المرأة في الحج
حوار
مباشر بقناة وصال هوسا (الأربعاء21 /ذو القعدة/1437هـ)
أعده وقدمه
أبو
بكر حمزة زكريا
المقدمة
بسم
الله الرحمن الرحيم
أحمد الله تعالى على نعمائه، وأشكره على
السراء والضراء، وأصلي وأسلم على الرسول محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فموضوع حديثنا الليلة هو عن: المرأة في الحج وأستأنف بالذي هو خير، قال الله تعالى:
{مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:
97]. وقال: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ
وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، {أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب:
35].
ولبيان الموضوع (المرأة في الحج) جعلته في مقدمة سبَقَت، وتمهيد، ومباحث،
وخاتمة، على النحو التالي:
التمهيد: مقدمات تشمل التعريف بالحج لغة وشرعا، وبيان منزلته
في الشريعة، ومكانته وفضله.
المبحث الأول: استطاعة المرأة الحج ومحرمها في السفر إليه.
المبحث الثاني: إحرام المرأة بالحج وأنه في وجهها (ترك النقاب
والقفازين) .
المبحث الثالث: الحائض والنفساء
وقت الإحرام وعند الطواف.
المبحث الرابع: ستر المرأة، وعدم رفعها صوتها بالتلبية والذكر
والدعاء، وتركها الرمل والاضطباع.
المبحث الخامس: البعد عن النكاح والتزويج ومباشرة النساء بعد الإحرام
(محظورات الإحرام).
المبحث السادس: السعي بين الصفا والمروة في الحج، وأصل قصة هاجر (أم
إسماعيل)، وماء زمزم.
المبحث السابع: جواز متعة النساء بعد التحلل الأكبر.
المبحث الثامن: الحائض والنفساء عند الوداع.
المبحث التاسع: مسائل تتعلق بوكالة المرأة في الحج
المبحث العاشر: مسائل معاصرة تتعلق بالمرأة في الحج (أدوية منع الحيض
وتأخيره، ...)
الخاتمة: وفيها أهم النتائج.
التمهيد: مقدمات تشمل التعريف بالحج لغة وشرعا، وبيان منزلته
في الشريعة، ومكانته وفضله
الحج
لغة: القصد. وشرعا: قصد بيت الله تعالى بمكة وزيارته لله
تعالى؛ لأداء أعمال مخصوصة في زمن مخصوص.
وقد جعل ذلك ركنا مهما ومن أعظم مباني
الإسلام، ورفع منزلة الحج وفضّله، وجعله سببا لتكفير السيئات ودخول الجنات، وجعل
مقاصده وأسراره وحكمه عظمى، كما وصى الرسول الكريم بأخذ المناسك عنه، وعلم الشروط
والواجبات والسنن والمحظورات، وبيّن مواقيت الزمان والمكان.
والحج إلى بيت الله الحرام كل عام واجب
كفائي على أمة الإسلام، ويجب على كل مسلم توفرت فيه شروط وجوب الحج أن يحج مرة في
العمر، وما زاد عن ذلك فهو تطوع، والحج أحد أركان الإسلام، وهو نصيب المرأة
المسلمة من الجهاد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: { يا رسول الله، هل على النساء
جهاد ؟ قال: نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة } ([1]) ([2]) وللبخاري عنها أنها قالت: { يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل
العمل، أفلا نجاهد ؟ قال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور } ([3]) .
هذا ولقد تحدث عن مسألة المرأة في الحج وعن الأحكام
التي تتعلق بها شيخنا الشيخ فوزان الفوزان حفظه الله تعالى في كتابه المهم المعنون
له : تنبيهات على أحكام تختص بالمؤمنات فقال:
الفصل الثامن: أحكام تختص بالمرأة في الحج والعمرة
الحج إلى بيت الله الحرام كل عام واجب
كفائي على أمة الإسلام، ويجب على كل مسلم توفرت فيه شروط وجوب الحج أن يحج مرة في
العمر، وما زاد عن ذلك فهو تطوع، والحج أحد أركان الإسلام، وهو نصيب المرأة
المسلمة من الجهاد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: { يا رسول الله، هل على النساء
جهاد ؟ قال: نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة } ([4]) ([5]) وللبخاري عنها أنها قالت: { يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل
العمل، أفلا نجاهد ؟ قال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور } ([6]) .
في
الحج أحكام تختص المرأة
1 – المحرم:
الحج له شروط عامة للرجل والمرأة وهي:
الإسلام، والعقل، والحرية، والبلوغ، والاستطاعة المالية، وتختص المرأة باشتراط
وجود المحرم الذي يسافر معها للحج، وهو زوجها أو من تحرم عليه تحريما مؤبدا بنسب؛
كأبيها وابنها وأخيها، أو بسبب مباح؛ كأخيها من الرضاع، أو زوج أمها، أو ابن
زوجها.
والدليل على ذلك ما رواه ابن عباس رضي
الله عنهما أنه سمع النبي r
يخطب، يقول: { لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها
ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي
خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: فانطلق فحج مع امرأتك } ([7]) ([8]) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال
رسول الله r { لا تسافر المرأة ثلاثا، إلا
معها ذو محرم } ([9]) ([10]) .
والأحاديث في هذا كثيرة تنهى عن سفر
المرأة للحج وغيره بدون محرم؛ لأن المرأة ضعيفة يعتريها ما يعتريها من العوارض
والمصاعب في السفر لا يقوم بمواجهتها إلا الرجال، ثم هي مطمع للفساق، فلا بد من
محرم يصونها ويحميها من أذاهم.
ويشترط في المحرم الذي تصحبه المرأة في
حجها العقل والبلوغ والإسلام؛ لأن الكافر لا يؤمن عليها، فإن أيست من وجود المحرم
لزمها أن تستنيب من يحج عنها.
2 - إذا كان الحج نفلا اشترط إذن
زوجها لها بالحج:
لأنه يفوت به حقه عليها، قال في
[ المغني ] ( 3/ 240 ): فأما حج التطوع فله منعها منه، قال ابن المنذر: أجمع كل
من أحفظ عنه من أهل العلم أن له منعها من الخروج إلى حج التطوع؛ وذلك لأن حق الزوج
واجب فليس لها تفويته بما ليس بواجب كالسيد مع عبده. انتهى.
3 - يصح أن تنوب المرأة عن الرجل في
الحج والعمرة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في
[ مجموع الفتاوى ] ( 26/ 13 ): يجوز للمرأة أن تحج عن امرأة
أخرى باتفاق العلماء، سواء كانت بنتها أو غير بنتها، وكذلك يجوز أن تحج المرأة عن
الرجل عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء، كما { أمر النبي r المرأة الخثعمية أن تحج
عن أبيها لما قالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي وهو
شيخ كبير، فأمرها النبي r أن تحج عن أبيها، مع أن إحرام الرجل أكمل من إحرامها. } ([11]) انتهى.
4 - إذا اعترى المرأة وهي في طريقها
إلى الحج حيض أو نفاس فإنها تمضي في طريقها:
فإن أصابها ذلك عند الإحرام فإنها تحرم
كغيرها من النساء الطاهرات؛ لأن عقد الإحرام لا تشترط له الطهارة.
قال في [ المغني ] ( 3/ 293، 294 ): وجملة ذلك أن الاغتسال مشروع
للنساء عند الإحرام كما يشرع للرجال؛ لأنه نسك وهو في حق الحائض والنفساء آكد؛
لورود الخبر فيهما، قال جابر: { حتى أتينا ذا الحليفة فولدت
أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله r كيف أصنع ؟ قال:
اغتسلي، واستثفري بثوب، وأحرمي } ([12]) ([13]) وعن ابن عباس عن النبي r قال: { النفساء والحائض إذا أتيا على
الوقت يحرمان ويقضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت } ([14]) ([15]) وأمر النبي r عائشة أن تغتسل لإهلال الحج وهي حائض.
انتهى.
والحكمة في اغتسال الحائض والنفساء
للإحرام التنظيف، وقطع الرائحة الكريهة لدفع أذاها عن الناس عند اجتماعهم، وتخفيف
النجاسة، وإن أصابهما الحيض أو النفاس وهما محرمتان لم يؤثر على إحرامهما، فتبقيان
محرمتين، وتجتنبان محظورات الإحرام، ولا تطوفان بالبيت حتى تطهرا من الحيض أو
النفاس وتغتسلا منهما، وإن جاء يوم عرفة ولم تطهرا وكانتا قد أحرمتا بالعمرة
متمتعتين بها إلى الحج فإنهما تحرمان بالحج، وتدخلانه على العمرة، وتصبحان
قارنتين.
والدليل على ذلك { أن عائشة رضي الله عنها حاضت
وكانت أهلت بعمرة، فدخل عليها النبي r وهي تبكي، قال: ما يبكيك
لعلك نفست ؟ قالت: نعم، قال: هذا شيء قد كتبه الله على بنات آدم، افعلي ما
يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت } ([16]) ([17]) وفي حديث جابر المتفق عليه: { ثم دخل النبي r على عائشة فوجدها تبكي،
فقال: ما شأنك ؟ قالت: شأني أني قد حضت، وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف
بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج الآن، فقال: إن هذا أمر قد كتبه الله على بنات
آدم، فاغتسلي، ثم أهلي ففعلت ووقفت المواقف كلها، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة
وبالصفا والمروة، ثم قال: قد حللت من حجك وعمرتك جميعا } ([18]) انتهى.
قال العلامة ابن القيم في [ تهذيب
السنن ] ( 2/ 303 ): والأحاديث الصحيحة صريحة بأنها أهلت أولا بعمرة ثم
أمرها رسول الله r
لما حاضت أن تهل بالحج فصارت قارنة؛ ولهذا قال لها النبي r { يكفيك طوافك بالبيت وبين الصفا
والمروة لحجك وعمرتك } ([19]) انتهى.
5 - ما تفعله المرأة عند الإحرام:
تفعل كما يفعل الرجل من حيث الاغتسال
والتنظيف بأخذ ما تحتاج إلى أخذه من شعر وظفر وقطع رائحة كريهة؛ لئلا تحتاج إلى
ذلك في حال إحرامها وهي ممنوعة منه، وإذا لم تحتج إلى شيء من ذلك فليس بلازم، وليس
هو من خصائص الإحرام، ولا بأس أن تتطيب في بدنها بما ليس له رائحة ذكية من
الأطياب؛ لحديث عائشة: { كنا نخرج مع رسول الله r فنضمد جباهنا بالمسك عند
الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها، فيراها النبي r فلا ينهانا } ([20]) ([21]) .
قال الشوكاني في [ نيل
الأوطار ] ( 5/ 12 ): سكوته r
يدل على الجواز؛ لأنه لا يسكت على باطل. انتهى.
6 - عند نية الإحرام تخلع البرقع
والنقاب:
إن كانت لابسة لهما قبل الإحرام، وهما
غطاء للوجه فيه نقبان على العينين تنظر المرأة منهما؛ لقوله r { لا تنتقب المحرمة } ([22]) رواه البخاري، والبرقع أقوى من النقاب،
وتخلع ما على كفيها من القفازين - إن كانت قد لبستهما قبل الإحرام - وهما شيء يعمل
لليدين يدخلان فيه يسترهما - وتغطي وجهها بغير النقاب والبرقع بأن تضع عليه الخمار
أو الثوب عند رؤية الرجال غير المحارم لها، وكذا تغطي كفيها عنهم بغير القفازين،
بأن تضفي عليهما ثوبا؛ لأن الوجه والكفين عورة يجب سترهما عن الرجال في حالة
الإحرام وغيرهما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وأما المرأة فإنها عورة؛ فلذلك جاز لها أن تلبس الثياب التي تستتر بها، وتستظل
بالمحمل، لكن نهاها النبي r
أن تنتقب، أو تلبس القفازين، والقفازان غلاف يصنع لليد، ولو غطت المرأة وجهها بشيء
لا يمس الوجه جاز بالاتفاق، وإن كان يمسه فالصحيح أيضا أنه يجوز، ولا تكلف المرأة
أن تجافي سترتها عن الوجه لا بعود ولا بيد ولا غير ذلك، فإن النبي r سوى بين وجهها ويديها، وكلاهما كبدن الرجل
لا كرأسه، وأزواجه r
كن يسدلن على وجوههن من غير مراعاة المجافاة، ولم ينقل أحد من أهل العلم عن
النبي r أنه قال: إحرام المرأة في وجهها، وإنما هذا
قول بعض السلف. انتهى.
قال العلامة ابن القيم في [ تهذيب
السنن ] ( 2/ 350 ): وليس عن النبي r حرف واحد في وجوب كشف المرأة وجهها عند
الإحرام إلا النهي عن النقاب.. إلى أن قال: وقد ثبت عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها
وهي محرمة، وقالت عائشة: { كان الركبان يمرون بنا ونحن مع
رسول الله r محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها؛
فإذا جاوزنا كشفناه } ([23]) ([24]) . انتهى.
فاعلمي أيتها المسلمة المحرمة أنك ممنوعة
من تغطية الوجه والكفين بما خيط لهما خاصة كالنقاب والقفازين، وأنه يجب عليك ستر
وجهك وكفيك عن الرجال غير المحارم بخمارك وثوبك ونحوهما، وأنه لا أصل لوضع شيء
يرفع الغطاء عن ملامسة الوجه، لا بوضع عود ولا عمامة ولا غيرهما.
7 - يجوز للمرأة أن تلبس حال إحرامها
ما شاءت من الملابس النسائية التي ليس فيها زينة:
ولا مشابهة لملابس الرجال، وليست ضيقة تصف
حجم أعضائها، ولا شفافة لا تستر ما وراءها، وليست قصيرة تنحسر عن رجليها أو يديها،
بل تكون ضافية كثيفة واسعة.
قال ابن المنذر: وأجمع أهل العلم على أن
للمحرمة لبس القمص والدروع والسراويلات والخمر والخفاف. انتهى من
[ المغني ] ( 3/ 328 ).
ولا يتعين عليها أن تلبس لونا معينا من
الثياب كالأخضر، وإنما تلبس ما شاءت من الألوان المختصة بالنساء أحمر أو أخضر أو
أسود، ويجوز لها أن تستبدلها بغيرها إذا أرادت.
8 - يسن لها أن تلبي بعد الإحرام بقدر
ما تسمع نفسها:
قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن
السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها، وإنما عليها أن تسمع نفسها، وإنما كره لها رفع
الصوت مخافة الفتنة بها؛ ولهذا لا يسن لها أذان ولا إقامة، والمسنون لها في التنبيه
في الصلاة التصفيق دون التسبيح. انتهى من [ المغني ] ( 2/ 330،331 ).
9 - يجب عليها في الطواف التستر
الكامل:
وخفض الصوت، وغض البصر، وألا تزاحم
الرجال، وخصوصا عند الحجر أو الركن اليماني، وطوافها في أقصى المطاف مع عدم
المزاحمة أفضل لها من الطواف في أدناه قريبا من الكعبة مع المزاحمة؛ لأن المزاحمة
حرام، لما فيها من الفتنة، وأما القرب من الكعبة وتقبيل الحجر فهما سنتان مع
تيسرهما، ولا ترتكب محرما لأجل تحصيل سنة، بل إنه في هذه الحالة ليس سنة في حقها؛
لأن السنة في حقها في هذه الحالة أن تشير إليه إذا حاذته.
قال الإمام النووي في
[ المجموع ] ( 8/ 37 ): قال أصحابنا: لا يستحب للنساء تقبيل الحجر، ولا استلامه
إلا عند خلو المطاف في الليل أو غيره؛ لما فيه من ضررهن وضرر غيرهن. انتهى.
وقال في
[ المغني ] ( 3/ 331 ): ويستحب للمرأة الطواف ليلا؛ لأنه أستر لها وأقل للزحام،
فيمكنها أن تدنو من البيت وتستلم الحجر. انتهى.
10 - طواف النساء وسعيهن مشي كله:
قال في [ المغني ] ( 3/ 394 ): وطواف النساء وسعيهن مشي كله،
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت ولا بين
الصفا والمروة، وليس عليهن اضطباع؛ وذلك لأن الأصل فيهما إظهار الجلد، ولا يقصد
ذلك في حق النساء، ولأن النساء يقصد فيهن الستر، وفي الرمل والاضطباع تعرض للكشف.
انتهى.
11 - ما تفعله المرأة الحائض من مناسك
الحج وما لا تفعله حتى تطهر:
تفعل الحائض كل مناسك الحج؛ من إحرام،
ووقوف بعرفة، ومبيت بمزدلفة، ورمي للجمار، ولا تطوف بالبيت حتى تطهر؛ لقوله r لعائشة لما حاضت: { افعلي ما يفعل الحاج، غير أن
لا تطوفي بالبيت حتى تطهري } ([25]) ([26]) ولمسلم في رواية: { فاقضي ما يقضي الحاج، غير أن
لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي } ([27]) .
قال الشوكاني في [ نيل
الأوطار ] ( 5/ 49 ): والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها
وتغتسل، والنهي يقتضي الفساد المراد في البطلان، فيكون طواف الحائض باطلا، وهو قول
الجمهور. انتهى.
ولا تسعى بين الصفا والمروة؛ لأن السعي لا
يصح إلا بعد طواف نسك؛ لأن النبي r
لم يسع إلا بعد طواف.
قال الإمام النووي في
[ المجموع ] ( 8/ 82 ) فرع لو سعى قبل الطواف لم يصح سعيه عندنا، وبه قال جمهور
العلماء، وقدمنا عن الماوردي أنه نقل الإجماع فيه، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة
وأحمد، وحكى ابن المنذر عن عطاء وبعض أهل الحديث: أنه يصح، حكاه أصحابنا عن عطاء
وداود.
دليلنا أن النبي r
سعى بعد الطواف، وقال r
{ لتأخذوا عني مناسكم } ، وأما حديث ابن شريك الصحابي t قال: { خرجت مع رسول الله r حاجا، فكان الناس يأتونه،
فمن قائل: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو أخرت شيئا، أو قدمت شيئا، فكان يقول:
لا حرج إلا على رجل اقترض من عرض رجل مسلم وهو ظالم، فذلك الذي هلك وحرج } ([28]) ، فرواه أبو داود بإسناد صحيح كل
رجاله رجال الصحيح إلا أسامة بن شريك الصحابي، وهذا الحديث محمول على ما حمله
الخطابي وغيره، وهو أن قوله: سعيت قبل أن أطوف، أي: سعيت بعد طواف القدوم وقبل
طواف الإفاضة. انتهى.
قال شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي
رحمه الله في تفسيره: [ أضواء البيان ] ( 5/ 252 ): اعلم أن جمهور أهل العلم على أن
السعي لا يصح إلا بعد طواف، فلو سعى قبل الطواف لم يصح سعيه عند الجمهور، ومنهم
الأئمة الأربعة، ونقل الماوردي وغيره الإجماع عليه، ثم نقل كلام النووي الذي مر
قريبا، وجوابه عن حديث ابن شريك، ثم قال: فقوله: قبل أن أطوف يعني: طواف الإفاضة
الذي هو ركن، ولا ينافي ذلك أنه سعى بعد طواف القدوم الذي هو ليس بركن. انتهى.
وقال في
[ المغني ] ( 5/ 245 ) - طبعة هجر -: والسعي تبع للطواف، لا يصح إلا أن يتقدمه
طواف، فإن سعى قبله لم يصح، وبذلك قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقال عطاء:
يجزئه، وعن أحمد: يجزئه إن كان ناسيا، وإن كان عمدا لم يجزئه سعيه؛ لأن
النبي r لما سئل عن التقديم والتأخير في حال
الجهل والنسيان قال: لا حرج، ووجه الأول: أن النبي r
إنما سعى بعد طوافه وقد قال: { لتأخذوا عني مناسككم } ([29]) انتهى.
فعلم مما سبق أن الحديث الذي استدل به من
قال بصحة السعي قبل الطواف لا دلالة فيه؛ لأنه محمول على أحد أمرين: إما أنه فيمن
سعى قبل الإفاضة وكان قد سعى للقدوم فيكون سعيه واقعا بعد طواف، أو أنه محمول على
الجاهل والناسي دون العامد، وإنما أطلت في هذه المسألة لأنه قد ظهر الآن من يفتي
بجواز السعي قبل الطواف مطلقا، والله المستعان.
تنبيه:
لو طافت المرأة، وبعد أن انتهت من الطواف
أصابها الحيض فإنها في هذه الحالة تسعى؛ لأن السعي لا تشترط له الطهارة، قال في
[ المغني ] ( 5/ 246 ): أكثر أهل العلم يرون أن لا تشترط الطهارة للسعي بين
الصفا والمروة، وممن قال ذلك عطاء ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي.. إلى أن
قال: قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: إذا طافت المرأة بالبيت ثم حاضت سعت بين الصفا
والمروة ثم نفرت، وروي عن عائشة وأم سلمة أنهما قالتا: إذا طافت المرأة بالبيت
وصلت ركعتين ثم حاضت فلتطف بالصفا والمروة رواه الأثرم. انتهى.
12 - يجوز للنساء أن ينفرن مع الضعفة
من المزدلفة بعد غيبوبة القمر:
ويرمين جمرة العقبة عند الوصول إلى منى؛
خوفا عليهن من الزحمة.
قال الموفق في
[ المغني ] ( 5/ 286 ): ولا بأس بتقديم الضعفة والنساء، وممن كان يقدم ضعفة
أهله عبد الرحمن بن عوف وعائشة، وبه قال عطاء والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب
الرأي، ولا نعلم فيه مخالفا، ولأن فيه رفقا بهم، ودفعا لمشقة الزحام عنهم، واقتداء
بفعل نبيهم r . انتهى.
وقال الإمام الشوكاني في [ نيل
الأوطار ] ( 5/ 70 ) والأدلة تدل على أن وقت الرمي بعد طلوع الشمس لمن كان لا
رخصة له، ومن كان له رخصة - كالنساء وغيرهن من الضعفة - جاز قبل ذلك. انتهى.
وقال الإمام النووي في
[ المجموع ] ( 8/ 125 ): قال الشافعي والأصحاب: السنة تقديم الضعفاء من النساء
وغيرهن قبل طلوع الفجر بعد نصف الليل إلى منى؛ ليرموا جمرة العقبة قبل زحمة الناس،
ثم ذكر الأحاديث الدالة على ذلك.
13 - المرأة تقصر من رأسها للحج والعمرة
من رؤوس شعر رأسها قدر أنملة:
لا يجوز لها الحلق، والأنملة: رأس الأصبع
من المفصل الأعلى.
قال في [ المغني ] ( 5/ 310 ): والمشروع للمرأة التقصير دون الحلق،
لا خلاف في ذلك، قال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل العلم؛ وذلك لأن الحلق في حقهن
مثلة، وقد روى ابن عباس قال: قال رسول الله r { ليس على النساء حلق، إنما على
النساء التقصير } ([30]) ([31]) وعن علي قال: { نهى رسول الله r أن تحلق المرأة رأسها } ([32]) ([33]) وكان أحمد يقول: تقصر من كل قرن قدر
الأنملة، وهو قول ابن عمر والشافعي وإسحاق وأبي ثور، وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل
عن المرأة تقصر من كل رأسها، قال: نعم، تجمع شعرها إلى مقدم رأسها، ثم تأخذ من
أطراف شعرها قدر أنملة. انتهى.
قال الإمام النووي في
[ المجموع ] ( 8/ 150، 154 ): أجمع العلماء على أنه لا تؤمر المرأة بالحلق، بل
وظيفتها التقصير من رأسها.... لأنه بدعة في حقهن وفيه مثلة.
14 - المرأة الحائض إذا رمت جمرة
العقبة وقصرت من رأسها فإنها تحل من إحرامها:
ويحل لها ما كان محرما عليها بالإحرام،
إلا أنها لا تحل للزوج، فلا يجوز لها أن تمكنه من نفسها حتى تطوف بالبيت طواف
الإفاضة، فإن وطئها في هذه الأثناء وجبت عليها الفدية، وهي ذبح شاة في مكة توزعها
على مساكين الحرم؛ لأن ذلك بعد التحلل الأول.
15 - إذا حاضت المرأة بعد طواف الإفاضة
فإنها تسافر متى أرادت ويسقط عنها طواف الوداع :
لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: { حاضت صفية بنت حيي بعدما
أفاضت، قالت: فذكرت ذلك لرسول r فقال: أحابستنا هي ؟ قلت: يا رسول الله إنها قد أفاضت وطافت
بالبيت، ثم حاضت بعد الإفاضة، قال: فلتنفر إذن } ([34]) ([35]) .
وعن ابن عباس: { أمر الناس أن يكون آخر عهدهم
بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض } ([36]) ([37]) وعنه أيضا: { أن النبي r رخص للحائض أن تصدر قبل
أن تطوف بالبيت إذا كانت قد طافت في الإفاضة } ([38]) ([39]) .
قال الإمام النووي في [ المجموع ] ( 8/ 281 ): قال ابن المنذر: وبهذا قال عوام
أهل العلم، منهم: مالك والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة
وغيرهم. انتهى.
قال في [ المغني ] ( 3/ 461 ): هذا قول عامة فقهاء الأمصار،
وقال: والحكم في النفساء كالحكم في الحائض؛ لأن أحكام النفاس أحكام الحيض فيما يجب
ويسقط. انتهى.
16- المرأة تستحب لها زيارة المسجد
النبوي ([40]):
للصلاة فيه والدعاء، لكن لا يجوز لها
زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها منهية عن زيارة القبور.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي
الديار السعودية رحمه الله في [ مجموع فتاويه ] ( 3/ 239 ): والصحيح في المسألة منعهن من
زيارة قبره صلى الله عليه وسلم؛ لأمرين: أولا: عموم الأدلة، والنهي إذا جاء عاما
فلا يجوز لأحد تخصيصه إلا بدليل، ثم العلة موجودة هنا.. انتهى ([41]) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
في منسكه ([42]) لما ذكر زيارة قبر الرسول r لمن زار مسجده الشريف، قال: وهذه الزيارة
إنما تشرع في حق الرجال خاصة، أما النساء فليس لهن زيارة شيء من القبور، كما ثبت
عن النبي r أنه { لعن زوارات القبور من النساء،
والمتخذين عليها المساجد والسرج } ([43]) .
وأما قصد المدينة للصلاة في مسجد الرسول r والدعاء فيه، ونحو ذلك مما يشرع في سائر
المساجد فهو مشروع في حق الجميع. انتهى.
المبحث الأول:
المبحث الثاني:
هذا ما تيسر جمعه، والله أسأل
القبول والتوفيق، وهو وحده المستعان.
الخاتمة:
يحسن في ختام هذا البحث أنْ أُلخص أهم ما توصلت إليها
من النتائج، فأقول:
No comments:
Post a Comment