2016/06/28

الرسول الكريم مع المحتاجين (ANNABIN ALLAH TARE DA MABUKATA)






الرسول الكريم مع المحتاجين
برنامج حواري، لقناة وصال هوسا (الثلاثاء 23، الأربعاء 24/رمضان/1437هـ)






أعده ليقدمه
أبو بكر حمزة زكريا




بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
        إنْ نظرت إلى الرسول الكريم على أنه نبي رسول فأمته كلها من بعثته إلى قيام الساعة، من الجن والإنس محتاجة إلى ما عنده من الهدى والعلم، بل ضرورتها إلى ذلك فوق ضرورتهم إلى الطعام والشراب والنفَس...
**وإنْ نظرتَ إليه على أنه القائد السيد الأول في هذه الأمة فالأمة تحتاج إلى لينه ولطفه ونصحه، لذا قال في هذا المقام: كما في صحيح مسلم: (رقم: 1828) حيث أورده الإمام الإمام مسلم بسنده إلى عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «اللهم، من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم، فارفق به».
***وإن نظرتَ إلى الرسول الكريم على أنه صلى الله عليه وسلم ربُّ البيت فلأهله إليه حاجات، ورد في صحيح البخاري بَابٌ: (مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَخَرَجَ)،
ثم أورد (برقم: 676) بسنده إلى الأَسْوَدِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ».
****وأما قضاؤه صلى الله عليه وسلم لحاجات صحابته، متعددة الجوانب، بنفسه (بالإطعام واللباس، والتعليم والفتيا...)، الجماعية منها والفردية، في الحضر أو السفر، من جيرانه العائشين معه في المدينة أو القادمين إليها، وأمره صلى الله عليه وسلم وحثُّه صحابته والمسلمين من الرؤساء وذوي اليسار بقضاء الحاجات: فمما امتلأ بذكرها كتب الأخبار في الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم، من السنن الفعلية والأحاديث القولية.
وليسهل تناولي للموضوع جعلته تحت تمهيد وأربعة مباحث، على النحو التالي:
التمهيد: في الكلام عن الحاجة والمحتاجين.
المبحث الأول: تعاملات نبوية راقية مع جماعات المحتاجين، وفيه مطلبان:
        المطلب الأول: تعاملات نبوية مع أهل الصفة الفقراء (المحتاجون إلى الطعام)
        المطلب الثاني: تعاملات نبوية مع وفد الأشعريين (المحتاجون إلى الكسوة)
المبحث الثاني: حالات لحاجات فردية سعى الرسول الكريم لقضائها، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الحالات الفردية للمساكين سعى الرسول الكريم لقضائها.
المطلب الثاني: تعاملات نبوية راقية لقضاء حاجات شريحة النساء المحتاجات.
المبحث الثالث: سنن قولية للرسول الكريم بخصوص قضاء الحوائج، وذكر الفضائل فيه
المبحث الرابع: التأسِّي بالرسول  الكريم في باب قضاء الحوائج.
الخاتمة، وفيها أهم النتائج.
التمهيد: في الكلام عن الحاجة والمحتاجين
        قبل الكلام عن موضوع الرسول الكريم مع المحتاجين، يجب أن نعرف شيئًا ولو يسيرًا عن الحاجة، وأنها ضيق للمحتاجين، وبيان أنَّ ضعاف الإيمان قد تحملهم الحاجة والفقر والعوز على ارتكاب المحرمات سعيًا منهم لقضائها وحل مشكلاتهم، فتحمل على الكذب والقتل والسرقة والزنا، وعلى السؤال، إلى غير ذلك.
        أولا: الكلام عن الحاجة: كلمة الحاجة التي تُجمعْ بـ: حاجات وحوائِجُ هي: ما يفتقر إليه الإنسانُ ويطلبه. وعلى هذا: فتتنوع الحوائج والطلبات وتتباين وتختلف، إذْ مِن الناس مَن يفتقرُ إلى مال أو طعام، أو يطلب لباسًا أو علما أو فتوى أو دعاءً، إلى غير ذلك ... لكنْ وبسبب أنني في هذا البحث أراعي كون الرسول الكريم اجتماعيا من الطراز الأول؛ يعنى بقضاء حاجات أصحابه سأركز على الحوائج التي سببها العوز والفقر والفاقة، والتي ترجع إلى الافتقار إلى المال والطعام واللباس ...
        ثانيًا: وأما الكلام عن المحتاجين: فهم الفقراء إلى ما يسمى بالأساسيات في الحياة، كالطعام واللباس. ومنهم من يصبر بالذي اختار له ربه ويحتسب، ويعتقد أن الخير في بقائه في حالته، إذ الرب حكيم عليم، وأنّ الصبر والاكتساب من الحلال هو واجبُه. ومنهم من يعجز عن الصبر بحيث يسلك الوسائل المحرمة للتغلب على مشكلته، فإبليس اللعين كذَب لأبي هريرة كما في قصته، وجاء في الصحيحين [خ: رقم: 1421، م: برقم: 1022] ما يدل على أنه قد يكون ارتكاب المحظورات سببه العوز والفقر، كما أنّ الاستغناء قد يكون سببا للاستعفاف عن المحرمات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ؟ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ".
وفي الصحيحين أيضا [خ: برقم: 2272، وم: برقم: 2743] في قصة أصحاب الغار الثلاثة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وقال الآخر: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَة
والقصد أنّ الحاجة قد تحمل ضعاف الإيمان على الوقوع في المحرمات. والله المستعان.
***
ثم إنه باختصار شديد فإنه قد ورد بيان تعامل الرسول الكريم بصحابته الكرام بكافة أطيافهم ومستوياتهم وأنه رأفة ورحمة ولين ومجانبة الفظاظة والغلظة، فهو صلى الله عليه وسلم على خلُق عظيم.... كما وردت الأحاديث بذلك، وبالأخص الفعلية منها التي فيها هديه في التعامل الراقِي مع طوئف المحتاجين وأفرادهم، من سد عوزهم وحاجتهم وفاقتهم وجوعهم، والعناية بهم في لباسهم، وغير ذلك، فمنها على سبيل المثال، إيواؤه لأهل الصفة الفقراء في مسجده، وإطعامهم، ومراعة حال جماعة أبي موسى الأشعري لما وفدوا إليه وسعيه لإلباسهم وإطعامهم، والذهاب مع ألف شخص من مكان حفر الخندق إلى بيت جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه لما لاحظ جُوعَ الرسول الكريم ورأى بطنه معصوبا بحجر (خ: 4101 و4102، م: 2039)، وحالتهم في جيش العسرة ودعائه لهم بالبركة، وغير ذلك. ومنها: أنه كان يدخر لأهله طعاما لشهر ثم يوزعه دون بلوغ الشهر، ومنها قصة الصحابي الذي قال: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا -يُرِيدُ الحَرَّتَيْنِ- أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» (خ: 1936، و6087)، وقصة إبليس الزاعم أنه له عيالا وحاجة حين جاء للسرقة من مال زكاة رمضان، فتركه أبو هريرة، وأجازه الرسول (خ في 3مواضع منها، في بَابُ إِذَا وَكَّلَ رَجُلًا، فَتَرَكَ الوَكِيلُ شَيْئًا فَأَجَازَهُ المُوَكِّلُ فَهُوَ جَائِزٌ، رقم:2311 قَالَ إبليس: إِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَة)
هذا، وقد جعلت موضوع الرسول الكريم مع المحتاجين، لأتناوله تحت المباحث الأربعة القادمة:



المبحث الأول: تعاملات نبوية راقية مع جماعات المحتاجين، وفيه مطلبان:
        المطلب الأول: تعاملات نبوية مع أهل الصفة الفقراء (المحتاجون إلى الطعام)
        المطلب الثاني: تعاملات نبوية مع وفد الأشعريين (المحتاجون إلى الكسوة)

المطلب الأول: تعاملات نبوية مع أهل الصفة الفقراء (المحتاجون إلى الطعام):
        أهل الصُّفة هم أضياف الإسلام من الفقراء الذين هاجروا إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مأوى لهم، فأواهم الرسول الكريم  وأنزلهم بسقيفة في ناحية من مسجده r، ولا طعام لهم، فكان الرسول إذا جاءته صدقة بعثها إليهم، وإن كانت هدية أصاب منها وبعث الأخرى إليهم.
وكان الصحابة من الأنصار الكرام كلهم يقدمون صالح ما عندهم لأهل الصفة في آخر أمرهم، مما أخرج لهم من الأرض فقد جاء في كتاب التفسير من جامع الترمذي [رقم: 2987] عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ البَرَاءِ رضي الله عنه، {وَلَا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] قَالَ: «نَزَلَتْ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، كُنَّا أَصْحَابَ نَخْلٍ فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي مِنْ نَخْلِهِ عَلَى قَدْرِ كَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي بِالقِنْوِ وَالقِنْوَيْنِ فَيُعَلِّقُهُ فِي المَسْجِدِ، وَكَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا جَاعَ أَتَى القِنْوَ فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ فَيَسْقُطُ مِنَ البُسْرِ وَالتَّمْرِ فَيَأْكُلُ. وَكَانَ نَاسٌ مِمَّنْ لَا يَرْغَبُ فِي الخَيْرِ يَأْتِي الرَّجُلُ بِالقِنْوِ فِيهِ الشِّيصُ وَالحَشَفُ وَبِالقِنْوِ قَدْ انْكَسَرَ فَيُعَلِّقُهُ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267] قَالُوا: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ مِثْلُ مَا أَعْطَى، لَمْ يَأْخُذْهُ إِلَّا عَلَى إِغْمَاضٍ أَوْ حَيَاءٍ» . قَالَ: «فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ يَأْتِي أَحَدُنَا بِصَالِحِ مَا عِنْدَهُ».
قال الترمذي" هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ،

        ثم ولبيان تعامل النبي الكريم مع هؤلاء الجماعة أقول بأنه: قد عقد البخاري في صحيحه بابا عَنْوَن له بـ: (بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الخُمُسَ لِنَوَائِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالمَسَاكِينِ وَإِيثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الصُّفَّةِ وَالأَرَامِلَ، حِينَ سَأَلَتْهُ فَاطِمَةُ، وَشَكَتْ إِلَيْهِ الطَّحْنَ وَالرَّحَى: أَنْ يُخْدِمَهَا مِنَ السَّبْيِ، فَوَكَلَهَا إِلَى اللَّهِ)
ثم أورد تحت الباب الحديث الآتي (برقم: 3113): حديث عَلِيّ بن أبي طالب رضي الله عنه، أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى مِمَّا تَطْحَنُ، فَبَلَغَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَبْيٍ، فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ خَادِمًا، فَلَمْ تُوَافِقْهُ، فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لَهُ، فَأَتَانَا، وَقَدْ دَخَلْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا لِنَقُومَ، فَقَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا» . حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، فَقَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ».
وفي مسند أحمد [برقم: 596 ] زيادة مهمة فيها إيثار أهل الصفة في حاجاتهم الضرورية حتى على بنته صلى الله عليه وسلم؛ فاطمة، مثلما ما ورد في عنوان الباب عند البخاري المتقدم، وهذه الزيادة وردت مِن طريق عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا أُعْطِيكُمْ وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تَلَوَّى بُطُونُهُمْ مِنَ الْجُوعِ " وَقَالَ: مَرَّةً: " لَا أُخْدِمُكُمَا وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تَطْوَى".
وفي المسند [رقم: 838] أيضًا بإسناد حسن من طريق عَطَاء بْن السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا زَوَّجَهُ فَاطِمَةَ بَعَثَ مَعَهُ بِخَمِيلَةٍ، وَوِسَادَةٍ، مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ وَرَحَيَيْنِ وَسِقَاءٍ وَجَرَّتَيْنِ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِفَاطِمَةَ ذَاتَ يَوْمٍ: وَاللهِ لَقَدْ سَنَوْتُ حَتَّى لَقَدِ اشْتَكَيْتُ صَدْرِي، قَالَ: وَقَدْ جَاءَ اللهُ أَبَاكِ بِسَبْيٍ، فَاذْهَبِي فَاسْتَخْدِمِيهِ، فَقَالَتْ: وَأَنَا وَاللهِ قَدْ طَحَنْتُ حَتَّى مَجَلَتْ يَدَايَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مَا جَاءَ بِكِ أَيْ بُنَيَّةُ؟ " قَالَتْ: جِئْتُ لِأُسَلِّمَ عَلَيْكَ، وَاسْتَحْيَتْ أَنْ تَسْأَلَهُ وَرَجَعَتْ، فَقَالَ: مَا فَعَلْتِ؟ قَالَتْ: اسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ، فَأَتَيْنَاهُ جَمِيعًا، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ لَقَدْ سَنَوْتُ حَتَّى اشْتَكَيْتُ صَدْرِي. وَقَالَتْ فَاطِمَةُ: قَدْ طَحَنْتُ حَتَّى مَجَلَتْ يَدَايَ، وَقَدْ جَاءَكَ اللهُ بِسَبْيٍ وَسَعَةٍ فَأَخْدِمْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاللهِ لَا أُعْطِيكُمَا وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تَطْوَى بُطُونُهُمْ، لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي أَبِيعُهُمْ وَأُنْفِقُ عَلَيْهِمْ أَثْمَانَهُمْ " فَرَجَعَا، فَأَتَاهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ دَخَلَا فِي قَطِيفَتِهِمَا، إِذَا غَطَّتْ رُءُوسَهُمَا تَكَشَّفَتْ أَقْدَامُهُمَا، وَإِذَا غَطَّيَا أَقْدَامَهُمَا تَكَشَّفَتْ رُءُوسُهُمَا، فَثَارَا، فَقَالَ: "مَكَانَكُمَا" ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمَا بِخَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَانِي؟" قَالَا: بَلَى. فَقَالَ: "كَلِمَاتٌ عَلَّمَنِيهِنَّ جِبْرِيلُ "، فَقَالَ: " تُسَبِّحَانِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَتَحْمَدَانِ عَشْرًا، وَتُكَبِّرَانِ عَشْرًا، وَإِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ " قَالَ: " فَوَ اللهِ مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ: فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ فَقَالَ: " قَاتَلَكُمِ اللهُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، نَعَمْ، وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ ".

(ثانيا) ومن قصة إطعامه صلى الله عليه وسلم لأهل الصفة: ما جاء في أنّ الله تعالى طرح البركة في اللبن القليل، فقد ورد في صحيح البخاري: (برقم: 6246) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: «أَبَا هِرٍّ، الحَقْ أَهْلَ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ إِلَيَّ» قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا، فَأُذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا.
وفي لفظ أطول وأوضح بالمقصود، كما في صحيح البخاري: (رقم:6452) ... أنه قال مُجَاهِدٌ، إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، كَانَ يَقُولُ: أَللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنْ كُنْتُ لَأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي أَبُو القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي، وَعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وَجْهِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الحَقْ» وَمَضَى فَتَبِعْتُهُ، فَدَخَلَ، فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلَ، فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟» قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلاَنٌ أَوْ فُلاَنَةُ، قَالَ: «أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي» قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلاَمِ، لاَ يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلاَ مَالٍ وَلاَ عَلَى أَحَدٍ، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فَسَاءَنِي ذَلِكَ، فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ، كُنْتُ أَحَقُّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِي، فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ، وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا، فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ البَيْتِ، قَالَ: «يَا أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «خُذْ فَأَعْطِهِمْ» قَالَ: فَأَخَذْتُ القَدَحَ، فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوِيَ القَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذَ القَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ فَتَبَسَّمَ، فَقَالَ: «أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ» قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «اقْعُدْ فَاشْرَبْ» فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ، فَقَالَ: «اشْرَبْ» فَشَرِبْتُ، فَمَا زَالَ يَقُولُ: «اشْرَبْ» حَتَّى قُلْتُ: لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا، قَالَ: «فَأَرِنِي» فَأَعْطَيْتُهُ القَدَحَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى وَشَرِبَ الفَضْلَةَ. 
وفي هذا من الدروس الشيء الكثير، وفيه أنّ الرسول كان يعطي أهل الصفة الصدقة التي ترده، كما يعطيهم جزءا من الهدية التي تأتي إليه.
وأختم بذكر ما ورد في جامع معمر بن راشد [رقم: 19802] بالإسناد إليه،.. إلى أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ قَالَ: دَعَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَرَهْطٌ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، فَدَخَلْنَا مَنْزِلَهُ، فَقَالَ: «أَطْعِمِينَا يَا عَائِشَةُ»، فَأَتَتْ بِشَيْءٍ فَأَكَلُوهُ، ثُمَّ قَالَ: «زِيدِينَا يَا عَائِشَةُ»، فَزَادَتْهُمْ شَيْئًا يَسِيرًا أَقَلَّ مِنَ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: «اسْقِينَا يَا عَائِشَةُ»، فَجَاءَتْ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبُوا ثُمَّ قَالَ: «زِيدِينَا يَا عَائِشَةُ»، فَجَاءَتْ بِقَعْبٍ مِنْ لَبَنٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ شِئْتُمْ رَقَدْتُمْ هَاهُنَا، وَإِنْ شِئْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ»، قَالُوا: بَلْ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: فَخَرَجْنَا فَنِمْنَا فِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى إِذَا كَانَ السَّحَرُ كَظَّنِي بَطْنِي، فَنِمْتُ عَلَى بَطْنِي، فَإِذَا رَجُلٌ يُحَرِّكُنِي بِرِجْلِهِ وَيَقُولُ: «هَكَذَا، فَإِنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ» قَالَ: فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأهل الصفة من سكان المدينة المحتاجين، ولقد تعامل معهم الرسول التعامل الراقي الذي هذا وذاك جزءٌ منه. وقد تعامل بمثله للمحتاجين القادمين إلى المدينة من خارجها، كحالة الأشعريين الذين وفدوا إليه من اليمن، وبيانه في المطلب التالي:

المطلب الثاني: تعاملات نبوية مع وفد الأشعريين (المحتاجون إلى الكسوة والطعام)
جماعة أبي موسى الأشعري هم وفد الأشعريين الذين قدموا من اليمن للمدينة النبوية، ففي صحيح مسلم [رقم: 1017] عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمِ الصُّوفُ فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ، فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَأَبْطَئُوا عَنْهُ حَتَّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».
وفي هذا حثّ للصحابة الكرام منه صلى الله عليه وسلم ليقوموا بقضاء حاجات هؤلاء الأعراب، ويفعل الرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا إذا لم يكن عنده ما به قضاء حاجات المحتاجين.





المبحث الثاني: حالات لحاجات فردية سعى الرسول الكريم لقضائها، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الحالات الفردية للمساكين سعى الرسول الكريم لقضائها.
المطلب الثاني: تعاملات نبوية راقية لقضاء حاجات شريحة النساء المحتاجات.

المطلب الأول: الحالات الفردية للمساكين سعى الرسول الكريم لقضائها:
كما قضى الرسول الكريم حاجات الناس أو الجماعات الوفود، أو سعى لهم في قضائها، فهو كذلك قد عُني بقضاء حاجات الأفراد، وإليك بعض النماذج في هذا الأمر:

·       أنه صلى الله عليه وسلم يهتم بقضية قضاء الحوائج فيقدم ذلك على الدخول في الصلاة، ففي مسند الإمام أحمد [برقم: 12201] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْزِلُ مِنَ الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَيُكَلِّمُهُ الرَّجُلُ فِي الْحَاجَةِ، فَيُكَلِّمُهُ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ إِلَى مُصَلَّاهُ فَيُصَلِّي ". هذا الحديث إسناده صحيح على شرط الشيخين. 

·       ولاهتمام الرسول بقضية قضاء الحوائج فإنه قد لا يصلي الصلاة في أول وقتها، ففي مسند الإمام أحمد [رقم: 12633] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: " أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، - قَالَ عَفَّانُ: الْآخِرَةُ، ذَاتَ لَيْلَةٍ -، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَامَ مَعَهُ يُنَاجِيهِ، حَتَّى نَعَسَ الْقَوْمُ - أَوْ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ -، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَذْكُرْ وُضُوءًا". إسناده صحيح على شرط مسلم .
وفي المسند أيضا [رقم: 12642] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " كَانَتِ الصَّلَاةُ تُقَامُ، فَيُكَلِّمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ فِي حَاجِةٍ تَكُونُ لَهُ، فَيَقُومُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَمَا يَزَالُ قَائِمًا يُكَلِّمُهُ، فَرُبَّمَا رَأَيْتُ بَعْضَ الْقَوْمِ يَنْعَسُ مِنْ طُولِ قِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ.
·       ويجلس لقضاء الحوائج حتى يذهب ساعة من الليل، ففي المسند [برقم: 12404] بسنده إلى أَنَسٍ رضي الله عنه، " أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَرَجُلًا آخَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ، تَحَدَّثَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فِي حَاجَةٍ لَهُمَا، حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةٌ، وَلَيْلَةٌ شَدِيدَةُ الظُّلْمَةِ، ثُمَّ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقَلِبَانِ، وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُصَيَّةٌ، فَأَضَاءَتْ عَصَا أَحَدِهِمَا لَهُمَا حَتَّى مَشَيَا فِي ضَوْئِهَا، حَتَّى إِذَا افْتَرَقَ بِهِمَا الطَّرِيقُ أَضَاءَتْ لِلْآخَرِ عَصَاهُ، فَمَشَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ضَوْءِ عَصَاهُ حَتَّى بَلَغَ إِلَى أَهْلِهِ ".
إسناده صحيح على شرط الشيخين.

·      ويأتي صحابي لحاجة وعوز ثم يسمع الخطبة، ويمتنع عن السؤال، فقد ورد في مسند الإمام أحمد [رقم: 10989] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَتْ بِهِ حَاجَةٌ، فَقَالَ لَهُ أَهْلُهُ: ائْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْأَلْهُ فَأَتَاهُ وَهُوَ يَخْطُبُ، وَهُوَ يَقُولُ: " مَنْ اسْتَعَفَّ أَعَفَّهُ اللهُ، وَمَنْ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللهُ، وَمَنْ سَأَلَنَا فَوَجَدْنَا لَهُ أَعْطَيْنَاهُ " قَالَ: فَذَهَبَ وَلَمْ يَسْأَلْ.


·       والحوائج تختلف، فمنها كما ورد في سنن أبي داود [رقم: 3232]، وهو صحيح، في بَاب فِي تَحْوِيلِ الْمَيِّتِ مِنْ مَوْضِعِهِ لِلْأَمْرِ يَحْدُثُ: بسنده إلى جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما، قَالَ: «دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ، فَكَانَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ حَاجَةٌ، فَأَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَمَا أَنْكَرْتُ مِنْهُ شَيْئًا، إِلَّا شُعَيْرَاتٍ كُنَّ فِي لِحْيَتِهِ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ»
·       و في سنن أبي داود [رقم: 2705]، وصححه الألباني، بسنده إلى عَاصِمٍ يَعْنِي ابْنَ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ النَّاسَ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ، وَأَصَابُوا غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا، فَإِنَّ قُدُورَنَا لَتَغْلِي إِذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي عَلَى قَوْسِهِ، فَأَكْفَأَ قُدُورَنَا بِقَوْسِهِ، ثُمَّ جَعَلَ يُرَمِّلُ اللَّحْمَ بِالتُّرَابِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ النُّهْبَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ الْمَيْتَةِ» أَوْ «إِنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ النُّهْبَةِ» الشَّكُّ مِنْ هَنَّادٍ

المطلب الثاني: تعاملات نبوية راقية لقضاء حاجات شريحة النساء المحتاجات:
        حظيت النساء الصحابيات بالعناية من الرسول الكريم سعيًا في قضاء حاجاتهن، فهنا طائفة من النماذج الواقعية في ذلك:
* أولا: يصبر الرسول على المشقة ويقف على الطريق ليقضي حاجة المرأة التي في عقلها شيء: ورد في صحيح مسلم: بَابُ قُرْبِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ النَّاسِ وَتَبَرُّكِهِمْ بِهِ، وأورد تحته حديثين، هذا ثانيهما: [رقم: 2326] عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: «يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ» فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا.
وفي مسند أحمد [برقم: 13241، و12197] "فِي طَرِيقٍ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ".
قال النووي في شرحه: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيَانُ بُرُوزِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ وَقُرْبِهِ مِنْهُمْ لِيَصِلَ أَهْلُ الْحُقُوقِ إِلَى حُقُوقِهِمْ ... وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِوُلَاةِ الْأُمُورِ، وَفِيهَا صَبْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَشَقَّةِ فِي نَفْسِهِ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِجَابَتُهُ مَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً ... وَبَيَانِ تَوَاضُعِهِ بِوُقُوفِهِ مَعَ الْمَرْأَةِ الضَّعِيفَةِ. وقال: (خلا معها في بعض الطرق) أي وقف معها في طريق مسلوك ليقضي حاجتها ويفتيها في الخلوة، ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية؛ فإن هذا كان في ممر الناس ومشاهدتهم إياه وإياها لكن لا يسمعون كلامها؛ لأن مسألتها مما لا يظهره، والله أعلم.

**ثانيًا: امرأة تصرع، وتحتاج إلى دعاء الرسول الكريم فيدعو لها، في الصحيحين [خ: 5652، م: 2576] بسندهما إلى عَطَاء بْن أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا.
والمراد أنها خشيت أن تظهر عورتها وهي لا تشعر. كما قال الحافظ ابن حجر. وقال في آخر شرحه للحديث: وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط، وقد أخرج البزار وابن حبان من حديث أبي هريرة شبيها بقصتها ولفظه جاءت امرأة بها لمم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ادع الله فقال إن شئت دعوت الله فشفاك وإن شئت صبرت ولا حساب عليك قالت: بل أصبر ولا حساب عليّ. وفي الحديث: فضل مَن يصرع وأن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لِمَن علِم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة، وفيه دليل على جواز ترك التداوي، وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية، ولكن إنما ينجع بأمرين: أحدهما: من جهة العليل وهو صدق القصد، والآخر من جهة المداوي وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى والتوكل. والله أعلم [فتح الباري، ج10/115].

***واحتاجت امرأة إلى الزواج من الرسول الكريم ووقفت طويلا تنتظر بعد إبدائها الحاجة فيردها الرسول الكريم بميسور من القول، في صحيح البخاري: [رقم: 5029، 5030، و5087، و5128] عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ المَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟» فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟» فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، قَالَ: «انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي - قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ - فَلَهَا نِصْفُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ، إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ» فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟» قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا - عَدَّهَا - قَالَ: «أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ».
فكان الرسول إذا لم تقض للشخص حاجته ردّه بميسور من القول، ومثل حديث سهل المتقدم حديث البخاري الذي أورده [خ: رقم: 5120] بسنده إلى ثَابِت البُنَانِيَّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ، قَالَ أَنَسٌ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَكَ بِي حَاجَةٌ؟ " فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا، وَا سَوْأَتَاهْ وَا سَوْأَتَاهْ، قَالَ: «هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا».
**** واحتاجت امرأة إلى إجابته صلى الله عليه وسلم لما تستشكله من دم الاستحاضة، فأجابها: ورد في مسند أحمد [برقم: 27474]، عن حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، قَالَتْ: كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً كَثِيرَةً، فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَقَالَ وَمَا هِيَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً فَمَا تَرَى فِيهَا قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ؟ قَالَ: أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ، قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: "فَتَلَجَّمِي" قَالَتْ: إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا فَقَالَ لَهَا سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ أَيَّهُمَا فَعَلْتِ فَقَدْ أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الْآخَرِ؛ فَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ. فَقَالَ لَهَا " إِنَّمَا هَذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً فِي عِلْمِ اللهِ ثُمَّ اغْتَسِلِي حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْت... الحديث.

المبحث الثالث: سنن قولية للرسول الكريم بخصوص قضاء الحوائج، وذكر الفضائل فيه:
من السنن القولية التي جاء فيها بيان فضل قضاء الحوائح للعموم، أو للجيران، أو للأرامل والمساكين، والحث على ذلك، فمِن أقوال مَن كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما، ما يلي:

أولا: ما جاء في صحيح البخاري: [رقم: 2442، و6951، م: 2580] عن عبد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أنه أَخْبَرَ سالما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ».
ومعنى (كان في حاجة أخيه) سعى في قضائها. ومعنى (كان الله في حاجته) أعانه الله تعالى وسهل له قضاء حاجته.

ثانيا: جاء عند الطبراني في الكبير، [رقم: 861، وحسنَّه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم: 906] عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ، وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَئِنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا؛ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثَبِّتَهَا لَهُ ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ.
ثالثا: جاء في الأدب المفرد للبخاري [رقم: 112، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم: 149] عن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ».
قال الألباني في الصحيحة: ((نعم، هو صحيح بما له من الشواهد ، فقد روي من حديث أنس و ابن عباس وعائشة)) فذكرها.
وفي رواية أنس بزيادة: "... بجنبه وهو يعلم به"....
وعلق على الحديث الألباني فقال: وفي الحديث دليل واضح على أنه يحرم على الجار الغني أن يدع جيرانه جائعين، فيجب عليه أن يقدم إليهم ما يدفعون به الجوع، وكذلك ما يكتسون به إن كانوا عراة، ونحو ذلك من الضروريات.
ففي الحديث إشارة إلى أن في المال حقا سوى الزكاة، فلا يظنن الأغنياء أنهم قد برئت ذمتهم بإخراجهم زكاة أموالهم سنويا، بل عليهم حقوق أخرى لظروف و حالات طارئة، من الواجب عليهم القيام بها، وإلا دخلوا في وعيد قوله تعالى: ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون).

رابعا: في صحيح ابن حبان [برقم: 532]، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "لدغت رجلا منا عقرب ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل يا رسول الله أرقيه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل".
إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي الزبير فمن رجال مسلم، وأخرج له البخاري مقرونا، وصرح ابن جريج هو وأبو الزبير بالسماع.

خامسا: في صحيح البخاري [رقم: 1432، م: 2627] بسنده إلى أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ»
قال في المنهاج للنووي: فيه استحباب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة سواء كانت الشفاعة إلى سلطان ووال ونحوهما، أم إلى واحد من الناس، وسواء كانت الشفاعة إلى سلطان في كف ظلم أو إسقاط تعزير أو في تخليص عطاء لمحتاج أو نحو ذلك. وأما الشفاعة في الحدود فحرام وكذا الشفاعة في تتميم باطل أو إبطال حق ونحو ذلك فهي حرام.

سادسا: وفي صحيح البخاري [رقم: 5660، م: 2982] عن صفوان بن سليم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم قال: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل". وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا، ولفظه: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله - وأحسبه قال - وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر".
المراد بالساعي: الكاسب لهما، العامل لمؤنتهما. والأرملة مَن لا زوج لها؛ سواء كانت تزوجت قبل ذلك أم لا. وقيل: هي التي فارقت زوجها، قال ابن قتيبة: سميت أرملة لما يحصل لها من الإرمال وهو الفقر وذهاب الزاد بفقد الزوج؛ يقال أرمل الرجل إذا فني زاده.

سابعًا: وقال صلى الله عليه وسلم بخصوص الرؤساء وقضاء حوائج الناس، أو الامتناع عنها، كما في سنن أبي داود [رقم:2948، وصححه الألباني] بسنده إلي أَبي مَرْيَمَ الْأَزْدِيَّ، أنهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: مَا أَنْعَمَنَا بِكَ أَبَا فُلَانٍ -وَهِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ- فَقُلْتُ: حَدِيثًا سَمِعْتُهُ أُخْبِرُكَ بِهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ، وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ، احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ، وَفَقْرِهِ» قَالَ: فَجَعَلَ رَجُلًا عَلَى حَوَائِجِ النَّاسِ".

وثامنًا وهو الختام: قد ورد في مسند الإمام أحمد [رقم: 3696] عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَزَلَ بِهِ حَاجَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ، كَانَ قَمِنًا مِنْ أَنْ لَا تَسْهُلَ حَاجَتُهُ، وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللهِ، أتَاهُ اللهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ، أَوْ بِمَوْتٍ آجِلٍ".

أما عن صلاة الحاجة فحديثها لا يصح: فقد أورد الترمذي في جامعه [برقم: 479] وابن ماجه [برقم: 1384، وقال الألباني بأنه ضعيف جدا]، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللهِ حَاجَةٌ، أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لِيُثْنِ عَلَى اللهِ، وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ العَظِيمِ، الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، لاَ تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ، وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ، وَلاَ حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلاَّ قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ. فَائِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ.
مع أنه يُشرع الدعاء والالتجاء إليه ليقضي حاجات الدنيا والآخرة.

المبحث الرابع: التأسِّي بالرسول  الكريم في باب قضاء الحوائج:
        يا أهل اليسار والغنى، ويا أيها الرؤساء، بل ويا عامة المسلمين: رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا في كل ما نأتي ونذر، وقد قال تعالى في هذا: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمَن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا)) [سورة الأحزاب:]، فيجب أنْ نتأسى به في كل شيء، ومنها: قضاء حوائج المحتاجين.




الخاتمة
توصلت إلى طائفة من النتائج المهمة، فأردت تسجيلها باختصار:
أولا: أنّ الحاجة المقصودة في هذا البحث تجمع على حوائج وحاجات، وهي تعني كل ما يفتقر إليه الإنسان ويطلبه، وعلى هذا فهي تتباين وتختلف، ففي الحين الذي يطلب شخص مالا، فآخر يفتقر إلى طعام أو لباس، أو علم أو دعاء أو عافية...
وأما المحتاجون: فهم الفقراء إلى ما يسمى بالأساسيات التي عليها قوام حياتهم كالمال والطعام، وأن مواقفهم تجاه العوز والفقر والحاجة تختلف، فمنهم من يصبر بالذي اختار له ربه ويعتقد أن خيره في بقائه في حالته، إذ الرب حكيم عليم، ثم يسعى في الاكتساب من الطرق التي تحل له ليسد الجوعة. ومنهم من يعجز عن الصبر بحيث يسلك حتى الوسائل المحرمة، الكذب والقتل والسرقة وقطع الطرق والزنا والسؤال، بغرض سد الفاقة. كما مر ذكر الأمثلة في البحث.
        ثانيا: الرسول الكريم عامل كل أطياف المحتاجين جماعات وأفرادًا بمعاملات راقية سعيا لقضاء حاجاتهم، فعامل أهل الصفة الذين لا مأوى لهم ولا طعام بإيوائهم في المسجد، وإطعام من الصدقة، والهدية، بل وتفضيل حاجاتهم الضرورية وحاجات الأرامل وإيثارها على ما هو دونه من حاجة بنته فاطمة رضي الله عنها لما طلبت أنْ يُخدمها من السبْي. وعامل وفد الأشعريين الذين ساءت حاتهم ولبسوا الصوف واحتاجوا بالحث على الصدقة لهم.
        ثالثًا: كما أنه صلى الله عليه وسلم استمع لحوائج أفراد الصحابة رجالا ونساء، وأهمته واهتم بها حتى أخر في دخول الصلاة حينا، ونالته المشقة أخرى في سعيه صلى الله عليه وسلم لقضائها لأصحابها.

        رابعًا: أن للمسلمين القدوة والأسوة فيه في قضاء حوائج المحتاجين، وخاصة الرؤساء وذوي اليسار، وخاصة في الأوضاع الأخيرة التي عاني ويعاني كثير من المسلمين الويلات، حيث تكثر الحاجات ويُهجَّر المسلمون من أماكنهم الأصلية بسبب الحروب والفتن. عافنا الله منها. هذا ما تيسر. والحمد لله، وصلى الله وسلّم على محمد وعلى آله وصحبه.

No comments:

Post a Comment

TSAWATARWA DAGA SHAN TABAR SIGARI (التحذير من شرب الدخان)

TSAWATARWA DAGA SHAN TABAR SIGARI (التحذير من شرب الدخان) Na Shehun Malami Abdul’aziz dan Abdullahi bn Baaz Allah ya yi masa rahama...