الأزمنة والأمكنة الفاضلة في الإسلام
فضلها والآداب فيها- تفاضل الأعمال باعتبارها- وكيفية استثمارها
حوار
مباشر بوصال هوسا (22، و24/شوال/1437هـ)
أعده ليقدمه
أبو
بكر حمزة زكريا
المقدمة
بسم
الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فموضوع
حديثنا الليلة هو عن: الأزمنة والأمكنة الفاضلة في الإسلام لذكر ما ورد في فضلها والآداب المتعلقة
بها، وبيان تفاضل الأعمال باعتبارها، وكيفية استثمارها. فأستأنف بالذي هو خير، قال
الله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، مَا كَانَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ} [القصص: 68].
فآيتنا أصل في الباب، لبيان
اصطفاء الله تعالى واختياره لبعض مخلوقاته دون بعض، وذلك في أصل الاختيار أو
التفضيل والتخصيص والتكميل، من الأشخاص والملائكة، والأزمنة والبلدان والأمكنة.
قال الشيخ السعدي: ((هذه الآيات فيها عموم خلقه لسائر المخلوقات، ونفوذ مشيئته بجميع البريات،
وانفراده باختيار من يختاره ويختصه، من الأشخاص، والأوامر والأزمان والأماكن، وأن
أحدا ليس له من الأمر والاختيار شيء، وأنه تعالى منزه عن كل ما يشركون به، من
الشريك، والظهير، والعوين، والولد، والصاحبة، ونحو ذلك، مما أشرك به المشركون)).
وأعود بالقول: إن الشاهد من الآية فيها وقف تام، ((قال علي بن سليمان: هذا
وقف التمام، ولا يجوز أن تكون "ما" في موضع نصب بـ "يختار"؛ لأنها
لو كانت في موضع نصب لم يعد عليها شيء. قال: وفي هذا رَدٌّ على القدرية)). كما في
تفسير القرطبي.
واستمر القرطبي في النقل والتحقيق فقال: قال النحاس: التمام "ويختار" أي: ويختار
الرسل. (ما كان لهم الخيرة) أي ليس يرسل من اختاروه هم.
قال أبو إسحق: " ويختار " هذا الوقف التام المختار. ويجوز أن
تكون " ما " في موضع نصب ب "يختار" ويكون المعنى ويختار الذي
كان لهم فيه الخيرة.
قال القشيري: الصحيح الأول؛ لإطباقهم على الوقف على قوله "ويختار".
قال المهدوي: وهو أشبه بمذهب أهل السنة. و "ما" من قوله: "ما
كان لهم الخيرة" نفي عام لجميع الأشياء أن يكون للعبد فيها شيء سوى اكتسابه
بقدرة الله عز وجل.
الزمخشري: "ما كان لهم الخيرة" بيان لقوله: "ويختار"؛
لأنّ معناه يختار ما يشاء، ولهذا لم يدخل العاطف، والمعنى، وإنَّ الخيرة الله
تعالى في أفعاله؛ وهو أعلم بوجوده الحكمة فيها، أي: ليس لأحد.
وفي كلام الزمخشري المعتزلي نظر. ولهذا أورد ابن كثير القولين؛ الصحيح منهما والضعيف فقال: وقوله: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} نفي على أصح
القولين، كقوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [
الأحزاب : 36 ].
وقد اختار ابن جرير أن {مَا} هاهنا بمعنى "الذي" ، تقديره:
ويختار الذي لهم فيه خيرة. وقد احتج بهذا المسلك طائفة المعتزلة على وجوب مراعاة
الأصلح. والصحيح أنها نافية، كما نقله ابن أبي حاتم، عن ابن عباس وغيره أيضا، فإنَّ
المقام في بيان انفراده تعالى بالخلق والتقدير والاختيار، وأنه لا نظير له في ذلك؛
ولهذا قال: {سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي: من الأصنام
والأنداد، التي لا تخلق ولا تختار شيئًا)).
ولقد قال (ابن كثير) في بداية تفسير الآية: ((يخبر
تعالى أنه المنفرد بالخلق والاختيار، وأنه ليس له في ذلك منازع ولا معقب فقال: {وَرَبُّكَ
يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} أي: ما يشاء، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن،
فالأمور كلها خيرها وشرها بيده، ومرجعها إليه)).
ومن اختيار الله تعالى للقبائل والأشخاص اصطفاؤه بني
هاشم من قريش، ونبينا محمد من قريش ففي صحيح مسلم [باب فضل نسب النبي صلى الله عليه و سلم، برقم: 2276]، عَنْ وَاثِلَةَ
بْنَ الأَسْقَعِ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه
وسلم- يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ
وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِى هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي
مِنْ بَنِى هَاشِمٍ».
لكني هنا في هذا البحث خصصت
الأزمنة والأمكنة من بين مختارات الله ومصطفاه، دون سائر المخلوقات، ولبيان
الموضوع (الأزمنة والأمكنة الفاضلة في
الإسلام) جعلته في مقدمة، تتحدث عن: اختيار الله تعالى لبعض خلقه والحكمة في ذلك. ومبحثين، وخاتمة، على النحو التالي:
المبحث الأول: الأزمنة الفاضلة في الإسلام، الآداب فيها، وتفاضل الأعمال
باعتبارها، وكيفية استثمارها، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: سرد للأزمنة الفاضلة وميزة كل منها.
المطلب الثاني: أهمية مواسم الطاعات في حياة العباد.
المطلب الثالث: تفاضل الأعمال باعتباره الأزمنة الفاضلة، والآداب
فيها، وكيفية استثمارها.
المبحث الثاني: الأمكنة الفاضلة في الإسلام، الآداب فيها، وتفاضل الأعمال
باعتبارها، وكيفية استثمارها،، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: سرد للأمكنة الفاضلة وميزة كل منها.
المطلب الثاني: أهمية
الأمكنة الفاضلة في حياة العباد.
المطلب الثالث: تفاضل الأعمال باعتباره الأمكنة الفاضلة، والآداب
فيها، وكيفية استثمارها.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج.
المبحث الأول: الأزمنة الفاضلة في الإسلام، الآداب
فيها، وتفاضل الأعمال باعتبارها، وكيفية استثمارها، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: سرد للأزمنة الفاضلة وميزة كل منها.
المطلب الثاني: أهمية مواسم الطاعات في حياة العباد.
المطلب الثالث: تفاضل الأعمال باعتباره الأزمنة الفاضلة، والآداب
فيها، وكيفية استثمارها.
المطلب الأول: سرد للأزمنة الفاضلة وميزة كل منها:
من تأمل نصوص الكتاب والسنة وجد أنّ
هنالك أزمنة فضلها الله تعالى غيرها، وحث على اغتنام الأعمال الصالحة فيها، ففي فضائل
شهر رمضان من كتاب شعب الإيمان، وباب فضل المسجد والجلوس فيه من كتاب الزهد لابن
السري، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، وأدب الإملاء
ولاستملاء للسمعاني، والدر المنثور للسيوطي: ورد عَن كَعْب قَالَ: إِن الله اخْتَار
سَاعَات اللَّيْل وَالنَّهَار فَجعل مِنْهُنَّ الصَّلَوَات الْمَكْتُوبَة،
وَاخْتَارَ الْأَيَّام فَجعل مِنْهُنَّ الْجُمُعَة، وَاخْتَارَ الشُّهُور فَجعل
مِنْهُنَّ شهر رَمَضَان، وَاخْتَارَ اللَّيَالِي فَجعل مِنْهُنَّ لَيْلَة الْقدر،
وَاخْتَارَ الْبِقَاع فَجعل مِنْهَا الْمَسَاجِد.
فمن أبرز هذه الأزمنة والأوقات التي فضلها الله على غيرها:
أولا: يوم الجمعة: جاء في صحيح مسلم [باب فضل يوم الجمعة، رقم: 854] عن
أبي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ
يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ،
وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ
إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ»
وقد أضل الله اليهود والنصار عن يوم الجمعة، وهدى أمة
الإسلام إليها، ففي مسلم [برقم: 855، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة] عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنها، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ
مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَاخْتَلَفُوا، فَهَدَانَا اللهُ
لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا
فِيهِ، هَدَانَا اللهُ لَهُ -قَالَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ- فَالْيَوْمَ
لَنَا، وَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى".
وفيه [برقم: 856] عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَضَلَّ اللهُ
عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ،
وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللهُ بِنَا فَهَدَانَا اللهُ
لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ، وَالسَّبْتَ، وَالْأَحَدَ،
وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ
أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ
قَبْلَ الْخَلَائِقِ».
وورد الأمر بالغسل ومس الطيب والسواك يوم الجمعة، ففي
سنن ابن ماجه [باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة، رقم: 1098، وحسنه الألباني] عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ، جَعَلَهُ اللَّهُ
لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِنْ كَانَ
طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ».
ثانيا: شهر رمضان: وقد تقدمت نقاشات وحوارات عن هذا الشهر وما تضمنه من
الفضائل والأعمال.
ثالثا: ليالي العشر من آخر رمضان: وفيها تكون ليلة القدر.
رابعا: ليلة القدر: قال تعالى: {لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ
شَهْرٍ} [القدر: 3].
وقال البخاري: كتاب فضل ليلة القدر، باب فضل ليلة
القدر، ثم أورد حديثا [برقم: 2014] عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «... وَمَنْ قَامَ
لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ».
خامسا: عيد الفطر: وهو أحد العيدين الخاصة المسلمين، وفيهما يتم إظهار
الفرحة لإكمال صيام رمضان وأعمال الحج.
سادسا: أشهر الحج، وهي شوال وذو القعدة وذو الحج: قال تعالى: {الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، فَمَنْ فَرَضَ
فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ، وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ} [البقرة: 197].
سابعًا: أشهر الحرم: قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ
اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ، يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ
ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:
36] قَالَ البيهقي في كتابه [فضائل الأوقات]: قال: لا تظلموا أنفسكم في كلهن، ثم
اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرما وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل
الصالح والأجر أعظم قال الشيخ رحمه الله: وكان أهل الجاهلية يعظمون هذه الأشهر،
وخاصة شهر رجب فكانوا لا يقاتلون فيهن.
وورد في البخاري [4662]، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي
الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ
الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ
مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ،
مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى، وَشَعْبَانَ".
ثامنًا: الأيام العشر من بداية شهر ذي الحجة: فقد أقسم سبحانه بها فقال: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ
عَشْرٍ} [الفجر: 1-2]، وجاء في مصنف عبد الرزاق [8120] أنه سئل مسروق عن
هذه الليالي فقال: هي أفضل أيام السنة.
ودليله ما ورد في سنن أبي داود وغيره: [د:
باب في صوم العشر، رقم: 2438، ت: باب ما جاء في العمل في أيام العشر، رقم: 757،
وابن ماجة: برقم: 1727 وقال الترمذي: حَسَنٌ
صَحِيحٌ] عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ
فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ» يَعْنِي أَيَّامَ
الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟
قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ
وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».
ففي هذا تخصيص أيام العشر من ذي الحجة بالاجتهاد بالعمل الصالح فيهن، وأنه
أحب إلى الله من عملها في أي وقت آخر غيرها.
تاسعا: يوم عرفة: وهو أفضل أيام السنة على الإطلاق، وفيه يغفر الله
لأهل الموقف أجمعين، ولم ير الشيطان أغيظ في يوم منه، وقد ورد في جامع الترمذي [3585]
بسنده إلى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا
وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،
لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
عاشرا: عيد الأضحى: ويكون في يوم الحج الأكبر التي تكون أغلب أعمال الحج
فيه، ويتم عبادة ذبح الأضاحي ونحرها قربة لله تعالى.
حادي عشر: يوم العاشر من المحرم (عاشوراء)، ففي صحيح البخاري [باب صيام يوم
عاشوراء، رقم: 2002 ]، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ
يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ
صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ
عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ».
2003 –
عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ
أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ عَلَى
المِنْبَرِ يَقُولُ: يَا أَهْلَ المَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبِ
اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ، فَلْيَصُمْ وَمَنْ
شَاءَ، فَلْيُفْطِرْ».
2004
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا
هَذَا؟»، قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي
إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ
بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
2005
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ اليَهُودُ عِيدًا،
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَصُومُوهُ أَنْتُمْ».
في صحيح مسلم: [برقم: 1131]
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ،
يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ
وَشَارَتَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«فَصُومُوهُ أَنْتُمْ».
قال شيخنا الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه: العبرة من شهر الصوم:
موسم من مواسم الآخرة:
وكما فضل الله بعض البشر على بعض وبعض الأماكن على بعض فضل بعض الزمان على
بعض، ومن ذلك تفضيل شهر رمضان المبارك وتمييزه على غيره واختياره ليكون محلاً
لإيجاب الصوم على الناس {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} .. فلقد فضل
الله هذا الشهر وجعله موسماً من مواسم الآخرة يتنافس فيه عباده المتنافسون ويتسابق
فيه لتحصيل الفوز والزلفى عند الله المتسابقون، يتقربون فيه إلى ربهم بصيام النهار
وقيام الليل وتلاوة كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ويتقربون إلى الله بهذا وغيره من
الطاعة مع الحذر والبعد عن المعصية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من
فضله إنه غفور شكور.
زيادة في الخير:
ولما فرض الله على العباد صيام شهر رمضان رغبهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعد انتهائه بصيام ست من شوال ليعظم لهم الأجر وليكونوا كمن صام الدهر، فعن
أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من
صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر". قال الحافظ المنذري:
"رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والطبراني وزاد وقال:
"قلت: بكل يوم عشرة، قال: نعم"، ورواته رواة الصحيح". انتهى. وذلك
أن السنة أقصى حد لها ثلاثمائة وستون يوماً فإذا أضيف إلى شهر رمضان ستة أيام من
شوال وصيام كل يوم بعشرة أيام لأن الحسنة بعشر أمثالها يكون المسلم كأنه صام السنة
كلها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "كان كصيام الدهر" وذلك فضل عظيم
من الله فله الحمد والشكر على نعمه التي لا تحصى ولا تعد.
من خير إلى خير:
ومن فضل الله وإحسانه إلى عباده أن يسر لهم الأسباب التي ترفع في درجاتهم
وتجعلهم على صلة وثيقة دائماً بعبادة ربهم فإذا مرت بهم أيام وليالي شهر رمضان
التي يكفر الله فيها السيئات ويرفع الدرجات ويقيل العثرات تقربوا فيها إلى ربهم
فإذا ما تصرمت أيامه وانتهت تلتها مباشرة أشهر الحج إلى بيت الله الحرام فإن يوم
عيد الفطر الذي هو أول يوم من شهر شوال هو أول يوم في أشهر الحج التي قال الله تعالى
فيها: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا
رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ
يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ
يَا أُولِي الأَلْبَاب} نعم إذا انتهت أيام شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن الشهر
المبارك الذي تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتصفد الشياطين أيام الصيام التي قال الله تعالى عنها في الحديث القدسي: "كل عمل ابن
آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"، إذا انتهت هذه
الأيام جاءت أيام الحج الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: "من حج فلم
يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وقال عنه صلى الله عليه وسلم: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج
المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" رواه البخاري ومسلم وغيرهما، فلا يكاد المسلم
يودع موسماً من مواسم الآخرة إلا استقبل موسماً آخر ليكون على صلة مستمرة بعبادة
خالقه وبارئه الذي أوجده من العدم وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة.
المبحث الثاني: الأمكنة الفاضلة في الإسلام، الآداب
فيها، وتفاضل الأعمال باعتبارها، وكيفية استثمارها،، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: سرد للأمكنة الفاضلة وميزة كل منها.
المطلب الثاني: أهمية
الأمكنة الفاضلة في حياة العباد.
المطلب الثالث: تفاضل الأعمال باعتباره الأمكنة الفاضلة، والآداب
فيها، وكيفية استثمارها.
المطلب الأول: سرد للأمكنة الفاضلة وميزة كل منها
من تأمل نصوص الكتاب والسنة وجد أنّ
هنالك بقاعا وأمكنة فضلها الله تعالى على غيرها، كما حثّ على اغتنام الأعمال
الصالحة فيها، من أبرزها:
أولا: عموم المساجد أينما
كانت، وحيثما وجدت: فقد ورد في صحيح مسلم: [باب أحب البلاد إلى الله مساجدها، برقم: 671] عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَحَبُّ
الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ
أَسْوَاقُهَا».
قال النووي في شرحه: لأنها بيوت الطاعات وأساسها على التقوى. قوله: وأبغض البلاد إلى الله
أسواقها لأنها محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة وإخلاف الوعد والإعراض عن
ذكر الله وغير ذلك، مما في معناه ... والمساجد محل نزول الرحمة والأسواق ضدها.
وفي صحيح البخاري [باب وجوب صلاة الجماعة، رقم: 647] عن
أبي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي
بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ: إِذَا تَوَضَّأَ،
فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا
الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ
عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي
عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ
ارْحَمْهُ، وَلاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ".
والمساجد وحلق العلم ومجالس الذكر لها فضائل كثيرة غير ما تقدم، منها: فقد جاء في جامع الترمذي [رقم: 3509] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا
مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الجَنَّةِ فَارْتَعُوا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا
رِيَاضُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: الْمَسَاجِدُ، قُلْتُ: وَمَا الرَّتْعُ يَا رَسُولَ
اللهِ؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
وَاللَّهُ أَكْبَرُ.
ولفظه مسند الإمام أحمد، من حديث [رقم: 12523]
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وهو شاهد لحديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا مَرَرْتُمْ
بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ، فَارْتَعُوا"، قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟
قَالَ: "حِلَقُ الذِّكْرِ".
وورد في صحيح مسلم [باب فضل الاجتماع على تلاوة
القرآن وعلى الذكر، رقم: 2699] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ
كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، ... وفيه: وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ
مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ،
إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ
وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ
بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ».
وفيه [برقم: 2701] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه،
قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا
أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ، قَالَ: آللَّهِ مَا
أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ،
قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ
بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلَّ عَنْهُ
حَدِيثًا مِنِّي، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ
عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «مَا أَجْلَسَكُمْ؟» قَالُوا:
جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ،
وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا، قَالَ: «آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟»
قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ، قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ
أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي،
أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ».
ثانيا: مكة المكرمة: بخصوص
البلد الحرام، فقد ورد في حرمته أحاديث منها: ما جاء في البخاري: [خ: باب: لا ينفر صيد الحرم، برقم: 1833]
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ
لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي
سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ
يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا، إِلَّا لِمُعَرِّفٍ»، وَقَالَ
العَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا الإِذْخِرَ، لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا؟
فَقَالَ: «إِلَّا الإِذْخِرَ»، وَعَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ:
هَلْ تَدْرِي مَا لاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا؟ هُوَ أَنْ يُنَحِّيَهُ مِنَ الظِّلِّ
يَنْزِلُ مَكَانَهُ.
وفي المسند لأحمد، [برقم: 18717] عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى الْحَزْوَرَةِ، فَقَالَ: "عَلِمْتُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ
اللهِ، وَأَحَبُّ الْأَرْضِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ
أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ ".
ما تقدم
كان شاملا لعموم المساجد، وقد ورد فضل الصلاة في المساجد الفاضلة الأربعة، وهي
المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ومسجد قباء، وهنا ذكر شيء من ذلك:
ثالثا: المسجد الحرام: وأما هذا المسجد: فالأحاديث في فضله وفضل الصلاة فيه
أشهر من أنْ تُذكر، مع أنه ستأتي طائفة منها.
في سنن ابن ماجة: [باب ما جاء
في فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، 1406] عَنْ
عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا
سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ».
رابعًا: المدينة المنورة: في البخاري: [باب بركة صاع النبي
صلى الله عليه وسلم ومده، برقم: 2129 ومسلم: برقم: 1360] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لَهَا، وَحَرَّمْتُ المَدِينَةَ
كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَدَعَوْتُ لَهَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا
مِثْلَ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِمَكَّةَ».
خامسًا: المسجد النبوي: فقد ورد في صحيح البخاري [كتاب فضل الصلاة في مسجد
مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم: 1189] أحاديث كثيرة،
منها:
ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ تُشَدُّ
الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ
الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى".
وفيه [خ: برقم: 1190، وم: باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة، رقم: 1394] عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ
فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ».
وفيه «أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ».
وفيه: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ
الْمَسَاجِدِ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ مَسْجِدَهُ آخِرُ الْمَسَاجِدِ.
وفيه [برقم: 1395] عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ
فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ».
سادسا: الروضة الشريفة: لأنه ورد في صحيح البخاري [باب فضل ما بين القبر
والمنبر، رقم:
1195] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ المَازِنِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ».
1196، و1888 ، و6588 ، و7335 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا
بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى
حَوْضِي».
وفي صحيح مسلم باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض
الجنة 1390 عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي
رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ».
1390) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ
الْأَنْصَارِيِّ مرفوعا مثله.
1391) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا مثله،
بزيادة: وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي».
سابعا: بيت المقدس والمسجد الأقصى: قال الله تعالى: {سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى
الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].
وفي سنن ابن ماجة: [برقم: 1408] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: "لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ، سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا
يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ
لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ، إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ
وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ
قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ».
وفي صحيح البخاري [باب مسجد بيت المقدس، رقم: 1197]، عن
أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُحَدِّثُ بِأَرْبَعٍ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي، وفيه
أنه قَالَ: «وَلاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ، إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ
مَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى وَمَسْجِدِي».
279 - عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنهما،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةٌ فِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِائَةُ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَصَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَلْفُ
صَلَاةٍ، وَصَلَاةٌ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَمْسُمِائَةِ صَلَاةٍ».
ثامنًا: مسجد قباء: ورد في جامع الترمذي [باب ما جاء في المسجد الذي أسس
على التقوى، رقم: 323، وبرقم: 3099] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه،
قَالَ: امْتَرَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي خُدْرَةَ وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ الخُدْرِيُّ:
هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الآخَرُ:
هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ، فَأَتَيَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: هُوَ هَذَا، يَعْنِي مَسْجِدَهُ، وَفِي ذَلِكَ
خَيْرٌ كَثِيرٌ. وقال الترمذي: هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وفي [باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء، برقم: 324] عن
أُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ الأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: الصَّلاَةُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ كَعُمْرَةٍ. وقال
الترمذي: حَدِيثُ أُسَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ
صَحِيحٌ.
سنن النسائي [فضل مسجد قباء والصلاة فيه، 699 – بسنده
إلى مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكَرْمَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ
بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: قَالَ أَبِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ -
مَسْجِدَ قُبَاءَ - فَصَلَّى فِيهِ كَانَ لَهُ عَدْلَ عُمْرَةٍ».
وفي سنن ابن ماجة: [باب ما جاء في الصلاة في مسجد
قباء، 1411] عن أُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ
كَعُمْرَةٍ»
1412 – عن أبي أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ،
يَقُولَ: قَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ
قُبَاءَ، فَصَلَّى فِيهِ صَلَاةً، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ»
وقد كان النبي الكريم يأتي مسجد قباء راكبا وماشيا، ففي
صحيح البخاري [باب من أتى مسجد قباء كل سبت، رقم: 1193 –
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:
«كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ
كُلَّ سَبْتٍ، مَاشِيًا وَرَاكِبًا» وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا «يَفْعَلُهُ»
وفي باب إتيان مسجد قباء ماشيا وراكبا، 1194
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:
«كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ
رَاكِبًا وَمَاشِيًا» زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ
نَافِعٍ، «فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ»
وفي البخاري 7326
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِي قُبَاءً مَاشِيًا
وَرَاكِبًا»
تاسعا: ويتعلق وما يأتي بعده بزمان ومكان العبادة، وهو عرفات.
عاشرا: مزدلفة.
حادي عشر: منى.
قال الشيخ عبد المحسن العباد في آخر كتابه: العبرة من شهر الصوم
واختتم هذه المحاضرة بكلمة تخصنا معشر الذين امتن
الله عليهم بسكنى طيبة الطيبة دار الهجرة والعاصمة الأولى للمسلمين فأقول:
إن شهر رمضان المبارك شهر شرفه الله وخصه بخصائص لا
توجد في غيره وقد ودعناه نحن وسائر الأمة الإسلامية منذ أيام ونرجو أن نكون جميعاً
ممن فاز فيه برضا الرب جل جلاله والذي أحب أن أذكره هنا هو أنه إذا كان هذا الوقت
المفضل والزمن المقدس قد مضى وذهب عنا وعن سائر المسلمين في كل مكان فإن لدينا
ولله الحمد والمنة المكان المقدس، فقد جمع الله لنا في شهر رمضان بين شرف الزمان
وشرف المكان وإذا ذهب شرف الزمان فإن شرف المكان باق موجود فها هي بين أيدينا سوق
من أسواق الآخرة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقد صح عن الذي لا ينطق عن الهوى
صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه
إلا المسجد الحرام"، إنه الفضل العظيم من الله صلاة في هذا المسجد المبارك
مسجد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام تفوق ألف صلاة في سائر المساجد سوى المسجد
الحرام، إن المشتغلين في التجارة الدنيوية يتحرون المواسم التي تنفق فيها السلع
وتروج فيها التجارة فيتجشمون الأخطار ويقطعون الفيافي وينتقلون بتجارتهم من مكان
إلى آخر إذا علموا أن السلعة التي تساوي ريالاً واحداً قد تباع بريالين اثنين، هذا
أمر لا مرية فيه ولا شك ونحن في هذا البلد الطيب الصلاة الواحدة في مسجد سيد ولد
آدم عليه الصلاة والسلام لا تساوي صلاتين أو ثلاثاً أو عشراً أو مائة فحسب بل تفوق
ألف صلاة في غيره سوى المسجد الحرام، سبحان الله ما أعظم فضله وأوسع جوده وإحسانه
فله الحمد والشكر على نعمه.
ولا يفوتني أن أقول: كما أن النعمة من الله علينا في
سكنى طيبة الطيبة عظيمة والمنة جسيمة فإن علينا أن لا ننسى أنه على قدر النعمة
تكون المسؤولية فكما أن الإحسان في هذا المكان المقدس أجره عظيم عند الله فإن
الإساءة فيه ليست كالإساءة في الأمكنة الأخرى التي لا تفضيل فيها فمن يعصي الله
بعيداً عن الحرم ليس كمن يعصيه في الحرم، وليس من يرتكب الحرام وهو في المشرق
والمغرب كمن يقترف الذنوب في مكة المكرمة أو المدينة المنورة فإن البون شاسع بين
هذا وذاك، فالمدينة المنورة أعز مكان وأقدس بقعة على وجه الأرض بعد مكة المكرمة
فهي تلي مكة في الفضل ويليها المسجد الأقصى وهذه المدينة المباركة هي منطلق
الرسالة ومنها شع النور إلى سائر أنحاء الأرض وهي المركز الرئيسي والعاصمة الأولى
للمسلمين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم منذ هاجر إليها وفي زمن أبي بكر وعمر
وعثمان وبعض من عهد علي رضي الله عن الجميع، وفيها قبر رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وكثير من الصحابة رضوان الله عليهم، وعلى هذه الأرض نزل
جبريل عليه السلام بالوحي من السماء إلى محمد عليه الصلاة والسلام وهي الأرض
المشتملة على أول جامعة إسلامية أبرز
خريجيها أبو بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذو النورين وعلي أبو الحسنين ابن عم
النبي صلى الله عليه وسلم وصهره ورابع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وعن سائر
الصحابة أجمعين وهي الأرض التي مستها أقدام صفوة الصفوة وخلاصة الخلاصة من البشر
بعد الأنبياء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين، فجدير
بنا وقد أكرمنا الله بالبقاء فيها أن نتزود فيها من الأعمال الصالحة التي تنفعنا
بعد الموت وأن نكون على حذر من الوقوع فيها بما يسخط الله عز وجل.
وأسال الله تعالى أن يجعلنا جميعاً ممن تقبل الله صيامه وقيامه وأن يرزقنا
في هذا البلد الطيب طيب الإقامة وحسن الأدب وأن يحسن لنا الختام، كما أرجوه سبحانه
أن يمن على المسلمين في سائر أنحاء الأرض بالرجوع إلى كتاب ربهم وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم ليفوزوا بسعادة الدنيا والآخرة إنه سميع مجيب وصلى الله وسلم وبارك
على عبده ورسوله وخليله وخيرته من خلقه محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن سلك
سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
سرد للأزمان الفاضلة وميزة كل منها
كيفية استثمار ما لكل زمان ومكان من فضل وميزة
ذكر أنواع الطاعات لكل زمان ومكان (فاضل)
خواطر وأفكار جديدة التي قد يغفل عنها
أحوال الناس مع الأماكن والأزمان، والأسباب لكل ذلك