ملحص خطبة يوم 14 من ربيع الأول 1437هـ بالمسحد النبوي في موضوع: القرآن الكريم، فضله وفضل حمله
ألقى
فضيلة الشيخ الدكتور عبد المحسن القاسم على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
خطبة الجمعة في هذا اليوم 14/ ربيع الأول / 1437هـ الموافق: 25/12/ 2015م، وتناول
فيها موضوع: القرآن الكريم وأنه كلام الله العظيم؛ وذكر الخطيب
طائفة كبيرة مِن فضائله، ومكانة حملته، وبيَّن في مقدمتها أنّ الله
تعالى يتصف بصفات جمة، منها: صفة الكلام، وأنه يتكلم بما شاء إذا شاء متى
شاء، وأنه لا منتهى لكلماته، (قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي لنفد البحر
قبل أنْ تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) [الكهف: 109].
وأنّ كلام الله أحسن الكلام، وفضله على
كلام الخلق كفضل الخالق على المخلوق.
ومن حكمة الله أنْ بعث الرسل وأنزل
عليهم كُتُبَه؛ فأنزل التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى وختمها بالقرآن
العظيم؛ أحسنها نظمًا وأعظمها فضلا وأشرفها قدرا. والقرآن مصدِّقٌ لما بين يديه من
الكتب ومهيمنًا عليها وناسخًا لها، ومؤتمنًا على ما كان فيها. وذكر القرآن
والبشارة به موجود في زُبُر الأولين وكتبهم المأثورة عن الأنبياء الكرام.
والقرآن كلام رب العالمين؛ تكلم به بحرف
وصوت مسموعَين، منه بدأ، وإلى الله يعود في آخر الزمان. سمعه خير الملائك؛ جبريل،
ونزل به على خير الرسل، في أشرف البقاء، وفي خير شهر، وفي خير الليالي؛ ليلة
القدر، لخير أمة، بأفضل اللغات وأجمعها.
كتاب لا يعدله كتاب. وهو مما امتنّ الله
تعالى به على هذه الأمة. وشرَفٌ للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته (وإنه لَذِكرٌ
لك ولقومك) [الزخرف: 44]، أي شرَفٌ لكم.
لا يصح إيمان العبد حتى يؤمن بالقرآن
جملة وتفصيلا (يا أيها الذين ءامنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزّل على رسوله)
[النساء: 136]، ولو أنزل القرآن على جبل لتصدع ذلا لله وطاعة، والمعرضُ عنه حَيٌّ
بلا حياة.
حفظه الله قبل إنزاله في اللوح المحفوظ.
وصانَه من الشياطين وقت نزوله. وتكفَّل بحفظه بعد نزوله. قدَّمه الله في الذكر على
كثيرٍ مِن نِعَمه فقال: (الرحمن * علَّم القرآن).
كثُرَت أسماؤه، وتعددت أوصافه.
علَّم الله عباده
القرآن ويسَّره لهم تلاوة وعملا وحفظًا؛ فيحفظه العربي والعجمي، والصغير والكبير
والذكر والأنثى، والحر والعبد، والغني والفقير. جعله الله هدى للعالمين، فهو عامٌّ
للبشرية كلّها كعموم رسالة
نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فلا تختص به أمةٌ دون أمة، يشبِه بعضُه بعضًا وتصدق
آياتُه آياته. مستقيم لم يجعل الله له عوجًا، لا اختلاف فيه ولا تناقض. هو أفضل
الحديث وأحسنه. وصفه الله تعالى بالعظمة فقال: (ولقد آتيناك سبعًا من المثاني
والقرآن العظيم) [الحجر: 87].
وكتب الله له العلوَّ في ذاته وقدَرِه
فقال: (وإنه في أم الكتاب لدينا لعليٌّ حكيم) [الزخرف: 4]. بيِّنٌ في لفظه
ومعناه، وبيانٌ للأمور على جليَّتها. حكيمٌ؛ فيه ومنه الحكمة. كريمٌ عند الله؛ فيه
من المكارم أعلاها، وبه يُكرَم العبد ويُعظَّم عند الله وعند خلقه. فيه هداية
الخلق ومع الهداية فيه الرحمة. عِصمةٌ من الضلال لِمَن تمسك به. مجيدٌ بالغٌ في
الشرف أعلاه. عزيزٌ لا يُجاريه في عِزِّه شيءٌ، ومَن دنا منه ناله العِزّ. عالٍ لا
يُدانى، كثيرُ الخير والمنافع، ووجوه البركة فيه.
كتابُ الله نورٌ في الحياة لإبصار أمور
الدنيا والآخرة، وبه تحيا الأرواح، فهو الحياة لمَن استجاب له. ومع حياة الأرواح
به: فهو شفاء لأمراض الأبدان. بالقرآن تجتمع كلمة الأمة وتزول خلافاتهم. وبه فَصلُ
الخلاف والنجاح. تحدى به الأولين والآخرين؛ إنسهم وجنَّهم. ما سمعَه عاقلٌ إلا
شهِد أنه حق. خير الذكر وأفضلُه. هو تثبيتٌ للقلب عند الفتن والمصائب.
تلاوتُه تزيد الإيمان. آياتُه أبكَت
العظَماء. وأمَر الله بإجارة المستجير مِن الكفار حتى يسمَع القرآن. حوى من العلوم
أجمعَها ومن المعارف أنفعها، وأهله العارفون بمعانيه هم العلماء حقًّا. فيه مِن
الأنباء أصدقها، ومِن البراهين والدلائل أقواها وأظهرُها، ومِن القصص أحسنها ومِن
الحِكَم أبلغها، ومن البلاغة والفصاحة أجملها، والإعجاز في معناه أعظم وأكثر من
الإعجاز في لفظه. كتاب الله شاملٌ في أحكامه عدلٌ في قضائه. حكيم في أمره ونهيه،
عليه هيبةٌ وجلالٌ، وله قوَّة وتأثيرٌ وجمال. آية باهرة وعجزة ظاهرة، مَن عمل به
أُجِر، ومَن حكم به عدَل، ومن تمسك به عُصم، ومن اتبعه رُحم.
مَن تلاه وعمِل به ونشَرَه في الآفاق
عَزَّ وناله الأمنُ والرخاء. ومعلِّم القرآن ومتعلِّمه هم خيرُ الناس، قال صلى
الله عليه وسلم: (خيركم مَن تعلَّم القرآن وعلَّمه)، رواه البخاري.
امتدح الله مَن تلاه وأثنى على العاملين
به، ووعدهم بالوفاء والزيادة. هو التجارة الرابحة المضاعفة؛ مَن قرأ حرفًا منه فله
حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. وتعلُّمه خيرٌ مِن أموال الدنيا. والماهر بالقرآن مع
السفرة الكرام البررة. مجالس القرآن ومظان تعلُّمه مواطن تنزّل السكينة والرحمة
على المعلِّمين والمتعلِّمين. وباستماعه نيل الرحمات. التمسك به وتلاوته هو وصية
النبي صلى الله عليه وسلم للأمة.
حاملُ القرآن مُكرم في حياته وبعد
مماته، ففي الحياة يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، وبعد الوفاة يُقدم الأكثر أخذا
للقرآن في اللحد. وأهل القرآن خيرُ جليس للمرأ.
وحجة لهله يوم الدين وشافعٌ مشفَّعٌ عند رب العالمين. وصاحب القرآن في أعلى
درجات النعيم.
وبعد: أيها المسلمون! فالفرح بالقرآن
وتعليمه من أرفع مقامات الإيمان. ولا غنى للأحد عن كتاب الله. وأسعد الناس أقربهم
من كتاب الله. وهو أمان للمجتمع وبركة عليه، وفيه رضى رب العالمين. فحقيق بالمسم
أن ينصر القرآن ويعتز به لينال أعلى الدرجات. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
No comments:
Post a Comment