/
مهارة تفريغ
شريط
قام به:
أبو بكر حمزة
بإشراف:
القائمين على معرض الشهادتين بجوار مسجد رسول الله صلى الله عليه
وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله وعلى
آله وصحبه ومن ولاه. وبعد:
فإنه مما يسرّني جدًا أن أكون من المشتركين في تعلّم مهارة تفريغ
الشريط التي أشرف عليها القائمون على معرض الشهادتين بالمدينة النبوية ـ زادها
الله تشريفا ـ وجزى الله ملقي هذه المحاضرة شيخ الإسلام ابن باز خيرا، وكذا القائمين
على النشاط.
قال الشيخ ـ رحمه الله
تعالى:
أيها الإخوة في الله!!!
لقد رأت اللجنة التي وكّل
إليها جميع الندوات والمحاضرات لهذه المدينة أن يكون عنوان الكلمة هذه الليلة،
مفهوم: لا إلــه إلا الله، ومرادهم: بيان معناها وإيضاح حقيقة معناها، وهذه الكلمة
ـ كما سمعتم من المقدم ـ رأس الدين وأساس الملة، كلمة لا إلــه إلا الله هي أساس
الإسلام، ورأس دين الإسلام، وهي التي فرّق الله بها بين الكافر والمسلم، وهي التي
دعت إليها الرسل جميعا، وأنزل الله بها الكتب، وخلق من أجلها الثقلين( الجن
والإنس)، دعا إليها آدم أبونا عليه الصلاة والسلام وسار عليها وذرّيته إلى عهد
نوح، ثم وقع الشرك في قوم نوح فأرسل الله إليهم نوحا عليه الصلاة والسلام يدعوهم
على توحيد الله ويقول لهم:)يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره( هكذا هود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وغيرهم من الأنبياء كلهم دعوا
أممهم إلى هذه الكلمة من توحيد الله والإخلاص له وترك عبادة ما سواه، وآخرهم
وخاتمهم وأفضلهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بعثه الله إلى قومه بهذه الكلمة
وقال لهم:{يا قوم! قولوا لا إلــه إلا الله تفلحوا} وأمرهم بإخلاص العبادة لله
وحده، وأن يدَعُوا(قلت: أي: يتركوا) ما عليه آبائهم وأسلافهم من الشرك بالله
وعبادة الأصنام والأوثان والأشجار والأحجار وغير ذلك، فاستنكرها المشركون وقالوا:)أجعـل الآلــهة إلــه واحدا إن هذا لشيء عجاب(لأنهم قد اعتادوا عبادة الأصنام والأوثان والأولياء والأنبياء
وغيرهم، والذبح لهم والنذر لهم وطلبهم قضاء الحاجات وتفريج الكروب، فاستنكروا هذه
الكلمة، لأنها تنكر آلهتهم ومعبوداتهم من دون الله، وقال في سورة الصافات:)إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إلـــه إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا
لـتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون(ســمّوا نبينا شاعرًا مجنونًا لجهلهم وضلالهم وعنادهم. وهم يعلمون
أنه أفقه الناس، أنه أمين، وأنه أعقل الناس، وأنه ليس بشاعر، ولكنه
الجهل والظلم والعدوان والمغالطة والتكذيب والتشبيه على الناس. وكلّ من لم يحقق هذه الكلمة ويعرف معناها
ويعمل به فليس بمسلم، فالمسلم هو الذي يوحّد الله(يخصّه بالعبادة دون كلّ ما سواه؛
فيصلّي له، ويصوم له، ويدعوه وحده، ويستغيث به، وينذر له، ويذبح له، إلى غير
ذلك. يعلم يقينًا أنه المستحق للعبادة وأن
ما سواه لا يستحقها(سواء كان نبيّـا أو ملكًا أو وليّـًا أو صنمًا أو شجرًا أو
جِنّـيًا أو غير ذلك، كلّه لا يستحق للعبادة؛ بلْ هي حقّ الله وحده، ولهذا قال عزّ
وجلّ:)وقضى
ربّك أن لا تعبدوا إلا إياه(يعني: أمر وأوصى أن لا تعبدوا إلا إياه، وهذا معنى: لا
إلـــــه إلا الله معناها: لا معبود حقّ إلا الله، فهي: نفْي وإثبات؛ نفي الإلهية عن غير
الله، وإثباتٌ لها لِله وحده سبحانه وتعالى، فالإلهية التي صُـرفَتْ لغير
الله: باطــلة، وهي لِلّه وحده بحقّ
سبحانه وتعالى؛ كما قال عزّ وجلّ:)ذلك بأن الله هو الحقّ وأن
ما يدعون من دونه هو الباطل( فالعبادة للّه وحده دون ما سواه، وأما صرْف الكفرة لها لغيره فذلك
باطل ووضع لها في غير محلّها، قال تعالى:)يا أيها الناس اعبدوا ربّكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون( وقال سبحانه في سورة الفاتحة
ـ وهي أعظم سورة ـ :)إياك نعبد وإياك نستعين( كما أمر المؤمنين أن يقولوا هكذا:)إياك نعبد وإياك نستعين(نعبد وحدك، وإياك نستعين وحدك، وقال عزّ وجلّ:)واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا(وقال سبحانه:)وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء(وقال عزّ وجلّ:)فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون(وقال سبحانه:)فاعبد الله مخلصًا له الدين آلا للّه الدين الخالص(. الآيـــات كلّها تدل على
أنه ـ سبحانه ـ المستحق للعبادة، وأن المخلوقين لا حظّ لهم فيها، وهذا هو معنى لا إلـــه إلا الله ومفهومها وتفسيرها(
تفسيرها ومعناها ومفهومها وحقيقتها: نفي
العبادة بحق عن غير الله.
عبادة غير الله موجودة:
( عبدتْ أصنام من دون الله، وعبد فرعون من دون الله، وعبدت الملائكة من دون الله،
وعبدت الرسل من دون الله... كلّها واقعة، لكنها باطلة:(لكنه خلاف الحق) والمعبود
بالحق هو الله وحده سبحانه وتعالى.
هي: نفـــي وإثبات ـ نفي
العبادة بحق عن غير الله كائنـًا من كان، وإثبات العبادة للّه وحده بالحقّ، ـ كما
قال جلّ وعلا عن إبراهيم الخليل أنه قال لقومه:)إنني براء مما تعبدون إلا
الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون( وقال سبحانه:)قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذْ قالوا لقومهم إنا براء
منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى
تؤمنوا بالله وحده( هذا قول الرسل جميعًا فإن قوله:)في إبراهيم والذين معه(يعني: الرسل هم الذين معه من أوّلهم إلى آخرهم، هم إخوانه ودعوتهم
دعوته، وكلمتهم هي: البــراءة عن عبادة
غير الله من المعبودين من الذين رضوا بالعبادة ودعوا إليها، فالمؤمن يتبرّأ منهم ومن عبادتهم كفرعون وغيره ممن دعا إلى عبادة
نفسه، فيؤمن بالله وحده أنه بالحق سبحانه
وتعالى، ولهذا قال:)إلا الذي فطرني(هو الله سبحانه وتعالى؛
فإنه لا يــتـبرّأ بالعبادة وإنما يتـبـرّأ من عبادة غيره:)وإذْ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدن إلا الذي فطرني( فالبراءة تكون من عبادة غيره سبحانه، أما هو الذي فطر العباد
وخلقهم وأوجدهم من العدم وأسداهم بالنعم فهو المستحق بالعبادة سبحانه، هذا هو
مدلول هذه الكلمة ومعناها ومفهومها وحقيقتها:
الــبـراءة عن عبادة غير الله وإنكارها واعتقاد بطلانها، والإيمان بأن العبادة حق لِلّه وحده، وهذا معنى
قوله جلّ وعلا:)فمن يكفر
بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم(. يكفرْ بالطاغوت: أي ينكر عبادة الطاغوت ويتبرّأ منها. والطاغوت: اسم لكل ما عبد من دون
الله، يقال لها: طاغوت كالأصنام والأشجار والأحجار وكواكب، وهكذا من عبد وهو راض
كفرعون والنمروذ وأشباههم ممن عبد وهو راض، يقال له: طاغوت، وكذا الشياطين: طواغيت. أما من عبد ـ من دون الله ـ ولم يرض
بذلك كالأنبياء والصالحين فهؤلاء ليسوا طواغيت، إنما الطاغوت الشيطان الذي دعا
إلى ذلك من جنّ وإنس، هم الطواغيت الذين دعوا إلى عبادة غير الله وحبّذوها
وزيّنوها، هؤلاء هم الطواغيت. أما الرسل والأنبياء والصالحون فإنهم براء من ذلك،
وليسوا طواغيت؛ إذْ أنكروا عبادتهم وحذّروا منها، وبيّنوا أن هذه العبادة هي حق
الله وحده سبحانه وتعالى. )ومن يكفر بالطاغوت( أي: ينكر عبادة غير الله ويتـبرأ منها ويجحدها ويبن أنها باطلة ، )ويؤمن بالله( بأن الله هو المالك الحق وأنه رب العالمين، وأنه الخلاّق العليم،
وربّ كل شيء ومليكه، العالم بكل شيء، والقاهر فوق عباده، وهو فوق العرش فوق
السموات سبحانه وتعالى، وعلمه في كل مكان، هذا هو المستحق للعبادة جلّ وعلا، فلا
يتم العبادة ولا يصح الإيمان إلا بالبراءة لعبادة غير الله وإنكارها واعتقاد
بطلانها، والإيمان بأن الله هو المستحق للعبادة سبحانه وتعالى، وهو معنى قوله في سورة الحج:)ذلك بأن الله هو الحق وأنما يدعون من دونه هو الباطل( وفي سورة لقمان:)ذلك بأن الله هو الحق وأنما يدعون من دونه الباطل(. وهو معنى الآيات السابقات:)يأيها الناس اعبدوا ربّكم الذي خلقكم( )واعبدوا
الله ولا تشركوا به شيئًا( )وما
أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء(إلى غير ذلك.
وكان الناس في عهد آدم وبعد
عشرة قرون كلهم على التوحيد، كما قال ابن عباس y ثم وقع الشرك في قوم نوح؛ عبدوا مع الله ودًا وسواعًا ويغوث وعوق
ونسرًا، كما ذكر الله ذلك في سورة نوح، فأرسل الله إليهم نوحا عليه الصلاة والسلام
يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وينذرهم نقمة الله وعقابه، فاستمروا في طغيانهم
وكفرهم وضلالهم إلا القليل(لم يؤمن منهم إلا القليل) وأكثرهم وأعظمهم استكبر عن
ذلك كما بيّن الله في كتابه العظيم.
فما فعل الله بهم؟ فعل ما بيـّن
لنا في كتابه العظيم؛ أهلكهم بالطوفان(بالماء العام، الذي ملأ الأرض، وعلا فوق
الجبال، وأغرق الله به من كفر بالله وعصى رسوله نوحًا، ولم ينج إلا من كان مع نوح
في السفينة كما قال سبحانه وتعالى:) وأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين( هذا عقابهم في العاجل (في
الدنيا) ولهم عقاب آخر النار في الآخرة( وهو العذاب في النار يوم القيامة.
وهكذا جاءت عاد بعد ذلك
وأرسل الله إليهم هوداً بعد نوح فسلكوا مسلك من قبلهم من قوم نوح من العناد والكفر
بالله والضلال فأرسل الله عليهم الريح العقيم فهلكوا عن آخرهم، فلم ينج منهم إلا من
آمن بهود وهم القليل. وهكذا بعدهم قوم
صالح؛ هم ثمود: سلكوا مسلك من قبلهم من الأمتين: أمة نوح وأمة هود فعصوا الرسل
واستكبروا عن الحق فأخذهم الله بعقاب الصيحة والرجفة حتى هلكوا عن آخرهم، ولم ينج
منهم إلا من آمن بنبيّه صالح عليه السلام.
وكذا بعدهم أمم إبراهيم ولوط ويعقوب وإسحاق ويوسف ومن بعدهم كموسى وهارون
وداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء كلهم دعوا الناس إلى توحيد الله ـ كما أمروا ـ قال
تعالى:)ولقد
بعثنا في كلّ أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت( )وما
أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون( كلّهم أدّوا ما عليهم ـ عليهم الصلاة والسلام ـ بلّغوا الرسالة
وأدّوا الأمانة ونصحوا الأمة، وبيّنوا لهم معنى هذه الكلمة: لا إلــه إلا الله(
بيّـنوا أن الواجب إخلاص العبادة لله وحده، وأنه هو الذي يستحق العبادة دون كلّ ما
سواه، وأن الأشجار والأحجار والأصنام والكواكب والجنّ والإنس كلهم لا يستحقون
العبادة ( العبادة: حق الله.).
وفرعون لما طغى وبغى
وعَـنَــد على موسى وخرج لقتاله: الله
عزّ وعلا ساقه للبحر وأغرقه بالبحر في لحظة واحدة مع من معه من الجنود، وهذا عذاب
معجَّل(وهو الغرق) وبعده عذاب النار، نسأل
الله العفية.
ونبيـّنا محمد عليه الصلاة
والسلام دعا الناس إلى عبادة الله وبشّر هم بالجنة لمن آمن، وحذّرهم بالنار لمن
كفر، فآمن من آمن؛ وهم القليل بمكة (ثم [1]
) بسبب الأذى له ولأصحابه، فأمره بالهجرة إلى المدينة، فهاجر إليها ومن آمن معه
ممن استطاع الهجرة فصارت المدينة دار الهجرة والعاصمة الأولى للمسلمين، وانتشر
فيها دين الله، وقامت فيها سوق الجهاد بعد تعب عظيم وإيذاء شديد من قريش وغيرهم
لرسول الله r وللمؤمنين معه في مكة.
كلّ ذلك من أجل هذه الكلمة: لا إلــه إلا
الله.
فالرسل تدعوا إليها ومحمد
خاتمهم عليه الصلاة والسلام وسيدعو إلى ذلك: إلى الإيمان واعتقاد معناها وتعطيل
الآلهة التي عبدوها من دون الله وإنكارها وإخلاص العبادة لله وحده، والمشركون يأبون ذلك، ويقولون:)إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون( فأمة العرب لمّا بُعـث عليهم النبي عليه الصلاة والسلام سلكوا
مسلك من قبلهم من العناد والكفر والضلال والتكذيب لنبيّنا عليه الصلاة والسلام
طيلة ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى توحيدهم( إلى توحيد الله وإلى ترك الشرك بالله) فلم
يؤمن إلا القليل، وهكذا بعد هجرته إلى
المدينة استمروا في طغيانهم وقاتلوه يوم بدر ويوم أحد ويوم الأحزاب عنادًا وكفرًا
وضلالة، وساعدهم من ساعدهم من كفار عرب،
ولكن الله جلّ وعلا أيّد نبيّه والمؤمنين وأعانهم، وجرى ما جرى يوم بدر من
الهزيمة العظيمة على أعداء الله والنصر لأولياء الله. ثم جرى ما جرى يوم أحد من الامتحان الذي كتبه
الله على عباده، وحصل ما حصل من الفظاعة والقتل للمسلمين لأسباب بيّنها في كتابه
سبحانه وتعالى. ثم جاءت قتل الأحزاب بين الرسول وبين أهل الكفر، فأعزّ الله جنده
ونصر عبده، وأذلّ الكفار ورجعوا خائبين لم ينالوا خيرًا، ونصر المسلمين ضدّ
أعدائهم. ثم جاءت بعد ذلك غزوة حديبيّة،
وحصل ما حصل فيها من الصلح بين الرسول وبين أهل مكة والمهادنة عشر سنين حتى يأمن
الناس وحتى يستفيد بعضهم من بعض وحتى يتأمّلوا دعوته عليه الصلاة والسلام وما جاء
به من الهدى، ثم نقضت قريش العهد، فغزاهم
النبي r عام
ثمانية(8)من الهجرة في رمضان وفتح الله عليه مكة ودخل الناس في دين الله أفواجًا.
والحمد لله.
فهذا الدين العظيم هو
الإسلام يحتاج إلى: صبر ومصابرة وإخلاص
لله ودعوة إليه وإيمان به وبرسله ووقوف عند حدوده وترك لما نهى عنه عزّ وجلّ، هذا
هو دين الله الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه، وهو الدين الذي بعث به محمدا عليه
الصلاة والسلام، وتوحيد الله والإخلاص له، وإيمان برسوله محمدr والانقياد لشريعته قولا وعملا وعقيدة، وأصله وأساسه: شهادة أن لا
إلــه إلا الله التي بعث الله بها جميع الرسل، فلا إسلام غلا بها، من عهد نوح وقبلها:
في آدم إلى عهد محمد عليه الصلاة والسلام،
لا إسلام إلا بهذه الكلمة: لا إلـه إلا الله قولا وعملا وعقيدة، فيقول: لا
إلـه إلا الله بلسانه ويصدقّها بقلبه وأعماله؛ فيوحّد الله ويخصّه بالعبادة ويتبرأ
عن عبادة ما سواه.
ولا بد مع هذا من اشتهادة للنبي (بالرسالة) محمد
صلى الله عليه وسلم [2] لا بد مع الإيمان بالله وحده وإخلاص العبادة له، لا بد من التصديق بالرسول الذي بعث إلينا، في عهد نوح لا بد مع الشهادة: أن لا إلــه إلا
الله والإيمان بلله من تصديق نوح عليه الصلاة والسلام، فلا إسلام إلا بذلك. و في
عهد هود كذلك لا إسلام إلا بتصديق هود عليه الصلاة والسلام، مع توحيد الله
والإخلاص له والإيمان بمعنى لا إله إلا الله. و هكذا في عهد صالح لا إسلام إلا
بذلك (توحيد الله والإخلاص له والإيمان بصالح وأنه رسول الله حق) . وهكذا من بعده؛ كل نبي بعثه الله إلى
أمته لا بد من إسلامهم من توحيد الله: الإيمان بذلك الرسول الذي بعث إليهم وتصديقه.
وأخرهم عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وأخر الأنبياء بني إسرائيل، وآخر
الأنبياء قبل محمد، فلا إسلام إلا لمن آمن به واتبع ما جاء به، فلما أنكرته اليهود
وكذّبوه [3] قومهم لذلك.
ثم بعث الله محمدا r أفضل الأنبياء وآخرهم وجعل الدخول في الإسلام لا يتأتى ولا يصلح
إلا بالإيمان به، فلا بد من توحيد الله والإيمان بهذه الكلمة ـ وهي لا إلـه إلا
الله ـ واعتقاد معناها(وأن معناها: توحيد الله وإفراده بالعبادة وتخصيصه بها دون
كل ما سواه) مع الإيمان برسوله عليه الصلاة والسلام، وأنه خاتم الأنبياء(لا
نبي بعده). هكذا علّم الرسول أمته عليه الصلاة والسلام، وهكذا دلّ كتاب الله قال
تعالى:)ليس البر
أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر
والملائكة والكتاب والنبيّين(لا بد من الإيمان بالنبييّن جميعا، وآخرهم: محمد عليه الصلاة
والسلام، ولما سئل جبرائيل النبي r عن الإيمان؟ قال:{أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم
الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشرّه} فلا بد مع الإسلام والشهادة أن لا إلــه إلا الله
وأن محمدًا رسول الله: الإيمان بجميع الأنبياء والرسل السابقين والإيمان بجميع
الملائكة والكتب المنزّلة على الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام جميعا، ولا بد
من الإيمان بالقدر خيره وشرّه، والإيمان باليوم الآخر والبعث بعد الموت والجنة
والنار وأن ذلك حقّ لا بد منه، ولكن أصل ذلك وأساسه: الإيمان بالله وحده وأنه هو
المستحق للعبادة، هذا هو الأصل والأساس،
والبقيّة تبع لذلك.
من أراد الدخول في الإسلام
والاستقامة عليه والفوز بالجنة والنجاة من النار، وأن يكون من أتباع محمد عليه
الصلاة والسلام والفوز بالجنة والكرامة، فإنه لا يتم له ذلك إلا بتحقيق شهادة أن
لا إلــه إلا الله وأن محمدًا رسول الله(هاتين الشهادتين): تحقيق الأولى: ـ لا
إلــه إلا الله ـ بإفراد الله بالعبادة وتخصيصه
بها، والإيمان بكل ما أخبر الله ورسوله وبالجنة والنار والكتب والرسل واليوم الآخر
والقدر خيره وشرّه، فلا بد ـ أيضا ـ من الإيمان برسول r وأنه: عبد الله ورسوله أرسله
إلى الناس كافة إلى الجنّ والإنس يدعوهم إلى توحيد الله والإيمان به وإتباع ما جاء
به رسوله عليه الصلاة والسلام، مع الإيمان بجميع الرسل والأنبياء.
ثم بعد ذلك الإيمان
بالشرائع التي شرعها الله لعباده والأخذ بها والاستمساك بها من صلاة وصوم وحج
وجهاد وغير ذلك، وكان عليه الصلاة والسلام إذا سئل عن عمل يدخل به العبد الجنة
وينجو من النار، قال له:{تشهد أن لا إلـــه إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، وربما
قال:{تعبد الله ولا تشرك به شيئًا} فعبّر له بالمعنى( أي: بمعنى شهادة أن لا إلــه
إلا الله: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، ولهذه لما سأله جبرائيل في حديث أبي
هريرة: يا رسول الله أخبرني عن الإسلام؟ قال: الإسلام: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئًا.
وفي حديث ابن عمر قال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول
الله" هذا يفسر هذا، فإن شهادة أن لا إله إلا الله معناها: إفراد الله
بالعبادة، وهذا هو عبادة الله وحده وعدم
الإشراك له والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء رجل فقال يا رسول الله!
دلني على عمل أدخل به الجنة وأنجو من النار؟! فقال:{ تعبد الله ولا تشرك به شيئًا} [4] فعبادة الله وعدم
الإشراك به هذا هو معنى: لا إله إلا الله...قال تعالى:)فاعلم أنه لا إله إلا الله( أي: يعلم أنه هو المستحق للعبادة، وأنه لا عبادة لغيره بل هو
مستحق لها وأنه إله الحق وأنه لا تنبغي العبادة لغيره، وإنكار المشركين لها يبين
معناها، لما أنكروها عرفت معناها؛ فإنها تنكر آلهتهم وتبين أنهم على ضلالة، ولهذا
أنكروها وقالوا:)أجعل
الآلهة إله واحدًا( وقال الله عنهم:)إنهم كانوا إذا قيل لا إلـــه إلا الله يستكبرون ويقولونا أئنا
لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون( فعرفوا أنها تنكر آلهتهم وتبين زيفها وأنها لا تصلح للعبادة،
وأنها باطلة، وأن إلــه الحق هو الله وحده سبحانه وتعالى، فعبادتهم للأصنام أو الأشجار
أو الأحجار أو الأموات أو الجنّ أو غير ذلك عبادة باطلة؛ إذْ جميع المخلوقات ليس
عندهم ضرُ ولا نفع، كلهم مملوكون كلهم مقهورون كلهم عبيد لله سبحانه وتعالى:)الله خالق كلّ شيء(سبحانه وتعالى )وإلهكم إلـــه واحد لا إلـــه هو الرحمن الرحيم( )إنما
إلـــهكم الله الذي لا إلـــه إلا هو وسع كلّ شيء علمًا( فالواجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة التبصّر في هذا الأمر وأن
يعتني به كثيرًا حتى يكون جلّيا واضحًا
لديه لأنه أصل الدين وأساسه وهو معنى لا إلــه إلا الله ومعنى شهادة أن لا إلــه
إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله إلا الله. ويضاف إلى ذلك: الإيمان بالرسل
وبخاتمهم محمد r لا بد من ذلك، مع
الإيمان بملائكة الله وكتب الله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه، والإيمان بكل ما
أمر الله ورسوله. كل ذلك لا بد منه في تحقيق دخوله في الإسلام.
وكثير من الناس قد يظن أن
قوله: لا إلـــه إلا الله أو أشهد أن
لا إلــه إلا الله وأن محمد رسول الله يكفيه ولو فعل ما فعل، وهذا من الجهل
العظيم، إنها ليست كلمات تقال، إنما كلمات
لها معنى، لا يقولها ويفعل ما يشاء، بل يقولها ويعمل؛ فإذا قال: لا إلــه إلا الله
وهو يحارب الله بالشرك وعبادة غيره ما نفعته هذه الكلمة، قد قالها المنافقون وعلى
رأسهم عبد الله بن أبيّ بن سلول، قد قالوها وهم مع ذلك في الدرك الأسفل من النار
كما قال عزّ وجلّ:)إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرًا( لماذا؟؟؟ لأنهم قالوها باللسان وكفروا بها بالجنان بالقلب، ولم يعتقدوها
بل اعتقدوا كفرا بواحًا، فلا ينفعهم قولها بمجرد اللسان. وهكذا من قالها من اليهود والنصارى وعباد
الأوثان كلهم على هذا السبيل لا تنفعهم حتى يؤمنوا بمعناها ويخصّوها بالعبادة حتى
ينقادوا للشرع. هكذا ادعى مسيلمة الكذاب والأسود العنسي ومختار بن أبي عبيد الذين
ادعوا النبوة وغيرهم يقولون لا إلــه إلا الله وأن محمدًا رسول الله لكن لما
صدّقوا من ادعى النبوة أنه نبي بعد محمدr كفروا وصاروا مرتدين لأنهم كذبوا قوله تعالى:)ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين( وهو خاتمهم وآخرهم، فمن ادعى بعده نبيًّا صار كافرًا ضالاً كما
فعل أتباع مسيلمة وأسود العنسي في اليمن، ومختار في العراق وغيرهم لما صدقوا هؤلاء
الكذّابين بأنهم أنبياء...
فإذا كان من ادعى مقام النبوة
يكون كافرًا؛ لأنه ادعى ما ليس له(هذا المقام العظيم) وكذّب على الله يكون
كافرًا ضالاً فكيف بالذي يدّعي مقام الألوهية وينصب نفسه ليُعبَد من دون
الله؟ ـ ومع ذلك يعبده من يعبده من دون الله ـ هذا أولى بالكفر والضلال ممن
شهد لمخلوق بالنبوة بعد محمد عليه الصلاة والسلام. فلا إسلام ولا إيمان إلا بشهادة أن لا إلــه
إلا الله قولا وعملا وعقيدة وأنه لا معبود بحق سوى الله، ولا بد من الإيمان بأن
محمدًا رسول الله مع تصديق الأنبياء العظيم لهذا الأمر؛ لأنهم بلّغوا الرسالة
عليهم الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك يقوم العبد بما أوجب الله عليه من الأوامر
والنواهي. وهذا هو الأصل(أي لا يكون مسلمًا إلا بهذا الأمر= إفراد الله بالعبادة
والإيمان بهذه الكلمة: لا إلــه إلا الله، ولا بد مع ذلك من الإيمان برسول الله
والأنبياء قبله وتصديقهم واعتقاد أنهم بلّغوا الرسالة وأدّوا الأمانة.
وكثير من الجهلة ـ كما تقدّم
ـ يظن أنه متى قال: لا إلــه إلا الله وشهد أن محمدًا رسول الله فإنه يُعتبَر
مسلمًا ولو عبد الأنبياء ولو عبد الأصنام ولو عبد الأموات وغير ذلك، هذا من الجهل
العظيم والفساد الكبير والضلال البعيد، بل لا بد من معناها والاستقامة عليه وعدم
الإتيان بضدّ ذلك قولا وعملا وعقيدة، ولهذا يقول الله عزّ وجلّ:)إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا
ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياءكم في الحياة الدنيا( يعني: قالوا: لا إله إلا الله. قالوا ربنا الله = يعني: إلهنا
الله ـ معبودنا الله سبحانه وتعالى ـ ثم
استقاموا: على التوحيد وطاعته وإتباع مرضاته
وترك معصيته، فلما استقاموا صارت لهم الجنة والرضوان، وفي آية أخرى:)إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون
أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون(.
فعليك ـ يا عبد الله ـ
التبصّر في هذا الأمر والتفقّه فيه غايته( بغاية العناية) إذْ تعلم أنه أصل أصيل
وأساس عظيم من دين الله وأنه لا إسلام ولا إيمان إلا بشهادة أن لا إلـه إلا الله
إلا الله قولا وعملا وعقيدة، والشهادة أن محمدًا رسول الله قولا وعملا وعقيدة،
والإيمان بكلّ ما أخبر الله به ورسوله عما كان ويكون. ثم بعد ذلك تأتي بأعمال
الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وغير ذلك. ولا ينبغي لعاقل أن يغترّ بدعاة الباطل(دعاة
الشرك) الذين ادعوا غير الله وأشركوا بالله وألّهوا المخلوقين وزعموا أنهم ـ بذلك
ـ لا يكونون كفارًا؛ لأنهم قالوا: لا إلــه إلا الله. قالوها ونقضوها بأعمالهم ـ
عياذًا بالله ـ قالوها وأفسدوها بشركهم بالله وعبادتهم غيره سبحانه وتعالى. ففي
الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيr قال: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلــه إلا الله وأني
رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم
وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عز وجل} هكذا بيّن النبي r أنه لا بد من هذه الأمور. عن النبي rأنه قال: {من قال لا إلــه إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله}هذا
هو المعتبر: أن هناك من وحّد الله وكفر بما يعبد من دون الله فلا بد من توحيد الله والإخلاص له، ولا بد
من الكفر عن عبادة غيرة وإنكار ذلك والبراءة منه. توحيد الله هو الأساس، وضدّه:
الكفر بالله عز وجلّ. هذا الأساس يجب التزامه من توحيد الله والإخلاص له، أينما
كنت مع أداء الحقوق التي أحقّها وفرضها الله وترك ما حرّم الله عليه. وبهذا تكون
مسلما مستحقا لثواب الله ولكرامته سبحانه وتعالى، ولذلك أنزل الله قوله:)وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون(مبيّـِنًا الأساس في هذا الأمر وأن الأساس أن يُعبد الله وحده، لم
يُخلقوا عبثًا وسدًا ولكن خلقوا لهذا الأمر العظيم، نعبد الله: يعني نخصّه
بالعبادة( بدعائهم وخوفهم ورجاءهم وصلاتهم وصومهم وذبحهم ونذرهم وغير ذلك. وبعث
بهذا الرسل: )ولقد
بثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت(.
وكل من أتى بناقض من نواقض
الإسلام بطلت معه هذه التوحيد؛ هذه الكلمة إنما تنفع أهلها إذا عملوا بها
واستقاموا عليها فأخلصوا الله بالعبادة وأخصّوه بالعبادة وتركوا عبادة ما سواه
واستقاموا على ما دلّت عليه من المعنى، وأطاعوا أوامر الله وتركوا محارم الله، ولم
يأتوا بناقض ينقضه، وبذلك يرجون كرامة الله والفوز بالسعادة والنجاة من النار، إذا
قالوها وأدّا حقّها من أداء فرائض الله وترك محارم الله والوقوف عند حدود الله.
أما من نقضها بقول أو فعل فإنها لا تنفعه، ولو قالها ألف مرة( فلو قال لا إله إلا
الله وشهد أن محمدًًا رسول الله وصلّى وصام وزكّى وحجّ ولكنه يقول إن مسيلمة
الكذاب الذي خرج في عهد النبي r ثم في عهد الصحابة يدّعي أنه رسول الله، لو قال: إنه صادق كفَر
ولم ينفعه كله. أو قال: إن مختار بن أبي عبيد الثقفي الذي ادعى النبوة في العراق،
إنه نبي صحيح. وأن الذين قاتلوه أخطئوا في إرساله، وهكذا أسود العنسي أو من بعدهم
في إرسالهم، ولو قال:لا إله إلا الله وكررها آلاف المرات وهو يعبد البدوي أو يعبد
حسينا أو يعبد ابن علوان أو يعبد النبيr أو يعبد ابن عباس أو يعبد فلانا وفلانا أو يعبد الجيلاني أو غير
ذلك ( يدعوهم ويستغيث بهم وينذر لهم) ما انتفع بها فهو كافر ضال. وهكذا لو قال: لا إله إلا الله وصلّى وصام
ولكنه يسبّ النبي r. بسبّه أو قوله إنه لم
يبلّغ الرسالة كما ينبغي( أي: قصّر فيها) أو يعيبه بشيء من الأشياء صار كافرًا وإن
قال لا إله إلا الله آلاف المرات وإن صلّى وصام. لأن هذه النواقض تبطل فيها العبد
الذي يأتي بها. ولهذا صنّف العلماء بابا سمّوه: (باب حكم المرتد) وهو الذي يكفر
بعد إسلامه. وهكذا لو قال: لا إله إلا الله وجحد وجوب الصدقات ( هو غير واجب) أو
الصوم فهو (ضائع) رمضان، أو الزكاة فهو ضائع أو الحج فهو ضائع[5] كفر إجماعا ولم تنفعه قول لا إله إلا الله أو
قوله إذا جحد وجوب ذلك. أو صام وصلّى
وتعبّد ولكنه يقول: الزنا حلال( هكذا: الزنا حلال) كفر بإجماع المسلمين ونقض دينه
بهذه الكلمة، إذا اعتقد أن الزنا حلال، كفر وإن قال ما قال( وإن قال لا إله إلا
الله وشهد أن محمد رسول الله وإن صلّى وصام.)لأنه بتحليله الزنا صار مكذبًا لله
الذي قال:)ولا
تقربوا الزنا إنه كان فاحشة( أو قال: إن الخمر(هذا المسكر) حلال، ولو صلّى وصام ولو قال لا إله
إلا الله صار مشركًا كافرًا بإجماع جميع المسلمين، لأنه مكذّب لله في قوله:)يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من
عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون(. والمقصود من هذا (كله) أن تعرفوا أن الدخول في الإسلام وانطق
بهذه الكلمة( لا إله إلا الله) والشهادة أن محمد رسول الله لا يكفي إذا أتى معه
بمكفر. وهكذا لو أن إنسانا صلّى وصام وتعبد وقال هذه الكلمة آلاف المرات في كل
ليلة ثم قال: إن أمه حلال يطأها ويجامعها أو بنته أو أخته كفَر عند جميع المسلمين
وصار مرتدًا بهذه الكلمة. أو كذّب
نبيًا من الأنبياء( قال: نعم، محمد رسول الله وأنا مؤمن به وموحد لله وأقول لا غله
إلا الله لكن أقول: إن عيسى كذاب بغيًا ( مو[6] رسول الله) أو موسى
أو داود أو سليمان أو نوح أو هود أو صالح ( الأنبياء الذين سماهم الله) كذّبهم أو
سبّهم إجماعًا ولم تنفعه قوله: لا إله إلا الله ولا شهادة أن محمد رسول الله ولا
صلاته ولا صومه لأنه أتى بما يكذّب الله وطعن في رسول الله. أو أتى بكل شيء وعبد
الله وحده وصلّى وصام ولكنه يقول:الزكاة([7] ) كفر
إجماعًا وصار من الكافرين الذين يراق دمهم ويقتل كافرين لأنه قال الزكاة غير واجبة
ولأنه خالف قول الله:)وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة( وخالف النصوص من الكتاب والسنة الدالة على أنها فرض من فروض الإسلام وركن من أركانه. وهكذا لو
ترك الصلاة( يقول إنها واجبة ولكنه تركها ما يصلي) كفر ـ على الصحيح من قولي
العلماء ـ ولو قال إنها واجبة ( ولو ما أنكر وجوبها) لكنه تركها لا يصلّي أو يصلّي
تارة ويدع الصلاة تارة، كفَر بذلك على الصحيح من قولي العلماء والذي جاء عن
الصحابة رضي الله عنهم في تكفيره ودلّ عليه قول النبي r {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} وقوله صلى
الله عليه وسلم: {بين الرجل وبين الشرك الكفر الصلاة}. ولم يأت هذا كثيرا. من أراد
أن يعرف هذا الأمر من طلبة العلم أن يراجع (باب حكم المرتد) وما فيه من نواقض
الإسلام, وبهذا يكون المؤمن على البصيرة في هذا الدين، فيعرف أن لا إله إلا الله
هي رأس الدين وهي أساس الملة مع شهادة أن محمدا رسول الله، وفي حق هذه الأمة أنه
لا إسلام ولا إيمان إلا بهاتين الشهادتين، مع الإيمان بكل ما جاء به الرسول صلى
الله عليه وسلم، مع الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله مع الإيمان بفرائض الله،
مع الإيمان بمحارم الله مع الوقوف عند حدوده. وهذا أمر قد أوضحه العلماء وبينوه في كتبهم ومحل الإجماع ومحل الوفاق بين
أهل العلم، فينبغي لك يا عبد الله أن تكون على بصيرة، وأن لا تخدع بقول الجاهلين
والضالين والقبوريين وعبّاد غير الله الذين ضل سيعهم في الحياة الدنيا وجهلوا دين
الله حتى عبدوا مع الله غيره، ويزعمون أنهم بذلك ليسوا كافرين، لأنهم يقولون لا
إله إلا الله، وهم ينقضونها بأعمالهم وأفعالهم، وأن هاتين الشهادتين اللتين هما
أصل الدين وأساس الملة تنقضان في حق من أتى بمكفر أو بناقض من النواقض،. إذن ـ
غريب ـ لو أن هذا الرجل أو هذه المرأة شهدا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله
وصلّيا وصاما وإلى غير ذلك لكنهم يقولون الجنة ما هي بحق، وما في نار[8]،
لا جنة ولا نار، كل كله كلام ما الحق، أيش نسمي لها؟ يكون كافرا، وما
قاله كافرا، يكون مرتدًا عن الإسلام أيضا
إذا كان يدّعي الإسلام بإجماع. ولو أنه
صلى وصام وزعم أنه مسلم ووحد الله وترك الشرك ولكنه يقول: إن الجنة أو النار ليست
صحيحة، (ما لنا نار ولا جنة، أو ما لنا ميزان، أو ما لنا قيامة ما في يوم الآخر)[9]
صار مرتدًا كافرًا ضالاً عند جميع
المسلمين. أو قال إن الله ما يعلم الأشياء جاهلاً قال: الله لا يعلم الأشياء ما هو
صاحب العلم والله يقول: ﴿إن الله بكل شيء عليم﴾ وزعم أن الله لا يعلم الأشياء فهو
كافر بإجماع المسلمين لسبه الله بهذا وتنقصه في ربه سبحانه وتعالى. وبهذا تعلم ـ
يا أخي ـ أن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله رأس الدين وهي أساس
الملة ولكنها وحدها لا تكفي بل لا
بد من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ولا بد
مع ذلك من أداء فرائض الله وترك محارم الله، فإن أتى بعد ذلك بناقض من نواقض
الإسلام بطل قوله: لا إله إلا الله وصار مرتدًا كافرًا، وإن أتى بمعصية من المعاصي
نقض دينه وضعف إيمانه كالذي يزني ويشرب الخمر يكون دينه ناقصا وإيمانه ضعيفًا وهو
على خطر ـ إن مات على ذلك ـ استحق دخول النار والعذاب فيها، وإن كان لا يخلد
العاصي إذا كان مات موحدًا مسلمًا (لا يخلد وله عمد ينتهي إليه إذا عذِّب)، ولكنه
لا يكون آمنًا فهو على خطر من دخول النار، لأن إيمانه ضعف ونقص لأجل هذا العمل
الذي مات عليه فالمخالفة لأمر الله قسمان: فسم يوجب الردة
ويكون صاحبه كافرًا، وقسم آخر: وهو المعاصي لا يبطل الإسلام ولكنه ينقصه ويضعفه،
فيكون إيمانه ضعيفًا وإسلامه ضعيفًا وصاحبه على خطر من دخول النار إذا كان مات على
المعاصي التي يعرف أنها معاصي لا يستحلّها، مات على الزنا مات على خمر مات على عق
الوالدين مات على الربا فلا يكون وإن كان على خطر من دخول النار (وإن كان ليس
بكافر لأنه لم يستحل هذه الأمور، وإنما بمحض الهوى والشيطان)، ولو استحلّ بها كفر،
(لو استحل الخمر كفر، لو استحل الربا كفر لكنه بالهوى فعله من أجل طاعة الهوى
والشيطان)، وهو يعلم أنه قد أتى معصية وأنه محرمة عليه، وينبغي التنبه بهذه الأمور
ويكون مسلم على بيّنة.
رزقني الله وإياكم الاستقامة،
ورزقنا الفقه في الدين والثبات عليه، وأعاذنا جميعًا من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا.
وصلى
الله عليه وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
وفي الختام : تقبلوا
تحيات وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
وكالة المطبوعات والنشر.
مركز الوسائل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
No comments:
Post a Comment