2016/10/25

أنواع القلب ومسائل في تزكية النفس

أنواع القلب ومسائل في تزكية النفس 

النيَّة والإخلاص ( وهل تزكو نفسٌ بدونهما؟!):
(من المعلوم أنَّه قد اختص العارفون: بالكلام عن (الإخلاص)؛ إذْ هي بمعنى: تمييز المقصود بالعمل وهل هو لله وحده لا شريك له/ أم لله وغيرِه؟، والفقهاء: عن (النيَّة)؛ وعنَوا بها: تمييزَ العبادة بعضِها عن بعضٍ، والعبادة عن العادة، وإنْ كانت (النيَّةُ) تأتي غالباً في النصوص وكلام السلف بمعنى (الإخلاص) ... ).

عن علقمة بن وقاص الليثي أنَّه قال سمعت عمر بن الخطاب t على المنبر قال سمعت رسول الله r يقول: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما جاهر إليه) متفق عليه.

الكلام على بعض المسائل، وشيءٌ من فوائد الحديث:

 والنيَّة: ليست قول القائل: (( نويتُ))، بل هي: انبعاث القلب يجري مجرى الفتوح من الله، وقد صحَّ ـ كما ذكر شيخ أحمد محمد ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه سمع رجلاً عند إحرامه يقول: اللهم إنِّي أريد الحج والعمرة؛ فقال له: أتعلم الناس، أوَ ليس الله يعلم ما في نفسك!)) وليس يجب التلفظ بالنيَّة في شيءٍ من العبادات.
1.  هذه النيَّة تتيسر في بعض الأوقات، وتتعذر في أخرى؛ ومن كان الغالب عليه: أمورُ الدين تيسَّر عليه إحضارها للخيرات في أكثر الأحوال. أما من مال قلبُه غالباً إلى الدنيا وغلبتْ عليه؛ فإنَّه لا يتيسر له ذلك، وإنْ تيسَّر له ذلك في الفرائض فبجهدٍ جهيدٍ.
2.    يُعدُّ حديث عمر في النيات (ثلث العلم). قاله الشافعي رحمه الله.
3.  الأعمال الموافقة للسنة لا تصلح ولا تُقبل إلا بصلاح النيَّة؛ إذْ صلاح العمل وفساده بحسب النية المقتضية لإيجاده. يُوضِّحه الوجهُ بعده:
4.  ثواب العمل على حسب النيَّات الصالحة التي يجمعها العامل في عمله، واستحقاق العامل للعقوبة وشدة ذلك عليه بحسب نيته الفاسدة قوّة وضعفاً، وقد تكون نيته مباحة فيكون العمل مباحاً فلا يحصل له ثوابٌ ولا عقابٌ فالعمل في نفسِه: صلاحُه وفسادُه وإباحتُه بحسب النية الحاملةِ عليه المقتضيةِ لوجوده، وثوابُ العامل وعقابُه وسلامتُه بحسب النية التي صار بها العمل صالحاً أو فاسداً أو مباحاً، فيكون العامل له ثلاث حالاتٍ في حصوله نتيجةَ عملِه وعدم ذلك: فإما أنْ يؤجر ـ وقد يضاعَف على أجره ـ، وإما أنْ يعاقَب عليه ـ وقد يُزاد عليه العقابُ ـ، وإما أنْ يسلم من العقاب، ولا يُؤْجر ـ وهذا في المباح الذي لم ينوِ فيه العامل، وإنْ نوى أُجر كما سيأتي ـ هذا في العامل.
5. وأما الأعمال نفسُها: فإما أن تكون طاعاتٍ، أو مباحات، أو معاصي؛ فالمعاصي لا تنقلب إلى الطاعات بالقصد والنيَّة، بل قد تزيد النيَّة من وزرها ووبالها. وأما المباحات فالنيَّة ترفع من شأنها؛ بأنْ يُؤجر صاحبها؛ فالآكل والنائم بقصد التقوِّي للعبادة، والآتي زوجه للتعفف عن الحرام/ وتكثيرِ سواد ما يُفاخر ويُكاثر النبيُّ الأنبياء عليهم السلام مأجورٌ عليه. أما الطاعات إذا كان المنبعث والدافع لها مقاصد نبيلةٌ فالثواب من الربِّ الكريم يكون بحسب هذه البواعث قوةً وضعفاً، قلةً وكثرةً؛ إذْ رُبَّ عملٍ صغيرٍ تعظِّمه النيَّة، وربَّ عملٍ كبيرٍ تصغِّره النيَّةُ. اللهم يا كريم زدنا من فضلك العظيم، وإنْ نوى بالطاعات الدنيا، أو رآى، أو سمَّع إلى غير ذلك من النوايا والمقاصد الخبيثة انقلبت الطاعاتُ معاصي ـ عياذاً بالله.
6.  ما ذكره النبيُّ r من اختلاف جزاء صاحبي الهجرة في آخر الحديث ـ بعد ما أرسى قاعدة النيَّة ـ إنما هو من باب التمثيل؛ وأنَّ ما قيل فيها: يقال في غيرها من الطاعات؛ من تعلِّم العلم، والصدقة، والجهاد وغير ذلك.

ومن أجمعِ ما قيل في الإخلاص: تجريد قصد التقرُّب إلى الله عزَّ وجل عن جميع الشوائب، ودليل ذلك: حديث عمر t السابق، وقوله تعالى: ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ  ﮜ  ﮝ   ﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ  ﮢ   ﮣ  ﮤﮥ  ﮦ  ﮧ   ﮨ  ﮩ  البينة: ٥ والآيات الأُول من سورة الزمر، وحديث أبي أمامة t مرفوعاً في الغازي يلتمس الأجر والذكر، وأنَّه (لا شيءَ له)، وهو كذلك من الثلاثة التي لا يُغلُّ عليهنَّ قلب امرئ مؤمن؛ إذْ بها ـ لا بغيرِها ـ يطهُر قلبُه من الدغل والخيانة، والشرِّ.
 وإنْ لم يكن من فوائد الإخلاص إلا أنَّه يُخلِّص العبد  من الشيطان لَكَفى، قال تعالى على لسان إبليس بعد ما قسم أنَّه سيُغوي الناس كلَّهم أجمعين، قال: ﰛ  ﰜ  ﰝ  ﰞ  ﰟ   ص: ٨٣، وكان أحد السلف يقول لنفسه: (( يا نفس اخلصي تتخلصي)).
  وقد أوضح السلف ـ رحمهم الله ـ عن عزَّته وشدَّته على النفوس؛ فقال بعضُهم: ((إخلاص ساعةٍ نجاةُ الأبد، ولكنَّ الإخلاص عزيزٌ))، وقد قيل لسُهيلٍ: أيُّ شيءٍ أشدُّ على النفس؟ فقال: (( الإخلاص؛ إذْ ليس لها فيه نصيبٌ))؛ وكيف لا يكون عزيزاً، مع مضاداته لجميع حظوظ الدنيا التي تستريح إليها النفوس! وقد حكي عن بعضهم: أنَّه كان يصلِّي دائماً في الصف الأول، فتأخَّر يوماً عن الصلاة؛ فصلَّى في الصفِّ الثاني؛ فاعترته خجلةٌ من الناس حيث رأوه في الصفِّ الثاني؛ فعلِم أنَّ مسرَّته وراحة قلبه من الصلاة في الصفِّ الأول كانت بسبب نظر الناس إليه. وهذا والله! دقيقٌ غامضٌ قلَّما تسلم الأعمال من أمثاله، وقلَّ من ينتبه له إلا من وفّقه الله تعالى؛ فاللهم يا كريم  لا تجعلنا ممن يبدوا لهم منك    ﯿ  ﰀ  ﰁ  ﰂ  ﰃ   ﭪ    ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ   ﭴ  ﭵ        ﭶ  ﭷ  الشعراء: ٨٩.
  واعلم أنَّه لا يُتصوَّر الإخلاص إلا من محبٍّ لله، مستغرِقٍ الهمِّ بالآخرة.
  قال يعقوب: (( المخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيِّئاته))، ويجوز له إظهار بعض أعماله إنْ تحقق من سلامتها عما يشوبُها للقدوة. والله أعلى وأعلم وأحكم.


القلب وأنواعه:
  اعلم أنَّ الاهتمام بتصحيح القلب وتسديده أولى ما اعتمد عليه السالكون، والنظر في أمراضه وعلاجها أهمّ ما تنسَّك به الناسكون؛ وكيف لا؟ وقد كان بالنسبة  لهذه الأعضاء كالملِك المتصرِّف في الجنود الذي تصدُر كلُّها عن أمره، ويستعملُها فيما شاء، فكلُّها تصرُّفه وقهْره، وتكتسب منه الاستقامة والزيغ، وتتْبعُه فيما يعقدُه من العزم أو يحلُّه؛ قال النبيُّ r ( آلا! وإن في الجسد مضغةً؛ إذا صلُحت صلُح الجسُد كلُّه، وإذا فسَدتْ فسد الجسَد كله، آلا! وهي: القلب) متفق عليه.
 والقلب يوصف بالحياة وبضِّدها؛ وبهذا انقسم على ثلاثة أقسامٍ:
1. القلب السليم/ الصحيح: وقد قيل في تعريفه: أنَّه القلب الذي نجا وسلِم من كلِّ شهوةٍ تخالف أمر الله ونهيه، ومن كلِّ شبهةٍ تعارض خيره،  فسلِم من عبوديَّة ما سواه، وسلِم  من تحكيم غير رسوله r، فخلُصت عبوديَّتُه لله تعالى إرادةً، ومحبةً، وتوكُّلاً، وإنابةً، وإخباتاً، وخشيةً، ورجاءً؛ وخلص عملُه لله؛ فإنْ أحبَّ أحبَّ لله، وإنْ أبغض أبغض لله، وإنْ أعطى أعطى لله، وإنْ منع منع لله، ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد لكلِّ من عدا رسول الله r؛ فيعقد قلبَه معه عقداً محكماً على الإتمام والاقتداء به وحده في الأقوال والأفعال دون كلِّ أحدٍ؛ فلا يتقدم بين يديه بعقيدةٍ، ولا قولٍ، ولا عملٍ؛ ودليل ذلك آية الحجرات.
وأهم علامات صحَّته:
·   أنْ يرتحل عن الدنيا حتى ينزل بالآخرة، ويحلَّ فيها حتى يبقى كأنَّه من أهلها وأبنائها، جاء على هذه الدار غريباً، يأخذ منها حاجته ويعود إلى وطنه، وشاهد ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
·       وأنَّه إذا فاته وِردُه أو طاعةٌ من الطاعات وجد لذلك ألَماً أعظم من تألُّم الحريص من فوات ماله.
·   اشتياقه لخدمة مولاه كاشتياق الجائع على الطعام؛ قال يحيى ابنُ معاذ: (( من سُرَّ بخدمة الله سُرَّت الأشياء كلها بخدمته، ومن قرَّت عينُه بالله قرَّت عيونُ كلِّ أحدٍ بالنظر إليه.
·       وأنْ يكون همُّه في طاعة الله.
·       شحُّه بوقته من أنْ يذهب ضائعاً من أشدِّ الناس شحاًّ بماله.
·       وأنْ لا يفتر عن ذكر ربِّه، ولا يسئَم من خدمته، ولا يأنس بغيره إلا بمن يدله عليه، ويذكِّره به.
·   وأنْ يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل، وبالكيف لا بالكمِّ؛ فيحرص على الإخلاص فيه، والمتابعة، والإحسان، مع شهود منَّةِ الله عليه فيه، وتقصيرِه في حقِّ الله.
·   إيثاره الغذاء النافع والدواء الشافي عن الغذاء المؤذي، والدواء الضار؛ وأنفع الأغذية: غذاء الإيمان، وأنفع الأدوِية: دواء القرآن.
2. القلب الميِّت: وهو بعكس القلب السليم؛ فهو لا يعرف ربَّه، ولا يعبُده بما يحبُّه ويرضاه، بل هو واقفٌ مع شهواته ولو كان فيه سخط ربِّه وغضبِه، فهو لا يبالي إذا فاز بشهوتِه وحظِّه رضِي ربُّه أم سخط، فهو متعبدٌ لغير الله؛ إنْ أحبَّ أو أبغض فلهواه، وإنْ أعطى أو منع فلهواه؛ فهواه آثر عليه، وأحبُّ إليه من رضى مولاه؛ فالهوى إمامُه، والشهوة قائدُه، والجهل سائقُه، والغفلة مركبُه، ينادَى إلى الله من مكانٍ بعيدٍ فلا يستجيب للناصح، ويتَّبع كلَّ شيطانٍ مريدٍ، فالدنيا تسخطه وترضيه، والهوى يصِمْه عما سوى الباطل ويعميه؛  فمخالطة صاحب هذا القلب سقمٌ، ومعاشرته سمٌّ، ومجالسته هلاكٌ.
3. القلب المريض: قلبٌ له حياةٌ، وبه علَّةٌ؛ تمدُّه هذه مرةً، وهذه أخرى، وهو لما غلب عليه منهما؛ إذْ فيه من محبَّة الله تعالى، والإيمان به، والإخلاص له، والتوكُّل عليه ما هو مادة حياته. وفيه من محبة الشهوات وإيثارها، والحرص على تحصيلها، والحسد، والكبر، والعجب ما هو مادة هلاكه وعطَبه؛ فهو إلى السلامة أدنى أو إلى العطب أدنى.
ومن علامات مرضه:
·       عدم تألُّمِه من جراحات المعاصي، ولا يوجعه جهلُه بالحق، وعقائده الباطلة.
·       إيثاره الحياة الدنيا، واستوطانه إياها حتى يصير من أهلها.
·       عدوله عن الأغذية النافعة على الضارة، وعدوله عن الدواء النافع إلى دائها الضار.
  والمشكلة كلُّ المشكلة أنَّ قد يمرض قلب العبد ويشتد مرضُه، ولا يعرف به صاحبُه، بل قد يموت وصاحبه لا يعرف بموته. وما سبق إنما هو علاماتٌ لمرضه أو لموته.


من ( أسباب حياة القلب) وأغذيته النافعة:

   فكما أنَّه يلزم لحياة الجسد وصحَّتِه: الطعام والشراب؛ فإنَّه يلزم لحياة القلب: فعل الطاعات، وترك المعاصي؛ إذْ الطاعات كالغذاء، والمعاصي بمثابة الأطعمة المسمومة. واعلم أنَّ حياة القلب أولى بالاهتمام من حياة الجسد؛ وذلك أنَّ حياة القلب تؤهِّله لحياةٍ طيِّبة في الدنيا، وسعادة غير محدودةٍ في الآخرة، وأنَّ موت القلب تبقي آلامه أبد الآبدين؛ في حينما  

No comments:

Post a Comment

TSAWATARWA DAGA SHAN TABAR SIGARI (التحذير من شرب الدخان)

TSAWATARWA DAGA SHAN TABAR SIGARI (التحذير من شرب الدخان) Na Shehun Malami Abdul’aziz dan Abdullahi bn Baaz Allah ya yi masa rahama...