخيرَ والشرَّ بقضاء الله وقدَرِه،
ويُؤمنون بقضاء الله وقدره خيرِه وشرِّه حُلـْوِه ومُرِّه.
ويُؤمِنون
أنَّهم لا يملكُون لأنفسهم نفعًا ولا ضَرًّا إلا ما شاء اللهُ كما قال، ويُلْجئُون
أمرَهم إلى الله سبحانه، ويُثبِتون الحاجةَ إلى الله في كلِّ وقتٍ، والفقرَ إلى
الله في كلِّ حالٍ.
ويقولون:
إنَّ القُرآنَ كلامَ الله غير مخلوقٍ. والكلام في الوقف واللفظ من قال: باللفظ أو
بالوقف فهو مبتدعٌ عندهم. ولا يُقال: اللفظُ بالقرآن مخلوقٌ أو غيرُ مخلوقٍ.
ويقولون:
إنَّ الله سبحانه يُرى بالأبصار يومَ القيامة كما يُرى القمرُ ليلةَ البدر؛ يراه
المؤمنون، ولا يراه الكافرون؛ لأنهم عن الله مَحْجوبون، قال الله عزّ وجلّ: ﴿ كلا
إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ﴾ [سورة المطففين:15]. وأنَّ
موسى عليه السلام سأَل الله سبحانه الرُؤْية في الدنيا؛ وأنَّ الله سبحانه تجلَّى
للجبَل فجعله دكًّا؛ فأَعْلمَه أنَّه لا يراه في الدنيا، بل يراه في الآخرة.
ولا يُكفِّرون
أحداً مِن أهل القبلة بذَنْبٍ يَرتَكِبُه كنحوِ الزنا والسرقة وما أشبه ذلك من
الكبائر، ومعهم بما هم من الإيمان: مؤمنون، وإِنِ ارْتكبُوا الكبائر.
والإيمان
عندهم: هو الإيمان بالله وملائكتِه وكتبِه ورُسُلِه، وبالقدَر خيرِه وشرِّه حُلْوِه
ومُرِّه، وأنَّ ما أخطأَهم لم يكن ليُصِيبَهم، وما أصابَهم لم يَكُنْ ليُخطِئَهم. والإسلامُ
هو: أن يُـشهَدَ أنْ لا إلـه إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله على ما جاء في
الحديث. والإسلامُ عندهم غيرُ الإيمان.
ويُقِرُّون
بأنَّ اللهَ سبحانه مُقلِّبُ القلوب.
ويُقِرُّون
بشفاعة رسول الله r، وأنَّها
لأهل الكبائر من أمَّتِه. وبعذابِ القبر. وأنَّ الحَوض حقٌّ. والصِراطَ حقٌّ. والبَعثَ
بعد الموت حقٌّ. والمُحاسبةَ مِن الله عزَّ وجلَّ للعباد حقٌّ، والوقوفَ بين يَدَيِ
الله حقٌّ.
ويُقِرُّون
بأنَّ الإيمان: قولٌ وعملٌ يزيدُ وينقصُ، ولا يقولون: مخلوقٌ ولا غيرُ مخلوقٍ. ويقولون:
أسماءَ الله هِيَ اللهُ.
ولا يشهدون
على أحدٍ من أهل الكبائر بالنار، ولا يَحكُمون بالجنَّة لأحدٍ من المُوَحِّدين،
حتى يكون اللهُ سبحانه ينزلهم حيثُ شاء، ويقولون: أمرُهم إلى الله إِنْ شاء عذَّبهم،
وإنْ شاء غفَر لهم، ويؤمنون بأنَّ الله سبحانه يُخرِج قومًا من المُوَحِّدين من
النار، على ما جاءت به الروايات عن رسول الله r.
ويُنْكِرون
الجِدالَ والمِرَاءَ في الدين، والخصومةَ في القدَر، والمناظرةَ فيما يتناظرُ فيه
أهلُ الجدل، ويتنازعون فيه من دينهم بالتسليم للروايات الصحيحة، والآثار التي
رواها الثقاتُ عدْلاً عن عدلٍ حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله r، ولا يقولون: كَيفَ؟، ولا لِمَ؟؛ لأنَّ ذلك
بدعةٌ. ويقولون: إنَّ الله لم يأْمُرْ بالشرِّ بل نهى عنه، وأَمَر بالخير، ولم يرْضَ
بالشرِّ وإِنْ كان مُريدًا لَه.
ويعرِفون
حقَّ السلف الذين اختارهم الله سبحانه لصحبةِ
نبيِّه r،
ويَأْخُذون بفضائلِهِم، ويُمْسِكون عمَّا شجَر بينهم؛ صغيرِهم وكبيرِهم.
ويُقدِّمون
أبا بكرٍ ثم عمرَ ثم عثمان ثم عليًا رضوان الله عليهم. ويُقِرُّون بأنَّهم الخلفاءُ
الراشِدون المَهْدِيُّون؛ أفضلُ الناس كلِّهم بعد النبيِّ r.
ويُصَدِّقون
بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله r:
(( إنَّ الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مُستغْفِرٍ...؟)) كما
جاء الحديث عن رسول الله r.
ويَأْخُذون
بالكتاب والسنة كما قال الله عزّ وجلّ: ﴿ فإن تنازعتم في شيءٍ فرُدُّوه إلى الله
والرسول ﴾ [سورة النساء:59]. ويَرَون اتِّباعَ مَنْ سلف من أئمة الدين، لا
يَبْتدعون في دينِهم ما لَـمْ يأْذَنْ به اللهُ. ويُقِرُّون بأنَّ الله سبحانه يَجيءُ
يومَ القيامة كما قال: ﴿ وجاء ربُّك والملَكُ صفًّا صفًّا ﴾ [سورة
الفجر:22]. وأنَّ الله يَقْرُب من خلقه كيف شاء كما قال: ﴿ ونحن أقرب إليه من
حبل الوريد ﴾ [سورة ق:16].
ويَرَون
العِيدَ والجماعةَ خلفَ كلِّ إمامٍ بَرٍّ وفاجِرٍ. ويُثْبِتون المَسْحَ على الخُفَّين
سنَّةً، ويَرَونه في الحضَرِ والسفَر.
ويُثْبِتون
فرْضَ الجهادِ للمشركين منذ بعث اللهُ نبيَّه r إلى آخر عِصابةٍ تُقاتِل الدَّجالَ، وبعدَ ذلِك.
ويَرَون الدعاءَ
لأئمةِ المسلمين بالصلاحِ، وأنْ لا يَخْرُجوا عليهم بالسيفِ، وأَنْ لا يُقاتِلوا
في الفتنة.
ويُصدِّقُون
بِخُروج الدَّجال، وأنَّ عيسى ابنَ مريمَ يَقْتُلُه. ويُؤمِنون بِمُنكرٍ ونَكِيرٍ،
والمِعراجِ، والرؤيا في المنام.
وأنَّ
الدعاءَ لموتى المسلمين، والصدقةَ عَنْهم بعد موتِهم تَصِلُ إليهم. ويُصدِّقون بأنَّ
في الدنيا سحَرَةٌ، وأنَّ الساحِر كافِرٌ كما قال اللهُ، وأنَّ السِحْر كائِنٌ موجودٌ
في الدنيا. ويَرَون الصلاةَ على كلِّ مَنْ مات من أهلِ القبلة؛ برِّهم وفاجرِهم،
ومُوارَثَتَهم. ويُقِرُّون أنَّ الجنةَ والنارَ مَخْلوقَتان. وأنَّ من مات مات بأَجَلِه،
وكذلك من قـُتل قُتِل بأجَلِه. وأنَّ الأرْزاقَ من قِبَل الله سبحانه يَرْزُقُها
عبادَه حَلالاً كانَتْ أم حرامًا. وأنَّ الشيطان يُوَسْوِس للإنسانِ ويُشَكِّكُه
ويَخْبِطُه. وأنَّ الصالحين قد يَجوزُ أَنْ يخصَّهم اللهُ بآياتٍ تَظْهَرُ عليهم. وأنَّ
السنَّةَ لا تنْسَخُ القُرْآنَ. وأنَّ الأطْفالَ أمرُهم إلى الله، إِنْ شاء عذَّبَهم،
وإِنْ شاء فعَل بهم ما أراد. وأنَّ الله عالمٌ ما العبادُ عاملون، وكتَبَ أن ذلك
يكونُ، وأنَّ الأمورَ بيَدِ الله.
ويَرَون
الصبرَ على حكمِ الله، والأخْذَ بِما أمر اللهُ به، والانتهاءَ عما نهى اللهُ عنه،
وإخلاصَ العملِ، والنصيحةَ للمسلمين، ويُدِينون بعبادة الله في العابدين، والنَّصيحةِ
لجماعة المسلمين، واجتنابِ الكبائر، والزنا، وقولِ الزور، والعصبيَّةِ، والفخْرِ،
والكِبْرِ، والإزراءِ على الناس، والعُجب. ويَرَون مجانبةَ كلِّ داعٍ إلى بِدْعةٍ.
والتَشاغُلَ بقراءة القرآنِ، وكتابةِ الآثارِ، والنظَرِ في الفقه.
مع التواضُعِ
وحُسْنِ الخُلُقِ، وبذْلِ المعروف، وكَفِّ الأذى، وترْكِ الغِيبَةِ والنَّميمةِ
والسِّعَايةِ، وتَفقُّدِ المأْكَلِ والمَشْرَب.
¿ فهذه جملةُ ما يأمرون به ويستَعمِلونه ويرَونه،
وبِكُلِّ ما ذُكر من قَولِهم نَقولُ، وإِليه نَذْهبُ، وما توفيقُنا إلا باللهِ،
وهو حسبُنا ونِعْمَ الوكيلُ، وبِه نَسْتَعينُ، وعَليهِ نتوكّّلُ، وإِليه المصِيرُ »([1]) .
No comments:
Post a Comment