الإجابة
على أسئلة المسابقة الكبرى
في
كتابي أسرار الصلاة، وتعظيم الصلاة
ضمن مشروع تعظيم قدر الصلاة
مقدمة بتاريخ: 15/2/1435هـ
الموافق: 18/12/2013م
إِعْدَادُ الطَّالِب:
أبو بكر حمزة زكريا
0503394685
abusafiyya01@yahoo.co.uk
برعاية
عمادة شؤون الطلاب
بالجامعة الإسلامية بالمدينة
العام الجامعي: 1434/1435هـ
الحمد لله، والصلاة
والسلام على رسول الله r، وعلى
آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فموضوع هذه الأوراق:
الإجابة على أسئلة كتابي أسرار الصلاة، وتعظيم الصلاة بهدف تعظيم قدر الصلاة، فهنا
أوان الشروع في الإجابة بادئًا بأسئلة كتاب تعظيم الصلاة، ثم لكتاب أسرار الصلاة،
ثم السؤال العام، على النحو التالي:
***
أولا: الإجابة على أسئلة كتاب: تعظيم الصلاة:
1-
الآية التي تضمنت مقامين عظيمين:
الآية هي قول الله تعالى: ﭽ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ طه:
١٣٢
وأما المقامان فيها فهما: أولا:
عناية المرء نفسه بالمحافظة على الصلاة والاصطبار على أدائها مكتملة شروطها
وأركانها وواجباتها وفي أوقاتها، ومِن ثَمّ مداومة الإنسان في خاصة نفسه والاستمرار
والثبات على ذلك مدى الدهر بلا كلل ولا ملل. حتى يكون الإنسان محافظًا ومقيمًا لها
، بل وقدوة في ذلك. وهذا معنى قوله: واصطبر عليها.
المقام الثاني:
عناية المرء بِمن تحته من أهل عناية عظيمة؛ بتأديبهم على المحافظة على
الصلاة والعناية بها، وحضهم وحثهم عليها، ومتابعتهم في هذا الأمر العظيم متابعة
دقيقة. وهذا معنى قوله: وأمر أهلك بالصلاة([1]).
2-
ذكر المناسبة بين الصلاة ورؤية الله تعالى في
الجنة([2]): قد دلت النصوص
الشرعية على أنّ النظر إلى الله تعالى وكشف الحجاب أعظم وأشرف وأعلى وأحب نعيم أهل
الجنة إذا دخلوها. كما أنّ الصلاة أشرف ما في الدنيا، وخصوصًا صلاتا الفجر والعصر،
فمَن حافظ على الصلاتين فهو بإذن الله تعالى على ما سواهما من الصلاة أكثر محافظة،
فناسب أنْ يُمنّ على المحافظ عليها بأشرف نعيم وأعظم مَنٍّ في الآخرة وفي الجنة
وهو: النظر إلى الله تعالى، فالصلاة إذن هي الصلة ومِن أهم الأسباب التي ينال
العبد بها رؤية الله تبارك وتعالى. كما أنّ من دأب نبينا محمد r في خاتمة صلاته قبل أن يسلم سؤال الله تبارك وتعالى رؤيته (وهو
معنى وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم)، فكل هذه الأمور تدل على الارتباط بين
الصلاة ورؤية الله في الجنة. ثم إنه يدل على أنّ أكمل نعيم الجنة وأعظم شيء فيه هناءتهم
ولذتهم وتمام المنة عليهم هو رؤية الله العظيم، وأنّ غير ذلك مما في الجنة من
النعيم المخلوقة والتنعم بها دون الالتذاذ بالخالق، يدل على ذلك: ما جاء في حديث صُهَيْبٍ t، مرفوعا، قَالَ: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ
الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا
أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ،
وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا
أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ U ([3]).
كما أنه قد دلّ مفهوم
آيات سورة القيامة على الارتباط بين الصلاة ورؤية الله الكريم، وهي آيات أهل
الوجوه الناضرة، وأهل الوجوه الباسرة يوم القيامة، من قوله: ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ إلى قوله: ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﭼ القيامة: 22 – ٣٢. إلا أنّ الدليل
الأكثر صراحة في بيان هذه العلاقة العظيمة (كون المحافظة على الصلاة عمومًا، وعلى صلاتي
العصر والفجر خصوصًا سببًا لرؤيته الله تعالى في الجنة) هو قوله عليه الصلاة
والسلام في حديث الرؤية؛ فعن جَرِير
بْن عَبْدِ اللهِ r، قال: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ
r، إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ،
فَقَالَ: «أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ،
لا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ
قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» -يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ-،
ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ:
ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ طه: ١٣٠([4]).
3-
الإعجاب بالإعجاب الذي سجله المؤلف عبد الرزاق
في رسالته تعظيم الصلاة، بعد قوله شارحًا لجملة: "وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا
وَلَوْ حَبْوًا"([5])
حيث بيَّن قائلا: أنّ في هذا القول تنبيهٌ عظيمٌ إلى أنَّ شهود الصلاة في المسجد
والمحافظة عليها والعناية بها فرعٌ عن اهتمام القلب بذلك، ومعرفته بمكانة أداء
الصلاة في الجماعة. وأما القلب الغافل اللاهي الذي لم يعرف قيمة الصلاة، ولا
مكانتها في المساجد؛ فإنّ صاحبه سيتخلف،
ولهذا قال: "وَلَوْ يَعْلَمُونَ
مَا فِيهِمَا"، فإذا كان الإنسانُ لا يعلم قيمة الصلاة في المساجد، ومكانتها
ومنزلتها العلية في الإسلام؛ فإنه سيتخلف، ويكثر تخلفه عن هذه الصلاة) قال المؤلف
بعد ذلك –وهو الشاهد هنا-: «ولقد
أعجبني رجلٌ من عوامّ المسلمين كان يشتكي من تخلُّف أبنائه عن الصلاة ومحاولته
المستمرة معهم لأدائها، وفي سياق كلامه قال لي –وهو يُحرّك يده-: الأمر
راجع إلى القلب –ويشير بيده إلى القلب- يقول: لو عرف هؤلاء قيمة الصلاة
ومكانتها، وعرفت قلوبُهم ذلك لم يتخلفوا عنها، ولكنَّ هذا الوهاء والفتور
والتواني والتراخي والكسل راجعٌ إلى ضعف القلوب ووهَنِها، وعدم معرفتها بقيمة
الصلاة ومكانتها»([6]).
4-
كلمة: مَن رأيتَه يتهاون فيه فاغسل يدك منه، هذا الأمر هو: تكبيرة
الإحرام للصلوات الخمس، وقائلها هو: الإِمَامُ، التابعي القُدْوَةُ، الفَقِيْهُ، عَابِدُ الكُوْفَةِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ يَزِيْدَ بنِ شَرِيْكٍ
التَّيْمِي (ت: 92، وقيل بعده
بسنة، وقيل بسنتين، وقيل بل بثلاث) ([7])،
ونص كلمته هو: «إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَهَاوَنُ
فِي التَّكْبِيْرَةِ الأُوْلَى فَاغْسِلْ يَدَكَ مِنْه»([8]).
5-
أسوأ الناس سرقة، وبيان كيفية ذلك([9]): السرقة من الصلاة تكون
بترك الطمأنينة فيها وعدم إتمام ركوعها وسجودها، أو الإخلال ببقية أركانها
وواجباتها، وهي أسوأ وأشد من السرقة في المال، ذلك أنّ حق الله أحق بالقضاء، وقد
دلّ على ذلك قول حبيبنا رسول الله r فيما
ثبت في مسند الإمام أحمد وغيره؛ فعَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r، قَالَ: "إِنَّ أَسْوَأَ النَّاسِ سَرِقَةً،
الَّذِي يَسْرِقُ صَلاتَهُ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يَسْرِقُهَا؟
قَالَ: "لا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلا سُجُودَهَا([10]).
ومن
شواهد الحديث ما جاء من طريق أَبِي قَتَادَةَ t، مرفوعًا، وفي لفظه: "الَّذِي يَسْرِقُ
مِنْ صَلاتِهِ"، وفيه:"لا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلا سُجُودَهَا،
أَوْ قَالَ: "لا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ"([11]).
6-
وفاة النبي r أعظم
مصائب المسلمين، لكنَّ للمسلم فيها دروسًا وعبرًا كثيرة، ومن أعظمها: ما يتعلق
ببيانه مكانة الصلاة وعظيم منزلتها واهتمام الرسول الكريم بها([12])،
وصورة هذا الدرس هو نظرة النبي r إلى أمته وهم
صفوف في الصلاة؛ مجتمعين عليها في مسجده فجر اليوم الاثنين الذي مات فيه، بعد أنْ
كشف ستر الحجرة، وبعد أن بقي ثلاثة أيَّام (يوم الجمعة، والسبت، والأحد) لا يتمكن
من الخروج إلى الصلاة من شدة الوجع، فتبسم r وضحك
برؤية هذا المنظر المفرح الذي أقر الله عينيه الشريفتين به، ثم أرخى الستر فتوفي
من يومه قرير العين، بالنظر إلى ما جعل الله قرة عينه فيها، وحال صحابته من
الاجتماع عليها. وهذا يدل على عِظَم مكانة الصلاة في الإسلام، وعلى عِظم عناية
نبينا r بها. وقد كان من اهتمامه بشأن هذه الصلوات أنْ كانت أغلب وصاياه
عنده موته، بل وحين حضرته الوفاة وهو يغرغر بنفسه، بل وآخر كلامه من الدنيا هو
الوصية بشأن الصلاة، ويدل على الكلام الأخير ما جاء عن أم سلمة، وأنس بن مالك،
وعلي بن أبي طالب، ففي لفظ أُمِّ
سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ مِنْ آخِرِ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ r: "الصَّلاةَ الصَّلاةَ، وَمَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ" حَتَّى جَعَلَ نَبِيُّ اللهِ r يُلَجْلِجُهَا فِي صَدْرِهِ،
وَمَا يَفِيصُ بِهَا لِسَانُه([13]).
وأما لفظ
أَنَسٍ t فهو قوله: كَانَتْ عَامَّةُ
وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ r حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ:
"الصَّلاةَ وَمَا مَلَكَتْ، أَيْمَانُكُمْ الصَّلاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ".
حَتَّى جَعَلَ رَسُولُ اللهِ r يُغَرْغِرُ بِهَا صَدْرُهُ،
وَمَا يَكَادُ يُفِيضُ بِهَا لِسَانُه([14]). بينما لفظ ابن أبي طالب t هو قوله: كَانَ
آخِرُ كَلامِ رَسُولِ اللهِ r: "الصَّلاةَ الصَّلاةَ..." ([15]).
وهذا كله يدل على عظيم مكانة الصلاة من الدين، وشدة
اعتناء الرسول الكريم بها، ووصيته الأكيدة لأمته بالمحافظة عليها والعناية بها في
أحرج أوقاته.
ويدل على الدرس السابق وبهجة النبي بما شاهده من
اجتماع صحابته على الصلاة في الجماعة وفي المسجد: الحديث الذي جاء في الصحيحين؛ فعَن أَنَس بْن مَالِكٍ الأَنْصَارِيّ t أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ
يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ r الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى
إِذَا كَانَ يَوْمُ الاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلاَةِ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ
r سِتْرَ الحُجْرَةِ يَنْظُرُ
إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ،
فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنَ الفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ r، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ
الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ r خَارِجٌ إِلَى الصَّلاَةِ،
فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ r أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ،
وَأَرْخَى السِّتْرَ فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ([16]).
ففي
هذا تبسمه r وضحكُه وقرة عينه برؤية أمته مجتمعة على
الصلاة. وهذه السنة الفعلية المتعلقة باعتنائه بالصلاة وحرصه عليها، وما في تلك
الأحاديث في الوصية بها هي السنة القولية.
7-
النكتة العلمية التي ذكرها المؤلف عبد الرزاق عقب
حديثٍ قال –حفظه الله- بأنه جاء بإسناد حسن وهو حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو t، عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ: ذَكَرَ الصَّلاةَ
يَوْمًا فَقَالَ: "مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا؟ كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا،
وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ
نُورٌ، وَلا بُرْهَانٌ، وَلا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ،
وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ"([17]).
النكتة هي في قوله: «وهنا نكتةٌ بديعةٌ وهي: أنّ تاركَ المحافظة على الصلاة إما أن يشغله مالُه،
أو مُلكُه، أو رئاستُه، أو تجارتُه، فمَن شغَلَه عنها مالُه فهو مع قارون، ومَن
شَغَله عنها مُلكُه فهو مع فرعون، ومَن شغَلَه عنها رئاستُه فهو مع هامان، ومَن
شغلَه عنها تجارته وأمواله فهو مع أُبَيّ بن خلَف»([18]).
8-
الدليل على أن تأخير الصلاة عن وقتها وعدم
أدائها في أوقاتها من إضاعتها: قال تعالى: ﭽ ﮧ ﮨ ﮩ
ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ مريم: ٥٩، وقد أورد
الإمام الطبري في تفسيره لها قصة عمر
بن عبد العزيز رحمه الله مع عامله، واستشهاده بالآية، ومن ثَمّ قوله: لم يكن إضاعتهم
تركها، ولكن أضاعوا الوقت([19]).
9-
الصلاة التي تقر بها العين ويستريح بها القلب هي
ما اجتمع فيها ستة مشاهد، وهي:
1.
المشهد الأول: أن يكون الإخلاص هو الحامل عليها.
2.
الثاني: مشهد الصدق والنُّصح، وذلك بتفريغ القلب
فيها في الإقبال على الله؛ لتقع الصلاة على أكمل الوجوه ظاهرًا بالأفعال المشاهدَة
والأقوال المسموعة، وباطنًا بالخشوع والمراقبة.
3.
الثالث: مشهد متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام فيها
والاقتداء به؛ فيصلِّي كما كان يصلِّي، ويُعرض عما أحدث الناس فيها.
4.
الرابع: مشهد الإحسان والمراقبة؛ وهو أن يعْبُد الله
كأنه يراه. وبسبب حظ العبد من مقام الإحسان في الصلاة تتفاوت درجات الناس حتى يكون
بين الرجلين من الفضل كما بين السماء والأرض، مع أن قيامهما وركوعهما وسجودهما
واحد. وهذا المشهد يقطع الوسواس وحديث النفس ويجمع القلب والهم على الله، وكفى به
عائدًا عظيمًا.
5.
الخامس: مشهد المنة؛ وهو أن يشهد العبد أن المنة لله
سبحانه حيث أقامه في هذا المقام، وأهَّله ووفقه له؛ فلولا الله ما اهتدى ولا تصدق
ولا صلى. ومن فوائد هذا المشهد أنه يحول بين العبد وبين العجب، والمنّ به.
6.
السادس: مشهد التقصير، ذلك أنه ولو بذل كل مساعيه
وقام بالصلاة أو بغيرها بغاية الاجتهاد فهو مقصر لا يسعه مع ذلك غير الاستغفار
والاعتذار من التقصير وعدم القيام بما ينبغي لله تعالى من حق([20]).
*** ثانيًا: الإجابة
على أسئلة كتاب: أسرار الصلاة:
1- إقبال العبد في
الصلاة على ثلاثة منازل، هي: إقباله على قلبه ليحفظه من الوساوس والخطرات
المبطلة لثواب الصلاة أو المنقصة لها. وكذلك إقباله على الله بمراقبته فيها حتى
يعبده كأنه يراه. وإقباله على معاني كلام الله وتفاصيل عبودية الصلاة حتى يعطيها حقها من الخشوع
والطمأنينة وغيرهما، قال العلامة ابن القيم: «وسرُّ الصلاة وروحها ولبُّها هو إقبال العبد على الله بكليّته فيها،
فكما أنه لا ينبغي أن يصرف وجهه عن القبلة إلى غيرها فيها، فكذلك لا ينبغي له أن يصرف
قلبه عن ربِّه إلى غيره فيها. ... والإقبال في الصلاة على ثلاثة منازل:
*إقبال العبد
على قلبه فيحفظه ويصلحه من أمراض الشهوات والوساوس والخطرات المُبطلة لثواب صلاته أو
المنقصة لها.
*والثاني:
إقباله على الله بمراقبته فيها حتى يعبده كأنه يراه.
*والثالث:
إقباله على معاني كلام الله، وتفاصيله وعبودية الصلاة ليعطيها حقها من الخشوع والطمأنينة
وغير ذلك. فباستكمال هذه المراتب الثلاث يكون قد أقام الصلاة حقًّا، ويكون إقبال الله
على المصلي بحسب ذلك»([21]).
2- خمس مراتب لاستكمال الهداية: معرفة الحق وقصده وإرادته. (2) العمل بالحق (3)
الثبات على الحق (4) الدعوة إلى الحق (5) الصبر على أذى المدعو إلى الحق، قال
العلامة ابن القيم: «ليتأمل العبد ضرورته وفاقته إلى قوله الذي مضمونه:
معرفة الحق وقصده وإرادته، والعمل به، والثبات عليه، والدعوة إليه، والصبر على أذى
المدعو إليه؛ فباستكمال هذه المراتب الخمس يستكمل العبد الهداية، وما نقص منها نقص
من هدايته»([22]).
3- أطيب الكلمات بعد القرآن هي: سبحان
الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال
العلامة ابن القيم: «فتأمل أطيب الكلمات بعد القرآن كيف لا تنبغي إلا
لله؟ وهي: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة
إلا بالله...»([23]).
*** ثالثًا: الإجابة على السؤال العام من خلال
قراءة الكتابين:
ذكر أهم فائدة/ عائدة علمية أو عملية من وراء قراءة
هذا العبد للكتابين (أسرار الصلاة، وتعظيم الصلاة):
* وقفت على معنى المحافظة على الصلاة والاهتمام لها
والاعتناء بها وكيفية أدائها في أوقاتها مستكملة شروطها وأركانها وواجباتها، بل
ومندوباتها، وأن ذلك هو سبب الفلاح والنجاح والنور والبرهان يوم القيامة. كما أنّه
–والله- أهم المهمات بعد توحيد الله.
* ووقفت على اعتناء سلفنا الصالح بالصلاة
ومواظبتهم عليها والحرص على أدائها في وقتها وفي الجماعة مع المصلين، ولهم في هذا
الاعتناء قدوة برسول الله r الذي
كان يحرص عليها وهو في أحرج أوقاته، فقد قال الأَسْوَد بن يزيد بن قيس (ت:74 أو 75) كما في صحيح الإمام
البخاري: كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَذَكَرْنَا المُوَاظَبَةَ
عَلَى الصَّلاَةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ r مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ،
فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَأُذِّنَ فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ،
فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ
أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ:
إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَخَرَجَ
أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى فَوَجَدَ النَّبِيُّ r مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ
يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الوَجَعِ،
فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ r أَنْ مَكَانَكَ، ثُمَّ أُتِيَ
بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ، قِيلَ لِلأَعْمَشِ: وَكَانَ النَّبِيُّ r يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي
بِصَلاَتِهِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: بِرَأْسِهِ نَعَمْ!
([24]). فهنا لما عظمت مكانة الصلاة في قلبه عليه الصلاة والسلام تحرك
جسده الشريف مع الضعف والمرض الذي فيه بمجرد أن وجد خفة من نفسه؛ فخرج إليها وهو
يُهادى بين رجلين تخط رجلاه الأرض من الوجع معظما للصلاة ومحافظا عليها. ومعلوم
أنّ في هذا من التربية والتعليم بالقدوة ما لا يخفى. ثم وُجد من عباد الله الصالحين
من اقتدوا به r في المحافظة على الصلاة حيث ينادى بها، وذلك
لما قام في قلوبهم من تمام الإدراك بمنزلتها وقيمتها؛ فضرب السلف في الحفاظ على
الصف الأول وتكبيرة الإحرام أروع الأمثلة، فصاروا –هم كذلك- قدوة للسالكين بعدهم،
فمن ذلك أنه َقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: «مَا فَاتَتْنِي التَّكْبِيرَةُ الأُولَى
مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً، وَمَا نَظَرْتُ فِي قَفَا رَجُلٍ فِي الصَّلاةِ مُنْذُ خَمْسِينَ
سَنَةً»([25]).
و«قَالَ وَكِيْعُ
بنُ الجَرَّاحِ: كَانَ الأَعْمَشُ قَرِيْبًا مِنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً لَمْ تَفُتْهُ
التَّكْبِيْرَةُ الأُوْلَى»([26]).
ما أعظم
هذه الصلاة، وما أجل شأنها في قلوبهم، ولهذا عظمت المحافظة عليها، واشتدت العناية
بها مهما كانت الظروف، ومهما كانت الأحوال([27]).
ثم إنه وُجد
في هذا الزمن مَن يُذكر بحال السلف، وقد أورد لنا الشيخ عبد الرزاق في هذا المقام قصة
عجيبة، قال فيها: «وقد رأيت في قرية صغيرة شرق المدينة حبلا مشدودًا من بيت إلى
المسجد، فسألت عنه فقيل: هذا بيت رجل كبيرِ سِنّ كفيف البصر ليس له قائد، فيمسك
بهذا الحبل عند كل صلاة ذهابًا للمسجد، وإيابًا لبيته»([28]). أليس جديرًا بنا –أهل الإبصار والصحة
الجسدية الطيبة- أن نأخذ العبرة وتكبر قلوبنا ويزداد إيماننا ومعرفتنا بقيمة
الصلاة ومنزلة أدائها في الجماعة مع عموم المسلمين أماكن أدائها؛ المساجد بل وفي
الصف الأُوَل منها؛ فيقوى عملنا تبعًا لذلك! لا أن نعيش معوَّقين عن الخير،
محرومين من الرفعة والفضائل عند الله([29]) جل وعلا!
* وسرّ الصلاة وروحها ولُبّها حضور القلب والخشوع فيها: فيُقبل العبد على الله
بمراقبته فيها حتى يعبده كأنه يراه. ويُقْبِل على معاني كلامه وتفاصيل عبودية الصلاة حتى يعطيها
حقها من الخشوع والطمأنينة وغيرهما، من فاتحة
الصلاة إلى التسليم وحمل هم انقضاء الصلاة وفراغ العبد منها؛ ذلك أنه إذا انتصب
قائما بين يديه تذكر قيوميته؛ فلا يلتفت يمنة ولا يسرة، وإذا كبر الله تعالى كان
شهوده على كبريائه فقام بإجلاله، ثم في الاستفتاحة يُسبحه ويثني عليه وينزهه عن كل
ما لا يليق به، ثم يُقبل على ركن الله الشديد ليمنعه من الشيطان الرجيم ويحفظه من
هذا العدو، بقراءته الاستعاذة، وإذا تلى كلامه كان أقبل على معرفة الله كأنه
يشاهده، والمطلوب أن يكون على أحسن حال في تدبر التلاوة والصلاة. وإذا ركع أقبل
على كبرياء الله وتعظيمه، وإذا رفع رأسه منه حمد الله ومجده، وشعر بتفرده في العطاء
والمنع، وفي السجود يُقبل على التذلل والافتقار إليه والانكسار بين يديه والتملق
له. وإذا رفع رأسه من السجود أقبل على كرم الله وشدة حاجته إليه، ويتضرع بين يديه
أن يغفر له ويرحمه ويعافيه ويهديه ويرزقه. وهكذا في كل ركعاتها، فإذا جلس للتشهد
وقام بوظائفها علم أنه ينصرف من مناجاة مَن كل السعادة في مناجاته إلى مناجاة من
كان الأذى والغم والنكد في مناجاتهم. وهذا شيء من سر الصلاة التي يجب أن نبحث عنه
في كتاب الله وسنة رسوله، ثم نحاول جاهدين في أنفسنا العمل به حتى نرتاح بالصلاة
لا منها، كما يفعله الكاره لها الذي لا يصليها إلا على تكلف، فإذا خرج منها وجد
راحة قلبه ونفسه([30]).
* وكيفية التعامل
مع الجوالات عند إرادة دخول المساجد: المساجد لها حرمتها ومكانتها في الدين
وفي قلوب المؤمنين؛ حيث تطمئن نفوسهم فيها، وتسكن القلوب، ويذهب العناء وتتحقق
الراحة وتعظم صلة العبد بربه فيها؛ فهي قرة عيون المتقين وأنس قلوبهم وبهجة
نفوسهم، وردت النصوص في فضلها وأهمية العناية بها بناء وتنظيفا وعمارة بطاعة الله U،
أهم الوظائف التي تُؤدى فيها إقامة الصلاة، وأنواع ذكر الله تعالى بتضرع وقلوب
خاشعة، يجتمع لذلك فيها المتقون، ويكون فيها المسبِّح والذاكر والداعي والتالي
لكتاب الله والراكع والساجد.
هذا، لكن ثمة أَلَمٌ في قلوب كثيرٍ من
المسلمين بسبب أمر يتكرر في زماننا في هذه البيوت؛ مساجد الله، فيه أذًى عظيمٌ
للمسلمين في صلاتهم وعبادتهم؛ وإذهابٌ لخشوعهم وإقبالهم على ربهم مِن أُناسٍ
ربَّما بلَغَ الأمرُ بهم مبلغَ اللامبلاة، وعدم الاكتراث، مع أنّ الأمر –والله-
جدّ خطير.
إنه أصوات الموسيقى التي أصبح سماعها في
المساجد متكررًا عبر جوالات المصلين. فالأمر مؤسفٌ للغاية، ويدلّ على ضعف الإيمان،
ونقص الدين، وضعف الاحترام لبيوت الله، وحقوق الإخوان المصلين الذاكرين.
أبلَغ بنا الحال –أمة الإسلام- أن تُضرب
هذه الموسيقي الْمُنكَرَة السيِّئة في بيوت الله؟! منكرٌ بعد منكر، وخطورة بعد
خطورة؛ الموسيقى في الجوالات محرمة، ويزداد الأمر خطورة عندما تكون هذه الأصوات
داخل بيوت الله! فأين حرمة المساجد؟! وأين تعظيمنا لشعائر الله، وأين مكانتها في
قلوبنا؟! أين مراعاتنا لحقوق إخواننا المصلين؟! وأين تقوانا لله جل وعلا؟ إذا كان
كانت حالنا بهذه الصفة في أمرٍ متكررٍ؟!
ألا فليغلق الجوال داخلو المساجد، أو يجعلوها على الوضع (الصامت)؛ ذلك أنه
لا يجوز داخلَ المسجد أنْ ترفع صوتَك بالقرآن على أخيك المسلم، فكيف إذًا بهذه الأصوات
السيِّئة المنكرة؟ ولأنّ تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب([31])!
ألا
فلنتق الله في صلاتنا؛ هذه الفريضة العظيمة التي كثُر استهانة الناس بها
واستخفافهم بأمرها وتهاونهم في شأنها وإضاعتهم لها ولشروطها وأركانها وواجباتها،
تعلمًا وعملا، في حالٍ أسيفة، وأمور مؤلمة، وواقع أليم. وضياع الصلاة حرمانٌ من كل
خير الدنيا والآخرة وخسران به. فأي خيرٍ يُرتجى إذا ضُيِّعت هذه الصلاة التي هي
صلة بين العبد وبين الله؟! فاللهم اهدنا الصراط المستقيم، وأعذنا من الشيطان
الرجيم، واجعل الصلاة لقلوبنا نعيما وراحة، ولعيوننا قرة، ولنفوسنا بستانا ولذة
ولجوارحنا راحة، ولا تجعلها لقلوبنا سجنا ضيِّقًا حرجًا، ولنفوسنا عائقًا، ولا
لجوارحنا قيدًا ثقيلا.
والحمد لله الذي بنعمته تتم
الصالحات،وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.
كتبه أبو عبد المحسن، أبو بكر حمزة زكريا.
وكان الفراغ منه: صبيحة 15/صفر/1435هـ، بمدينته r.
الجوال: 0503394685
الإيميل: abusafiyya01@yahoo.co.uk
فهرس الموضوعات:
|
الصفحات
|
الجواب على السؤال
الأول من القسم الأول
|
2
|
الجواب على السؤال
الثاني
|
2
|
الجواب على السؤال
الثالث
|
3
|
الجواب على السؤال
الرابع
|
4
|
الجواب على السؤال
الخامس
|
4
|
الجواب على السؤال
السادس
|
5
|
الجواب على السؤال
السابع
|
6
|
الجواب على السؤال
الثامن
|
7
|
الجواب على السؤال
التاسع
|
7
|
|
|
الجواب على السؤال
الأول من القسم الثاني
|
8
|
الجواب على السؤال
الثاني
|
8
|
الجواب على السؤال
الثاني
|
8
|
|
|
الجواب على سؤال
القسم الثالث
|
9
|
كتبه أبو عبد المحسن، أبو بكر حمزة زكريا.
وكان الفراغ منه: صبيحة 15/صفر/1435هـ، بمدينته r.
الجوال: 0503394685
الإيميل: abusafiyya01@yahoo.co.uk
No comments:
Post a Comment